ناشد رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية أحمد اوغراس الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون «بعدم التدخل في شؤون تسيير هذا المجلس» وعدم التدخل في قضايا تنظيم الإسلام، وأضاف رئيس هذه الهيئة لتنظيم الإسلام بفرنسا في تصريح لرويتر «على كل شخص الالتزام بدوره». هذه التصريحات هي «رفض لكل وصاية « لرئيس الجمهورية على ثاني أكبر ديانة ببلد فولتير، وقوة هذه التصريحات تكمن في كونها جاءت كرد على تصريحات لايمانييل ماكرون قال فيها إنه يعمل على «إعادة العلاقات بين الإسلام والدولة». هذا ولم نعتد من رؤساء هذه الهيئة مثل هذا الرد على أكبر سلطة بفرنسا وهو قصر الايليزي، خاصة أن هذا المجلس نشأ في أحضان السلطة الفرنسية ومن خلال المشاورات التي نظمتها وزارة الداخلية المسؤولة عن هذا الملف، منذ أكثر من 15 سنة، وذلك من أجل الدفع إلى نشأة إسلام فرنسي يتوافق مع النظام العلماني لفرنسا الذي يفصل بين الدين والدولة، هذه الأخيرة التي تلتزم الحياد في علاقتها بالديانات التي يمارسها الفرنسيون، لكن ماذا حدث حتى يتمرد هذا المجلس على الدولة الفرنسية ويختار رئيسه أحمد أوغراس (وهو فرنسي من أصول تركية) أن يرد على رئيس فرنسا عبر الصحافة ليقول إن تنظيم الإسلام ليس من صلاحياته، وليذكر الرئيس بالفصل بين الدولة والدين كما ينص على ذلك قانون1905 الذي يجعل من الدولة محايدة في تعاملها مع المعتقدات وأصحابها؟ رد الفعل هذا يمكن إرجاع سببه إلى مشاورات الرئيس الفرنسي المكثفة هذه الأيام، مع كل الفئات التي تشتغل حول الدين، من باحثين ومؤسسات بحث وفعاليات دينية، بخصوص إعادة تنظيم الإسلام دون أن يتحدث مع المعنيين به، أي مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، وهو ما أثار تخوفات هذه المؤسسة والمشرفين عليها والتي ينتقدها الجميع اليوم ومنهم من يعتبر أنها لا تمثل أحدا بفرنسا. وكان الرئيس الفرنسي قد صرح للصحافة، منتصف هذا الشهر، أنه «يريد إعادة النظر في الأسلوب الذي تنهجه الدولة في ما يتعلق بالأمور التي تمس تنظيم الإسلام بفرنسا»، وهو ما أثار حفيظة المسؤولين على هذا المجلس الإسلامي الذين لا يرغبون في أن تتدخل الدولة في شؤون عقيدتهم. من جهتها شنت الصحافة الفرنسية، بمختلف توجهاتها، حملة على المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، معتبرة أنه لا يمثل الإسلام الفرنسي بل يمثل، فقط، الدول الأجنبية التي لها جالية مسلمة بفرنسا، وفي هذا الصدد قالت جريدة «لوموند» إن هذا المجلس يضم جيل الهجرة المرتبط بالبلد الأصلي ويغيب عنه الشباب، وأضافت صحف أخرى أن هذا المجلس ليس له أي تأثير على مسلمي فرنسا، خاصة الشباب منهم، مردفة أن ظواهر التطرف والالتحاق ببؤر التوتر بالعراق وسوريا، تتم من خلال الاستقطاب عبر شبكات الانترنيت وأن المساجد ليس لها أي تأثير، سواء في استقطاب الشباب أو نصحهم بعدم الالتحاق بهذه الجماعات المسلحة. إن ما جعل الحكومة الفرنسية تهتم، عن قرب، بهذا الملف، أي تنظيم الإسلام بفرنسا وإعادة فتح هذا الورش من جديد هو هذا الاستقطاب للشباب الفرنسي، سواء من أصول مسلمة أو الفرنسيين الذي التحقوا بالإسلام إضافة إلى الهجومات التي تعرضت لها فرنسا وأودت بحياة العشرات، سواء بباريس أو نيس، وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي ايمانييل ماكرون يصرح بأن تنظيم الإسلام بفرنسا سيكون هذه السنة احد الأوراش الأساسية، وهو أحد أهم القضايا العالقة وأقدمها بفرنسا بكل ما يطرحه ذلك من تعقيدات مرتبطة بهذه الديانة وكذلك لانتماء مسلمي فرنسا إلى أصول وبلدان مختلفة، وأحيانا متنافسة، تضاف إليها بلدان خليجية وإسلامية ليست لها جالية بفرنسا لكنها تريد التأثير على الإسلام بهذا البلد من خلال التمويل بالأساس، فضلا عن التعقيدات الجيو استراتيجية المرتبطة بهذه الديانة، وذلك جراء الحرب الأهلية بسوريا ووضع اللا استقرار بالعراق ولبنان والحرب باليمن والتجاذب السعودي الإيراني من أجل التأثير في منطقة الشرق الأوسط، وتصاعد نفوذ طهران بالمنطقة من خلال التأثير في القرار سواء ببغداد،دمشق أو بيروت والحرب باليمن وإذكاء التوتر بالبحرين، دون الحديث عن والوضع بمنطقة الساحل الإفريقي غير المستقر، فهذه كلها عوامل تجعل الاهتمام بالإسلام بفرنسا يتم على أعلى مستوى، بسبب التأثير الكبير الذي أصبح للإسلام على الوضع الداخلي بباريس بفعل هذا التشابك مع باقي بلدان العالم الإسلامي. ومن أجل تنظيم فعال، قدمت للرئيس الفرنسي عدد من الاقتراحات، منها مثلا مراجعة قانون 1905 في الفصل بين الدين والدولة، الذي لا يسمح بتدخل الدولة كما هو الوضع اليوم، من أجل المساهمة في تنظيم الدولة للحقل الديني، وهو إصلاح ليس سهلا، وربما يجد الرئيس صعوبة في الحصول على أغلبية لتحقيقه. وفي تصريحاته للإعلام قال ايمانييل ماكرون إنه سوف يقوم باستشارات كبرى في هذا المجال، وذلك في أفق تنظيم هذه الديانة في الجزء الأول من سنة 2018، ويبدو أن رغبة الرئيس الجديدة هي تنظيم الإسلام بطريقة جديدة على خلاف ما كان سابقا، وهذا التجديد الذي يرغب فيه الرئيس الفرنسي برز من خلال عدم استدعائه لدليل بوبكر، عميد مسجد باريس، بمناسبة تقديم تهاني نهاية السنة إلى ممثلي الديانات بفرنسا، وهو ما دفع جمعية مسجد باريس إلى مقاطعة كل أنشطة المجلس الفرنسي للديانة إسلامية كرد فعل على قرار الاليزيه، وهي إشارة أيضا إلى رغبة الاليزيه بالدفع بجيل جديد من مسلمي فرنسا، خاصة لدى الشباب الذين ازدادوا ودرسوا بفرنسا، لكن وبقدر ما يحرص ماكرون على تنظيم إسلام فرنسي بوجوه جديدة إلا أنه يهاجم، في نفس الوقت، اللائكية المتطرفة التي جعلت من الإسلام والمسلمين هدفها الأول، من خلال الخلط بين الإسلام والأيديولوجية السياسية للحركات الإسلاموية. لقد أصبح للإسلام في فرنسا اليوم وضع جديد، إذ لم يعد يعتبر ديانة أجنبية، بل أضحى ديانة محلية، وذلك نظرا للحجم الذي أصبح يشكله المسلمون بهذا البلد، فحسب الإحصائيات المتوفرة اليوم، هناك 51 في المئة من المسلمين ازدادوا بفرنسا وثلاثة الأرباع منهم يتوفرون على الجنسية الفرنسية، والهجوم الذي يتعرض له الإسلام، سواء من طرف مثقفي اليمين المحافظين، مثل فنكيل كروت واريك زمور، أومن أقصى اليسار المتطرف مثل ما تقوم به كارولين فوريست، هو ما يطرح صعوبة في النقاش الذي يقسم الساحة الثقافية والفكرية إلى طرفين دون غيرهما، وحسب حكيم القروي،» هناك من جهة الذين يسمون «الإسلاميون اليساريون» الذي يعتبرون أن المسلمين ضحايا يجب حمايتهم ومن جهة أخرى اللائكية المتطرفون والذين يلعبون لعبة الراديكالية في أقصى حدودها ويساهمون في إذكاء التوتر». ويرى حكيم القروي، وهو أحد المشتغلين على قضايا الإسلام أن « النموذج الفرنسي في الاندماج هو نموذج عنيف يتمثل في قمع الأغلبية للأقلية وينتج كراهية كبيرة ومستوى جد مرتفع من الميز، غير أنه في نفس الوقت، النموذج الذي يوجد به أكبر عدد من الزيجات المختلطة بالغرب الأوروبي وكذا دينامية قوية للاختلاط بين السكان»، لكن هذا النموذج الفرنسي بدأ يصل إلى الباب المسدود، ويبرز عجزه عن تقبل الأقلية المسلمة بثقافتها المختلفة، رغم أن مسلمي هذا البلد مندمجون في مؤسساته وفي المجتمع . لقد عرف تنظيم الإسلام عددا من الصعوبات منذ انطلاقه مع وزير الداخلية في حكومة جوسبان جون بيير شوفينمان، ومازال يعيش كثيرا من الصعوبات إلى اليوم، ومن بين أبرز هذه الصعوبات اعتماده الكامل على التمويل الخارجي، مما يجعل منه «إسلاما في فرنسا» بدل إسلام فرنسي، فالتنظيم بشكله الحالي لا يفسح المجال للنساء والشباب الذين ازدادوا ودرسوا بفرنسا، لهذا فلا بد من مؤسسات لتنظيم الإسلام تهتم بالوضع الداخلي وتدمج أكبر عدد من المسلمين في تمثيلية هذا الإسلام، لكن وفي نفس الوقت، لا يمكن لهذا الإسلام الفرنسي أن ينقطع عن أصله ومحيطه، أي عدم القطيعة مع بلدان ينتمي لها أغلب هؤلاء المهاجرين، خاصة تلك التي لها تقاليد وخبرة طويلة في مجال التنظيم الديني وفي نشر إسلام وسطي بالمنطقة وبالعالم . إن عزل الإسلام الفرنسي عن محيطه الجغرافي القريب وعن انتماءاته يمكن أن يؤدي إلى إفشال التجربة الجديدة التي يريدها الرئيس الفرنسي منذ وصوله إلى قصر الإيليزي، والتراشق الكلامي عبر وسائل الإعلام الذي تم بين قصر الإيليزي وبين رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية هو اصطدام لا يبشر بالخير، ويمكن أن يدخل تنظيم الإسلام، من جديد، في أزمة طويلة إذا ما تجاهلت السلطات الفرنسية الاعتبارات المحلية والخارجية في تنظيم هذه الديانة بفرنسا، وأيضا الاعتبارات التاريخية منذ أن تم افتتاح مسجد باريس سنة 1926 من طرف رئيس الجمهورية غاسطون دومارغ وسلطان المغرب مولاي يوسف بن الحسن، اعترافا من الجمهورية ومن جيوشها بسقوط دماء لعشرات الآلاف من المسلمين من أجل الدفاع عن فرنسا أمام الزحف الألماني الكاسح أثناء الحرب العالمية الأولى… وهو ما يعكس العلاقة المعقدة والطويلة بين فرنسا والإسلام.