من بين مميزات دورات المهرجان الوطني للفيلم، أن كل دورة منه تحمل معها الجديد على مستوى الأسماء التي تنخرط لأول مرة في العمل السينمائي، احترافا أو هواية، وأيضا على المستوى البصمة السمعية – البصرية التي تعرض في المنافسة الرسمية أو خارجها، إذا غالبا ما تقدم رؤى وإضافة سينمائية ترتبط بما هو ذاتي أكثر مما هو جماعي مشترك، ومن هذا المنطلق لم تخرج الدورة الحالية على هذا النطاق، حيث أن كل يوم من أيام المهرجان في نسخته 19، إلا وتفرز وجوها شبابية جديدة ، وخاصة على صعيد إخراج الفيلم القصير، الذي كان من بين المحطات الأساسية التي جذبت إليها أنظار المتتبعين، اعتبارا لما تحمله من أفكار و طروحات و تقنيات العمل السينمائي المعاصر.. و هذا الإفراز الجديد لم يقتصر على ما هو شباب سنيا فقط، بل فنيا دون عامل السن، ونقصد هنا ما تضمنته عروض أول أمس الاثنين، وهو الفيلم القصير» يطو» للمخرج نور الدين عيوش،(أكثر من 70 من العمر)، والد المخرج نور الدين عيوش، الذي يشارك بدوره بفيلمه السينمائي الجديد «غزية» في المسابقة الرسمية للفيلم السينمائي الطويل.. «يطو» لنور الدين عيوش.. بصمة سينمائية ما بعد السبعين كان الفيلم القصير «يطو»، التجرية الفيلمية الأولى للمخرج نور الدين عيوش (72)، من الأفلام التي حرص رواد المهرجان على متابعتها، من خلال خصوصية الرجل، وعامل السن، و الارتباط بالعمل السينمائي خصوصا و السمعي البصري عموما، من خلال ابنية نبيل و هشام عيوش.. ، كان ذلك ليس بدافع معرفة تفاصيل الفيلم في حد ذاته، ولكن بدافع معرفة ما تحمله هذه التجرية في هذه المرحلة السنية من العمر… وأسباب ركوبها. «يطو» ، الذي سبق له أن عرض على هامش المهرجان المتوسطي للفيلم القصير، وصرح من خلاله أن توجهه نحو عالم الإخراج لم يكن إلا « قفزة نوعية في مساره بهدف تحقيق حلم طالما راوده منذ الصغر»، يبدو أنه تحقق أمام جمهور عرض تابع أحداث الفيلم ، الذي سردت وقائعه طيلة 25 دقيقة، جسد أحداثها كل من لينا لمارا، إسماعيل القناطر، مارك حجاج، سونيا عكاشة، نادية النيازي، حسن باديدة و زكريا عاطفين من خلال حكاية « يطو» المهاجرة التي تعود من الولاياتالمتحدةالأمريكية لإعادة اكتشاف أطلال الماضي، بعد أن علمت أن والدتها قتلت على يد صهرها النافذ، لتقرر الشابة « يطو» الانتقام.. ويطرح، عبره مخرج الفيلم ،تساؤلات عديدة حول كيفية معاقبة رجل بهذه القوة؟ وكيفية التغلب على إحساسها بالذنب لتخليها عن والدتها بين يديه؟ «روجولة» لإلياس فارس… أم إصرار على الكينونة!! من بين مستجدات الدورة في سياق انخراط الأسماء الشابة الجديدة في العمل السينمائين قدمت الدورة الحالية تجربة أولى أخرى للمخرج إلياس فارس، التي اختار لها من العناوين « روجولة»، التي تقارب من بين ما تقارب ظواهر اجتماعية وقضايا تستاثر وتشغل بال الشباب في المدن الكبرى كالمدينة العملاق الدارالبيضاء، بما تعرف من اكتظاظ سكاني وبطالة الشباب وغيرهما.. وقد حاول إلياس فارس من خلال فيلمه هذا «رجوولة» أن يعكس جانبا من هذه الانشغالات فنيا وفيلميا، عبر شريطه الذي كتب له السيناريو وقدمه في 22 دقيقة، من تشخيص كل من عماد فيجاج وعبد الرحيم التميمي،، الذين استعرضا قصة «عماد» البائع المتجول للأقراص المدمجة المقرصنة، والذي لا يتوفر على المال الكافي لشراء اضحية العيد، فيغتنم هذه الذريعة لاستغلال أخية الصغير المتفوق في دراسته و يجبره على حراسة السيارات على الرصيف المعاكس.. «كيليكيس، دوار البوم» لعز العرب العلوي.. من الضحية و من الجلاد؟؟ بعد تجاربه الوثائقية العديدة و تجريته السينمائية الروائية الأخيرة « أندرومان»، التي حصل بواسطتها على العديد من الجوائز في مهرجانات و طنية و دولية، قدم أمس المخرج عز العرب العلوي المحارزي فيلمه السينمائي الروائي الجديد بعنوان « كيليكيس، دوار البوم»، الذي لم يخرج عادة عن نطاق اشتغال المخرج ذاته في مقاربة مواضيع اجتماعية وإنسانية وسياسية من خلال شخصيات وأماكن وأحداث.. استلهمته و استفزت فكره وكيانه ليخرجها تخييليا أو توثيقيا إلى الوجود. و"دوار البوم»، الذي كتب له السيناريو المخرج ذاته، كما هو في معطيات الفيلم، الذي تمتد أحداثه على مدى 115 دقيقة، هو تجمع سكاني بين أحضان جبال الأطلس الكبير، يقضي سكانه حياتهم في التناوب على حراسة سجن يربطه بالدوار جسر معلق في الهواء على واد سحيق. وشخصيات الفيلم التي تختلف معارفها وتفرقت بها مسارات الحياة وتنوعت مصائرها تجبرها الأقدار على أن تكتشف حقيقة أن «دوار البوم» ما هو في واقع الأمر إلا سجن كبير يضم الجميع، سجناء وحراسا وأسرا، في مكان واحد وقد شخص أدوار الفيلم كل من الفنانين محمد رزين وأمين الناجي وحسن باديدة وكمال كاظمي، ونعيمة المشرقي وراوية وأسماء الساوري ومحمد بوصبع ومحمد الصوصي العلوي وكنزة فريدو وجمال لعبابسي ومحمد طوير الجنة وحميد نجاح وعبدو المسناوي. «منزل الحقول» لتالا حديد.. حكاية من جبال ألأطلس بصيغة المؤنث بعد تتويج فيلمها الروائي الطويل «إطار الليل» بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة في دورات سابقة وفي غيره من المهرجانات الدولية والوطنية ، عادت المخرجة البريطاني- العراقية والمغربية الأصل، إلى ذات المهرجان بفيلم سينمائي جديد وهذه المرة بنكهة وثائقية حملت عنوان «منزل الحقول» (93 دقيقة)، كانت عبارة عن استمتاع سينمائي فيه تحكم في اللغة السينمائيةن النابعة من دراسة وتكوين عال للمخرجة وهي ترصد قصة أختين تعيشان في قرية تقع وسط جبال الأطلس العالية، حيث تتقاطع التقاليد مع إرادة التغيير، ويختصر موضوع الفيلم الصراع بين الحداثة والتقاليد، حيث تطمح احدى الشقيقتين بأن تكمل دراستها فيما تحضر الاخرى لحفل زفافها…، وذلك بكل ما يحمله الموضع من تقلبات اجتماعية..
عاطفي، بن، الجوهري و السالمي يناقشون عروضهم بالمهرجان من الفقرات المميزة عادة في فعاليات المهرجان الوطني للفيلم، فقرة مناقشة الأفلام السينمائية المشاركة في المسابقتين الرسميتين في الفيلم الطويل والقصير، والتي تنظم بعد عرض الأفلام على جمهور المهرجان. وما أعطى لهذه الفقرة جدية أكثر ومتعة ورغبة في المتابعة أكبر في هذه الدورة، هو الفضاء الذي تم اختياره لإجرائها، حيث وقع اختيار اللجنة المنظمة على فضاء سينما «روكسي» البديعة، بدل قاعات الفنادق، الشيء خلق انسجاما وتناغما بين طبيعة الحضور والمكان و الموضوع.. «يارازيد» لحمزة عاطفي: السينما من أجل السينما كشف المخرج الشاب حمزة عاطفي، ابن الفنان زكريا عاطفي، الذي افتتح مناقشات الفترة الصباحية للأفلام المعروضة بالدورة 19 للمهرجان الوطني للفيلم اول أمس الاثنين، أن تجربته الفيلمية هاته تعد الثانية في مشواره الإخراجي القصير، بعد الفيلم الأول الذي حمل عنوان «عيون أبيك»، وأضاف أن الفيلم القصير «يارازيد»(17 دقيقة) انطلقت فكرته وكتابته عندما كان متواجدا بكل من بلجيكا وفرنسا بعد استلهامها من خلال قراءاته الصحفية، ومن ثمة شرع في إسقاطها على واقع فيلمي جسده بكل تمكن الفنانتين صونيا عكاشة مونية ماكري والفنان رشيد الوالي، الذي أوضح عاطفي بخصوصه أنه رفض في البداية المشاركة في هذا الفيلم، ليس من منطلق عدم الاقتناع بفكرته، التي استحسنها كثيرا، ولكن من منطلق، أنه ليس مؤهلا ليخرج كل ما في جعبته لإبرازها لاعتبارات لغوية (اللغة الفرنسية) بالدرجة الأولى وبإلحاح مني طيلة عشرة أيام – يقول عاطفي – قبل الوالي المشاركة التي كانت لامعة وحققت الإضافة النوعية لهذا العمل، الذي تم تصويره في يومين، وفي معرض رده على أسئلة المتدخلين من النقاد ورواد المهرجان أفاد عاطفي أنه حرص على وضع اللمسة الإخراجية في المرتبة الثانية رغبة في إيصال الحوار و الحكاية كما كنت أريد، وهو الشيء الذي عكسه المشهد الاختتامي للفيلم. «ألس» لفيصل بن: اغتصاب الطفولة الفيلم القصير الثاني ، الذي كان موضوع مناقشة في ذات صبيحة الاثنين، كان هو فيلم «اليس» (16دقيقة) للمخرج الشاب فيصل بن، الذي كشف بالمناسبة، أن دوافع إخراجه لهذا وكتابته للسيناريو، كان هو ما صدمه أثناء قراءته لإحدى المقالات الصحفية بمدينة أكادير تتحدث عن اغتصاب شخص يبلغ من العمر 35 سنة لطفلة صغيرة بعد قتلها. وأضاف المخرج أن مقاربته لهذا الموضوع كان بدوافع التأثير السلبي جدا الذي تركه في نفسيته..، وقد جسدها في العمل من خلال العديد من الرسائل والإيحاءات والرموز العديدة والمختلفة، كما أوضح أن هاته المقاربة لا تعالج كثيرا على المستوى السينمائي المغربي والسمعي- البصري عموما. «رقصة الرتيلاء» لربيع الجوهري: الاستفزاز قال المخرج الشاب ربيع الجوهري في معرض مناقشة فيلمه السينمائي الطويل الأول « رقصة الرتيلاء»، أن فيلمه يهدف إلى الاستفزاز الإيجابي للمتفرج، لكي يتفاعل مع الصورة التي أمامه لا فقط استقبالها بطريقة تجعله مستهلكا فقط. وأضاف أن الفيلم الذي، هو مستمد من المسرحية الشهيرة «الموت والعذراء» لأرييل دورفمان، انطلقت فكرة أنجازه منذ عشر سنوات، اشتغل فيها على منهجية سينمائية ذات بعد مغربي من خلال الاعتماد على السرد و الاسلوب الأدبي ( العربية الفصحى).ى موضحا أن الرؤية التي وجهت فيلمه هذا هي أولا رؤية موضوعيىة ، وثانيا رؤية ذاتية، حيث تم العمل على المقاربتين معا في « حركة حلزوينة تجمع بين الموضوعي و التاريخي و المشترك و بين الذاتي و العرضي و الفردي للوصول إلى إلى معادلة فلسفية بعد التأمل في الخريطة الجينية و الفسيفساء المغربية.: وأضاف الجوهري في معرض حديثة و أجوبته حول فيلمه، التي استعرض فيها الكثير من مفاهيم الأعلام الفكرية و الفلسفية و المسرحية العالمية..، التي يبدو أنه لم يلتقطها الكثير ممن كان في القاعة « روكسي»، أنه اشتغل أيضا في فيلمه هذا مقاربة جديدة لإدارة الممثل، إذ اعتمد على منهجية تتجاوز الأداء المتكلف، بحثا عن طريقة أداء طبيعية وعفوية.. « مؤكد أن « رقصة الرتيلاء « بهاته الشكل و المضمون لا يقدم عبره دروسا و لا مواعيض و أنما هو فيلم مستفز للجمهور لإعمال الفكر و العقل لتفكيك الخيوط و استخلاص المقاصد، التي تكون ذاتية و شخصية… هذا ، وقد كانت بعض التدخلات حد حادة تجاه الفيلم باعتباره فيلما جد نخبوي وإنجازه كان تحديا كبيرا من قبل المنتج و المخرج، كما أن اعترته العديد من العيوب خاصة على مستوى الصورة والصوت، وأنه كان عبارة سينما ممسرحة بكل من تحمله من شروط وتقنيات… وراد على هذه الانتقادات اختزل ربيع الحزهري تدخله أن السينما عمل إبداعي ذاتي بامتياز، ولا بد أن يخلق الاختلاف، لان السينما ليست من العلوم الحقة. «دموع الرمال» لعزيز السالمي: الضحية و الجلاد.. استهل مخرج «حجاب الحب» عزيز السالمي، حديثه عن فيلمه السينمائي الجديد «دموع الرمال» بكون فكرته كانت ثمرة حضوره في لقاءات حول القضية الوطنية وخاصة لقائه بالسيد عبد لله لاماني، وكذلك قراءاته للعديد من الكتب حول الموضوع، من ثمة «قررت – يقول السالمي – مقاربته سينمائيا، واستحضرت فيه قضية أناس اختطفوا إلى معتقلات تندوف وليس إلى مخيمات تندوف وبدون محاكمة وخضعوا لتعذيب شديد»، مطالبا أن يعتني زملاءه بهذا الموضوع لأن فيه معاناة وحكايات فظيعة يصعب أن تمحى من الذاكرة». كما أوضح السالمي أن فيلمه هذا ليس فيلما وثائقيا او تاريخيا وإنما هو فيلم إنساني تجمعت عناصره من خلال أفكار و خلاصات ولقاءات وقراءات تقولبت في قالب تخييلي يجسد هروب الأسرى المغاربة من داخل معتقلات تندوف، حيث كانوا يتعرضون لمختلف أشكال الإساءة والتعذيب. هذا، الاستعراض من طرف السالمي، وقبله متابعة العرض، كان منتظرا، أن يخلق ردود أفعال قوية من طرف البعض، بالنظر لحساسية المقاربة، التي كان الجميع يؤمن باهمية مقاربتها، لكن طريقة المعالجة خلقت، نسبيا، أجواء مشحونة بين المخرج و بعض المتدخلين أغلبها كانت في أمور تقنية أو شكلية تأثيثية لمجريات الفيلم، ولولا وجود المختطف السابق عبد لله لاماني، الذي شارك في بطولة هذا الفيلم، واعطى نوعا من المصداقية الواقعية، لأخذ النقاش حدة أكبر وأبعادا أخرى