بداية دكتور، هل نحن مجتمع شاب أم أنه يشيخ ويغلب عليه المسنون؟ الجواب عن هذا السؤال يحيلني على إحصائيات تقريبية في هذا الصدد تتحدث عن وجود حوالي 3 ملايين مغربي يبلغ سنهم 60 سنة فما فوق، وتشير التوقعات الديموغرافية إلى أن هذا الرقم سيرتفع خلال السنوات المقبلة ليصل إلى 5.8 ملايين مواطن في 2030، وفي سنة 2040 سيتجاوز عدد المسنين لأول مرة في المغرب عدد الأطفال أقل من 15 سنة، الأمر الذي سيحدث تغييرا في تركيبة الهرم السكاني للمغرب، وهو تحول ديموغرافي مهم، لن يشهده المغرب لوحده وإنما سيشمل العديد من الدول سواء المتقدمة منها أو السائرة في طريق النمو. إلا أن الملاحظة التي يمكن تسجيلها هي في كون شيخوخة المجتمع في الدول المتقدمة تأتى لها وقت زمني عبر سنوات لكي ترتفع نسب0تها وتم الإعداد لها ولهذا التحول الديموغرافي، ففي فرنسا مثلا وصل عدد المسنين إلى ضعف الرقم الذي كان مسجلا من 7 إلى 14 في المئة، لكن على امتداد حوالي 100 سنة، في حين أنه في المغرب الرقم يتضاعف في ظرف أقل من 30 سنة، والذي سينتقل من مليونين و 400 ألف مسن في سنة 2004 إلى 5.8 ملايين في 2030، وعليه فإن المغرب هو غير مستعد لهذا التحول الديموغرافي، سواء من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية، وكذلك الأمر بالنسبة للجانب الصحي، وذلك نظرا لأن له أولويات أخرى في هذا الإطار كالتقليص من أعداد وفيات الأمهات، ومحاربة الأمراض التعفنية التي تعرف انتشارا كالسل، على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي يتفاقم هذا المشكل الذي يحتاج إلى رعاية خاصة. أما بخصوص تعريف المسن، فليس هناك توافق علمي حول سن معين، نظرا لأن هناك ظروفا اقتصادية واجتماعية وحتى بيولوجية هي التي تتحكم في الأمر، لكن المتعارف عليه هو انه ابتداء من 65 سنة، يمكن اعتبار أن الشخص مسن إذا ماكان يعاني من أمراض مزمنة، أو عند سن 75 سنة حين يتعلق الأمر بشخص لايعاني من أية أمراض مزمنة، فهناك من يبلغ سنه 80 سنة ولايزال مستقلا وقادرا على الحركة والفعل دون أي مشكل.
ما هي طبيعة الأمراض التي يكون المسنون عرضة لها؟ مع التقدم في السن، يكون المسن أكثر عرضة للأمراض خاصة منها المزمنة، وتعد أمراض القلب والشرايين أكثرها انتشارا، كالضغط الدموي، فابتداء من سن 75 سنة، 70 في المئة من المسنين يكونون مصابين بهذا المرض، كذلك هناك مرض السكري، ثم هناك أمراض تصيب خلايا الدماغ، كمرض الخرف أو الزهايمر، الذي ينتشر بشكل كبير عند المسنين، إذ يقارب عدد المصابين به في المغرب ما بين 100 و 150 ألف مريض، فابتداء من 65 سنة، يمكن ل 5 في المئة من الأشخاص أن يصابوا بهذا المرض، وتنتقل هذه النسبة إلى 10 في المئة ابتداء من 75 سنة، ثم ترتفع إلى 20 في المئة ابتداء من 85 سنة. بالإضافة إلى ما سبق هناك أمراض أخرى كمرض الرعاش الذي يعرف بمرض باركنسون، وكذلك أمراض تصيب العظام والمفاصل، ومنها مشكل هشاشة العظام، ومشكل الغضروف، ثم هناك أمراض أخرى منتشرة لكن بحدة اقل، كأمراض الجهاز الهضمي ، سواء تعلق الأمر بسوء الهضم أو الإمساك، علما بأن المسنين هم أكثر عرضة لسوء التغذية، فضلا عن المشاكل في الجهاز البولي ومنها انتفاخ «البروستات»، والسلس البولي الذي يعد مشكلا كبيرا للمسنين. هل نتوفر على مؤسسات صحية خاصة بعلاج المسنين؟ للأسف ليست هناك ولو مصلحة صحية استشفائية واحدة تهتم بالمسنين لتقديم الرعاية الصحية للمريض المسن، سواء في المراكز الاستشفائية الجامعية أو بباقي المؤسسات الصحية، بل إن الأطباء المختصين في هذا المجال لايتجاوز عددهم على الصعيد الوطني 10، 3 في الدارالبيضاء والباقي متفرقون على عدد من المناطق كالرباط، القنيطرة، طنجة ...، وهو خصاص كبير ومهول، لكون هذا التخصص لم يحظ بعد بالأهمية اللازمة محليا، كما أن المتخصصين الموجودين هم أطباء في الطب الباطني الذين استفادوا من تكوين في فرنسا في هذا الصدد بفضل شراكة مع وزارة الصحة، لكن توقف هذا التكوين في سنة 2008 . وضعية تزداد تفاقما إذا ما علمنا أن حوالي 16 في المئة فقط من المسنين هم من يتوفرون على تغطية صحية، في حين أن 84 في المئة لايتوفرون على أية تغطية صحية؟ بالمقابل من الناحية الاجتماعية، هناك مراكز لإيواء المسنين المتخلى عنهم أو الذين يوجدون في وضعية صعبة ويعانون من الفقر، إذ يوجد حوالي 40 مركزا على الصعيد الوطني، 3 منها في الدارالبيضاء، بكل من عين الشق، النسيم، وتيط مليل، إلا أن الملاحظة التي يمكن تسجيلها في هذا الصدد تتجلى في كون عدد من المسنين يودعون إلى جانب مرضى نفسانيين، ومشردين، ... الخ، مما يؤثر عليهم سلبا، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر في سبل القبول بهذه المراكز وفي القانون 14.05، وهو ورش كبير يجب فتحه. من جهة أخرى، هناك مراكز للاستقبال اليومي للمسنين،على غرار دور الشباب، تفتح الباب للمسن لقضاء اليوم في أنشطة مختلفة، تضمن التواصل الاجتماعي مع أشخاص من نفس الفئة العمرية، وتخلق نوعا من الحميمية التي قد يفتقدها المسن في وسطه الأسري، إلا أن عددها قليل، 2 في الدارالبيضاء وواحد بمكناس، نموذجا. الزهايمر هو من بين الأمراض التي تحدثتم عنها، فهل هو مرحلة طبيعية من مراحل الشيخوخة؟ الزهايمر هو مرض العصر ، كما يسمى حاليا، فجميع الدراسات والأبحاث تؤكد على أن المرض يتفاقم بشكل كبير، وذلك نظرا لشيخوخة المجتمعات، إذ يقدر عدد المصابين بهذا الداء عبر العالم بقرابة 36 مليون شخص/مريض. أما في المغرب فوفقا للأرقام التقريبية، فإن عدد المرضى يتراوح مابين 100 و 150 ألف مريض، إلا أن الرقم الفعلي قد يكون أكثر من هذا، وذلك انطلاقا من المؤشرات الميدانية وكذا نتيجة لغياب دراسات مضبوطة في هذا الصدد. ويفرض الزهايمر تحديات على المجتمع يتعين عليه مواجهتها إن على المستوى الصحي، الاجتماعي والاقتصادي، وهي الإكراهات والصعوبات التي تتطلب تعبئة جماعية قوية للتخفيف من حدة وتداعيات المرض على المرضى وعلى المجتمع ككل. أما بالنسبة للسؤال حول إن كان الزهايمر مرحلة طبيعية من مراحل الشيخوخة ، فأؤكد لكم العكس، لأن عددا كبيرا من المسنين لهم ذاكرة طبيعية ، بل وجيدة، وهناك أمثلة على ذلك، سواء في المشهد اليومي العادي، أو بالنسبة لفعاليات وشخصيات لها وزنها وقيمتها على صعيد المشهد السياسي، والثقافي ...الخ. لكن ذلك لايلغي أن التقدم في السن يشكل أحد العوامل الرئيسية للمرض، سيما حين يطرح مرض ارتفاع الضغط الدموي، أمراض القلب والشرايين، داء السكري، دون إغفال الجانب الوراثي، فنسبة 5 في المئة من الأشخاص الذين لهم قريب مريض بالزهايمر يمكن أن يصابوا بدورهم بهذا الداء، وينضاف إليهم الأشخاص الأميّون أو من لهم مستوى ضعيف من التمدرس، وهنا أود أن أشير إلى أنه إذا كانت الرياضة مفيدة لصحة الجسم، فإن الرياضة الذهنية هي جد مهمة بالنسبة للدماغ ، وبالتالي تفادي مرض من هذا القبيل. ماهي المشاكل التي يواجهها المريض؟ هناك عدة مراحل يمر منها المريض وكل مرحلة تتميز بمشاكل وأعراض بعينها، ففي البداية يعاني المريض من مشكل يسمى بذاكرة التثبيت، والإقدام على الحركة والفعل ونسيانه، كوضع شيء في مكان ما وعدم تذكر موضعه، وكذا تكرار السؤال ذاته بخصوص موضوع معين رغم الحصول على جواب بشأنه، علما بأنه ليس كل من ينسى فهو مريض بالزهايمر، وإنما قد يرجع ذلك إلى ضغوط المشاكل اليومية المتعددة التي قد تعترض كل شخص من قبيل الضغط، الإرهاق، قلة النوم، ومجموع العوامل النفسية، لكن عموما يؤثر هذا الداء في الحياة اليومية للمريض على صعيد كل المناحي. وجدير بالذكر أن المصاب بالزهايمر بإمكانه في مراحل معينة من المرض، تذكر تفاصيل دقيقة عن أحداث ووقائع يعود عمرها إلى ما فوق 30 سنة، عكس بعض الأحداث القريبة جدا، لكن مع تطور حدة ودرجة المرض ينتقل المريض إلى المرحلة الثانية وخلالها تصبح تلك الذكريات القديمة غير قابلة للتذكر بالنسبة له، بل إنه يصبح غير قادر على التمييز بين أفراد الأسرة والأقارب، ويصل بالمريض الأمر إلى حدّ نسيان الزوج/الزوجة والأبناء، ويتطور الأمر إلى اضطرابات نفسية فالانغلاق والانعزال عن المجتمع، وذلك نتيجة للإحباط الذي يتطور إلى اكتئاب. ومن المشاكل التي تواجه المريض بالزهايمر أيضا نجد عدم قدرته على القيام بأمور بسيطة في الحياة، مثل ارتداء قميص أو حذاء، وكذا عدم القدرة على التركيز والصعوبة في الكلام، تثاقل الحركة وصعوبة المشي، عدم القدرة على الحساب، بل وحتى القدرة على التعرف على قيمة الأوراق النقدية تنعدم، وصولا إلى المرحلة الثالثة من المرض والتي تتميز بفقدان كلي للاستقلالية، وذلك بطريقة تدريجية. كما أنه نتيجة للجلوس في البيت بفعل المرض وتداعياته يتعرض المريض للتعفنات والتقرحات بفعل ملازمة الفراش، الاجتفاف، سوء التغذية. وإجمالا فإن الزهايمر هو مرض خطير يصيب المريض وتعاني أسرته ومحيطه من تداعياته، فهو من الأمراض الأكثر تأثيرا على العائلة والمحيط مع أمراض أخرى كالسرطان.
كيف يجب التعامل مع المصاب بالزهايمر من طرف أسرته؟ هنا يجب أن أوضح أن من يتعامل مع المصاب بالزهايمر يجب أن يكون على علم ودراية بالمرض ومضاعفاته وبالكيفية الصحيحة التي يجب التعامل بها مع المريض، وأن يكون مهيئا نفسانيا للقيام بذلك ومكوّنا في هذا الصدد، وله الوقت الكافي للقيام بهذه المهمة بسعة صدر وبرحابة دونما تشنج أو انفعال، علما بأن المريض قد لايشكل خطرا على نفسه وعلى سلامة جسده فحسب وإنما قد يشكل خطرا حتى على المحيطين به، وبالتالي فإنه من غير المقبول مثلا الصراخ في وجه المريض في موقف من المواقف أو الاستهزاء منه بداعي أنه لايعي بما يدور أمامه، فالشخص المصاب بالزهايمر وإن كان معتلا، فإن له شخصيته وكرامته اللتين يجب احترامهما والحفاظ عليهما، وبالتالي وجب مسايرته في كلامه إلى حين إرجاعه إلى الصواب بشكل سلس، لأن من شأن هاته التصرفات وقوع مضاعفات تكون أكثر وقعا عليه مقارنة بالشخص العادي. من جهة أخرى يطرح مشكل كبير بالنسبة لهؤلاء الأشخاص/الأقارب الموكولة لهم مهمة العناية والاهتمام بالمريض المصاب بالزهايمر، إذ أن قرابة 40 في المئة من المساعدين يصابون بالإعياء والتذمر والإحباط ويتطور الأمر عندهم إلى حالات من الاكتئاب، وبالتالي وجب توجيه أفراد أسر المصاب وتقديم النصائح إليهم، وحثهم على حضور جلسات الحوار والتواصل المخصصة لهذا الغرض، والتي يتم خلالها الاستماع إلى المشاكل والاطلاع على درجات المعاناة التي تتكبدها هاته الأسرة مقارنة بأخرى، إذ من شأن ذلك التخفيف من حدة الوقع النفسي، وإسداء النصح وشحذ الهمم والعزائم من أجل مواكبة ومصاحبة إيجابية للمريض.
هل هناك أي جديد في علاج هذا المرض؟ ليس هناك أي علاج ناجع وشاف بشكل قطعي ونهائي لمرض الزهايمر، لكن كلما كان العلاج مبكرا، كلما أمكن التقليل من حدة مضاعفاته، وهنا أود أن أشدد على أن الأدوية الخاصة بالمرض يجب التعامل معها بشكل مضبوط على مستوى المقادير وبشكل تدريجي وفقا لمراحل تطور درجات المرض، فهناك للأسف حالات لأشخاص يتناولون الأدوية التي هي ذات مفعول قوي بشكل عشوائي أحيانا فقط بغاية التخفيف من حدة توترهم وانفعالهم، لأن الهاجس الذي يتحكم فيها هو التقليل من حدة حركة المريض، وهو ما يؤثر على وضع المرضى الصحي وعلى استقلاليتهم ويقيد حركتهم ويجعلهم طريحي الفراش. وخلافا لذلك يجب الحفاظ على استقلالية المريض وحركيته وحيويته مع دواء يمكن من منحه الراحة.
ارتباطا بجوابكم، أكدت إحدى الدراسات على أن تناول حبوب منومة وأدوية ضد القلق د يؤدي إلى الإصابة بالزهايمر، ما هو تعليقكم على ذلك؟ بالفعل فإن تناول هذا النوع من الأدوية بصفة مستمرة له مضاعفات على صحة الأشخاص المرضى بالزهايمر وغير المصابين بهذا الداء على حدّ سواء، وبالتالي فإن الوصفات الطبية العلاجية يجب أن تكون مضبوطة المقادير ومحددة المدة، تفاديا لأية مضاعفات غير مرغوب فيها ، وتنطوي على مخاطر متعددة، فعند الإكثار من هاته الأدوية فإن المصاب بالزهايمر يمكن أن تتطور عنده وتتضاعف حدّة المرض ووقعه، كما أن الأشخاص غير المصابين يمكنهم بالفعل أن يصبحوا مرضى بهذا الداء، وبالتالي وجب اعتماد الحيطة والحذر من هذه الأدوية التي تستهلك بكثرة بكل أسف.