عرّت الاستعدادات لتنظيم المناظرة الوطنية الثانية للدواء والمواد الصحية، المرتقب أن يحتضنها المركز الدولي محمد السادس للندوات غدا الجمعة 23 ويوم السبت 24 فبراير الجاري، عن تدبير يلفّه الكثير من الغموض، إذ نُعتت هذه المناظرة بكونها بمثابة «الشجرة التي أخفت على امتداد سنوات غابة من الأسئلة»، بل إن هناك من وصفها ب»ورقة التوت» التي سقطت فكشفت عن جملة من التساؤلات المرتبطة بحدود العلاقة التي تجمع عددا من مختبرات الصناعة الدوائية بالإدارة من جهة، وبالمهنيين من جهة أخرى، سواء كأشخاص أو كتنظيمات، ومدى تأثير ذلك على استقلالية وحيادية اتخاذ عدد من القرارات، كالتراخيص وغيرها، وعلى توجيه المواطنين لاستهلاك أنواع معينة من الأدوية، الأمر الذي يجب التعامل معه بكامل الجدّية والحيادية، وتسليط الضوء على تفاصيله ضمانا للشفافية وبعيدا عن أي شكل من أشكال التشكيك المجاني والاستهلاك الكلامي. مناسبة القول، فاتورة تمويل تم تداولها، وجهتها الشركة المشرفة على تنظيم التظاهرة من خلال مديرية الأدوية بوزارة الصحة، والتي عملت على فوترة استعمال رواق بنفسٍ إشهاري بمبلغ 200 ألف درهم لأحد المختبرات، الأمر الذي خلق ضجّة ورجّة، انفردنا في «الاتحاد الاشتراكي» بالتطرق إليها، قبل أن تصبح حديثا متداولا تحت قبة البرلمان، مما دفع بوزير الصحة للتدخل ووضع حد لهذا النقاش من خلال اتخاذه لقرار بمنع كل رواق «ستاند» يحمل هوية أحد المختبرات. تدخل وزاري قد يكون عبارة عن ردّ فعل طبيعي، وقد يكون اتخذ تحت تأثير الضغط واللبس المطروح، إذ كان من الممكن ألا يسجّل أي تحرك لو لم يتم تسليط الضوء على هذا الموضوع، وهو ما يحيلنا للتساؤل عن أروقة أخرى لعدد من شركات الصناعة الدوائية التي لايقتصر حضورها على مناسبة رسمية منظمة من طرف وزارة الصحة فحسب، بل تتواجد في عدد من التظاهرات التي تشرف على تنظيمها تنظيمات نقابية وجمعيات مهنية لأطباء ولصيادلة، تضخ مبالغ مالية في ميزانيتها، مساهمة منها في تنظيم هذا الحدث أو ذاك، وتشكل تلك المناسبات فرصة للحضور والتواجد، والكشف عن المستجدات، وتقديم الهدايا، والإعلان عن تخفيضات معيّنة، وغيرها من التفاصيل الأخرى التي تستلزم إيضاحات شافية، رفعا لكل لبس وغموض؟ وضع يسائل العلاقة كذلك بين بعض الأطباء وبعض المختبرات، سيّما حين يصف طبيب أدوية مصنّعة من لدن مختبر بعينه، أو التأكيد على اقتناء أدوية أصلية رغم وجود الجنيسة، هذه العلاقة التي يرافقها نقاش في الكواليس، تبرزه بعض الأرقام والمعطيات التي تهم كمّ الأدوية التي استطاعت هذه الشركة بيعها في هذه المدينة أو تلك، واختلاف الأرقام فيما بين المناطق، حيث تسعى كل واحدة إلى إثبات وجودها وضمان حضور قوي، تترجمه كذلك التنافسية ليس في التسويق والإشهار فحسب، بل حتى في الإعلان عن الوصول إلى أدوية علاجية جديدة لمرض واحد، متى كشف مختبر عن توصله إلى دواء بشأنه إلا وخرج آخر أو اثنان لعرض دواء مماثل بتركيبة مختلفة، في ظرف زمني وجيز، قد لايتجاوز الشهر الواحد، في الوقت الذي تعيش الصيدليات على إيقاع اختفاء عدد من الأدوية التي يكون المواطنون المرضى في حاجة لها، فقط لأنها لم تعد تدرّ هامشا مناسبا للربح بعد الانخراط في مسلسل تخفيض الأسعار الذي لم ترافقه إجراءات مواكبة، مما كانت له جملة من التبعات على الصيادلة وعلى المواطنين الذين باتوا محرومين من الولوج إلى الدواء! إن الحديث عن الأمن الصحي للمواطنين، ليس بحديث عابر، والولوج إلى الدواء الفعال والناجع، بعيدا عن كل أشكال التأثير، هو حقّ دستوري وكوني، ونحن أمام مجال وجب تحصينه من كل شائبة قد تعلق به، وتمنيعه وتأطيره أكثر فأكثر، حتى لايكون موضوع مزايدات كيفما كان نوعها وطبيعتها.