في المنتدى البرلماني الدولي الثالث حول «رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجديد»
قال الحبيب المالكي، رئيس مجلس النواب، «لقد أدرك المغرب الأهمية المركزية للعدالة الاجتماعية والمجالية في ترسيخ الديموقراطية ودولة القانون، فعمل على التنصيص عليها في الدستور حتى تكون هدفا ملزما للجميع وأفقا التقائيا للسياسات العمومية، إدراكا منه لضرورة إعطاء الديمقراطية مضمونها وبعدها الاجتماعي والمجالي، واستيعابا للأجيال الجديدة لحقوق الإنسان». وأضاف المالكي في كلمة له بمناسبة الجلسة الافتتاحية المتعلقة بالمنتدى البرلماني الدولي الثالث، المنظم أول أمس بمقر مجلس المستشارين، حول موضوع « رهانات العدالة الاجتماعية والمجالية ومقومات النموذج التنموي الجديد»، «لقد أعطى التنصيص في الدستور على العدالة الاجتماعية والمجالية للإصلاحات الدستورية والمؤسساتية في المغرب بُعْدَ التنوع وجعلها تتجاوز المقاربة الاختزالية لبعض النماذج المقارنة في الإصلاح الدستوري والتي تختزل الإصلاح في المؤسسات وتنظيم العلاقات في ما بينها». وفي ذات السياق سجل المالكي أن دستور المملكة نص على عدد من المقتضيات والهيئات التي من اختصاصاتها الحرص على إعمال العدالة الاجتماعية والمجالية في مختلف أبعادها وتجلياتها. مبرزا تلك الخصوصية الأخرى في نموذج الإصلاحات في المغرب، ذلك أن الديموقراطية أكبرُ وأنبل من أن تختزل في الانتخابات فقط، أو في علاقات منظمة بين السلط والمؤسسات، إنها حقوق واستفادة منصفة من خدمات المرفق العام، ومن الثروات. إنها تكافؤ فرص في الولوج إلى التعليم والصحة والشغل والثقافة والمعرفة. وشدد المالكي بهذا الخصوص على أن هذا المضمون للديمقراطية هو الذي يكفل استدامتها وترسخها وتطورها وانخراط المواطنات والمواطنين فيها بالدفاع عنها وبالمشاركة المواطنة الإرادية الواعية في الشأن العام، انتخابا واقتراحا ونقدا وتقييما، وعلى العكس من ذلك، فإن الإقصاء أو الحرمان المتمثل في تعميق الفوارق يؤدي إلى النفور من المؤسسات والعزوف عن المشاركة السياسية ويهدد التماسك الاجتماعي. وأشار المالكي بنفس المناسبة إلى أن المغرب نجح بفضل ما راكمه من إصلاحات دستورية ومؤسساتية وسياسية، في الحسم النهائي لإشكالية السلطة وهو ما تجسد منذ أول دستور مغربي في تكريس التعددية، وفي الالتفاف حول الملكية التي تعد تلك اللحمة التي تجمع المغاربة على اختلاف مشاربهم السياسية وانتماءاتهم المجالية. ويعتبر هذا الوضع من مميزات المغرب ويجسد تفرده في محيط إقليمي مضطرب مازالت العديد من بلدانه تعيش أزمة نموذج الحكم وأسئلة الهوية. ولفت المالكي الانتباه بلغة تأكيدية، إلى أن هذا التطور، وهذا التميز يحتاج إلى رافعات اقتصادية تمكنت البلاد من توفير البعض منها، على أن نموذج التنمية الذي استنفد أغراضه وحقق مجموعة من المكاسب، يحتاج، كما أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس، إلى التقييم من أجل بلورة نموذج آخر، يأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الاجتماعية والمجالية. وأكد رئيس مجلس النواب كذلك أن هذه الإنجازات السياسية والاستقرار المؤسساتي وانتظام الانتخابات واعتماد مبدأ الاقتراع الحر في اختيار المؤسسات التمثيلية، في حاجة أيضا، وبالأساس، إلى رافعات أقوى متمثلة في العدالة الاجتماعية والمجالية، وهو مطلب تعبر عنه الاحتجاجات التي عرفتها وتعرفها بعض مناطق المملكة، احتجاجات تجسد بدورها حيوية المجتمع المغربي ويقظته من جهة، وتؤكد على ترسخ مناخ الحرية واحترام حرية النقد والاحتجاج في إطار القانون والضوابط التنظيمية والحرص على احترام الطابع السلمي للاحتجاج. وسجل المالكي أن البرلمان، كان وينبغي أن يكون، أحد الفضاءات المؤسساتية للتفاعل الإيجابي مع المطالب الاجتماعية وللنقاش الهادئ والمسؤول لهذه المطالب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. مبرزا في نفس الوقت حرص البرلمان على مواكبة الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية، وعلى أن يكون لها الصدى اللازم في المؤسسة، إذ شكلت الاحتجاجات والمطالب التي رفعتها، وفي مقدمتها العدالة الاجتماعية، موضوعا أساسيا في الجلسات الرقابية العمومية للمجلس، ومنها الجلسات المخصصة للسياسات العمومية التي يجيب فيها رئيس الحكومة عن أسئلة أعضاء المجلس. واعتبر رئيس مجلس النواب أن هذه المنهجية هي السبيل الأنجع للوصول إلى حلول للمشكلات الاجتماعية المطروحة، لأن الحوار المؤسساتي هو ما سيمكن من إيجاد الحلول والتوافق بشأنها وضمان تنفيذها، وهذا جزء من المهام والأدوار التي ينبغي أن تنهض بها المؤسسات. وذكر المالكي في إطار إعمال الاختصاص البرلماني الذي نص عليه دستور2011، بتخصيص مجلس النواب مهمته الأخيرة بشأن تقييم السياسات العمومية لموضوع الطرق وفك العزلة عن المناطق الجبلية، وقد مكن هذا التقييم من تشخيص المكتسبات في هذا المجال، ولكن وبالأساس تشخيص الاختلالات والحاجيات في قطاع ومرفق حيوي بالنسبة لمواطني المناطق الجبلية واقتراح عدد من التوصيات نعتبرها دعوة لصياغة وتنفيذ مخرجات لسد العجز المسجل في قطاع الطرق والتجهيزات الأساسية بالمجالات الجبلية والوعرة الولوج. وما من شك في أننا جميعنا نتفق على أهمية العدالة المجالية في تحقيق العدالة الاجتماعية. وأكد رئيس مجلس النواب في هذا الإطار أن المغرب نجح، بقيادة جلالة الملك محمد السادس بفضل تبصره وبعد نظره، في تحقيق المصالحة مع التاريخ وأيضا مع المجال، وبالتأكيد فإن محتوى هذه المصالحة يتمثل في جزء كبير منه في تحقيق العدالة المجالية لاستدراك مظاهر العجز التي تعاني منها عدد من مناطق البلاد، وخاصة المجال القروي وبالتحديد المناطق الجبلية، التي ينبغي تحويل إمكانياتها الكبيرة والغنية إلى ثروات وقيم مضافة عبر إطلاق ديناميات استثمارية جهوية ومحلية. وإذا كان التصنيع والخدمات العصرية يتمركزان أساسا في الشريط من طنجة إلى الجديدة، فإن ذلك ينعكس على إنتاج الثروة وعلى توزيع معدلات الإنفاق في الجهات، إذ أن خمس جهات المملكة تحتكر أكثر من ستين في المئة من خلق الثروات. ويتعمق هذا الوضع بسبب الفوارق مع تداعياتها الخطيرة، علما بأن لكل جهة إمكانياتها التي ينبغي استثمارها وتحويلها إلى ثروات، وهو مسلسل لا يرفع الدخل فقط ولكنه يخلق الشغل ويرفع مستوى العيش وييسر التوازن والتماسك الاجتماعي. ودعا المالكي في هذا السياق، تعزيزا لهذا المسلسل، إلى ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة، على أساس تفعيل جميع آليات التضامن بين الجهات إعمالا للتضامن المجالي. وفي سياق إعداد النموذج التنموي الجديد الذي دعا إليه جلالة الملك، أكد رئيس مجلس النواب ضرورة أن نجعل من البعد المجالي ركيزة أساسية لهذا النموذج، وما من شك في أن ذلك سيمكن من حل العديد من المعضلات الاجتماعية بإطلاق ديناميات اقتصادية تستثمر إمكانيات كل جهة أو إقليم وتيسر توزيعا أكثر عدلا للثروات وتخفف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في محاور مجالية بعينها. كما شدد المالكي على أن ميثاق اللاتركيز الإداري الجاري إعداده سيكون عاملا حاسما في ترسيخ نظام الجهوية المتقدمة، كما سيمكن من بناء علاقات جديدة بين إدارات الدولة والمواطن الذي ينبغي أن يعيش ويلمس التغيير الذي ينبغي أن يطرأ على علاقته بالمرفق العمومي، علاقة مبنية على القرب والإصغاء والشفافية والجودة والسرعة. إن الأمر يتعلق بآلية أساسية في الإصلاح وفي تسخير الإدارة لخدمة مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الاستفادة من الخدمة العمومية.