طارق المالكي: ضرورة تجويد عمل المؤسسات و خلق أداة وطنية للتخطيط العمومي من أجل التحديث طارق الكحل: الاقتصاد الاجتماعي المتضامن لا يقاس فقط بالمؤشرات الاقتصادية
نظم فرع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخريبكة ندوة فكرية- سياسية تحت عنوان "أي مشروع تنموي في أفق 2030″أطرها كل من عضو المكتب السياسي للحزب الدكتور طارق المالكي، والأستاذ الجامعي طارق الكحل. الندوة تميزت بحضور وازن للعاطفين على الحزب ومناضلي ومناضلات فروع الحزب وأجهزته الموازية في مدن خريبكة وبوجنيبة ووادي زم وأبي الجعد ودوائرها. في عرضه حول "نموذج النمو الممكن لمستقبل المغرب"، انطلق عضو المكتب السياسي طارق المالكي من سؤال محوري حول ما هو نموذج النمو ومن ثمة النموذج التنموي الممكن لمغرب المستقبل؟ مؤكدا على أن عرضه سيتناول بالأساس الجانب الاقتصادي من هذا النموذج، على أساس توسيع جوانبه السياسية والاجتماعية والثقافية مستقبلا وفق خطة بيداغوجية شمولية ومتكاملة. وقد قسم المتدخل خطته في بسط النموذج التنموي المقترح من خلال شقين إثنين، الأول يشخص أعطاب النموذج التنموي الحالي والذي أثبت فشله، وذلك بوضعه ضمن سياقيه المؤطرين الدولي والمحلي .وشق ثان يبسط ركائز و انتظارات المشروع التنموي المقترح . وأطر المتحدث عرضه بقراءة في الوضعية العامة بالمغرب السياسي والاقتصادي. على المستوى السياسي أكد العرض أن المغرب عرف في السنوات الأخيرة منذ سنة 2000 تقدما ملموسا ومهما في المجالات السياسية والمؤسسية( دستور 2011 الذي وسع صلاحيات رئيس الحكومة، والحكومة والبرلمان وضمان حماية مهمة للحريات الجماعية والفردية). المجال الاقتصادي والاجتماعي أكد طارق المالكي أننا نشهد تسارعا في وتيرة النمو وانخفاضا جزئيا في نسبة الفقر والهشاشة والتهميش بفضل المشاريع الهيكلية والاستراتيجية في قطاعات الطرق السيارة والماء والمطارات والسدود والموانئ كميناء طنجة- المتوسط.. وأيضا لتنوع رؤية الاقتصاد المغربي من خلال تنفيذ مشاريع هيكلية استراتيجية في مجالات الصناعة( برنامج الاقلاع الاقتصادي) والفلاحة ( مخطط المغرب الأخضر) ومجال الطاقة( الطاقات المتجددة الريحية وغيرها).. وكذلك لانفتاح الاقتصاد المغربي على المحيط الدولي من خلال توقيع المملكة لاتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي والولايات المتحدةالأمريكية وتركيا والصين.. وأخيرا لتواجد ديبلوماسية قوية ومتنوعة قاريا ودوليا توجت بعودة المغرب للاتحاد الافريقي و دخوله المنتظر للمنظومة الاقتصادية لغرب إفريقيا سيدياو. غير أنه ، ورغم هذه التطورات و النجاحات، فالمغرب يواجه عددا من المخاطر والتحديات داخليا ودوليا. وعدد العرض التحديات الداخلية في: – إرتفاع خطير جدا في الفوارق الطبقية والمجالية ولا أدل على ذلك من ضعف مؤشرات التنمية البشرية مقارنة بنظيرتها في دول المحيط المتوسطي. – إرتفاع نسب البطالة خصوصا بين الشباب المتراوحة أعمارهم بين 25 و29 سنة والباحثين عن أول فرصة شغل والتي تتجاوز 45%. – ارتفاع نسبة الأمية وتدهور الخدمات الصحية وأزمة السياسة التعليمية والاستغلال العشوائي للموارد الطبيعية لا سيما الماء والذي تتمثل تأثيراته في مدن ورزازات وزاكورة والراشيدية. وأخيرا ضعف الحكامة مع انتشار الريع والزبونية.. وتوقف المتحدث عند: – التبعات والتكاليف المترتبة عن تحول المغرب من محطة عبور للمهاجريين السريين إلى محطة استقرار وما أنتجه من ضعف لآليات دمج الأجانب.. – تحديات الإرهاب والاضطرابات الامنية الأقليمية.. – المشاكل البيئية المرتبطة كما سبق بالاستغلال العشوائي للموارد البيئية. : بعد توقفه عند الوضعية العامة للبلاد سياسيا واقتصاديا والتحديات التي تعيشها المملكة، انطلق طارق المالكي في تشخيص أعطاب النموذج التنموي القائم والذي أشار جلالة الملك إلى فشله وعدم قدرته على الاستجابة للانتظارات والتحديات.. في عدد من الخطابات آخرها الخطاب الملكي في افتتاح السنة التشريعية الحالية. وقد فصل المتحدث أسباب فشل المشروع التنموي الحالي من خلال الوقوف عند العوامل و مقترحات للتجاوز. وبخصوص الأسباب، فقد حددها المتحدث في: – توزيع غير عادل وغير متوازن للثروات مكن فئات قليلة من المجتمع من أرباح هائلة وغير عادلة مما أثر سلبيا وعزز الفوارق الاجتماعية بتوسيع قاعدة الفقر والهشاشة، مؤكدا ان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يرفض هذا الوضع غير الطبيعي. – غياب التكاملية والشمولية في عمل القطاعات الحكومية خصوصا. مقترحات لتجاوز الوضع يؤكد عضو المكتب السياسي طارق المالكي أن الحزب يتصور أن النموذج الناجح يجب ان يرتكز على خمسة مرتكزات رئيسية هي: – تسريع وتيرة الإصلاحات السياسية والمؤسساتية من خلال تنزيل مقتضيات دستور 2011 بهدف تجويد عمل المؤسسات. وقد نوه بالمجهود الكبير الذي يقوم به محمد بنعبد القادر وزير الاصلاح الاداري والوظيفة العمومية في إصلاح الإدارة المغربية من خلال مبادئ إصلاح المرافق الإدارية والنجاعة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. – وضع استراتيجية جديدة للنمو بهدف تحسين القدرة التنافسية للمقاولات المغربية وخلق فرص الشغل وتحسين القدرة المعيشية للأسر المغربية. – تعزيز الرأسمال البشري من خلال نظام تعليمي فعال وذي جودة على قاعدة مجانية التعليم. – استعادة الدور الاجتماعي للدولة في ميادين التعليم والصحة والدعم.. – وضع ميثاق اجتماعي جديد لضمان حماية الحقوق الفردية والجماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي. وحسب عضو المكتب السياسي للحزب، فهذا الميثاق الجديد يجب أن يتأسس على قاعدة قيمنا المشتركة من حيث التسامح والانصات و والانفتاح وتثمين الخبرات. – توفير الشروط الضرورية للخدمات ومكافحة الاحتباس الحراري، ولا بد من التذكير، يقول المتحدث، بدور المملكة وتعهداتها الدولية في هذا الباب. بعد ذلك توقف طارق المالكي عند الشق الثاني من عرضه ويهم الخطوط العريضة للنموذج التنموي الذي يقترحه مركزا على الجانب الاقتصادي منه. حسب طارق المالكي، الأستاذ بالمعهد العالي للتجارة وتدبير المقاولات، فإن النموذج التنموي الحالي المعتمد في العشرية الأخيرة يركز على الطلب الداخلي والسوق الداخلية، مما جعله نموذجا محدودا لم يساعد على تحقيق إقلاع اقتصادي وصناعي حقيقي.مضيفا انه لم يستطع خلق دينامية قوية برفع التنافسية والانتاجية ولم يتمكن من تحقيق الطلب المتزايد على سوق الشغل، إذ نسجل تفاوتا صارخا بين عدد طلبات الشغل السنوية بحوالي 180.000 طلب فرصة الشغل مقابل 50.000 فرصة شغل التي تتوفر كل سنة، أي بعجز بحوالي 130.000 فرصة شغل . وحسب المتحدث دائما، يسجل غياب رؤية اقتصادية متكاملة وانتهاج سياسات اجتماعية أضعفت القدرة الشرائية للمواطنين، وكذا غياب سياسات عمومية طويلة الأمد. بالإضافة لعدم وجود إصلاحات هيكلية في العديد من القطاعات التي ما زالت أوراشا مفتوحة دون حلول. ومن هذا المنطلق بسط طارق المالكي الأهداف العامة التي من المفترض أن يحققها النموذج التنموي المقترح والتي بإمكانها تجاوز أعطاب النموذج التنموي الحالي. بالنسبة لطارق المالكي يهدف النموذج التنموي المقترح إلى: – رفع التنافسية الوطنية بهدف تيسير الولوج إلى أسواق جديدة في إفريقيا وآسيا وأوربا ارتباطا بإكراهات العولمة..وكذا تنويع الصادرات وتوسيع قاعدة الأسواق الخارجية. وحسب المتحدث فهذه الاستراتيجية يجب ان تكون شاملة لتجعل المغرب بلدا صاعدا مستفيدا في هذا الصدد من تجربة الاتحاد الاشتراكي في التدبير و امتداده الدولي. لهذا السبب يقترح طارق المالكي نموذجا تنمويا من خمس ركائز هي: 1 – التوجه الاول يتمثل في وضع سياسة اقتصادية استباقية لخلق تنمية مستدامة. وفي هذا الصدد يوصي طارق المالكي بخلق أداة وطنية للتخطيط العمومي بهدف تحديث المخططات القائمة. وكذا إحداث بنك عمومي للاستثمار على مستوى الجهات لخلق بعد جهوي. – الرفع من الحد الأدنى للأجور لا سيما بالنسبة للطبقات الهشة. – انجاز إصلاح ضريبي منصف وعادل من خلال الزيادة على الدخول العليا وإعادة هيكلة الضريبة على القيمة المضافة وإصلاح قانون النفقات العمومية. 2 – التوجه الثاني يتمثل في التركيز على البعد المجالي بالتقليص من الفوارق المجالية وتوفير شروط متوازنة لتنمية متوازنة. وفي هذا الصدد اقترح طارق المالكي جعل إقليمخريبكة منطقة سوق حرة لما تتوفر عليه من موارد طبيعية في المجالات المعدنية و الفلاحية والسياحية ومن موارد بشرية. 3 – التوجه الثالث يرتبط بتحسين مناخ الأعمال والتنافسية والاندماج المجالي. وفي هذا الصدد يقترح طارق المالكي ما يلي: – تحسين فرص الحصول على التمويل البنكي لدعم المقاولات الصغرى. – وضع سياسة للتشغيل في القطاع الخاص – تعزيز تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة خصوصا المصدرة منها. – محاربة الفساد والجريمة المالية بربط المسؤولية بالمحاسبة. – خلق شروط تضمن منافسة شريفة وذلك من خلال تقوية ادوار مجلس المنافسة الذي يبدو في حالة شرود حسب المتحدث، إذ لا يلعب اي دور رغم أنه مؤسسة دستورية. 4 – التوجه الرابع يتمثل في تطوير المشاريع المبتكرة الصغرى، وذلك بتنمية روح المبادرة بوضع برنامج لإنشاء المقاولات الصغرى. – تنمية ثقافة الأعمال في المدارس العليا والجامعات، وقد استدل المتحدث بتجربة الشراكة بين المدرسة العليا للتجارة والتدبير والبنك المغربي للتجارة الخارجية. – بلورة استراتيجية شاملة في القطاع غير المهيكل مع الشركاء. – عفو ضريبي للانتقال من القطاع غير المهيكل الى القطاع المهيكل. هل هذا البرنامج واقعي يتساءل طارق المالكي؟ بلغة الأرقام والأهداف يقول إنه ممكن، فتكلفته إلإجمالية لن تتجاوز 140 مليار درهم سنويا، تساهم فيه الدولة بين 15% و20% من الميزانية العامة للدولة وصناديق الاستثمار التشاركية بين القطاع العام والخاص. حسب طارق المالكي فهذه الاستراتيجية سترفع نسبة النمو إلى نسب معقولة وستؤثر بشكل إيجابي على الناتج الوطني وعلى الدخل الفردي وبالتالي القدرة المعيشية للمواطنين والمواطنات. الانعكاسات الاجتماعية للنموذج التنموي من جهته توقف الأستاذ الجامعي الدكتور طارق الكحل عند الانعكاسات الاجتماعية لهذا النموذج التنموي معتبرا عرضه تكميلا للعرض السابق في المادة الاجتماعية. انطلق الدكتور الكحل من معطى اعتماد الاقتصاد المغربي منذ مدة على الفلاحة مما يجعله رهين تقلباتها. بالنسبة للدكتور طارق الكحل ارتهان الاقتصاد الى التساقطات المطرية جعله يخضع لإصلاحات هيكلية متواترة انعكست اجتماعيا على فرص الشغل وعلى طبيعة التمدرس وعلى الولوج الى الخدمات الاجتماعية. وأدى عمليا إلى مشاكل وظواهر اجتماعية مكلفة كالهدر المدرسي والتفاوتات المجالية والفردية في الدخول. حسب المتدخلن فإن الاقتصاد الاجتماعي المتضامن لا يقاس فقط بالمؤشرات الاقتصادية وإنما أيضا بمؤشرات أخرى كمؤشر الرفاه الذي يعتبر مؤشرا أساسيا في جلب الاستثمارات والسياحة. ثم توقف الدكتور طارق الكحل عند نماذج من فشل برامج الرعاية الاجتماعية كبرنامج تيسير لدعم الاسر الفقيرة لتمدرس أبنائها وبرامج الرعاية الصحية والاجتماعية. في الاخير طرح الدكتور لكحل السؤال حول الاجراءات التي يمكنها ضمان الحماية الاجتماعية للمواطنين والمواطنات. : وفي هذا الصدد يقترح الأستاذ الكحل ما يلي: – تجويد التخطيط وضمان الأمن الوظيفي – تأهيل الموارد البشرية من خلال التعلمات والتكوينات المستمرة – احترام مقاربة النوع في سوق الشغل – المساواة في احتساب الضريبة على الدخول بشكل يسمح بضمان حماية اجتماعية للدخول المتوسطة والضعيفة. – مسايرة وتأهيل القطاعات والمهن شبه التقليدية كميكانيك السيارات وغيرها وحسب المتدخل فنهج سياسة شمولية في هذا الباب تراعي هذه العناصر بإمكانها ضمان حماية اجتماعية للمواطنين والمواطنات.