ضمن فعاليات الدورة 24 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، كان لزوار المعرض يوم الإثنين المنصرم، 12 فبراير الجاري، لقاء مفتوح مع الكاتب والروائي الأستاذ محمد برادة، بمناسبة حصول روايته الأخيرة «موت مختلف» بجائزة كتارا للرواية العربية سنة 2017. وفي تقديمه لهذا اللقاء، أكد الناقد والباحث هشام العلوي أن هذا العمل يمثل ثمرة أخرى في إطار مشروع محمد برادة بحيث يتقاطع الالتزام السياسي، والنضال الثقافي، والفكر النقدي التنويري، في تفاعل مع فتوحات الدرس الجامعي الذي ينتصر للحداثة تنظيرا وممارسة في الكتابة والحياة. كما أشار أن هذا العمل يظل وفيا إلى حد ما إلى العالم المتخيل للرواية كما كتبها برادة منذ لعبة النسيان، مع ما تقتضيه الإبداعية من تنويعات خلاقة لاستيعاب التحولات الثقافية والمجتمعية. وفي سياق هذا التحول، أكد هشام العلوي أن «موت مختلف» تتميز بنوع من السمك والثخانة التأملية التي تحجب أحيانا ما تراه العين وتدركه الحواس في نقل واقعة أو لحظة ممتلئة، أو استرجاع ذكرى نابضة بالمتعة والحياة، وتتناول فكرة الموت بكل جرأة وشجاعة ومكاشفة مع الذات، بعد أن تسرب الوهن إلى الجسد، والإجهاد إلى الغرائز والمشاعر، وتنجز تمجيدا للشيخوخة باعتبارها صيرورة وجودية ووجدانية نمضي فيها بأحوالها ومدارجها، وهي «شوط إضافي» لا تخلو أيضا من زهو وانتشاء وامتلاء. حول هذا الاشتغال المتجدد لبرادة على الذاكرة، ذهب الباحث إلى أنها تشكل الملاذ ومصدر الاستقواء لمواجهة عبث الحاضر ومخاوف المستقبل. الذاكرة المخضبة بالنوستالجيا والنسيان، وحيث ينتصب التخييلي لترميم بياضاتها، ويساهم بالتالي، في أسطرة العديد من الوقائع والحالات واللحظات، سواء في دبدو مسقط الرأس بالنسبة لمنير- بطل الرواية- أو في باريس وهو يسترجع المشاهد الخلفية لبعض شخوص تمرد ماي 68. الذاكرة تشكل كذلك مدخلا إلى إشكالية الهوية التي تستحضرها الرواية في تجلياتها المختلفة، وتحولاتها المتسارعة هنا وهناك في ظل ضيق هوامش العيش المشترك تحت ضغط التطرف، والإرهاب، وكراهية الآخر، والأزمة الاقتصادية، وعودة فكر القوميات الحصرية التي لا تتسع للتعدد والاختلاف وللحلم الفرنسي كما عاشه وتشبع به «منير» قبل أربعة عقود أو أكثر. ومن جانبه أشار الأستاذ محمد برادة، في معرض تفاعله مع تدخلات الجمهور الذي حج إلى قاعة القاهرة بالمعرض، إنه يتعين أن تصبح الثقافة جزءا من الممارسة اليومية لتؤثر في عمق المجتمع وتضطلع بدورها الإصلاحي كاملا. وأضاف محمد برادة أن الجيل الحالي من الكتاب والشعراء الذي يتطلع لرسم إيقاع ثقافي قوي داخل المجتمع يلاقي صعوبات جمة أمام تلكؤ فئات المجتمع للتحول نحو الحداثة، مؤكدا من جهة أخرى، أنه يميل للرواية العربية أكثر مما يميل لأي شكل أدبي آخر، لأنها نتاج لإسهام الثقافتين العربية واليونانية وثقافات أخرى، قبل أن تتدرج خلال 150 سنة، وتصبح عالمية في أعقاب تفاعلها مع نصوص مترجمة من لغات أخرى. وبخصوص "موت مختلف"، التي ينتقل بطلها منير بين مدينتي "دبدو" (شرق المغرب) وباريس، قال إن الفكرة الأساس عند بداية الكتابة هو تحليل الهوية في تفاعلها وتصادمها مع حضارة إنسانية جديدة، وضرورة إعادة التفكير في الموروث الثقافي والحضاري. أما عن مسألة اختياره منطقة "دبدو"، قال الأديب المغربي إن هذه المدينة كانت ملجأ للعديد من اليهود بعد سقوط الأندلس، بالإضافة إلى تميزها بمآثر تاريخية كبيرة.