1 من « التخييل الذاتي» إلى « رواية الأنا» : أفترضُ أن الكتابةَ الروائيةَ عند محمد برادة، من روايته الأولى: لعبة النسيان( 1987) إلى روايته الأخيرة( 1 ): موتٌ مختلفٌ( 2016)، تتميز بهذه العودةِ إلى الذات، وإلى السؤالِ الإشكاليِّ: مَن أنا؟ لكنها العودةُ التي تبحث عن أشكالٍ أخرى للقول والكتابة بعيدًا عن الشكل الأوتوبيوغرافيِّ التقليديِّ، وربما أن السبب في ذلك يعود إلى أن هذه العودةَ تَحدُث في عصر الشكِّ: الشكّ في الأشكالِ السرديةِ السائدة، وخاصة في قدرةِ الأوتوبيوغرافيا التقليديةِ على تحليل الهُويةِ والوصولِ إلى حقيقة الذات؛ والشكّ في خطابات اليقين، في المُثُل السياسية والخطابات الإيديولوجية بعد الاضطرابات الكبرى التي يشهدها المجتمع الإنساني في العصر الراهن: « .. بدأتُ يقول الساردُ أفقدُ إيمانيَ القديمَ بأن هناك معنًى للعالم باتجاه التطور والتقدم.. أنا أعتبر الشكَّ ملازما للبحث عن رؤيةٍ متوازنة..»( موتٌ مختلف، ص 200). وهكذا، فالروايةُ الأخيرة، كما الروايةُ الأولى، تبحثُ عن شيءٍ يُناسبُ الشكوكَ التي ألقتْ بها العلومُ الإنسانيةُ، والتحليلُ النفسيُّ خاصة، تجاهَ الأوتوبيوغرافيا التقليديةِ: تبحثُ عن شكلٍ سرديٍّ يمزج بين الواقعيِّ والتخييليِّ، ويأخذ بعين الاعتبار الجزءَ التخييليَّ الموجودَ في كلِّ تمثُّلٍ للذات، ويكشفُ إلى أيِّ حدٍّ يستطيع الصوغُ التخييليُّ للمادة الأوتو / بيوغرافيةِ أن يُعبِّرَ عن الذات أكثرَ من أيِّ جزءٍ واقعيٍّ حقيقيٍّ من وجود هذه الذات. بالنظر إلى روايته الأولى( 1987)، عَمِلتْ العديد من الدراساتِ النقديةِ على تسميةِ الشكلِ السرديِّ الذي ولَّده ذلك البحثُ عن أشكالٍ جديدةٍ للقول والكتابة ب: التخييلِ الذاتيِّ، خاصةً وأن الكتابةَ في هذه الروايةِ الأولى تأتي خارجَ إيقاع الزمن الكرونولوجيِّ، وتُعدِّد الرواةَ، ولا تؤمن بوجودِ نقطةِ انطلاقٍ واحدةٍ ووحيدةٍ للمحكيِّ الأتوبيوغرافيِّ، وتشتغلُ باللغةِ الشعرية، وتتغذَّى من التحليلِ النفسيِّ، وتستثمر الاستيهامات ..؛ ومع ذلك، فإني أميلُ إلى تسميةِ هذا الشكلِ الجديد، وخاصةً في روايته الأخيرة( موتٌ مختلفٌ، 2016)، بما يقترحه الناقدُ الفرنسيُّ المعاصرُ فيليب فوريست( 2 ): روايةُ الأنا Roman du Je، وذلك للأسباب الآتية: الكتابةُ الروائيةُ عند محمد برادة، في افتراضي، بعيدةٌ عن تلك الأنا المتمركزة داخل الأدب ' ego littérature L « التي غرق فيها التخييلُ الذاتيُّ، ذلك لأنها كتابةٌ لا تتبنى تلك الأنا التي يطغى التخييلُ في صنعها وإنتاجها، كما لا تتبنى ذلك الأدبَ غيرَ المتعدّي Littérature intransitive( بتعبير رولان بارت) الذي لا يعتني إلا بذاته وبمشاكله الخاصةِ الشكليةِ والجمالية، بل إنها كتابةٌ تتميز، وبالنظرِ إلى سياقِها الأدبيِّ والثقافيِّ والتاريخي، بالعودة إلى الأدبِ المتعدي( 3 ): فالأمرُ يتعلق دوما، عند محمد برادة، بكتابةِ شيءٍ ما، وقد يَصدُر هذا الشيءُ عن الواقع أو الذاتِ أو العائلةِ أو التاريخ أو الذاكرة… فالكتابةُ عنده تنشغل دوما بشيءٍ يقع خارجَها، ومن أهم هذه الأشياءِ مسألةُ التعبير عن الذات؛ والذاتُ هنا ليست كائنًا من دون محدداتٍ، ووظيفةُ الكتابةِ هي أن تُسائلَ الذاتَ من خلال العنصرِ العائليِّ الذي يؤسِّسها، ومن خلال الأصولِ التي تُكوِّنها، وأن تكشفَ كيف تقولُ هذه الذاتُ حكايتَها العائليةَ، وكيف تحلم فتُكسِّرُ أو تعيدُ بناءَ ما يربطها بهذه الحكاية/التاريخ histoire / Histoire: « لكنني أسأل: لماذا يمتنع البشرُ، في عنادٍ، عن النظرِ إلى ما سَبَقهم وإلى ما هو معاصرٌ لهم، إلى كلِّ ما يثير التفكيرَ والتأملَ؟»( نفسه، ص 31). الكتابةُ الروائيةُ عند محمد برادة، وخاصة في: موت مختلف، تُعيدُ الشرعيةَ إلى ضميرِ المتكلمِ الروائيِّ الذي كان في الروايات السابقةِ على التخييلِ الذاتيِّ، ولكن بخصائصَ جديدةٍ: منها أن روايةَ الأنا، كما وضح فيليب فوريست( 4 )، تدعونا إلى أن نقرأها، في وقتٍ واحدٍ وبشكلٍ متزامنٍ، بوصفها أوتوبيوغرافيةً وبوصفها روايةً( تتألف موتٌ مختلفٌ من محكيين رئيسين: محكيٌّ بضمير المتكلم على لسان الشخصية المركزية، ومحكيٌّ بضمير الغائب يتولاه ساردٌ مجهولٌ تارة وراوي الرواة تارةً أخرى) ، وذلك لأنه لا يمكن لأيِّ محكيِّ ذاتٍ إلا أن يتحولَ إلى رواية: « أعرفُ أن استعادةَ حياتِنا، بأيِّ شكلٍ نختاره، لا تساعدنا على حذفِ مقطعٍ أو صورةٍ من فيلمِ الذاكرةِ المُشتبكِ مع تفاصيلَ واستيهاماتٍ لا ندري من أين تنبثق. إلا أن العتبةَ العُمريةَ التي أجتازها الآن تجعل نظرتي، تقييمي لهواجسي، غَيْرَ ما كانا عليه من قبل. هل أستطيع الإمساكَ بالفروق؟ هل أتغلب على المتاهة التي تمتدُّ أمامي كلما استرجعتُ سيرورةَ حياتي؟»( نفسه، ص9). وهذه أسئلةٌ تكشف الفرقَ بين التخييلِ الذاتيِّ الذي يحب أن تسبحَ أناه في مياه « الخياليِّ Le fictif « الذي ينتمي إلى مجال المتخيل L' imaginaire، وبين رواية الأنا التي تستخدم التخييلَ باعتبار وظيفته في السؤالِ والتحليلِ والتوضيح( 5 ) Fonction élucidante ، واعيةً بأن السؤالَ الإشكاليَّ الأساسَ هو: كيف للذاتِ أن تستردَّ ذاتَها؟ الكتابةُ عند محمد برادة تثير مسألةَ توصيلِ الموروثِ وتبليغِه إلى الأجيالِ الجديدة، فهذا السؤالٌ الأخيرُ حول وظيفةِ التخييلِ يتفرع إلى سؤالين إشكاليين: الأولُ، ألا يستدعي الأمرُ أن تمارسَ الذاتُ، وهي تستردُّ ذاتَها، التأويلَ وإعادةَ التركيب؟ والثاني، لماذا تستردُّ الذاتُ ذاتها، ولأيِّ غايةٍ تفعلُ ذلك؟ ألا تبدو نصوص برادة الروائية، من روايته الأولى إلى روايته الأخيرة، وكأنها تحاول « إنقاذَ « ماضٍ ما، موروثٍ ما، وإيصالَه إلى الأبناءِ والأجيالِ الجديدة: فعندما يموتُ كائنٌ عزيزٌ، أو عندما يتقاعد مثقفٌ شاهدٌ على تحولات العصر، يكون من الضروريِّ إنقاذُ ما يمكن إنقاذُه قبل فوات الأوان.. ألا يعني ذلك أن هذه النصوصَ تستجيبُ لضرورةٍ حيويةٍ وملحاحة؟ ألا يبدو وكأن السؤالَ الإشكاليَّ في نصوص برادة، وخاصة في روايته الأخيرة، هو سؤالُ نقلِ الموروثِ وتوصيلِه إلى الأجيال اللاحقة: كيف نُعيدُ تركيبَ ذلك الماضي، كيف نُعيد تأويلَ ذلك الموروث، بالطريقة التي تُدرَكُ بها الأهميةُ الرمزيةُ لِمَا يُنقَلُ ويُعطى، أي الأهميةُ الرمزيةُ لهذه الأشياءِ التي لابد أن تبقى حيَّةً، بعبورها من يدٍ إلى يد، من أبٍ إلى ابن، من جيلٍ إلى جيل؟( 6 ). روايةُ الأنا عند محمد برادة تتجلى جِدَّتُها في أنها تطرح مسألةَ الانتسابِ العائليِّ: في روايته الأولى: لعبة النسيان يحتفي بالأم، ويركز على علاقة الابن بأمه، متسائلا ما معنى أن ينتسبَ الابنُ إلى عالم الأمومة؛ ولكنه في روايته الأخيرة: موتٌ مختلفٌ يحتفي بالأب، ويركز على علاقة الابن بأبيه أو الأصح على علاقة الأبِ بابنه.. وفي الأحوال كلِّها، فهي نصوصٌ تستحوذُ عليها الوجوهُ العائليةُ بما يسمح بأن نتحدثَ في كل واحدٍ منها، وفي الوقتِ نفسِه، عن محكيٍّ بوضعٍ اعتباريٍّ إشكاليٍّ يَخلقُ تعالقاتٍ بين أشكالٍ سرديةٍ مختلفةٍ موضوعُها كلُّها هو الانتسابُ العائليُّ: الروايةُ العائلية، بالمعنى الذي يقصده فرويد، ومحكيُّ الانتسابِ العائليِّ، كما نظَّر له دومينيك فيار، ومحكيُّ اليتيم، كما يفهمه لوران دومانز.. وهي جميعُها تأتي لتضعَ مكانَ الأشكالِ الأوتوبيوغرافيةِ التقليديةِ التي تعتمد محكيا كرونولوجيا للذات، شيئا آخرَ يكونُ عبارةً عن محكيِّ يحقِّقُ من جديد، ويعيد مساءلةَ نَسب الذات وأصولها: من أجل أن تكونَ هُويةُ الذات في تحولٍ متواصلٍ ومتجدد، أيلزمها أن تبقى رهينةَ عوالمها الأصليةِ أم عليها أن تبحثَ عن عوالمَ أخرى وآفاقا جديدة؟ ما الموروثُ الذي ينبغي للوريث أن يستنيرَ به في طريقه: أهو الموروثُ المفروضُ الذي خلَّفه الآباءُ والأجدادُ في العالم العائليِّ الأصليِّ، أم هو الموروثُ الذي اختار الوريثُ أن ينتسبَ عن وعيٍ واقتناع؟ ما معنى أن تنتسبَ الذاتُ عائليا: أينحصرُ ذلك في الانتسابِ الطبيعيِّ إلى عالم عائليٍّ اجتماعيٍّ أصليٍّ( الانتساب البيولوجي، الجغرافي..)، أم أن الانتسابَ الحقيقيَّ هو الذي يكون رمزيا ويشير إلى عائلةٍ فكريةٍ وثقافيةٍ سياسيةٍ اختارت الذاتُ بكل استقلاليةٍ وحريةٍ الانتماءَ إليها؟ روايةُ الأنا عند محمد برادة تشتغل بهذه المنطقة البينيةِ التي يتقاطع فيها بعدان أساسيان: الأولُ يتعلق بالقبلية Antériorité، أي بما قَبْلَ الذات، بماضيها الشخصيِّ والعائليِّ، بموروثها العائليِّ الأصليِّ، بالموروث الذي اختارتْ الانتسابَ إليه؛ والثاني يرتبط بالداخلية Intériorité، بداخليةِ الذات، بحياة الذاتِ النفسيةِ والذهنية( ومن هنا طغيانٌ أكبرُ للمحكيِّ النفسيِّ، بالمعنى الذي حددته دوريت كوهن، وحضورٌ أقلُّ للمونولوجات الداخلية).. لنتذكر داخليةَ الذات في علاقةٍ بالأمِّ في الرواية الأولى: لعبة النسيان( 1987)، ولنستحضر داخليةَ الذات في علاقةٍ بموروثها، بأبيها، بابنها، في الرواية الأخيرة: موتٌ مختلفٌ( 2016)، بحيث يبدو كأن المعرفةَ الأفضلَ للذات بذاتها لا تكونُ إلا من خلال الوجوهِ العائلية( الأم، الأب، الابن..) كما تتجلى من داخل النفسيةِ والذاكرة.. ولأن الروايةَ الأخيرةَ تركز على محطةٍ تَطبعُها أزمةٌ في الهُويةِ والانتساب، فلذلك جاءت روايةُ الأنا تتراوح بين القبليةِ والداخلية: بين محكيٍّ نفسيٍّ يكشف علاقةَ الذاتِ الشعوريةَ والفكريةَ بموضوع محكيِّها، وبين محكيِّ انتسابٍ عائليٍّ يعود إلى استرجاع موروثِ الذات ومساءلتِه وتأويلِه وإعادةِ تقييمه.. ومن جهةٍ ثانيةٍ، فإن اشتغالَ روايةِ الأنا بهذه المنطقةِ البينيةِ التي تتقاطع فيها القبليةُ والداخليةُ، بالمعاني المتقدمة، يعني أنَّ تَذكُّرَ ما مضى، واسترجاعَ ما وقع من قبل، لا يكون إلا في علاقةٍ بحاضر الكتابةِ وتحت تأثيرها، بشكلٍ يجعلُ الكتابةَ نفسَها سؤالا إشكاليا، لأنها، وهي تبحثُ عن تضفير هذين البعدين تُجَنِّد مختلفَ الأشكالِ السرديةِ الملائمة( الرواية العائلية، محكي الانتساب العائلي، محكي اليتيم)، وتلاعب الموادَّ الموروثةَ، وتلعبُ بالمواد البيوغرافيةِ والأوتوبيوغرافيةِ، بشكل يسمح لها بأن تشاركَ في تحقيقٍ، في مساءلةٍ، موضوعُها هو النسبُ والانتساب، هو هذا البحثُ في الهُوية الذي يوجدُ في قلبِ روايةِ الأنا.. 2 الوريثُ الإشكاليُّ في « رواية الأنا «: ماذا عن هذا الوريثِ الذي نعتبره إشكاليا في رواية: موت مختلف؟ ألا يمكننا أن نفترضَ بأن سؤالَ هذا الوريثِ هو: كيف السبيلُ إلى طرائقَ جديدةٍ تسمح له بأن يلاعبَ الموتَ، وأن يلعبَ بروايته العائلية، وبمحكيِّ انتسابِه العائليِّ، وبمحكيِّ يُتمِه..؟ في الرواية الأخيرة: موتٌ مختلفٌ، يتقدم الوريثُ الذي نعتبره إشكاليا في صورتين: الصورةُ الأولى يمثلها الابنُ ذو الأصولِ المغربية، منيرُ ابنُ دبدو، الذي هاجر إلى فرنسا للدراسة، فقررَ الاستقرارَ هناك، وقطع صلاته ببلده ووطنه، فاشتغل مُدرِّسا للفلسفة بالمدرسة الفرنسية، وتزوج من امرأةٍ فرنسية، وأنجبَ منها ابنا، نشأ وشبَّ بين أحضانهما، قبل أن تنتهي علاقتهما بالانفصال أو بما يشبهه، وبعد تقاعده سيعود ليحيي صلاته ببلده وبموروثه الأصلي قبل أن يقررَ في النهايةِ الانتماءَ إلى موروثٍ إنسانيٍّ مشترك: فكر الأنوار؛ والصورةُ الثانيةُ يمثلها هذا الابنُ، بدرٌ، الذي ازداد بفرنسا من أمٍّ فرنسيةٍ وأبٍ ذي أصولٍ مغربية، نشأ وتربّى بفرنسا على مباديءِ الأنوارِ وأفكارِ ثورةِ 68، قبلَ أن يكتشفَ أن في هُويتِه ونسبه شيئا إشكاليا. وأفترض أن محكيَّ الوريثِ الإشكاليِّ، محكيُّ منيرٍ بالأساس، يركز على محطتين حساستين: أسمي المحطةَ الأولى بمحطة « سؤالِ الروايةِ العائلية «، وأسمي الثانيةَ بمحطة « سؤالِ الانتساب العائلي «. وكلُّ محطةٍ من هاتين المحطتين تُجسِّد تحولا إشكاليا في حياة الوريث، وعبارة: موتٌ مختلفٌ ، تُعبِّر، في كلِّ مرَّةٍ، عن هذا التحول الإشكاليِّ: « وكثيرًا ما أضحك من حالة التأهبِ والاستنفارِ التي لجأت إليها لأحدد الطريقَ المختلفَ الذي سأسلكه خلال ما تبقى من عمري.( أصحح العبارة الأخيرة بيني وبين نفسي فأقول: لأبحثَ عن موتٍ مختلف)( موت مختلف، ص 217). لابد من الإشارة إلى أن الروايةَ هنا تركز على محكيِّ الوريثِ الأول، وتنطلق من محطته الثانيةِ التي تنطلق من حصوله على التقاعد وحدوثِ اضطراباتٍ كبرى في الحياة العامةِ كما في الحياة الشخصيةِ والعائلية، لكنه المحكيُّ الذي يستحضر الوريثَ الثاني بين ثناياه، وخاصةً في جزئه الأخير، ويثيرُ مسألةَ التواصل بين الاثنين، ومسألةَ كيفيةِ توصيلِ ميراثٍ إلى الأبناء يُعتبَر هو الأكثرُ انفتاحا على آفاقٍ جديدةٍ بالنسبة إلى مستقبل الإنسان: فكر الأنوار.. ومع ذلك، فكلُّ واحدٍ منهما( الأب، الابن) يعيش العلاقةَ بالموروث على طريقتِه الخاصة، فالأبُ ذو الأصولِ المغربيةِ الذي اختار الاستقرارَ ببلد الأنوار غيرُ الابن الذي ازداد بفرنسا من أمٍّ فرنسيةٍ وأبٍ مغربيٍّ.. الهوامش: 1 محمد برادة: موتٌ مختلفٌ، رواية، نشر الفنك، الدارالبيضاء، 2016. 2- Philippe Forest : Le Roman, Le Je, Ed. Pleins Feux, Nantes, 2001. 3 Dominique Viart( Direction), Paradoxes du biographique, Revue des Sciences Humaines, n°263, automne 2001. – Ph. Forest, ibid, p 16. 5 بخصوص الفرق بين الخيالي والتخييلي، وبخصوص وظيفة التحليل والتوضيح، يُنظر: Dominique Viart : « L'archéologie de soi dans la littérature française », in : Vies en récit, Formes littéraires et médiatiques de la biographie et de l'autobiographie, ed. Nota Bene, Québec, 2007 p 107 – 137. 6 لنلاحظ كيف كان نَقْلُ الموروثِ من الأب إلى الابن يسيرًا في أزمنةٍ سابقة، كيف كان يتلقى منيرٌ معلوماتٍ وتوجيهاتٍ من أبيه بخصوص تاريخ دبدو وتاريخ الوطن وأمجاد الآباء والأجداد، وخاصة من المقاومين؛ وكيف كان منير يُعَلِّم ابنَه بدرًا: « اللغةَ العربيةَ ويحكي له، قبل النوم، مقتطفاتٍ من قصصِ ألف ليلة وليلة… ومخيلةُ بدرٍ تتسع وتتسرب إليها عدوى الشرقِ الحالم، ولوثةُ الخيال الجامح الذي يَزيد في حجم الأمكنة والأزمنة..»( ص 128). لكن ذلك النقلَ والتوصيلَ، ذلك التواصلَ والحوار، لم يعدْ سهلا في العصر الراهن: « .. استحضرَ علاقتَه المتوترةَ مع ابنه بدر. لا يستطيع أن يحددَ بالضبط عناصرَ التوتر بينهما، وفي الآن نفسه لا يعرف كيف يجعل الحوارَ معه منتظما كما كان إلى حدودِ بلوغه سِنَّ العشرين..» ( ص 180).