لم يشرح لنا أحد بأن القراءة ليست هواية بل هي هُوية.. لكن مع ذلك كان الجيل الأكثر قراءة هو الذي يضعها إلى جنب جمع الطوابع والموسيقي والنزهات والسفر، ولائحة الهوايات الطويلة.. كنا نعتقد حقا أنها هواية، سرعان ما حولها الخيال إلى مهنة فعلية للمخيلة وللدماغ وللأعضاء الأخرى برمتها... نستنشق الكتب ونتذوقها ونلمسها ونراها ونسمعها أيضا.. من منا لم يسمع نبضه وهو يقرأ..؟ هل هو الحنين.. ممكن للغاية كان ألبير كامو مقتنع تماما بكون: أول فكرة تنبت للإنسان هي .... حنينه! بمعنى آخر يكون الحنين هو أول الأفكار، في العمر! ولا أذكر من ذاك الذي استعمل هذا كتعلة لكي يدعونا إلى ضرورة ممارسة أنشطة ذات منسوب عال في النوسطالجيا..كي نعود إلى القصيدة الأصلية.. الذرة الأولى.. ذلك لأن تسلق الجبال حنين إلى لحظة الإنسان البدائية، عندما كان شبيها بالقرد... والقراءة حنين إلى الصمت الرجل الذي يتأمل الحيوانات مع تنفس بطيء هو رجل يحن إلى الزمن الذي كان فيه الإنسان أقلية.. والقراءة حنين إلى الصمت، حنين دائم إلى الصمت.. المجتمعات الصاخبة ليست تلك التي تعلو في الصناعة والحداثة المادية حد الصمم إنها في الواقع تلك التي لا تجد سوى دقيقتين أو أقل للقراءة في السنة.. المغربي لا يقرأ أكثر من دقيقتين في السنة مقابل الأوروبي الذي «يسلخ» 200 ساعة في السنة... هل الهوايات الأخرى لا تأخذ من وقتنا سوى دقيقتين اثنتين لا ثالثة لهما؟ ** لم ننتبه كثيرا إلى أنهم كانوا يقدمون القراءة كهواية للتلاميذ.. والطلبة، كما لو أن القراءة لا تعني الفضاء الذي يوجد فيه التلاميذ والطلبة القراءة شيء آخر غير التعليم التعليم يعني شيئا واحدا هو الامتحان هو ما يحفظ هو ما نمتحن فيه بالنقطة والفاصلة والمزدوجتين أيضا.. وتلك كانت أكبر حيلة وقعنا فيها للفصل بين القراءة والتعليم..بالرغم من القرابة التي كانت تحتمي بها القراءة .. في اللغة الدارجة لحماية التواشج البهي بينهما(لقراية- تعني المدرسة والفصل والمعلم والسبورة...)! الفصل الأول هو في وضع التعلم كما لو كان شيئا يعني كل شيء سوى القراءة، وهكذا يصبح الكتاب غريبا في المكان الذي يفترض فيه أن يكون هو سيد المعرفة أو على الأقل سندها الكبير... وتحضر دكتاتورية الامتحان لا شيء غيره يستحق بالفعل أن يثير الانتباه.. فلا العلمي من حقه أن يتباهى بالكتاب، إلا ما يقدمه كتاب الفيزياء من تمارين ولا الرياضي يمكنه أن يصنع لنفسه عالما من القراءة إلا ما يسمح به قانون المثلثات، أحدها خيالي! حتى صار أنه ليس ضروريا للأستاذ نفسه أن يدخل مكتبة أو يزور معرضا أو يسعى إلى إنتاج اللذة من بين دفتي كتاب... ألأننا لم نحسن تعريف القراءة صرنا عرضة للتلف؟ ربما.. لكن المؤكد ألا أحد نبهنا إلى أنها هُوية وليست هواية...!