توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشاهدات من رحلة إلى إسطنبول : حالات مرضية مغربية ميؤوس من شفائها تفتح لها أبواب الأمل في عيش أفضل

القيام بزيارة لبعض لمرضى المغاربة المتواجدين بالمستشفيات التركية، وخاصة بالمركب الاستشفائي الجامعي الدولي الشهير "أجيباديم"، بناء على دعوة خاصة بي، ومن ثمة ب" الاتحاد الاشتراكي"، إلى جانب زملاء آخرين ينتمون إلى منابر صحافية وطنية ورقية، دفعني إلى التخمين، بداية ان الأمر يتعلق بمرضى "السياحة الطبية" الراقية، التي تشتهر بها بلاد الأناضول في السنوات الأخيرة موازاة مع أنماط وأنواع سياحية أخرى تستقطب إليها سنويا العشرات الملايين من السياح من مختلف بقاع العالم، الكثير منهم يأتون إليها وبالضبط إلى المدينة العملاقة "اسطنبول" (حوالي عشرين مليون نسمة ) من أجل زراعة الشعر أو الخضوع لجراحة التجميل .. في مستشفياتها العديدة المنتشرة هنا و هناك على ضفتي مضيق البوسفور .. والشهيرة بجودة خدماتها وكلفتها المنخفضة مقارنة مع مستشفيات شبيهة في هذا المجال بأوروبا الغربية أو أمريكا الشمالية..
التخمين إياه كان نابعا لدي من منطلق التأثير الذي خلقته الدراما التلفزيونية التركية لدي الكثيرين بعدما غزت كل البيوت العربية، ومنها المغرب، في العشرية الأخيرة، بداية من مسلسلي " سنوات الضياع" و "نور" و انتهاء بمسلسل " سامحيني" الذي لازال يحقق في تلفزيوننا المغربي ( القناة الثانية – دوزيم)، على سبيل الذكر، متابعات قياسية يوميا، وهي دراما قدمت، ولا تزال، بلاد "العثامنة" و مصطفى أتاتورك في أبهى الصور أوجمل الأشكال و الهيئات والألوان.. على مستويات مختلفة ومتنوعة أغرت ملايين العرب من المحيط إلى الخليج لزيارة هذا البلد للإطلاع المباشر وبالملموس على ما يتابعونه على شاشة التلفاز، سواء في إطار سياحة عادية، طبية، ثقافية، أو اقتصادية تجارية.. غير أن الوقوف على واقع الأمر هناك في إسطنبول، واللقاء بنماذج معينة من مرضى مغاربة، خاصة الأطفال ..، خالف الاعتقاد البدئي هذا، وغير من الصورة الأولية (النمطية) التي رسمتها المخيلة الشيء الكثير .. فالمعنيون ليسوا سواحا ولا زوارا مترفين يبحثون عن الكماليات و الجماليات و الترفيه و الاستمتاع.. ، وإنما مرضى غالبيتهم أطفال ورضع يعانون من أمراض خطيرة، ميؤوس من شفائها حسب ما استخلصته "تقارير" طبية تمت ديباجتها في المغرب، وذووهم أناس معدمون، استسلموا، لضعف الحالة، للمصير المظلم لفلذات أكبادهم وهو الموت، لكن المشيئة الربانية كان لها " رأي" آخر، وهو " القلوب الرحيمة" التي تدخلت للإنقاذ وزراعة البسمة على محيا الأولياء و الاباء وبث الامل في حياة أفضل بالنسبة لهؤلاء المرضى، خاصة الأطفال و الرضع الذين لا زالوا لم يتذوقوا بعد " معنى" الحياة بحلوها ومرها.. بعدما تكلفت تلك " القلوب" بكل مصاريف الاستشفاء التي تقدر بعشرات الملايين من السنتيمات..
أربعة أيام، ( من 22 إلى 25 يناير الماضي) مدة الإقامة في اسطنبول أو القسطنطينية أو الأستانة، كما كانت تلقب في فترات ماضية، وهي بالمناسبة ثامن أكبر المدن العالمية من حيث الكثافة السكانية، كانت كافية نسبيا، على أرض الواقع، للإطلاع على الوجه الآخر، من طينة هؤلاء السياح المغاربة، غير المنبهرين بما تقدمه لنا الدراما التركية.. والمترجين فقط في القدرة الإلهية أن تفسح وتفتح لهم أبواب الشفاء و الآمل في عيش أفضل بدون ألم أو ضرر..
جمال الملحاني
اليوم الأول.. الاتصال..
كانت هذه رحلتي الأولى إلى تركيا، والضبط إلى اسطنبول، رحلة مفاجئة ليست في الحسبان، انطلقت بداية من التحرك صباحا الاثنين رفقة الزميل خالد العطاوي من " الصباح" صوب مطار محمد الخامس من الدار البيضاء، واللقاء هناك بالزميل إبراهيم بوعلو من " الأحداث المغربية" و الزميلة السعدي خليفة، حيث تم إنهاء إجراءات السفر بصورة سلسلة و بدون تعقيدات و بمرونة عالية من قبل رجال الأمن والجمارك بالرغم من كثافة المسافرين المغادرين تلك اللحظة صوب بقاع مختلفة من المعمورة.
الرحلة الى اسطنبول عبر طائرة ضخمة من الخطوط الجوية التركية احتوت أزيد من 300 مسافر، كانت بالنسبة للعديد من المسافرين نقطة عبور فقط نحو وجهتهم النهائية، الأراضي المقدسة، (مكة والمدينة) بالنسبة للمعمرين المغاربة، والصين بالنسبة للسواح الصينيين الزائرين المغرب.. ، الذين كانوا بأعداد كبيرة.
بعد خمس ساعات من الطيران قطع أجواء المغرب ، الجزائر، تونس، مالطا، إيطاليا، ألبانيا، بعض دول البلقان، اليونان ثم الشق الاوروبي من تركيا، وصلنا ليلا بسلام إلى مطار " أتاتورك"، حيث لم تكن هناك زحمة بالمطار الفسيح العريض، وتم إنهاء إجراءات الدخول بطريقة سهلة لنتوجه مباشرة صوب وكالة المؤسسة الصحية "أجيباديم" بالمطار التي خصصت للوفد الصحافي المغربي حافلة صغيرة للتنقل إلى الفندق المطل على ساحة "تقسيم" الشهيرة، التي تعني باللغة العربية "توزيع"، ومصدر التسمية هاته، كما يروى، أن الساحة التي برز اسمها أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة التي عرفتها تركيا السنة الماضية، كانت مركزا تتجمع فيها خطوط المياة الرئيسية للمدينة التي تتفرع إلى أجزاء أخرى نحو الأحياء، وقد أطلق عليها هذا الاسم السلطان محمد الأول. وهي الآن مركز النقل الرئيسي بالمدينة ومقصد السياح من كل حدب وصوب.. باعتبارها المكان المفضل للمناسبات العامة مثل تنظيم المسيرات والتظاهرات والاحتفالات في المناسبات الاجتماعية والوطنية..
قبل الوصول إلى الفندق، كان الاتصال بهذه المدينة العملاقة، في أجواء ماطرة، مباشرة من بوابة المطار الملاصق بها، حيث العمارات الشاهقة والتجمعات السكانية الفخمة والطرق السيارة السريعة التي تخترق جميع أرجاء المدينة، لا أثر فيها للدراجات النارية والعادية والراجلين.. خلا خطوط نقل "الترام واي" أو "الباص واي" التي تتوسط الاتجاهين المقابلين لكل طريق سريع..، الذي يعد الولوج إليه من قبل الغرباء كأنه دخول في متاهة يصعب الخروج منها بالرغم من انسيابية التحرك فيها..، إذ كل مسار من هذه المسارات الكثيرة يؤدي بالسائق إلى آخر حتى الوصول إلى الحي الذي يريد والمكان الذي يبتغي، وكذلك الأمر كان، حيث حطت بنا الحافلة الصغيرة منتصف الليل بالفندق، الذي كانت غرفتي فيه تطل من واجهته الخلفية على ملعب فريق "بسيكتاش" لكرة القدم، الذي قضى فيه اللاعب الدولي المغربي ومدرب منتخب المحليين الحالي جمال السلامي أزهى أيامه الاحترافية الكروية، كما كانت تطل على أحد الجسور الثلاثة التي تربط الشق الأوروبي للمدينة بالشق الاسيوي.. وهو جسر طويل عريض مضيء ليلا باللونين الازرق والأحمر يطلق عليه جسر " البوسفور" أو جسر " شهداء 15 يوليوز" ..، لا يعرف هدوءا على مدار اليوم بفعل حركة السير التي تسجلها جسور ضفتي القارتين أو بالأحرى ضفتي المدينة التي تمتد بناياتها على مد البصر من كل الاتجاهات..
اليوم الثاني .. بداية اللقاءات
أول تعرف على هذه المدينة التاريخية، التي تجسد بحق كنه الحضارة العثمانية، كان في اليوم الثاني من هذه الرحلة الاستطلاعية عن المرضى المتواجدين بالمستشفيات التركية، إذا كان الاستيقاظ قبل أذان الفجر في الساعة السابعة (الأذان في 7.20د) باعتبار أن الزيارة الأولى للمرضى المغاربة ستنطلق عبر رحلة طويلة داخل المدينة ستدوم أكثر من ساعة إلا ربع عبر طرقها السريعة إلى مستشفى الجامعي" أجيباديم هستانيزي" وهو واحد من الفروع الكثيرة من المجموعة الاستشفائية " أجيباديم" الكبيرة المتواجدة في مجموع التراب التركي، وكذا في بعض الدول الأوروبية ، إذ تحتضن جميع مستشفياته مراكز طبية متخصصة، منها سبعة مراكز لمحاربة السرطان (جراحة، علاج بالأشعة، علاج كيميائي)، اثنا عشر مركزا لأمراض القلب (العلاج و الجراحة للبالغين و الأطفال)، تسعة مراكز للتخصيب (علاج العقم – IVF)، تسعة مراكز لزراعة الأعضاء (كبد، كلي، نقي العظم)، أربعة مراكز للعمود الفقري، ومركز طبي لعلاح الرياضيين معتمد من قبل الفيفا، ثمانية مراكز لطب الأعصاب و خمسة مراكز متخصصة في الجراحة الروبوتية .. تتوفر حميعها على أحدث المعدات التقنية المتقدمة في عالم تكنولوجيا الطب بالإضافة إلى كفاءات طبية من مستوى عال ..
كان اللقاء بداية، بمعية مرفقنا محمد عاشور الإعلامي الجزائري الطيب المتخصص في الشؤون الصحية والملحق الصحافي العربي بالمجموعة، مع طاقم إداري عربي لهذه المجموعة الاستشفائية الشهيرة مشكل من ثلاث سيدات مغربيات وجزائرية، وهن على التوالي مريم بكراوي أنلما و إيمان نصر يوجي من إدارة التسويق والتواصل وزينب ريقي واسماء طوكتاش من إدارة خدمة المرضى الأجانب، اللواتي كن صلة الوصل بين الوفد الصحفي المغربي وطاقم مستشفى بإدارييه وطاقمه الطبي، بل إنهن يشكلن الأسرة الثانية للمرضى المغاربة والمغاربيين، باعتبار الدور الكبير والعظيم الذي يقمن به في عملية الترجمة و التواصل وملء الفراغ العاطفي الاسري و الوطني في بلاد الغربة بالنسبة إليهم، من خلال طيبوبتهن وإنصاتهن ومواساتهم في وقت الحاجة.. ثم بعد ذلك الاتصال مع أول حالة مغربية ترقد في هذا المستشفى الكبير منذ أكثر من ثلاثة شهور، وهي طفلة رضيعة يتجاوز عمرها سنة بقليل، أوناصر فاطمة الزاهراء، التي خضعت لعملية زرع كبد ناجحة على يد الدكنور رمزي امير أوغلو.
حكاية الصغيرة فاطمة الزهراء وتواجدها بهذا المستشفى التركي، كما جاءت على لسان والدها السيد أوناصر، وهو من قاطني جماعة بنوعمان بإقليم تزينيت، تعود إلى إصابتها بانتفاخ كبير في البطن منذ الشهور الأولى من ولادتها، الأمر الذي اضطره لنقلها المستشفى اللإقليمي بتزنيت، الذي نصحه أطباؤه بحملها إلى مستشفى ابن زهر باكادير من منطلق الإمكانيات الطبية والعلاجية التي يتوفر عليها. ويضيف السيد أوناصر، والدموع تنهمر من عينيه إلى جانب زوجته التي لا تتكلم إلا بلسان أمازيغي، أنه بعد الفحص في المستشفى الأكاديري وإجراء التحاليل.. تبين أن طفلته الرضيعة أصيبت بفشل في وظائف الكبد، فنصحوه بحمل ابنته إلى البيت إلى حين أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وبالنظر لضعف الحالة استجاب مكرها لا طوعا.. للمصير المحتوم، إلا أن أبناء البلدة – يقول السيد أوناصر – عندما علموا بالأمر طلبوا يد المساعد للصغيرة عبر صفحات التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" ، حيث كانت الاستجابة جد سريعة لم تتجاوز 24 ساعة من طرف جمعية فرنسية تدعى " Ilot calin"، التي طلبت من أصحاب النداء الاتصال بالأسرة وبعث الملف الطبي للرضيعة على وجه السرعة، وبعد 24 من ألإرسال نصحت الجمعية الفرنسية، التي تسيرها السيدة أنجليك، بحمل فاطمة الزهراء إلى إحدى المصحات بالدار البيضاء من أجل عملية الاستشفاء ألأولي الذي دام قرابة شهر، ثم بعد ذلك نقلها إلى مستشفى " اجيباديم" بأسطنبول من أجل جراء عملية زرع الكبد للرضيعة بعد أخذ جزء من كبد من والدتها، وذلك في إطار اتفاقية تعاون بين هذا المؤسسة الاستشفائية التركية والجمعية الفرنسية التي تجمع أموال مساعدة المرضى من تبرعات الجالية المغربية والمغاربية المتواجدة بفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية، حيث كانت مجموع تكاليف العلاج و النقل و الإقامة حوالي 65 الف أورو..، فكان الأمر كذلك- يضيف أوناصر – ونجحت العملية واحتفلت ابنته فاطمة الزهراء بعيد ميلادها الأول بهذا المستشفى منذ أيام قليله حضره طبيبها المعالج ونخبة الأطر الطبية والتمريضية
في هذا السياق أوضح الطاقم الإداري المغربي- المغاربي المشتغل في هذه المؤسسة الاستشفائية التركية، أن حوالي 100 حالة مرضية مغربية تتوافد سنويا على مراكز " اجيباديم" من أجل زراعة الكبد، أو الكلي، أو إجراء جراحة المخ أو الأعصاب أوعلاج أمراض السرطان ..، وأغلبها حالات تهم أطفالا من أسر جد فقيرة من المغرب تتكفل جمعية "إلو كولان" بهم وبذويهم، علاجا، إقامة وتغذية.. من منطلق أن تكلفة العلاج بالأراضي التركية أر خص من أوروبا وبالضبط من فرنسا مع جودة عالية في التطبيب والعلاج..
الحالة المغربية في هذا اليوم (الثلاثاء 23 يناير الجاري) لم تكن الوحيدة عربيا في هذا المستشفى التركي، فقد أتيحت الفرصة للوفد الصحافي المغربي في هذا الإطار زيارة حالة طفلة جزائرية صغيرة تدعى إيناس كانت تعاني من نقص جد واضح في إحدى رجليها بفارق عشر سنتيمات عن الأخرى، وقد أوضح طبيبها المعالج الدكتور صالح مارانكوز للوفد المغربي، أن هذا المرض جد نادر يصيب حالة واحدة من بين مئة ألف نسمة، ويحتاج إلى عدة عمليات جراحية من أجل زيادة نمو عظم المريض، وهو الأمر الذي تخضع له الطفلة إيناس حاليا بنجاح عبر مراحل.. إلى أن يكتمل النمو ويعود مشي الطفل في وضعية طبيعية..
هذا، والفرق بين الحالتين المغربية والجزائرية في هذا المستشفى أنه إذا كانت الأولى وراءها جمعية فرنسية ممولة بتبرعات أبناء الجالية المغربية و المغاربية.. ، فإن الحالة الثانية كان وراء عملية استشفائها برنامج تلفزيوني اجتماعي تبثة إحدى القنوات الجزائرية بعنوان "وافعلو الخير" كما صرح بذلك والد إيناس، الذي كان بداية متحفظا عن الإدلاء بأي تصريح للوفد المغربي.. الذي كانت له بعد ذلك فرصة الاطلاع وزيارة الكثير من أجنحة هذا المستشفى الكبير ذي الطوابق تحت الارضية و العلوية العديدة تختص بعضها في تقديم خدمات طبية معينة بل ، حتى مطاعم وكأن الزائر إليها يتواجد في فنادق فخمة مصنفة..
بعد الانتهاء من هذه الزيارة الصباحية (….) ، كان للوفد الصحافي المغربي، بعد زوال اليوم نفسه، زيارة أخرى لمستشفى ثان تابع لمجموعة "أجيباديم" يتواجد في الطرف الأخر من المدينة في شقها الأوروبي..، استغرقت مدة الوصول إليه أكثر من أربعين دقيقة، بالرغم من انسيابية المرور في طرق سريعة سيارة تعتبر شرايين رئيسية أساسية داخل المدينة.. وكانت الفرصة خلالها ثمينة لمشاهدة أصناف وأشكال مختلفة ومتنوعة من التراث المعماري التركي الحديث منه و القديم على طول الشريط مضيق البوسفور الذي يربط بين البحر الأسود و بحر مرمرة.. وكانت أبرز المشاهد وأجملها تلك المساجد بقببها المتنوعة الأحجام وصومعاتها المختلفة الأعداد..، كشف لنا بصددها مرافقنا الإعلامي الجزائري عاشور، أن المسجد ذا الصومعة الدائرية الطويلة الواحدة يعني في العرف التركي أن سيدة ذات جاه و مال هي التي شيدته من مالها الخاص، والمسجد ذا الصومعتين أن رجلا هو من تكلف ببنائه، والمسجد ذا ثلاث صوامع أن الحكومة أو السلطات المحلية هي التي قامت بتشييده، في حين المسجد ذا أربع صوامع فيعني الشعب، هو من بادر بتاسيسه من خلال تبرعاته واكتتاباته .. وقد استمرت هاته الرحلة المدينية "الاستطلاعية" إلى غاية الوصول إلى مستشفى " بكر كوي" من أجل التعرف على حالة رضيعة مغربية ترقد في هذا المستشفى الكبير الواسع والمطل على إحدى المناطق السياحية الشهيرة بإسطنبول، بل في تركيا جميعها، وهي " جزر الأميرات" التسعة العائمة في بحر مرمرة، أربعٌ منها كبيرة، وهي جزيرة "بويوكادا: وهي الأكبر والأشهر، وجزيرة "حقيبة السَّرج"، و"جزيرة القلعة"، وجزيرة "الحنَّاء"، وخمسٌ من الجُزر الصَّغيرة، وهي جزيرة "أم اللُّؤلؤ"، و"الجزيرة المسطَّحة"، و"الجزيرة الحادَّة"، وجزيرة "الأرنب"، وجزيرة "الملعقة"، يقصدها الكثير من السُّيَّاح للاستجمام والرَّاحة والاستمتاع بالمناظر الطَّبيعيَّة الخلَّابة، ومن أجمل ما يميِّز هذه الجُزُر هو عدم وجود السَّيَّارات فيها والهدوء السَّاحر البعيد عن ضجيج المدينة والسَّيَّارات، ووسائل التَّنقِّل المتاحة فيها هي المشي على الأقدام أو ركوب عربات الخيل، أو امتطاء الدَّرَّاجات الهوائيَّة أو النَّاريَّة الصَّغيرة فقط..
قبل الالتحاق بغرفة الرضيعة المغربية المريضة تمت إتاحة الفرصة للوفد الصحافي المغربي بجولة استطلاعية بالمستشفى، الذي لا يقل شأنا عن سابقه مستشفى "أجيباديم هستانيزي" من حيث كبره ونظافته وأجنحة تخصصاته الكثيرة، حيث تم الكشف لنا في هذا الإطار أن المرضى الأجانب الذين يأتون إلى مستشفيات مجموعة "أجيباديم" يقدر سنويا بحوالي 30 ألف مريض من 47 دولة، تتم دراسة ملفاتهم الطبية أولا من خلال إرسالها عبر " الإيملات" وتتم ترجمتها وبعثها للأطباء المختصين، وخلال 24 ساعة يتم بعث الجواب للمعنيين بالأمر مع تحديد الكلفة و مدة الإقامة إذا تم قبول الملف.. وإذا حل المريض بالمستشفى يتم تخصيص مترجم مرافق له، وغالبا ما يكون من الدولة التي ينتمي إليها.. وهذا المسار هو الذي سلكته حالة الرضيعة المغربية من الدارالبيضاء "رحمة" التي لا يتجاوز عمرها السنة، والتي كانت مصحوبة بإحدى قريبات الأسرة في مشوارها العلاجي هذا.
القريبة أوضحت للوفد المغربي أن الحالة الصحية للرضيعة "رحمة" جيدة للغاية، وستغادر المستشفى نحو المغرب في غضون ثلاثة أيام المقبلة بعد أن خضعت للعلاج لمدة ثلاثة أشهر، تم خلالها إجراء عمليات جراحية على الدماغ و العمود الفقري من أجل إزالة المياه المترسبة في المخ، التي سببت لها انتفاخا كبيرا في الراس.. كاد يودي بحياتها لولا الألطاف الربانية وتدخلات جمعية " إيلو كالان" الفرنسية التي تحملت جميع تكاليف الرحلة الاستشفائية بالكامل في الوقت، وذلك بالرغم من العلاجات التي خضعت لها الصغيرة طيلة شهر بالكامل بمستشفى ابن سينا بالرباط، الذي اعتبر – تقول المرافقة – بعد هذه المدة أن حالتها "ميؤوس من شفائها.."
اليوم الثالث.. زيارة أحد أضخم المستشفيات في الشرق الاوسط بالشق الأسيوي لأسطنبول
تميزت أنشطة اليوم الثالث من هذه الرحلة الاستطلاعية حول المرضى المغاربة المتواجدين بالمستشفيات التركية، بزيارة لأحد أكبر المراكز الاستشفائية ليس في تركيا فحسب ، بل في الشرق الأوسط وهو مستشفى " أجيباديم ألتو نيزادة".. الوصول إليه صباح اليوم الأربعاء 24 يناير، كان يتطلب قطع مضيق البوسفور عبر جسر" شهداء 15 يوليوز" في أجواء ماطرة ورياح قوية تدفع بندف من الثلج في كل الاتجاهات قبل أن تصل ماء صافيا إلى الأرض.. ، وأهم ما تمت ملاحظته أثناء الوصول إلى الضفة الأسيوية من الفوسفور هو الكثافة السكانية القليلة نسبيا مقارنة مع الضفة الأوروبية..
بناية المستشفى التي يتواجد بها بعض المرضى المغاربة، تحتل مساحة أرضية جد واسعة، تتشكل من 11 طابقا، خمسة منها تحت أرضي، تحتوي على أجنحة، أو بالأحرى مصحات كبيرة تختص كل واحدة منها في مجال طبي معين، سواء على مستوى التشخيص، التطبيب و المختبرات.. في أكثر من 90 اختصاصا طبيا، بمعنى أن كل مصحة فيه مستقلة عن الأخرى، كما تتواجد فيه الإدارة العامة لمجموعة "أجيباديم الطبية" بما فيه مكتب الإداريات المغربيات الثلاث، اللواتي كن عونا وبوصلة لنا في هذا الفضاء الاستشفائي الواسع جدا.. الذي يتوفر على آخر "الصيحات" في تكنولوجيا عالم الطب بكل أجنحته، كما تتوفر فيه مطاعم تضاهي مطاعم فنادق خمسة نجوم، بل تتواجد فيه صالونات حلاقة خاصة بمستخدمي وموظفي المجموعة من ممرضين و أطباء.. كي يظهروا في أحسن صورة.. بل، ايضا، تتواجد فيه " سيدات بوصلة" وهن شابات يرتدين أقمصة على ظهورها رسم البوصلة من أجل اقتياد زبناء وزوار المستشفى إلى حيث يريدون، لأن الداخل إليه ( المستشفى)، سواء إلى طوابقه تحت الأرضية أو العلوية و كأنه داخل إلى متاهة متشابكة.. و كان أجمل ما صادفه الوفد الصحافي المغربي في هذا السياق، وهو يتأهب للقاء الدكتورة " شيدام كاراد" التي قامت بإجراء عملية جراحة ناجحة لمريض مغربي يدعى (م. واسلام) من الدار البيضاء, كان يعاني من ورم سرطاني خبيث كبير على مستوى الرأس و العنق، تواجد موسيقية تركية شابة وسط بهو المستشفى الكبير هذا، و هي تعزف على آلة "الستيارة"، من أجل الترفيه عن المرضي والزوار معا..
الدكتورة "شيدام"، وهي سيدة في الثلاثينيات من العمر، أوضحت أن مريضها المغربي كان حالة ميوؤس من شفائها باعتبار خطورة المرض الذي وصل إلى مراحله المتأخرة، لكن الألطاف الربانية وعزيمة " واسلام" كانت قوية لتجاوز محنة هذا المرض الخبيث بعد أن انتشر في سائر عنقه وجزء من الرأس بما فيها بعض العظام..، حيث دامت عملية إزالة الورم الخبيث زهاء 14 ساعة متواصلة.. وقد كان الفضل في ذلك، حسب تصريحات الإداريات المغربيات العاملات بهذا المركب الاستشفائي لجمعية " إيلو كالان" وتبرعات أبناء الجالية المغربية والمغاربية في بلاد المهجر، اللواتي أضفن أنهن ينتظرن، في الأيام القليلة المقبلة، زيارة مريض مغربي آخر يعاني من مرض خطير من أجل الاستشفاء بهذا المركز بعدما حظي بعطف العديد من المتبرعين المغاربة عبر البرنامج الإذاعي "انت ماشي بوحدك" الذي تنشطه الإعلامية نهاد بنعكيدة على أثير "إم.إف .إف"، وهي التي كان لها سابق ظهور امام المشاهد المغربي عبر قناة " ميدي1 تي في" من خلال " قصة الناس".
العودة إلى مقر الإقامة بالجهة الأوروبية من مضيق البوسفور بعد الزيارة، لم يتطلب وقتا كثيرا، بحكم انسيابية المرور في الطرق السريعة في فترة بعد الزوال، وانعدام أي نشاط صحافي آخر مبرمج في هذه الرحلة، حيث كانت الفرصة مناسبة للزملاء الصحافيين والسويعات القليلة المتبقية قبل يوم العودة ،الخميس 25 يناير، للقيام بجولة سياحية إلى أهم المعالم التاريخية لأسطنبول الاوروبية، التي تحتوي على أغلب المزارات بالمدينة. فكانت البداية التوجه نحو جامع السلطان أحمد المسمى " الجامع الأزرق" الذي يتفرد بست منارات و المشهور ببلاط الإزنيك الأزرق، حيث تغطي جدرانه 21043 بلاطة خزفية تجمع أكثر من خمسين تصميماً، وتشغل الزخارف المدهونة كل جزء من أجزاء المسجد، وقد أضفى لونها الأزرق على جو المسجد من الداخل إحساسًا قويًا بسيطرة هذا اللون. وقد تم بناء المسجد ما بين 1609 و1616 أثناء حكم السلطان العثماني أحمد الأول.. وللوصول إليه كان لزاما علينا ركوب" الميترو" من ساحة "تقسيم" نزولا إلى منطقة ميناء "كاباتاش" ومن ثمة ركوب "التراموي" وقطع سبع محطات كاملة، بما فيها محطة "كالاطساراي" الشهيرة بفريقها الكروي الشعبي بتركيا.. وبالنظر إلى ضيق الوقت، فقد كانت الزيارة إلى المسجد خفيفة وكذا إلى ساحته الخارجية الفسيحة، حيث توجد المسلة الفرعونية بنقوشاتها الواضحة، فيما تعذر علينا زيارة معلم ثان بارز قريب منه وهو متحف "أيا صوفيا" بسبب انتهاء وقت زيارة العموم، و"أيا صوفيا" كاتدرائية سابقة ومسجد سابق وحاليا متحف يعد من أبرز النماذج على العمارة البيزنطية والزخرفة العثمانية.. فاهتبلنا الفرصة للقيام بزيارة حي السلطان أحمد، نسبة إلى السلطان أحمد الأول، وهو منطقة أثرية وسياحية بالجوامع والكنائس والمطاعم والحدائق والمتاحف، من قبيل السوق المصري، والسوق المغلق، ومقبرة ضريح السلطان أحمد، وأيضا متحف الصحافة باسطنبول، الذي وإن كان قد انتهى وقت زيارته بالنسبة للعموم، فهذا لم يمنعنا من الولوج إليه بإلحاح، خصوصا عندما علم المشرفون عليه بأننا وفد صحافي مغربي.. ، حيث تمكنا من الإطلاع على نماذج معينة من أليات الطبع القديمة وألات التصوير والصحف والكتب القديمة..
والليل يرخي سدوله على المنطقة، التي تعرف حركية جد واسعة، باعتبار أن زائريها يتجاوزون مليوني شخص يوميا، قررنا، قبل العودة باكرا غدا الخميس ( 25 يناير) إلى المغرب عبر الخطوط الجوية التركية، الرجوع إلى ساحة "تقسيم" من نفس مسار الذهاب، ومن تم القيام بزيارة طويلة امتدت إلى ما بعد منتصف الليل لأحد، بل أبرز شرايينها السياحية، وهو "شارع الاستقلال"، الذي يعد من أشهر الشوارع بتركيا، ويمتد من النصب التذكاري الشهير في وسط ساحة "تقسيم" على مدى ثلاثة كيلمترات..، إلى "تونيل" حيث منطقة برج "غلاطة" أحد اشهر المعالم التاريخية في اسطنبول أيضا.. ويزور الشارع يوميا أكثر من ثلاثة ملايين شخص، من منطلق أنه يحتوي على الكثير من المباني الأثرية و الدينية و الثقافية ومحلات ملابس ومعارض ومكتبات ومقاه متنوعة، وملاهي ليلية، كما تخترقه عربة " ترام" قديم أقيم منذ العهد العثماني..، مثلما يعتبر مكان تجمع الفنانين من كل الأجناس، إذا التجوال به ليلا ونهارا يتيح للزائر التمتع بأنواع مختلفة من الموسيقى، التركية، العربية، الفلاميكو، أمريكا اللاتينية وغيرها.. بحكم عدد الفنانين الذين يحتضنهم طوال فترات اليوم تحت حراسة أمنية مكثفة.. السرية منها و الظاهرة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.