تسيب، آليات معطلة، ممرضون غائبون، عوضهم حراس الأمن الخاص وعاملات النظافة، ترحيل المرضى نحو القطاع الخاص... خروقات بالجملة تنخر مستشفى محمد الخامس بالجديدة، وتهدد حياة مواطنين فقراء من سكان عاصمة دكالة. الخدمات بهذا المستشفى هي موضوع الساعة لدى الخاص والعام في المدينة والشكايات في شأنها حررت بالمئات أما التدخلات المركزية لتحسين الأوضاع وتقوية بنيات الاستقبال فتكاد تكون منعدمة إن لم تكن منعدمة بالمطلق0 **************************** نساء ورجال من مختلفي الأعمار، انتشروا في جنبات الباب الرئيسي لمستشفى محمد الخامس بالجديدة. الكل عينه على الحاجز الحديدي حتى يرفع لزيارة قريب أو عزيز، يعدون الدقائق بتذمر وضيق، بين الحين والآخر يبادر أحد الزوار من المنتظرين إلى محاولات للدخول قبل وقت الزيارة المسائية، التي وضعت له إدارة المشفى الساعة الرابعة0 محاولات تبتدأ بمصافحة حارس الأمن مصافحة قدرها10 أو 20 درهما حسب أريحية الزائر، ليتم إدخاله أمام الزوار المنتظرين، مايخلف صيحات من الاستهجان والاحتجاج على هذا السلوك من طرف حراس الأمن، لتقرر بعض النسوة من الزائرات الدخول زادهن في ذلك توسلات تقابل بجفاء من حراس الأمن وتنتهي بنهر إحداهن لتعود خائبة إلى طابور المنتظرين، في انتظار الساعة الرابعة: “موعد” الزيارة. مستشفى من زمن «التيفوس» تشير الفرنسية دولانوي التي شغلت منصب أول مديرة لمستشفى محمد الخامس، أنه بني سنة 1916، وهو من جيل المستشفيات الأولى بالمغرب التي رأت النور مع عهد الحماية بالمغرب. وعددت الطبيبة الفرنسية في كتاب يؤرخ للمستشفى، أمراضا كانت منتشرة بشكل كبير بمدينة الجديدة، وفي مقدمتها التيفوس الذي فتك بأعداد كبيرة من السكان، إلى جانب الجرب والسل، ولم تنس أن القمل كان منتشرا بشكل كبير في أوساط السكان وأنه الحشرة الخطيرة الناقلة للأمراض آنذاك. ولم تنس دولا نوي، أو “مدام شابو” كما كان يحلو للجديديين تلقيبها، أن تطعم كتابها القيم بصور لمرضى مغاربة بالمستشفى المذكور يتلقون العلاج بكل الاهتمام الممكن والنظام المطلوب. مستعجلات بآليات معطلة امرأة في مقتبل العمر رفقة ابنتها ذات الثمانية سنوات، تتكأ على الزوج، علامات الهلع بادية على شريك حياتها، هلع يزداد حينما ترسل الزوجة صرخات ألم آتية من الأعماق، وهي تمسك بجنبها الأيمن، صرخات لم يُعِر لها ثلاثة من الممرضات المداومات أي اهتمام، في حين ذهب الزوج المغلوب على أمره إلى شباك الأداء، لإتمام الاجراءات على عجل0 بعد أن دفع الزوج مصاريف الاستشفاء، أسرع للاتحاق بزوجته التي لم تبرح مكانها في الرواق الضيق للمستعجلات، حيث تجمع بعض الزوار، ما بين من جلبه الفضول، وصرخات المرأة المتألمة، لمعرفة ما يجرى، بينما انخرط البعض من «العارفين» في تشخيص ما تعاني منه السيدة، إذ همست إحداهن للزوج «واقيلا عندها مسكينة المصرانة الزايدة!»0 الزوج بادر إلى إدخال زوجته إلى غرفة الأشعة، لكن ُصعق حينما أخبره الطبيب أن «السكانير خاسر»، إجابة جعلت الزوج يخرج من فمه قاموسا متنوعا من السباب، لاعنا مدبري الشأن الصحي، وحظه العاثر:«دابا أشنو؟؟ فلوس السكانير غنضيع فيهم؟؟، لا سكانير لا فلوس؟ أو التعطال مازال؟» أسئلة حاصرت الطاقم الطبي، انبرى لها أحد الأطباء:«صافي درتي اللي قال ليك راسك؟ ياك قلت ليك السكانير خاسر؟؟» إجابة فظة كادت أن تتسبب في عراك بين الزوج والطبيب، لولا أن هذا الأخير بادر الزوج بالقول أنه يمكن أن يسترد مبلغ 500درهم لقاء السكانير الذي دفعه، على أن يسرع بزوجته إلى إحدى المصحات الخاصة التي لا تبعد أكثر من 200 متر من المستشفى حيث يمكن أن يجري الأشعة، على أن يعود بنتيجة الأشعة إليه، يحدث كل هذا وزوجته مازالت تئن من فرط الألم، ليصطحب الزوج زوجته عبر سيارة أجرة عازما على عدم العودة مجددا إلى الجديدة ومستشفاها الإقليمي، وهو القادم من الدارالبيضاء لزيارة أصهاره في عطلة ذكرى المولد النبوي0 قسم الإنعاش أشبه ب«محطة قطار» «آش هاد الشي، هذا إنعاش أولا سوق؟» تستغرب إحدى الزائرات القادمة من الدارالبيضاء، التي حضرت لزيارة قريب لها بالإنعاش في السابع من فبراير الماضي، لكنها فوجئت بالحشد الكبير من الزوار الذين «داهموا» قسم الإنعاش، القاسم المشترك بينهم أن لهم قريبا تعرض لحادثة سير، وأخبروا أنه يحتضر وجاؤوا لمساندة أبويه، هذا «الانزال الكثيف» جعل ممرات قسم الانعاش تكتظ، وانخرطت بعض النساء من قريبات المريض في النواح بنبرة حزينة تفتت الأكباد:« آه ياوليدي مشفتي ما تشوفتي!!»، وغيرها من العبارات التي جعلت بعض الحاضرات من النساء، ينخرطن في البكاء، بينما اتجه «وفد» من الزوار صوب قاعة الانعاش، حيث تتواجد أسرة المصابين، كما لو ولجوا قاعة عادية، أمام استهجان واحتجاج بعض مرافقي المرضى، متناسين أنهم هم بدورهم مطالبون بترك غرفة الانعاش0 فجأة تلتحق بعض عناصر الأمن الخاص بقسم الانعاش لإخلائه من المقتحمين، أمام تذمر الطبيبة الرئيسية، التي بادرت بإغلاق القسم في وجه المقتحمين من الزوار وطلب تعزيزات من رجال الأمن الخاص0 قسم الانعاش لا يتوفر إلا على 10 أسرة حقيقية، أي بمعدل سرير لكل 60000 مواطن جديدي في إقليم يصل عدد سكانه 600 ألف نسمة. ولنا أن نتصور كيف يكون هذا القسم لما يتجاوز نزلاء 10، يحتفظ بحادث امرأة من أزمور لما اشتد عليها الحال بسبب داء السكري استقدم لها أهلها فقيها بات يقرأ عليها القرآن الليل كله إلى أن وافاها الأجل المحتوم، في غياب طبيب منعش أقفل هاتفه المحمول وخلد إلى نوم ثقيل. أما مستودع الأموات، فهو عبارة عن مكان متلاشيات بدون أجهزة تبريد، وكان نقطة سوداء كشفتها القنوات التلفزية العالمية قبل 8 سنوات لما استقبل 51 جثة للسجناء الذين قضوا في حريق سيدي موسى. حنين رومنسي إلى عهد دولانوي مرت 95 سنة على إدارة دولانوي لمستشفى محمد الخامس، ليتساءل سكان الجديدة عن الأشياء الجديدة التي انضافت إلى المستشفى، ليأتي الجواب سريعا، أن الأمور تطورت نحو الأسوأ. أشياء كثيرة تم الإجهاز عليها وتراجعت حديقة المستشفى التي كانت متنفسا للمرضى، على حساب إضافة مركبات إسمنتية بطريقة عشوائية حولت المستشفى إلى ما يشبه السجن. ولم يحقق مصالحة سكان الجديدة مع هذه المؤسسة الصحية التي كانوا يلجونها زمن دولانوي بقلوب مرتاحة ومطمئنة للعلاج، وإن كان بطرق أقل تقدما من الآن. كما أن المستشفى لم تنجح فيه سياسة الابتسامة التي كان أطلقها المرحوم عبد الرحيم الهاروشي يوم كان وزيرا للصحة العمومية، سيما أن نساء حوامل ينهرن بشكل لا إنساني ويلدن على عتبة القسم وسط القطط والمواطنين في شهر رمضان0 بالرغم من ذلك فإن أحمد الذي جاء صحبة أخيه وزوجته التي وضعت مولودها في السابع من فبراير الماضي، أكد تحسن الخدمات في قسم الولادة عن ذي قبل. حصيلة مرتفعة من الموتى رسخت الحصيلة المرتفعة من الموتى سنويا لدى الجديديين، صورة لا يمكن محوها من مخيلتهم، أن الداخل إلى مستشفى محمد الخامس مفقود والخارج مولود. فهو المستشفى الذي يسجل نسبة أعلى في وفيات الأمهات أثناء الوضع. متجاوزا المعدل الوطني بشكل كبير، وهو الذي تعطلت فيه معظم الأجهزة الطبية نظير الكشف بالصدى وجهاز كشف سرطان الثدي الماموغرافي وكرسي جراحة الأسنان الذي لم يشغل منذ وضعه بقاعة الفحص قبالة فندق الأندلس قبل سنوات 10، وهو ما يجعل ذوي الدخل المحدود من المرضى تحت رحمة القطاع الخاص . وهو المستشفى الذي يحشر فيه المختلون عقليا ك “السردين” في قسم شهد حوادث قتل بين نزلائه، مازالت موضوع قضايا جارية بالمحاكم بسبب المسؤولية التقصيرية. وهو المستشفى كذلك الذي مازال مرضاه من المتشردين ينهشهم القمل بسبب غياب رشاشات صحية. وهو كذلك الذي تسجل به وفيات عديدة ناتجة عن إهمال وأخطاء طبية، إذ لا تزال جنباته تردد رجع الصدى لنواح أقارب شخص من العونات مات متأثرا بالطيطانوس جراء عدم حقنه بسيروم ثمنه درهما 12 و 25 وشاب ينحدر منطقة المناقرة بالزمامرة مات بسبب رفض أحد أطباء الكشف بالصدى المجيء إلى المستشفى لإنقاذ حياته، بالإضافة إلى فتاة في سن 24 سنة القادمة من أولاد احسين جاءت إلى المستشفى تمشي على رجليها وعادت جسدا مشلولا على كرسي متحرك، والشاب الذي ينحدر من الدواوير التابعة لجماعة الحوزية قضى نحبه في دجنبر 2011 بعد أن إمضى 14 يوما مصابا بإلتهاب السحايا، منذ أن حل المريض، قيد حياته بالمشفى، كان الطبيب المختص بأمراض الرأس في إجازة مرضية بعد تعرضه لحادثة سير ، وبقيت الأسرة تنتظر حلوله إلى أن مر اسبوعان قبل أن يطلب منها إخضاعه للمسح بالاشعة ، وبعد ذلك بيوم واحد فقد البصر . والقائمة طويلة لمرضى المستشفى الذين قضوا بسبب تهور طبيب فضل أن يلبي مصحات خاصة بدل تلبية نداء الواجب، حتى أصبح أطباء الحراسة ليلا يملون الوصفات على الممرضين بواسطة الهاتف ويتقاضون نهاية كل سنة تعويضات سمينة عن غيابهم المتواصل! حسبما أكد مصدر مطلع0 دراسة سرية أدانت المستشفى كانت دراسة سرية للجدوى خصص لها مبلغ 90 مليون سنتيم، أسندت لمكتب دراسات زمن المندوب السابق للوزارة عبد السلام الماعوني، أكدت أن مستشفى محمد الخامس لم يعد يؤدي الدور الذي من أجله شيد سنة 1916. وأوصت الدراسة بتوقيف الاستثمار به، مشيرة إلى أن العقليات التي عششت فيه والتي حولت أجنحته إلى محميات طبيعية لبعض الأطباء والممرضين، هي من ينبغي أن تكون موضوع تدخلات تصحيحية صارمة من المسؤول الأول عن القطاع بالمدينة. حيث نظم بعض المرضى أكثر من مرة وبمساندة من جمعيات حقوقية وقفات احتجاجية على فساد الوضع الصحي وعدم مواكبته لتطورات البلاد، وطالبوا بإيفاد مفتشين من الوزارة، كما أن المجلس الإقليمي صادق في إحدى دوراته على تكوين لجنة لتقصي الحقائق بمستشفى محمد الخامس، وتحميل المسؤولية للمندوب ومدير المستشفى. تهجير المرضى نحو القطاع الخاص حالات مرضية عديدة و متنوعة يتم “تهجيرها” يوميا من مستشفى محمد الخامس صوب المصحات الخاصة التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن المستشفى، بعد التحايل على أصحابها و بث الرعب في نفوسهم بأن علاج مرضهم يقتضي تدخلا جراحيا مستعجلا يستعصي إجراؤه بالمستشفى العمومي بدعوى عدم حضور “البناج” أو عدم شغور قاعة العمليات (البلوك) أو عدم توفر لوازم الجراحة، خوف يضطر المريض أو ذويه إلى الإذعان لرغبات هذا الصنف من الأطباء الذي لا يهمه سوى تحقيق الربح المادي، «شوف ولدك خاصو يفتح دابا، ولكن البناج ماكاينش ، ديها لي للكلينيك ديال (...) أنا أنسبقك تماك، أوجيبي معاك80 ألف ريال ثمن العملية، و عنداك تعطلي عليّ» هكذا حاول أحد الأطباء توجيه مريضه إلى مصحة خاصة، والتمس منه أن يمهله قليلا من الوقت كي يتدبر مصاريف العملية الجراحية سيما و أنه لا تتوفر على المبلغ المحدد حاليا بحكم أنه تاجر بسيط0 مرضى آخرون يتم تحويلهم صوب المصحات الخاصة بعد استفادتهم من الفحوصات الأولية و التحاليل الطبية التي عادة ما يصفها الأطباء قبل إجراء العمليات الجراحية بشكل مجاني داخل المستشفى العمومي بالجديدة ليتم احتسابها ضمن كشف الحسابات الذي تحدده إدارة المصحة عقب إجراء العملية والذي غالبا ما ترفض تسليم الفاتورة للمريض أو لذويه للحيلولة دون اطلاعه على التفاصيل المالية للعملية الجراحية و التي يتم النفخ فيها بشكل كبير سيما إذا تعلق الأمر بمريض من بين منخرطي منظمات الضمان الاجتماعي أو شركات التأمين عن المرض...”لا يعقل أن تبلغ النسبة الإضافية لعملية بسيطة تتعلق بترميم كسر عظم اليد 2000 درهم، مع العلم أن النسبة ذاتها لا تتجاوز 10% من المبلغ الإجمالي للعملية الجراحية الذي تؤديه منظمة الضمان الاجتماعي” يقول أحد المتضررين من ابتزاز إحدى المصحات الخاصة ليضيف قائلا “هاد الشي بزاف، راهم بحال إلى حسبو العملية ب 20 ألف درهم، و الحديد تيدير 1800 درهم حسبو ليه 3000 درهم، و التحاليل درناهم في سبيطار الدولة”0 عاملات النظافة يعوضن الممرضات «مال هاد الممرضات لابسين طابليات ديال شركة الميناج» يصيح أحد الزوار القادمين من الدارالبيضاء، ساخرا قبل أن يبادر أحد الزوار ممن خبروا المكان بالقول «هادوك غير عيالات ديال الميناج!» أمام الخصاص المفتعل للممرضيين انضافت إليهم مهام تمريضية بجانب مهام النظافة كنقل المرضى عبر كراسي متحركة، أو مساعدة بعض الأطباء في تقطيب أحد الجرحى، أو نقل بعض الوثائق والتحاليل، كما اضطلعن أيضا بموساة أهالي المرضى ودعمهم نفسيا! 0 مصدر عليم بقطاع الصحة، أكد ل«الأحداث المغربية» أن الخصاص المصطنع الذي يعاني منه مستشفى محمد الخامس يرجع بالأساس إلى كون الممرضين يقضون أغلب الوقت بمستشفيات القطاع الخاص، حيث يعمد كل ممرض إلى أن يطلب من أحد الممرضين زملائه تعويضه في أوقات الحراسة، على أن يعوضه ماديا لقاء «تعاونه» بمبالغ تتراوح ما بين 150 و 300 درهم في اليوم الواحد، بينما، يتم التعويض دون مقابل حينما يتعلق الأمر بممرضيين يشتغلان معا بالقطاع الخاص، حيث يعملان على التنسيق فيما بينهما ووضع استعمال زمن يخدم مصلحتهما ويضمن تواجدهما في المصحات الخاصة التي تدفع أكثر!0 إضافة لخصاص الممرضين الوهمي، تخصصات عديدة لم تعد موجودة سوى على الورق، كطب الحنجرة والأنف والوجه الذي أضحى عملة نادرة في المستشفى زيادة على طب العيون والقلب والجهاز التنفسي والعناية المركزة وطب الأطفال وكذلك لا يقل الأمر معاناة في جناح الاشعة، وهذا كله لا ينفصل عن ما يعانيه المواطنون في المستوصفات والمراكز الاستشفائية الاخرى بالاقليم خصوصا في سيدي بنور وأزمور وخميس الزمامرة 0 محاولات عديدة، لاستفسار إدارة المستشفى في شخص الدكتور عبد الحكيم عروب، والمندوب الجهوي للصحة، لأخذ رأيهم حول المعطيات التي تم استيقاؤها ميدانيا من المستشفى كان مآلها بالفشل بسبب العلبة الصوتية، ليكون الدور على الرسائل نصية، لكن لا مجيب0