التسريبات التي تتحدث عن خطة الرئيس الأميركي ترمب لتسوية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عن تقديم حل للضفة والقطاع عن طريق الحاقهما للأردن ومصر ، مجرد أوهام لا تستقيم مع حقائق الوقائع ، وتبدلات السياسة ، ومعطيات النضال الفلسطيني ، وهي تفتقد للمنطق والعدالة ، ومن يقبل بها أو يتعامل معها أو يراهن عليها جاهل عديم الخبرة ، لا يعرف حقائق السياسة ، وتطور الوضع الاجتماعي الاقتصادي النفسي الأمني السياسي للعاملين المتصارعين على أرض فلسطين وهما : المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي . فالعامل الاسرائيلي انغمس حتى أُذنيه بأوهام القوة التي تدفعه نحو شق الطريق لابتلاع كامل فلسطين بعد احتلالها بشكل تدريجي ، في مقابل العامل الفلسطيني الذي بدا مغروساً بلا فكاك على أرض وطنه ، وبات شعباً يفوق عدده عن ستة ملايين نسمة مستقراً في هويته بعد استعادتها ، اضافة الى الستة ملايين ، من المشردين المنفيين المبعدين خارج وطنهم ويتلهفون الى العودة ، وبات صراعه في مواجهة عدوه الذي يحتل أرضه حيث لا أرض له سواها ، ومؤسساته تتشكل بقوة بلا تراجع ، رغم الضعف وقلة الامكانات وفرص المستقبل مازالت مغلقة على احدى الحلول غير قادر على اجتراحها : 1- اما تقاسم الأرض على قاعدة حل الدولتين على الأرض الواحدة ، 2- واما تقاسم السلطة في الدولة الواحدة الديمقراطية ثنائية القومية ، متعددة الديانات ، وكلاهما الحل الأول والحل الثاني بعيد المنال ، وتتسع الفجوة بين طموحات الفلسطينيين وتطلعاتهم الكبيرة ، وبين امكاناتهم المتواضعة بسبب غياب قيادة موحدة قادرة على ادارتهم نحو هزيمة العدو وانتزاع النصر ، فالفصيلان الأكبر اللذان يتحكمان بمصدر صنع القرار فتح وحماس فشلا في استكمال خطوات الانجاز المطلوبة ، بعد الانجاز الذي حققه ياسر عرفات وقيادته الجبهوية مع جورج حبش ونايف حواتمة الذين تمكنوا من اعادة الموضوع الفلسطيني الى أصله وفصله باعتباره صراعاً وطنياً على الأرض داخل فلسطين ، لا خارجها ، والانجاز الثاني الذي يمكن المباهاة بتحقيقه عملياً هو ما حققه ياسر عرفات مع أحمد ياسين في ارغام شارون على ترك قطاع غزة ، بعد ازالة المستوطنات وفكفكة قواعد جيش الاحتلال ، بفعل ضربات الانتفاضة الثانية ، اضافة الى المكاسب السياسية التي تحققت بفعل توجهات الجمعية العامة ، واليونسكو ، ومجلس الأمن ، والمفوضية السامية لحقوق الانسان ، وقراراتهم الايجابية لصالح فلسطين ، ولكنها قرارات تضاف الى سلسلة القرارات المنصفة لصالح الشعب الفلسطيني ، ولم تأخذ طريقها للحياة بدءاً من قرار التقسيم 181 مروراً بقرار حق عودة اللاجئين 194 ، الى قرار الاعتراف بالدولة 67/19 الصادر يوم 29/11/2012 ، الى أخر قرار لمجلس الأمن 2334 لعام 2016. تطور المشروع الاستعماري الاسرائيلي مذهل وقوي بسبب عوامل الاسناد المتوفرة له من الطوائف اليهودية المتنفذة في أوروبا وأميركا ، ودعم الولاياتالمتحدة وتغطيتها لسياساته التوسعية ، وقد أثمر ذلك عن مجتمع متطرف تقوده مجموعة من أصحاب الثقافة النازية والسلوك الهتلري المعادي لفلسطين وللعرب وللمسلمين وللمسيحيين ، من نتنياهو الى ليبرمان وبينيت وغيرهم من المستعمرين الأجانب الذين قدموا من الخارج ليستعمروا فلسطين ويحكموها ويتحكموا بشعبها ويضطهدوه . فالحل أي يحل بالنسبة لهم خارج فلسطين ( خارج أرض اسرائيل ) فالسيادة بالنسبة للأرض من وجهة نظرهم لن تكون لأي سلطة أجنبية فلسطينية كانت أو أردنية أو مصرية ، والحلول التي يتم تسريبها تقتصر على السكان الفلسطينيين فقط الذين يسكنون أرض اسرائيل « يهودا والسامرة « التي يشملها الحل ، فالسيادة والأمن فقط لسلطة واحدة هي سلطة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي . لذا فالحل مع الأردن بالنسبة لهم هو تسهيل إلحاق المواطنين المقيمين على أرض الضفة الفلسطينيةبالأردن عبر الربط القانوني بين ما تبقى من الضفة الفلسطينية مع الأردن ، مع التأكيد أن المواقع الجغرافية الثلاثة لا سيادة عليها سوى للسيادة الأمنية الإسرائيلية وهي : 1- القدس ، 2- المستوطنات ، 3- الغور ، وهذه خارج حدود المفاوضات ولا ينطبق عليها سوى القانون الإسرائيلي ، والمفاوضات تشمل ما تبقى من الضفة الفلسطينية ليكون فيها تجمعات إدارية بحكم ذاتي مرتبط مع الأردن ليسهل النقل الإختياري التدريجي للسكان نحو الأردن ، فالطريق المتاح أمامهم الإنتقال شرقاً ، هذا هو التفكير الأمني الإسرائيلي الإستراتيجي الأول ، وهو مستبعد لغياب الشريك الأردني الذي يقبل بحل مشكلة الإسرائيليين عبر التخلص من الديمغرافيا الفلسطينية ، ويحل مشكلة الفلسطينيين عبر ترحيلهم الإختياري أو القسري خارج وطنهم بإتجاه الأردن ، كما يفتقد هذا الحل لشريك فلسطيني يقبل بما قبل به بعض المخاتير والشيوخ والبرجوازية الفلسطينية الصاعدة منذ بداية الخمسينيات الذين كانوا بدون قيادة وطنية تقودهم ، فوجدوا في الأردن ملاذاً وحاضنة نحو الضم والإلحاق ، توفيراً للأمن الذي إفتقدوه ، وللهوية التي تبددت ، وللخارطة الجغرافية التي تمزقت بين مناطق 48 والضفة والقطاع . المعطيات اليوم تغيرت وتبدلت ، فالهوية الفلسطينية بدت راسخة ومعترف بها ولا يتوفر خيار للفلسطينيين اليوم غير هويتهم الوطنية ، وقوميتهم العربية ، وديانتهم الاسلامية والمسيحية ، سواء في مناطق 48 أو مناطق 67 ، وفشلت كل محاولات تبديد هويتهم وقوميتهم ودياناتهم سواء بعد سبعين سنة من عمر الاحتلال منذ نكبة 1948 ، وخمسين سنة منذ نكسة 1967 . بينما يسكن في الضمير الأردني رسمياً وشعبياً وواقعياً ومصلحة حقائق باتت راسخة تتمثل بما يلي : 1 – حماية الأمن الوطني الأردني والهوية الوطنية الأردنية والدولة الأردنية المستقرة 2- دعم نضال الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه باعتبار هذا النضال حماية للأمن الوطني الأردني أولاً وواجباً قومياً ودينياً من قبل الأردنيين نحو الشعب الفلسطيني الشقيق ثانياً . وبالتالي لا رهان على أي أردني للمساهمة أو المشاركة بحل للقضية الفلسطينية سوى ذلك الذي يسمح للشعب الفلسطيني باقامة دولته المستقلة على أرضه ، واذا نجح العدو الاسرائيلي برمي القضية الفلسطينية خارج فلسطين بعد عام 1948 ، فقد نجح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات باعادة الموضوع والعنوان الفلسطيني من المنفى الى الوطن بعد عام 1993 ، وبات عنوانها هناك باعتباره صراعاً بين طرفين وشعبين وروايتين على الأرض الواحدة فلسطين ، وهذا ينسجم مع المصالح الوطنية الأردنية ويحميها ، ولهذا لم يتردد الأردن باعلان الاعتراف وبدعم مشروع وبرنامج الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية لأن هذا المشروع يحمي أمنه الوطني من أي تبعات سلبية محتملة . * كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والاسرائيلية