»»سفر الاختفاء»« رواية فلسطينية من الداخل لروائية هي ابتسام عازم، ليست الرواية النص الأول الذي يصدر من الداخل، من يافا بالضبط، إلا أن رواية ابتسام عازم تصدر عن التشابك الاجتماعي العربي اليهودي الذي يكوّن المجتمع. الرواية تدور في معظمها بين علاء الذي نقرأ فصولاً من مذكراته التي يخاطب فيها جدته المتوفاة وصاحبه وجاره اليهودي اريئيل. هنا نجد شخصيات يهودية في علاقتها بعرب فلسطينيين، وعلاقات متفاوتة ومختلفة، بيد أن التعايش البارد الذي استمرّ منذ إنشاء إسرائيل 1948 ومضى عليه إلى الآن ما يقرب من ثلثي قرن بانت له صوره العديدة والمختلفة، أي صارت له رواياته و»سفر الاختفاء« قد تكون من أوائل هذه الروايات. »سفر الاختفاء« عنوان يستدعي من طرف خفي التوراة التي تروي تاريخ اليهود في فلسطين. لعل الرواية تطمح إلى أن تضيف إلى التوراة سفراً فلسطينياً، وإذا كانت التوراة تحكي خوارق التاريخ اليهودي وأولها الخروج من مصر بشق البحر بعصا موسى، ففي الرواية خارقة فلسطينية لكنها خارقة من نوع آخر، هذه الخارقة هي اختفاء الفلسطينيين من بلادهم قاطبة وفي يوم واحد. ما زالت دورهم وأماكنهم مضاءة لكنهم اختفوا حتى من السجون. هذه الخارقة التي هي تخييل فانتازي يقابل ما يتعرض له الفلسطينيون في دولة إسرائيل من اضطهاد وإذلال، عدا ما تعرّضوا له عند قيام هذه الدولة من انسلاخهم عن بيئتهم وأهلهم ومجتمعاتهم. فجأة تخلو البلاد من الأقلية الفلسطينية ويتبدد الوجود الفلسطيني تماماً كأنه لم يكن. هذا الاختفاء لا تذكر الرواية مقدماته فهو مفاجئ لم تسبقه أي إشارة أو بادرة. بل ولم يعقبه شيء. لم يتكشف سره ولم تظهر مخارجه بل بقي كالجبل في حضوره الأسطوري. انه طالع من مهانات الفلسطينيين لكنه أيضاً مطابق لتمنيات العامة اليهودية. الأقلية المنبوذة تختفي وتترك الجميع في مأزق. لطالما حلموا بإبعادها وطردها. وهي الآن تجاري أحلامهم وتمنياتهم، لكن ذلك يحدث في عجيبة أسطورية، يتم بشكل صاعق يخيفهم بدلاً من أن يرضيهم، كأن الفلسطينيين في اختفائهم يكشفون سحرهم، يكشفون قوتهم الخفية وينذرون بمستقبل آتٍ. تصعقنا فكرة الاختفاء نحن أيضاً ونبقى صامتين أمام حضورها الصنمي أو الشبحي. إنها الفانتازيا حين تكون تخييلاً نابضاً للواقع وإشعاراً به واستعارة متكاملة له.