إصدار هام وجديد في الثقافة الرقمية بداية العام الجديد تأتي الأشياء الجميلة معززة بقيمتها في الوقت المناسب ، بل أحيانا تتألق هذه القيمة بين أجواء من الفرح والاحتفال. هكذا جاء الإعلان عن إصدار سلسلة « روابط رقمية» مساوقا للاحتفال بالعام الجديد، مدشنا زمنا جديدا ووعيا مركزا بالثقافة الرقمية مطلع 2018. إذ سيكون بوسع القارئ العربي أن يتنسم دلالات هذا المولود الثقافي الجديد الذي يهدف إلى نشر الثقافة الرقمية بأسس علمية، والانفتاح على التجارب الأدبية والمعرفية العالمية خصوصا وأنها سلسلة معرفية علمية رقمية محكمة» تُشرف عليها الأكاديمية المغربية دة. زهور كرام. علاوة على أن هذا العمل تتكوكب حوله لجنة علمية متخصصة، ولجنة أخرى للترجمة من اللغات: الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية والإيطالية، و مجموعة من الباحثين الشباب. وفق هذا الأفق المعرفي الغني صدر العدد الأول من سلسلة «روابط رقمية» المحكمة بعنوان «نحن والثقافة الرقمية» في أسئلة الثقافة الرقمية من منظورات فكرية ومعرفية مختلفة. تراهن السلسلة عبر روابطها المختلفة على ضرورة تكريس الوعي بالثقافة الرقمية بوصفه وعيا معرفيا وثقافيا وعلميا يعنى بالتفكير في طبيعة التحول الحاصل في الزمن التكنولوجي الذي يستدعي فهما دقيقا لهذا التحول من أجل الإسهام فيه وتوظيفه بما يتناسب وتطلعاتنا الجماعية. انشغلت دراسة الأكاديمي المغربي سعيد يقطين «ترقيم التراث العربي: الضرورات والإشكالات»، بإبراز دور الوسائط الجديدة في بلورة علم جديد هو علم الترقيم الذي سيتكلف بتحويل النص العربي القديم من صيغته الورقية إلى صيغته الرقمية، بغية مواكبة تطلعات العصر. وركزت دراسة الأكاديمي المغربي عادل حدجامي «الوجود السائل تأملات في طبيعة الوجود الرقمي» على سؤال مهم يتعلق بالكينونة الرقمية بما هي موجود يقاس على الموجود الطبيعي والثقافي، وكشف من منظور فينومولوجي عن خصوصية الإنسان بما هو موجود رقمي، محيلا على التحديات التي يواجهها الدرس الفلسفي في مقاربة هذا النوع من الموجودات .ورصدت دراسة الباحث والمترجم محمد أسليم «الرقمية والتحولات الثقافية» الطفرات التي حققتها المجتمعات ومنها الطفرة الرقمية باعتبارها طفرة غيرت منظور الإنسان لذاته وللكون، وأثرت في مفهوم الثقافة والهوية ودفعت المثقف العربي إلى الانخراط في هذا التحول مع ما حققه من مكتسبات وواجهه من عوائق. وقدمت الأكاديمية الإماراتية فاطمة البريكي في دراستها «أدب الطفل الرقمي» مقاربة معرفية مفتوحة انشغلت بمداخل تحسين جودة أدب الطفل الرقمي وتهم مستويات العناصر اللغوية وغير اللغوية بهدف تطوير وعي الطفل وصقل مواهبه. ولفتت الباحثة المصرية ريهام حسني الانتباه في دراستها «ما بعد الإنسانية، الرقمية، ما بعد الحداثة: النوع الأدبي و تحولات العصر» إلى الفلسفة الجديدة التي يتبناها خطاب بعد ما بعد الحداثة في علاقته بطبيعة الأنواع الجديدة التي أفرزها العام الرقمي. بينما فكك الدكتور محمد نوري من خلاتل دراسته «الرقميات والربط العازل: تأملات في نزاعات جديدة لمشروع عالمي جديد» منظور الشركات الرقمية للإعلام والعمل والصحة والدولة والتعليم والأمن، وتهدف دراسته الى الدفاع عن مكانة الإنسان الجديد في المشروع العالمي الجديد القائم على فرض الهيمنة. ورصدت الباحثة السعودية أمل التميمي في دراستها «تحولات الأعراف الأدبية والثَّقافية في السِّيرة الذَّاتيّة الرقمية بعد ثورات الربيع العربي»، تحول الأعراف الأدبية في خطاب السيرة الذاتية الرقمية، وتقارب قضايا السيرة الذاتية في الوسيط الرقمي.وأولت الباحثة المغربية بشرى زكاغ في مقاربتها «في حضرة التكنولوجيا : نحو مجتمع تكنو اجتماعي أكثر انفتاحا وتحررا» عناية بالغة لانتقال المجتمع من صيغته الواقعية إلى صيغته الافتراضية معتبرة أن هذا التحول أثر على علاقة تفاعل الانسان بالمكان والزمن. عطفا على ما سبق تغتني السلسلة بروابط أخرى غنية أهمها ترجمة المترجم المغربي رشيد برهون لمقال جان كليمون «الأدب في مواجهة مجاهيل العالم الرقمي» الذي يتوقف عند رصد المتغيرات التي رجت بعمق مجالي النظرية والممارسة الأدبية، ضمن ما يصطلح عليه باسم الأدب الرقمي علاوة على رابط حواري تستضيف فيه الأكاديمية المشرفة على السلسة الدكتورة زهور كرام، أحد رواد الرقميات في العالم العربي المبدع الأردني محمد سناجلة لتناقشه في أسئلة الولادة والمسار، وتفتح السلسلة رابطا يتعلق بالمكتبة الرقمية عُني بتقديم الإصدارات التي تطرح سؤال الرقمي، ساهم فيه الباحث الورداني بقراءة في كتاب «الأدب الرقمي» الذي جمعه وترجمه الدكتور محمد أسليم، وقدم الباحث محمد العناز كتاب «مدخل إلى الأدب التفاعلي لفاطمة البريكي»، وتناول الباحث عبد العزيز بنار كتاب «من النص إلى النص المترابط لسعيد يقطين»، بينما قارب هشام رحمي «الأدب الرقمي أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية لزهوركرام»، وفي سياق الحرص على علمية المشروع وجودته طرح العدد الأول من السلسلة رابطا مستقبليا خصص لأرضية العدد القادم التي ستتناول إشكالية الأدب الرقمي ونظرية الأدب.