يستعمل مفهوم الشارع للدلالة على محيط الأسرة ومحيط المؤسسات الأساسية للمجتمع، إذ الشارع يرمز إلى ذلك الفضاء الواسع الذي قد يربط العلاقات بين مختلف الفعاليات ومختلف مكونات المجتمع، هذا الفضاء الخارجي الذي يشكل مجالا واسعا و ملكا للجميع.وبالتالي فالشارع هو ذلك المجال الواسع الذي يقبل عليه الطفل كمكان للمتعة واللعب واكتشاف الأقران والاحتكاك معهم.كما أن الشارع بمثابة تلك المؤسسة التربوية التي لا يملك أحد ضوابطها فهي مكان تلاقح مختلف التجارب ومختلف أنماط التربية، إذ الشارع مكان للاستفادة أو العكس…فالطفل قد يتعلم فيه أمورا كثيرة ايجابية أوسلبية او هما معا.فكيف هي علاقة هذه المؤسسة بالطفل؟ وكيف تساهم في تربية وتنشئة الطفل؟ وهلتم التفكير في تنظيم وتقعيد هذه المؤسسة لتكون في خدمة الأطفال؟ أم ان الشارع هو فقط ممر و مكان لتفريغ تلك الطاقة الزائدة للأطفال وبالتالي لا مكان للطفل في الشارع؟ ليس لكونه فقط مصصم للكبار، بل أيضا لكونه مكان للصدف و للعطالة ولمن لا غرض له او للترزق و للتجوال؟ …وماذا عن اغراءات الشارع التي تزداد يوما بعد يوم وكيف لا يتم التفكير في تنظيمه وتقنينه كمؤسسة اجتماعية وتربوية لها قواعد وقوانين يجب احترامها؟ 2 – الشارع أول وجهة للطفل: الشارع هو الوجهة الأولى للطفل، إذ ينقسم اليوم وقته بين المدرسة والبيت والشارع لكن أغلب الأوقات تأخذها كل من المدرسة والشارع، إن للشارع تأثير كبير على شخصية الطفل من جميع النواحي خصوصا الناحية التربوية، فالطفل يهرب من البيت إلى الشارع وفي بعض الأحيان من المدرسة قصد الشارع وذلك من أجل اللعب، فهل نمنعه من هذا الجانب بصفة نهائية إذ هو على اتصال به شئنا أم لم نشأ؟ خصوصا وأن الطفل يحتاج إلى هذه الفاعلية باعتبارها ليست تضييعا للوقت بل في بعض الأحيان عبارة عن إفراغ لطاقة زائدة، أي اللعب ليستعيد الطفل نشاطه من جديد، وفي الشارع يمكن للطفل أن يتصل بأطفال آخرين وبين هؤلاء اختلافات كبيرة وكثيرة كل منه يؤثر ويتأثر بالآخرين، وإما أن يكون لهذا التأثير نتائج سلبية أو إيجابية، المهم أن الشارع كمؤسسة اجتماعية له دور في العملية التربوية للطفل. 3 – لشارع مكان للعب: يشكل الشارع كما نعلم المكان المفضل لدى الطفل ليلعب فيه ليس لأنه لا يمارس اللعب داخل البيت ولا في المدرسة أو في الأماكن الأخرى التي يلج إليها، بل فقط لأن في الشارع يجد الطفل تلك الحرية التامة لممارسته وبشكل تلقائي، حيث لا يوجد الرقيب وكذلك لكون الشارع مكان لوجود الأقران الذين يختاروهم بمحض إرادته ليس مثل أقران المدرسة الذين تفرضهم عدة اعتبارات مثل المستوى والتفويج وكذلك الفصل ثم المدة الزمنية والمكان…الخ.وبالتالي تجد الطفل كما أسلفنا يهرب من المدرسة ومن البيت إلى الشارع، هذا الأخير الذي يفضله الطفل عن باقي الأماكن الأخرى حيث أكاد أجزم أنه لو تركنا الاختيار للطفل لما اختار الشارع. و قبل الحديث عن اللعب والشارع لدى الطفل وكيف يمكن النظر إليه ثم ماذا عن تأثيره في بناء شخصية الطفل ؟ وعن تربيته؟ ، أصبح من اللازم أولا الإشارة إلى مفهوم اللعب و عن النظريات المفسرة له.فماذا يقصد بهذا المفهوم الذي شغل بال الباحثين والدارسين بشكل عام والسيكولوجيين بشكل خاص؟ ** مفهوم اللعب:يكتسي مفهوم اللعب في العلوم الانسانية عامة و في الحقل التربويخاصة، عدة تعريفات نظرا لاختلاف الباحثين حوله لكنها ذات سمات مشتركة تتركز في النشاط والدافعية. كما تختلف النظريات المفسرة للعب لكونه ظاهرة قديمة وموجودة مند وجود الإنسان والحيوان فمن نظرية الطاقة الزائدة مع الشاعر الألماني شيلر والفيلسوف هربرت سبنسر مرورا بنظرية الإعداد للحياة المستقبلية مع كارل غروسKarl Groos ثم النظرية التلخيصية مع ستانلي هول والتنفسية (التحليل النفسي) مع فرويد فنظرية النمو الجسمي مع كاري ثم نظرية الاستجمام. كلها تسعى جاهدة إلى تفسير اللعب وخاصة عند الأطفال فماذا يقصد به كمفهوم وممارسة؟ -يعرفه جود Good (1970) في قاموس التربية بأنه « نشاط موجه أو غير موجه يقوم به الأطفال من أجل المتعة والتسلية ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية والجسمية والوجدانية» – ويقول شابلن (Chaplin 1970) في قاموس علم النفس « اللعب هو نشاط يمارسه الناس أفرادا أو جماعات بقصد الاستمتاع ودون أي دافع آخر» – أما كاترين تايلور (1976) فتعرف اللعب على أنه « أنفاس الحياة بالنسبة للطفل ، إنه حياته وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وإشغال الذات فاللعب هو كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والعمل للكبار.» – أما جون بياجي فيعرف اللعب على أنه» عملية تمثل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد فاللعب والتقليد والمحاكاة جزءا لا يتجزأ من عملية النمو العقلي والذكاء.» – أما في المعجم الموسوعي لعلوم التربية يشير إلى أن اللعب وحسب معظم القواميس السيكولوجية هو نشاط جسمي أو عقلي لا يهدف إلى تحقيق أية غاية منفعية خارجة عن اللعب ذاته. و أن ميزته الأساسية هي أنه نشاط نفسي تلقائي لا يصدر تحت أي إكراه أو ضغط خارجي. وبشكل عام وحسب بعض النظريات المفسرة للعب كما قلنا، يمكن القول بأن اللعب يشكل نشاطا يمارسه الطفل نتيجة لحاجة ولدافعية داخلية، حيث تجعله يتصرف من أجل اكتشاف ما يحيط به أو للمتعة وكذلك لتجريب أعضائه.ويمكن أن نتفق مع نظرية الطاقة الزائدة التي تشير إلى أن اللعب عبارة عن طاقة زائدة يتمتع بها الطفل وبالتالي يحتاج إلى تصريفها مثل الكبير الذي يصرفها في عمله وفي مختلف الأنشطة التي يزاولها. وهنا أستدل بدوري بمعاينة وباستنتاج توصلت إليه من خلال ممارستي الميدانية لمهنة التدريس(من 1997 إلى 2008)، حيث لاحظت أن التلاميذ المجتهدين والذين يشاركون باستمرار داخل القسم أجدهم في حصة الاستراحة يخلدون إلى الراحة والى الجلوس ونادرا ما تجدهم يلعبون ربما لأن تلك الطاقة الزائدة قد نفذت في القسم وبالتالي يحتاجون إلى راحة، هذا بعكس التلاميذ الذين لا يشاركون في الفصل فهم ينتظرون وبشغف متى يدق الجرس معلنا حصة الاستراحة فتجدهم يركضون ويلعبون وبشكل عنيف جدا. كما ان الطفل الذي يفرط في غذائه تجده يكون حركيا اكثر… وإذا ما حاولنا ربط الشارع بلعب الأطفال نجد أن المكان المفضل لدى الطفل ليمارس فيه لعبه هو الشارع نظرا لتوفر الشارع كمؤسسة على جميع المستلزمات والشروط الأولية لممارسة اللعب وأولها الحرية التامة ثم وجود الأقران المناسبين لكل طفل. ففي الشارع يستطيع الطفل أن يعبر بحرية وأن يختار ما يريده بحرية كذلك. كما أن مجال اللعب وفضاءه يكون واسعا وليس له حدود قبلية كما في المدرسة أو في البيت. 4 – تأثيرات الشارع على الطفل: للشارع مكانة بالغة في نفسية الطفل، إذ يشكل من بين الأماكن المفضلة لديه بالمقارنة مع المدرسة أو البيتكما أسلفنا.وهذا راجع أساسا إلى السلطة القوية التي يفرضها كمؤسسة لها قواعدها وضوابطها مخالفة لباقي المؤسسات التي يلجها الطفل من بيت ومدرسة. ففي الشارع يجد الطفل نوع من الحرية المطلقة التي بفضلها يحس بذاته وبدوره في الحياة كما أن في الشارع يحس بأنه يعيش طفولته الطبيعية…ولهذا فالشارع كمؤسسة يقبل عليها الطفل،لها قوة تأثيرية تفرضها عليه وعلى أسرته، هذه القوة التي قد تكتسي طابعا سلبيا أو ايجابيا وبالتالي وجب علينا التعامل مع مؤسسة الشارع بنوع من الحذر وبنوع من الذكاء التربوي الذي يمكننا من جعل تأثيرات الشارع في متناول تنشئة الطفل وبناء شخصيته. وهكذا يكاد يكون تأثير الشارع يفوق تأثير المدرسة والبيت، اذ الشارع هو الأصدقاء والجيران (خصوصا بالنسبة للمراهقين ومن يقاربون هذه المرحلة) والتأثير عادة يكون في السلوكيات والتي سرعان ما تنتقل بين الصغار. أما التأثير بالجانب المعرفي فهو محدود ويقتصر غالبا على ما ينقله الصغار من المصادر الأخرى كوسائل الإعلام أو المنزل. بالطبع نوعية الشارع له تأثير كبير وثقافة أبناء الجيران وتربيتهم المسبقة تنعكس على من يخالطونهم. في البيئات الفقيرة يكون الشارع مصدر أساسي ومعرفي وثقافي وذلك لأن الوقت الذي يقضيه الطفل مع اصدقائه وابناء الشارع اكثر من المنزل وقد تتهيأ له تجربة أشياء محظورة في المنزل وقد يطلع على معلومات تصنف سرية بالمنزل. وعموما يتفاوت تأثير الشارع بين المتوسط و المرتفع. هذا في الوقت الحالي للمجتمعات، لكن مستقبلا ربما تميل الكفة لصالح الشارع وبالتالي امكانية سيطرة الشارع كمؤسسة على الفرد بما فيه الطفل نظرا لتزايد اغراءاته ونظرا لطابعه الاستهلاكي و تلبية الغرائز والشهوات واحترام الميولات و الهوايات واتساع المجال… كما انه يتيح فرصا مختلفة لكل الفئات العمرية. فمع زيادة تنظيم الشارع و زيادة الاقبال عليه فانه سيشكل مستقبلا تلك المؤسسة التي تغوي الجميع بما فيهم الاطفال، اذ بفضل التطور التكنولوجي و توفر وسائل الراحة و المتعة سيصبح الشارع اهم مؤسسة اجتماعية تربوية تلبي كل الاذواق وكل الحاجات النفسية والتربوية والاجتماعية والثقافية. وفعلا فالهدف النهائي للفرد هو اندماجه في المجتمع، والمجتمع الحقيقي هو الشارع بكل تناقضاته سلبية كانت او ايجابية. لكن الى أي حد يصمم الشارع اليوم لخدمة الطفل واستقباله بشكل إيجابي أكثر؟ 5- أطفال الشوارع كظاهرة اجتماعية: إن قوة سلطة الشارع وكذا تراجع دور كل من الأسرة والمدرسة، هو ما منح الفرصة لمؤسسة الشارع أن تفبرك لنفسها أطفالا يلجونها بشكل دائم ويفضلونها على باقي المؤسسات الطبيعية…أي أن الفراغ التربوي للمؤسسات التي خلقها المجتمع لخدمة الطفل، جعل من الشارع يعرف ظاهرة اجتماعية جديدة وهي ظاهرة أطفال الشوارع.فماذا يقصد بهذه الظاهرة ؟وما أسباب بروزها؟ يعتبر مفهوم أطفال الشوارع من أبرز المفاهيم الحديثة التي شغلت بال الباحثين الاجتماعيين والتربويين وكذلك مختلف المنظمات الدولية المهتمة بشؤون الطفولة، ولهذا يتفاوت فهمه وتحديده من جهة إلى أخرى مما جعل هذا الموضوع يحتاج إلى نوع من الدراسة المعمقة والبحث الدقيق نظرا لما له من أهمية وكذلك لتزايد وثيرته كظاهرة اجتماعية.حيث هناك اختلاف كبير في تحديد مفهومها وفي تحديد أسباب بروز هذه الظاهرة وكذلك في تدقيق الحلول الناجعة لمحاربتها. فمفهومأطفال الشوارع يعتمد على خصوصية بعض البلدان. وتستخدم مرادفات له، مثل المتشرد، المتسول، فيالأدبيات عند تناوله. فحسب تعريف منظمة اليونسيف ينقسم أطفال الشوارع إلى أطفالعاملين في الشوارع طوال ساعات النهار ثم يعودون إلى أسرهم للمبيت، والى أطفال تنقطعصلاتهم مع ذويهم ويكون الشارع مصدرا للدخل والبقاء.أما منظمة الصحة العالمية فتصنف أطفال الشوارع إلى أربعة أقسام: 1) الأطفال الذين يعيشون في الشوارع.2)الأطفال الذين تركوا أهلهم وسكنوا في الشوارع أو الفنادق أو دور الإيواء أوالأماكن المهجورة.3)أطفال الملاجئ أو دور الأيتام المعرضون لخطر أن يصبحوا بلا مأوى.4)الأطفال الذين تكون علاقاتهم بأسرهم ضعيفة أو واهية وتضطرهم الظروف إلى قضاءليال خارج المنزل. ويشير بعض الباحثين كذلك إلى أن أطفال الشوارع هم الذينيبيتون في الأماكن العامة لظروف عائلية غير طبيعية. بينما يعرفهم آخرون من زاويةمعاناتهم النفسية والاجتماعية التي لم يستطيعوا التكيف معها، فأصبح الشارع مصيرهم. واعتبر القسم الأخر أن كل من عمل عملا غير قانوني من الأطفال ويخالط أصدقاء السوءويتسول، ويقضي وقتا طويلا خلال اليوم في الشارع ينطبق عليه التعريف. إن ظاهرة أطفال الشوارع بشكل عام ترتبط بالثقافة السائدة في المجتمع، وتعتبر عرضا ظاهريا لأسباب عديدة ترتبط ارتباطا وثيقا بالأبعاد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والمجتمعية والسياسية بالمجتمع، فقد تبين من خلال دراسة وضع اسر أطفال الشوارع في مجموعة من الدول الثالثية ان هناك تغير كبير قد طرأ على البنية الأساسية للأسرة، أدى إلى اختلاف الأدوار بها وخاصة دور المرأة التي أصبحت هي العائل الرئيسي للأسرة كلها والذي اثر على طبيعة العلاقات الاجتماعية داخلها وأدى إلى زيادة انتشار ظاهرة أطفال الشوارع، كما تبين الانخفاض الشديد في المستوى التعليمي للوالدين وتفشى الأمية وعدم اهتمام الأسرة بتعليم أطفالها وتشجيعهم للعمل في بعض المهن الخطرة لزيادة الدخل؛ وعادة ما ينتمي هؤلاء الأطفال إلى الأسر كبيرة الحجم والذي يتجه أفرادها إلى كثرة الإنجاب مع عدم وعيهم بالمشاكل والصعوبات التي يجلبها عليهم كثرة العدد من حيث الأنفاق والرعاية إذ غالبا ما لا تتحمل هذه الأسر مسئولية التنشئة الاجتماعية والإعالة الكاملة لأفرادها فيدفعوا بهم إلى الشارع .كما تتسم ظاهرة أطفال الشوارع بأنها ظاهرة حضرية ترتبط بتكون المدينة واتساعها وازدياد طلبات المعيشة ووسائل الترفيه. عكس البوادي و المداشر التي لا تعرف مثل هذه الظاهرة رغم كثرة الاطفال وارتفاع نسبة الولادات. و تجدر الاشارة في الاخير الى انه لكي يستطيع اطفال الشوارع العيش والتكيف في الشارع لابد من مزاولتهم بعض الأعمال التي يستطيعون عن طريقها جمع المال اللازم للأنفاق على احتياجاتهم ومن هذه الأعمال بيع المناديل أو بعض السلع البسيطة أو مسح زجاج السيارات اثناء إشارة المرور أو التسول وادعاء المرض أو العمل في مواقف الحافلات وسيارات الأجرة ومسح الأحذية، بالإضافة الى حرفة الميكانيك وغيرها. وفي بعض الأحيان يتم استغلال هؤلاء الأطفال من قبل القادة( وهم أطفال الشارع الذين قضوا سنوات طويلة في الشارع انخرطوا في مجتمع الجريمة والانحراف مما جعلهم محترفي شارع يستطيعون السيطرة على الأطفال الصغار والضغط عليهم للعمل لصالحهم في إعمال غير مشروعة مثل نقل وتوزيع المخدرات والممارسات الجنسية الشاذة ) مقابل حمايتهم في الشارع. هذا كله ماله اثر ومخاطر على حياتهم وعلى صحتهم. 6 – مخاطر الشارع على الطفل: إن طبيعة الطفل والمتسمة بالضعف و عدم قدرته على بناء ذاته، فرض على المجتمع وعلى الجماعة منذ تكوينها ضرورةإحداث مؤسسات تقوم بدور الرعاية والتنشئة والمراقبة والضبط والتكوين و التربية بشكل عام وهي الأسرة في أول الأمر ثم بعدها المدرسة. لكن في غياب دور هاتين المؤسستين و تراجعهما أتاح للشارع ولوسائل الإعلام فرصة الظهور على الواجهة وبالتالي التحكم في زمام الأمور وتعويض النقص الموجود وإتاحة الفرصة للطفل للولوج إليهما كمؤسسات بديلة. وبالتالي فإقبال الاطفال عليها تحومه مخاطر عدة تتباين حسب الزمان والمكان وحسب خصوصيات وظروف كل طفل، اذ يشكل كل واحد منهم حالة وقصة تقتضي دراسة بوحدها قصد فهم حجم وقوة المخاطر؛ هذه الاخيرة التي تتفاقم مع مرور الوقت ومع غياب دور الراشد في مرافقة هذا الطفل. لكن تمة مخاطر معروفة ومشتركةيمكن الاجماع عليها وتحديدها على الشكل التالي: تعرض الاطفال للعنف بشتى انواعه سواء من طرف اقرانهم او من طرف الراشدين او بسبب حوادث السير والعمل بشتى انواعها؛ تعرض الاطفال لمخاطر الانحراف و تناول المخدرات والسجائر والكحول وكل انواع السموم التي تتداول في الشارع؛ تعرض الاطفال لشتى انواع الاستغلال جسديا وفكريا واقتصاديا وسياسيا؛ تعرض الاطفال لشتى انواع الامراض المزمنة والظرفية والخطيرة؛ تعرض الاطفال لمختلف انواع الحكرة وعدم الاعتراف وكذا للعنف الرمزي؛ اطلاع الاطفال على كل الانحرافات و السلوكات و الممارسات سواء الايجابية او السلبية التي يعرفها الشارع والصادرة من كل الاطراف ذكورا واناثا…؛ تعرض الأطفال إلى أدنى مستويات النظافة نظرا لندرة الاستحمام؛ عدم وجود وعى صحي لدى الأطفال بالسلوكيات والعادات الصحية السليمة؛ عدم اعتراف الهيئات الصحية المحلية بحق الطفل الصحي مما يضعف فرصتهم في العلاج؛ سهولة تداول وعدم تجريم بعض المواد التي يتعاطاها أطفال الشارع؛ صعوبة حصول الأطفال على وجبات غذائية متوازنة مما يعرضهم لأمراض سوء التغذية؛ سوء الاستغلال الجنسي لأطفال الشارع من قبل آخرين يعرضهم لعدوى الأمراض الجنسية والتناسلية؛ سوء الاستغلال الإقتصادي « تشغيل بمهن لا تتناسب مع أعمارهم بالإضافة إلى سوء ظروف العمل «. 7 – دور الشارع في تربية وتنشئة الطفل: ان الحديث عن دور الشارع كمؤسسة في تربية وتنشئة الطفل يجعلنا اولا وقبل كل شيء ان نتساءل وبشكل دقيق: هل تم فعلا توفير مكان للطفل في الشارع؟ وهل الشارع مصمم اساسا لاستقبال الطفل؟ ام انه مخصص فقط للكبار و لوسائل النقل بمختلف انواعها؟ و هل تم احترام خصوصية فضاء وعالم الطفولة في اعداد و تنظيم مؤسسة الشارع؟ ام ان الامر بطبيعته وطبقا لتصور الجماعة، فالشارع مكان عمومي مخصص لفئة الكبار و ما يستعملونه من ادوات للتنقل و للحركة و للمبادلات والاشغال؟ اننا نعلم جميعا ان الشارع قد صمم على انه فضاء غير مخصص للطفل، على اعتبار أن الطفل اما ان يكون في رعاية والديه او ان يكون في مؤسسة تعليمية. وبالتالي الرفض الضمني لوجود الطفل في الشارع، والدليل على ذلك هو المكانة القدحية لعبارة «اطفال الشوارع» والتي تعني في نظر المجتمع اطفال خارجين عن الطبيعة المجتمعية وبالتالي غير مقبولين ويشكلون عالة على المجتمع. ثم زد على ذلك كله غياب التخطيط القبلي في تصميم المدن و الشوارع لمكان تواجد الطفل واللعب فيه من مساحات خضراء مجهزة بالألعاب التربوية والرياضية او ملاعب خاصة لممارسة الهويات والانشطة المختلفة… لكن أهمية الشارع بالنسبة لنا هنا ودوره ليست في كونه زقاقاً او شوارع او انه مكان للتنقل و فضاء للكبار فقط، لكنها في وجود مجتمع متنوع قريب من الطفل، فيه اقران و اطفال من مختلف الاعمار، فيه ظواهر اجتماعية وتربوية وحالات واقعية ومجتمعية معيشة وبالتالي فالشارع بمثابة مسبح حقيقي ليتعلم طفلنا السباحة وبشكل تنافسي…لكن كيف ذلك؟ فرغم هذه النظرة السوداوية التي تظهر لنا من خلال وصفنا للشارع و الحكم عليه، فله ايضا دور مهم في تربية وتنشئة الطفل اذا عرف الراشد كيف يستغل ذلك او بالأحرى اذا تمكنت كل من الاسرة والمدرسة من استغلال جميع الفرص التي يقترحها الشارع كمؤسسة تهوي الطفل وتغويه لكي يقبل عليها. فجل المهارات والكفايات التي يكتسبها الطفل سواء في المدرسة او في البيت او عبر وسائل الاعلام، يحاول دائما ان يطبقها في الشارع كمختبر للتجريب. ففي الشارع يكتسب الطفل كيف يواجه الاخرين وكيف يصحح تمثلاته، بل في الشارع يعرف مكانة ودور كل من الابوين واساتذته عن طريق المناقشة مع اقرانه. وفي الشارع يجرب جميع اعضاء جسمه و يتعرف على دورها وعلى اهميتها في مواجهة الحياة بشكل عام. ومن خلاله يبني علاقات و تحالفات وبالتالي يكتسب اصدقاء ويخلق لنفسه ايضا اعداء ومن تم يتعرف على الوجه الاخر لحياته من كلام قبيح ومن كلام جريح ومن عادات سيئة… وبالتالي يختبر نفسه من خلال المقارنة بين ما تعلمه في البيت والمدرسة وما يجده في الشارع، اي ان الشارع هو البوابة التي يكتشف فيها الطفل ان الحياة فيها ثنائية الشر والخير والحب والكراهية والصداقة والعداوة والصدق والكذب، الصح والخطأ، الجد والكسل؛ القمع والحوار، القوة والضعف… والاهم من هذا كله هو ان في الشارع يكتشف الطفل ذاته في علاقتها بالمجتمع وبالحياة وبالتالي مواجهة كل الصعوبات التي تطرحها التعاقدات الاجتماعية والتركيبات المجتمعية، واكتشاف الذات هي البوابة الاساسية والمهمة للتربية المدنية، لكن تجاهل ذلك وقمع الطفل يجعل منه يقوم بمقارنة بين تلك الحرية المطلقة التي توجد في الشارع والحرية المقيدة التي توجد في البيت والمدرسة، فيستطيع ان يصدر الحكم ويتخذ الموقف كنية اساسية لمواجهة الذات للحياة. وكل خطأ ناتج عن تمثلاته حول هذه المقارنة تجعل منه يخلق مناعة و مواجهة ضد كل من يخالفه اتجاه النتيجة التي توصل اليها كفرد. وهنا يجب ان يكون دور الابوين والاساتذة في معرفة اقناع الطفل و محاولة اكتشاف ما يفكر فيه وما يتعلمه من خلال مواجهة الاقران. كما ان دور الشارع بالنسبة للطفل سيزداد اهمية في المجال الحضري اكثر من المجال القروي، نظرا للمضايقات التي تواجه الطفل في المدينة والمرتبطة اساسا بكثرة الحدود والخطوط الحمراء التي تفرضها المدنية من مساحات ضيقة للمنازل وكثرة الضجيج والحركة و مختلف الظواهر الاجتماعية الخطيرة من جرائم وفساد… مما يجعل من الاسرة تفرض قيودا كثيرة على حرية الطفل وحركيته داحل المنزل وخارجه في الشارع. اما في القرى فالحقول و الوديان و السواقي هي ملجأ الطفل خارج البيت. 8 – على سبيل الختم. لابد لنا أن نعترف وبشكل واقعي على أن مؤسسة الشارع في الوقت الراهن وربما بشكل كبير مستقبلا ستحتكر أو تسيطر على تنشئة أطفالنا وربما الراشدون كذلك، نظرا لكونها المؤسسة الوحيدة التي تتأقلم مع خصوصيات التغير و التغيير الاجتماعيين وبالتالي مسايرة حاجات الأفراد بل أكثر من ذلك المزيد من الإغراءات…وبالتالي فان الاهتمام بهذه المؤسسة والتفكير في كيفية استغلالها خدمة لتربية وتنشئة الاطفال ولما لا الراشدون ايضا، من حيث الهندسة المعمارية و الهندسة الجمالية والفنية ثم الهندسة العلائقية و القانونية وكيفية التنقل و الانتقال في الشارع كمؤسسة اجتماعية مهمة ايضا. و لهذا يمكن القول بان للشارع حاليا مكانة مهمة في حياة الاطفال والكبار ومستقبلا ستزداد هذه الاهمية وربما ستصبح ضرورة وجزء كبير في تحديد مصير الافراد ، اذ سيبقى الشارع تلك المؤسسة التي ستحدد لنا الاطفال الذين ستستقبلهم وربما تقوم باختيار الانسب لها كفضاء من خلال التدقيق في شروط الولوج اليها وبالتالي امكانية رفض الاخرين بدعوى عدم قبول ملفاتهم، ولهذا لا تستغرب ان وجدت مستقبلا اطفالا عير مندمجين في الشارع نظرا لعدم توفرهم على الشروط الضرورية والقانونية للانخراط فيه. إن علاقة الطفل بمؤسسة الشارع هي تلك العلاقة التي ستعرف تغييرات عدة وبشكل يطغى عليه التجاذب والتنافر نظرا لطبيعة الشارع وكذا لنوعية الطفل. فأطفال المدن قد يجدون في الشارع قوة وجادبية قوية جدا نظرا لتزايد اغراءاته وبالتالي تزايد خطورته وتأثيره على الأطفال وعلى الراشدين مستقبلا. أما في القرى و المداشير فان قوة الشارع ستتجلى في كونه مجالا واسعا لتبادل التجارب والاحتكاك مع العادات والتقاليد المجتمعية وبالتالي محدودية قوته واثره على الطفل . لكن المشكل سيكون مرتبط أساسا بقوة التغيرات المجتمعية التي تقع على المدن وعلى القرى وبالتالي السير نحو المدنية.