منظومة السكك الحديدية بالمغرب متهالكة مسيئة حتى لكرامة المسافر، تستوجب إعادة النظر بشكل شمولي في الشبكة والتجهيزات والصيانة وتحقيق التغير والتطور بإدارة جديدة وديناميكية فعالة ومنفتحة تتماشى وطموحات إنجاز القطار فائق السرعة TGV. فقد أثارت حوادث القطارات المتكررة خلال الأيام القليلة الماضية العديد من التساؤلات حول إمكانية توقف هذا النوع من الحوادث التي يسببها الفساد والإهمال من قبل المسؤولين عن إدارة السكك الحديدية . فالعديد من حوادث القطارات الكارثية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة راجعة بالأساس إلى تهالك وتلاشي وتقادم التجهيزات والمنشآت السككية والقطارات والعربات، وضعف الصيانة وغياب قطع الغيار مما يؤدي إلى عطل في الفرامل والاستمرار في اللجوء إلى الوسائل التقليدية والبدائية في إصلاح أعطاب القطارات والعربات، وحدوث هبوط في طريق القضيب،....فضلا عن ضعف طاقة النقل السككي بالمغرب واعتمادها على قطارات مستعملة يتم استيرادها من الخارج ، وهي عوامل مجتمعة أدت إلى تزايد حوادث القطارات المؤدية أحيانا إلى وفيات في صفوف مواطنين نتيجة تهالك المعدات وكثرة الأعطاب وانعدام وسائل وأجهزة السلامة . نحن أمام شبكة السكك الحديدية متقادمة لم تعد تتماشى والمعايير الدولية في مجال السلامة والراحة الضرورية والمرافق الصحية والإضاءة ومستوى صوت التواصل مع الزبناء واحتقارهم، علاوة على قلة الموارد البشرية وغياب تكوين مستمر لرفع الكفاءات، ناهيك عن عدد من الصفقات التي أشير الى أنها كانت غير شفافة، واستيراد وشراء قطارات ذات طابقين أو عربات مستعملة غير مطابقة للمواصفات والمعايير الدولية والبعض منها أدخل منذ مدة إلى «مستودع الأموات « بسبب الأعطاب المتكررة و غياب قطع غيار، رغم كونها لم تشتعل إلا فترة زمنية قليلة. إن ارتفاع الحوادث راجع الى التراخي في أعمال الصيانة والمتابعة والمراقبة المستمرة بجانب عدم الالتزام بقواعد احترام المعايير الأوربية والدولية في الآليات و التشغيل التي تحقق الأمان والسلامة، لحركة القطارات .كما أن إدارة السكك الحديدية تركز فقط على الأنشطة الروتينية اليومية للتشغيل دون الاهتمام بتأهيل وتكوين العاملين، وتوظيف أطر جديد لتغطية العجز المزمن في الموارد البشرية . نحن أمام إدارة فاشلة أصابها المرض لم تحسن استغلال الموارد والطاقات التي كانت تتوفر عليها المؤسسة، وتم هدرها والتقليص من عدد من المستخدمين والأطر وإحالة عدد منهم للتقاعد وعدم التزام المكتب بالمعايير والقيم الخمس للسلامة التي صادق عليها المغرب في إطار المنظمة العالمية للسكك الحديدية بما فيها السلامة والشفافية. فرغم ما توفره الدولة سنويا من تمويل وقروض لتطوير القطاع السككي وتحسين جودة خدماته من الضرائب، وما تخلفه القروض من فوائد مرتفعة على خزينة الدولة وارتفاع عدد المسافرين إلى ما يفوق 38 مليون مسافر خلال السنة الماضية، تتوالى النكسات وحوادث القطارات من اصطدام الى خلل في التيار الكهربائي الى حريق ويرتفع معها عدد الضحايا والمصابين. وتردي الخدمات السككية بشكل فظيع يمس بكرامة المسافرين بمن فيهم الأجانب السياح خاصة أن بلدنا يسعى الى جلب 10 ملايين سائح ، تظل اكبر وسيلة يلجؤون إليها في تنقلاتهم الداخلية عبر أروبا هي القطار ويجدون أمامهم عربات تعود الى الأزمنة الماضية في بلدنا لا تتوفر على الحد الأدنى من السلامة والراحة أثناء السفر . هذا وقد سبق أن اعترفت ادارة السكك الحديدية بسقوط ما يزيد عن 100 مواطن سنويا قتلى بسبب القطارات العادية والسريعة، أغلبها ليس بسبب الخطأ البشري بل نتيجة ترهل وتهالك وتقادم التجهيزات السككية وارتفاع عدد الممرات غير المحروسة. وقد جاء حادث 22 ماي 2012 الذي وقعت فيه كارثة مصرع اربعة تلاميذ وإصابة 16 اخرين بجروح متفاوتة الخطورة عندما دهس قطار للمسافرين كان متوجها الى فاس حافلة للنقل المدرسي قرب مدينة بن جرير ، ثم فاجعة اصطدام قطارين بزناتة يوم الأربعاء 27 غشت 2014 خلفت قتيلا وعددا كبيرا من الجرحى ولولا ألطاف الله لأودت بحياة عدد كبير من المواطنين . وفي نفس الأسبوع وقعت حوادث أخرى تتعلق بانقطاع التيار الكهربائي ثم في بداية الأسبوع الموالي شب حريق في قطار متوجه من مراكش إلى وجدة خلق هلعا كبيرا في صفوف المسافرين . بالفعل أصبح مرفق السكة الحديدية مشكلة مزمنة تسيل من خلالها دماء الأبرياء في الممرات غير المحروسة، وكم من مواطن وطفل بريء لقي مصرعه تحت عجلات القطارات في الممرات غير المحروسة التي لم تنته منذ عشرات السنين من الوعود في معالجة هذه الكارثة. أما على مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين ، فإنها الطامة الكبرى ...خدمات جد متدنية وبأسعار مرتفعة لا تتماشى وحجم ومستوى جودة الخدمات المقدمة. قطارات غير مكيفة ونظافة منعدمة ومرافق صحية غير صالحة تفوح منها روائح كريهة، وحالات الازدحام الشديد التي تشهدها القطارات في مختلف الجهات تهدد صحة المواطنين بانتقال عدوى الأمراض، وتنامي حالات السرقة داخل العربات. كما أن الاكتظاظ داخل القاطرات يجعل نصف الركاب واقفين طيلة الرحلة لأن هم المكتب أصبح هو الربح على حساب راحة المواطنين وسلامتهم. هذا إضافة الى أن ظاهرة تأخير القطارات أصبحت هي القاعدة واحترام المواعيد يشكل الاستثناء. وأحيانا يعاني المسافر من اعتداءات لفظية وجسدية من طرف أجهزة أمنية خاصة ترهب المواطنين بدل حراسة أمن القطارات وضمان سلامة المواطنين. أما الموارد البشرية للمكتب الوطني للسكك الحديدية فهي تعيش منذ مدة ليست بالقصيرة وضعية الاستغلال والقهر والظلم الاجتماعي والمهني بكل أشكاله، ويعملون تحت رعب التهديد بالطرد أو التنقيل التعسفي حيث يشتغلون في ظروف غير إنسانية 12 ساعة في اليوم وبتعويضات هزيلة، والحرمان من العطل السنوية ضدا على القانون ومقتضيات مدونة الشغل الوطني...ة أجور هزيلة ومجمدة وتعويضات لا تتماشى وحجم ساعات العمل الطوال والمداومة والعمل الليلي وأيام العطل والأعياد والمسؤولية ودون تعويضات حقيقية عن الأخطار المهنية التي تستفيد منها عدة فئات مهنية بالوظيفة العمومية والمؤسسات العمومية. كما تم حذف منحة الشهر 13 عشر وتجميد الأجور لمدة عشر سنوات. مستخدمو وأطر السكك الحديدية يعانون في صمت ويتلقون التهديدات كلما نادت جماعة منهم بصوت عال تطالب بالتغيير والإصلاح وبتحسين ظروف عملها وأوضاعها المادية والمعنوية . أما شريحة متقاعدي المكتب الوطني للسكك الحديدية ، فقد فقدت حقوقها الاجتماعية منذ مدة بسبب تعنت الادارة ومناوراتها في ربح الوقت وتملصها من التزاماتها تجاه شريحة أبلت البلاء الحسن في القيام بمهامها وقدمت خدمت جليلة للمكتب الوطني للسكك الحديدية وللمجتمع، وتنكرت لها الادارة بعد أحالتها على التقاعد. إنهم يتقاضون اليوم معاشات هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع، وتستمر في المعاناة مع صندوق للتغطية الصحية مفلس بسبب النهب والفساد، يصعب معه استرجاع مصاريف العلاج لمدة سنة كاملة من الانتظار ولايزال يبحث عن مخرج داخل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي. لقد اختارت الإدارة توسيع قاعدة الهرم الاداري بخلق 28 مديرية وعدة أقسام ومصالح تفوق 100 لتبرير مصاريف ونفقات كبيرة بدل تحسين أوضاع الأطر والمستخدمين وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين، كما اختارت شراء بعض الانتهازيين للتغطية على فضائح الفساد بها . ولايزال المجلس الأعلى للحسابات لم يقدم بعد تقاريره عن التدبير المالي والإداري لهذه المؤسسة الوطنية وهي في عز تدبير ملايير الدراهم في إطار المشروع الضخم المتعلق بالقطار الفائق السرعة. وقد كان على وزير التجهيز والنقل القيام ب»أوديت» شاملة للمؤسسة ومديرياتها قبل الشروع في إنجاز والإعلان عن الصفقات . وكعادتهم يلجأ مسؤولو إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية الى البحث عن كبش فداء إما عاملا، أو سائقا، أو مستخدما عندما تقع مثل هذه الحوادث كما وقع مؤخرا بالبيضاء. تتسرع في إلباسهم تهمة ومسؤولية الخطأ وتغطي على الأسباب الحقيقية التي كانت بالفعل وراء ذلك ، وهي مجمل ما تمت الاشارة إليه من تدهور خطير للتجهيزات والمعدات وغياب الصيانة وغيرها من الاختلالات والنواقص وسوء التدبير ... فهل أصبحت أرواح البشر رخيصة إلى هذا الحد ؟ والمستخدم والإطار السككي مهندسا كان أو تقنيا أو قائد القطار وسائقه والمراقبين ..... دائما هم من يدفع ثمن إهمال المسؤولين لدورهم في ضمان أمن المسافرين. إن الندوة الصحفية التي نظمتها إدارة السكك الحديدية وبلغة TGV وتم فيها الاتهام المباشر للمستخدمين ، تبين بجلاء ما وصلت إليه هده المؤسسة الوطنية من ترد فظيع. أجل لقد عرف المكتب الوطني للسكك الحديدية في السنوات الأخيرة تدهورا كبيرا لم يسبق له مثيل في مختلف المجالات التدبيرية والتقنية والمالية والخدماتية، نتيجة سوء وضعف التسيير والتدبير للشأن السككي وغياب الشفافية في تدبير الصفقات العمومية، تزايدت بفعله العديد من الاختلالات والنواقص. واليوم نحن أمام انهيار شبه كلي لهذا المرفق العام بسبب تراكم الاختلالات وتكريس ثقافة الممارسة الروتينية والتدبير التقليدي المتجاوز، والإهمال والفشل في البحث عن الحلول الآنية والمستعجلة لمأساة قطاع السكة الحديدية. ونحن على أبواب دخول مرحلة القطار فائق السرعة TGV، وجب: * أن تشهد السكك الحديدية قيادة جديدة للمكتب الوطني للسكك الحديدية بهيكلة جديدة للقطاع بعيدا عن 28 مديرية تستنزف مداخيل المؤسسة، عوض هرم اداري مفتوح متطور ومتناسق وعقلاني وليس من اجل إرضاء الخواطر وتوزيع المنافع، وبالتالي أصبح من الضروري واللازم على وزارة التجهيز والنقل تحمل مسؤولياتها كاملة ودون تردد لأن الأمر يتعلق بسلامة وحياة المواطنين وحقوقهم في النقل والسلامة ،وجودة الخدمات التي تقدمها السكك الحديدية . * إعادة النظر في إدارة هذه المؤسسة الوطنية التي تستنزف ميزانية الدولة دون مردودية تذكر، وعلى حساب جودة الخدمات المقدمة المواطنين والقيام بأوديت شامل وتقييم الوضع وإصلاح الاختلالات والنواقص ووضع حد للنزيف. * ضرورة التطبيق الصارم والعادل لمبدأ تقييمم أداء الادارة والعاملين والمستخدمين ، ونشر ثقافة السلامة، وإعداد برامج تحفيزية مادية ومعنوية، لتشجيع العاملين في مجال السلامة من أجل الحد من أخطاء العنصر البشري؛ * توفير قطع غيار مناسبة وإنشاء أوراش حقيقية ومجهزة لإنتاج قطع غيار بالمغرب بدل صرف أموال باهظة في شراء قطع غيار للقطارات من الخارج، و لا يتم استعمالها إلا نادرا ويتم تركها بالمخازن حتى تتلاشى و تهلك ثم تباع قطع غيار من جديد للإدارة، ومن أجل استمرار الادارة في استيراد قطع الغيار من الخارج؛ * احترام أرقام المقاعد في المسافات الطويلة وعدم القبول بتكديس المسافرين في عربات كأنهم بهائم، وتوفير كل الشروط الضرورية لراحة الزبناء من مكيفات هوائية ومرافق صحية نظيفة * وضع خطة شاملة وتحديد أولويات الدولة في هدا المجال تتضمن توفير ميزانية للتطوير من أجل شراء جرارات وعربات جديدة وتحديد المحطات وكهربة الإشارات وازدواج خطوط الضواحي المفردة وتوسيع الشبكة لنصل الى اكادير ثم العيون والمدن الداخلية ؛ وإعادة النظر في تذكرة القطارات المتهالكة واعتبارها درجة ثالثة. * تنفيذ خطة على مدار عشر سنوات المقبلة بالتزامن مع مشروع القطار الفائق السرعة لتطوير مرفق السكة الحديدية، وتوسيعه ووضع ذلك ضمن الأولوية لخطوط السكة الحديد بالمغرب في اتجاه الجزائر وموريتانيا ؛ * توفير الاعتمادات المالية الكاملة وتحديث الإشارات وتجهيزات التشوير ومراقبة الممرات ، وتدريب الأطر والمستخدمين مع تحديث واستخدام العامل الالكتروني واستعمال التكنولوجيا الحديثة في تدبير السلامة و المخاطر؛ * تكوين مستمر وتدريب العمال والأطر وتطويرهم في معهد وطني خاص لتطوير الأداء. * الزيادة في أجور وتعويضات الأطر ومستخدمي المكتب الوطني للسكك الحديدية وفي معاشات المتقاعدين وذوي حقوقهم والرفع من تعويضات الساعات الإضافية، وتعويضات الأخطار المهنية وتعويضات المسؤولية الادارية والتقنية والمراقبة * خلق فضاءات للعمل الاجتماعي في كل المدن بالنسبة للمستخدمين والأطر والمتقاعدين السككيين وذويهم وأبنائهم * توفير السكن الاجتماعي للأطر والمستخدمين والمتقاعدين عبر سلفات بفوائد ميسرة ومقبولة تتماشى ووضعهم المادي . * تحسين التأمين عن المرض واسترجاع مصاريف الأدوية، وخلق نظام تكميلي للتقاعد والتأمين الصحي، ووضع خطة زمنية للتنفيذ كل هذه الاجراءات بالحوار مع المهنيين والمكتب الوطني للمنظمة الديمقراطية للسكك الحديدية ومع جمعيات حماية المستهلك من أجل تحسين الخدمات السككية، وتفادي كل ما يضر بالمواطنين زبناء المؤسسة ويضر بالسياحة الوطنية بسبب عدم سلامة وسائل التنقل ، خاصة أن حوادث السير عبر الحافلات كثيرة والثقة في السكك الحديدية توضع موضع شك في سلامتها ولا تشجع على بتاتا على ثقة المسافرين السياح. (*) الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل