احتفالا بالرواية باعتبارها صوت الجماعة وترسيخ قدرة المتخيل على كتابة أحلام جماعية من خلال التعبير الفني، اختارت كلية الآداب والعلوم الانسانية بنمسيك بالدار البيضاء من خلال مختبري السرديات والخطابات الثقافية ومختبر اللغات والآداب والتواصل، عقد لقاء مفتوح مع الكاتب والباحث عبد الله المدغري العلوي حول روايته «une enfance métissée» وذلك يوم الثلاثاء 21 نونبر 2017، بمشاركة المؤلف وعدد من الباحثين والنقادوبحضور الأساتذة وطلبة الإجازة والماستر والدكتوراه. أدارت أشغال اللقاء ذ/ فاتحة بناني التي عبرت عن أهمية اللقاء حول مؤلفات عبد الله المدغري العلوي الذي أسهم بشكل كبير في ترسيخ حضور الأدب المغاربي داخل الجامعة المغربية، وخصوصا كلية الآداب بنمسيك، وبالتالي الانفتاح على آفاق معرفية مهمة . المداخلة الأولى ( بالفرنسية) قدمتها ذ/ نعيمة بنور التي رصدت فضاء وزمان الرواية، وتحكي عن تجاذب البطل بين ثقافتين مختلفتين، مؤكدة على أن هذا العمل ليس سيرة ذاتية وإنما هو رواية تحكي عن الأنا المجتمعية في فاس من خمسينيات القرن الماضي في تجربة حزينة، متطرقة إلى تداخل الأجناس الأدبية واللغات عبر الدمج بين اللغة الفرنسية والعربية واللغة العامية المغربية، دون نسيان المكانة المهمة التي يحظى بها المكان داخل الرواية والمتمثل في مدينة فاس باعتبارها رمزا في الثقافة المغربية. ورصدت في مداخلتها شخصية البطل «آدم» التي وصفتها بأنها شخصية جمعية تعبر عن الجماعة، وتحمل في اسمها العديد من الحمولات التاريخية والثقافية التي تلتقي مع أحداث الرواية في أماكن عديدة، ناهيك عن كون الرواية تطرح أسئلة وجودية متعلقة بالخير والشر والآخر، وحضور مجموعة من الأساطير مثل أسطورة أهل الكهف. وختمت الباحثة مداخلتها بالإشارة إلى أن الرواية قسمت إلى حركات لها علاقة بالموسيقى، مما دفعها إلى القول بأن هذه الرواية عبارة عن «سمفونية متنوعة وغنية». في حين كانت مداخلة ذ/موليم العروسي موسومة ب «طفولة هجينة أو انهيار حلم» منطلقا من أن بداية الرواية تجعل القارئ يذهب للقول بأن الكتاب يختبئ وراء الاستعارة، هذا الكتاب الذي يفتتحه صاحبه بسؤال عن الطريقة المثلى للحكي. ثم ينتقل العروسي إلى الحديث عن اسم البطل «آدم» الذي لم يكن شائعا في الزمن الذي اختارته الرواية زمنا لها، معتبرا أن اختياره جاء ليعبر عن ولادة إنسان جديد بين زمني الاستعمار والاستقلال، ما جعل البطل يصطدم بعالم صلب على حد تعبير موليم العروسي، هذا الأخير الذي ركز على ثنائية الفوق/ الأسفل، مؤكدا على أن رؤية العالم تفرض الصعود للأعلى، إذ يوجد العالم «فوق» أما البطل فيتموضع في «الأسفل»، دون إغفال أن المستعمر يوجد «فوق» والمغاربة يتموقعون في «الأسفل»، خاتما مداخلته بالإشارة إلى انتقال الكاتب من ضمير الحكي إلى ضمير المخاطب مع التأرجح المستمر بين هذين الضميرين، مشيرا إلى أن ولوج ثقافة الآخر سمحت به اللغة وتعلم العلاقة بين الأشياء، حسب الرواية، وهذه اللغة هي التي اعتبرها موليم العروسي السبيل إلى الخروج من مغارة أفلاطون التي كان البطل «آدم» قابعا فيها، وخروجه جاء كخروج سجين أفلاطون، في ولادة جديدة لمعرفة الآخر بالحب. بعد ذلك، وقبل الانقال إلى المحور الثاني، تم منح الحضور الكلمة حيث تم التركيز على لغة الرواية، وتيماتها، ومقومات اختبار أسماء شخوصها، ليجيب الكاتب عن التدخلات المطروحة بكلمة افتتحها بشكر المختبرين القائمين على اللقاء، ثم قال بأنه «سيكون من الصعب أن يتحدث روائي عن روايته» حيث اعتبر أن المداخلتين كانتا كفيلتين بالكشف عن ما تكتمت عنه الرواية، ما جعلها تضيء وتغني الرواية بشكل كبير، منتقلا إلى الحديث عن الجانب اللغوي، مؤكدا على أن وجود العامية في الرواية ضرورة فرضها المعنى ولم تكن مسألة متعمدة، ناهيك عن ملاءمة العامية للفترة الزمنية التي تعبر عنها الرواية، وهي فترة زمنية عصيبة من تاريخ المغرب سواء على المستوى التاريخي والثقافي وتحديدا مرحلة الاستعمار. أما في ما يخص سؤال اختيار الأسماء، فقد أكد المحتفى به على أن الأسماء رهينة ومرتبطة بمعانيها وحمولاتها التاريخية والدلالية، أما تعدد الضمائر فهو مرتبط بتعدد أشكال السرد وبوضعيات السارد، خاتما مداخلته بالإشارة إلى أن استعمال الشعر، كان نتيجة لأنه الجنس الأكثر ضمانا لنوع من الحرية التي كانت ضرورية في بداية الرواية. وانتقلت الندوة من الرواية إلى النقد، وتحديدا العمل النقدي الأخير لعبد الله المدغري العلوي «التفكير في الرواية المغاربية» مع ذ/ميلود العثماني، الذي قارب وعرف الحضور على هذا المؤلف النقدي، حيث اعتبر بأن عبد الله المدغري العلوي من المؤسسين الأوائل لدرس السرديات في الساحة النقدية العربية ، مؤكدا على أن المحتفى به انفتح على السرديات التلفظية كما نظر لها «إميل بنفينيست»، منتقلا إلى الحديث عن كتاب «التفكير في الرواية المغاربية» الذي يغطي الكثير من الروايات المغاربية ويرسي نوعا من التوازي بين نشأة الرواية في البلاد المغاربية وأنه يصدر حكما نقديا يتمثل أولا، على حد قول العثماني، في أن الرواية المغاربية يطغى عليها النفس الأوطوبيوغرافي، ويتجلى ثانيا في كون معظم هذه النصوص لا تحتوي سردا تخييليا، بل يطغى عليها التأمل والتفكير، ما جعله يطرح السؤال التالي « ألم يشبع المغاربة من حكاياهم الشخصية؟»، مؤكدا على أن من حسن حظ الرواية المكتوبة بالعربية أنها حضرت داخل الكتاب مما جعل الكتاب يضمن للهوية المغربية المتنوعة وجودها عبر استحضار نصوص روائية مكتوبة باللغة العربية وأخرى مكتوبة باللغة الفرنسية. وتوصل العثماني إلى أن النتيجة التي يمكن الخلوص إليها تتجلى أساسا في ثلاثة جوانب رئيسة هي: الجانب التاريخي، إذ إن تاريخ الرواية المغربية تاريخ طويل ومستمر، الجانب التيماتيكي الذي يعرف شبه تشابه بين التيمات المتناولة في الرواية المكتوبة بالعربية والمكتوبة بالفرنسية، وأخيرا الجانب الجمالي الذي يتميز بشبه تكامل بين الرواية المكتوبة بالعربية والرواية المكتوبة بالفرنسية، وتتمثل في الكتابة بضمير المتكلم، مضيفا أن أهمية الكتاب تكمن في كونه أول كتاب يقوم برصد للرأسمال الكتابي المغربي بالعربية والفرنسية، مما يجعل مقصدية الكتاب هي صون الذاكرة الثقافية المغربية.وختم الباحث مداخلته بالقول: «مثل هذه الكتب التي تركز على المشترك وتنصف الفسيفساء المغربية إنما ترمي إلى تجديد الفكر والتحاور» طارحا سؤالا على الأستاذ المدغري حول الطريقة التي اختار بها النصوص العربية. واختتم اللقاء بحوار عام ومفتوح بين كل الحضور المتنوع والكاتب والنقاد.