بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    المغرب التطواني يفوز على مضيفه اتحاد طنجة (2-1)    الوزير بنسعيد يترأس بتطوان لقاء تواصليا مع منتخبي الأصالة والمعاصرة    العسكريات يضيعن لقب أبطال إفريقيا بعد الخسارة من مازيمبي 1-0    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    الإمارات: المنتخب المغربي يفوز بكأسي البطولة العربية ال43 للغولف بعجمان    المنتخب الوطني المغربي يتعادل مع الجزائر ويتأهل إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    الجزائر تعتقل كاتبا إثر تصريحاته التي اتهم فيها الاستعمار الفرنسي باقتطاع أراض مغربية لصالح الجزائر    مكتب "بنخضرة" يتوقع إنشاء السلطة العليا لمشروع أنبوب الغاز نيجيريا- المغرب في سنة 2025    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الشراكة الاستراتيجية بين الصين والمغرب: تعزيز التعاون من أجل مستقبل مشترك    استغلال النفوذ يجر شرطيا إلى التحقيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    معهد التكنولوجيا التطبيقية المسيرة بالجديدة يحتفل ذكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا يصنع القرار في الجزائر.. ردود أفعال وسائل الاعلام حول إقالة بلخادم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 04 - 09 - 2014

جريا على العادة، واتماما لمسلسل الإعدام السياسي في حق كل من قد يتردد اسمه كخليفة محتمل لكرسي الرئاسة أو من اقترن اسمه بالتغيير، تم إبعاد عبد العزيز بلخادم المستشار الخاص للرئيس الجزائري عن كافة أشكال الحياة السياسية في الحكومة والحزب. وهو الشيء الذي فتح الباب أمام التأويلات التي اختلفت وتباينت بشكل لافت، بين مؤيد ومعارض، وبين من يعتبرها خطوة في سبيل النهوض بالبلاد والتخلص من المناوشين، وبين من يعتبرها خطوة رجعية يتوخى من خلالها القادة قمع كل الأصوات التواقة للتقدم والتغيير في البلد. وفي هذا الصدد يمكننا أن نقول إن بوتفليقة يأمل أن يشكل قراره هذا ضربة قوية لكل معارضيه. وربطت مصادر إعلامية جزائرية التعجيلَ بقرار الإقالة، بكثرة الظهور الإعلامي والسياسي لبلخادم في الساحة وحضوره رفقة خصوم سياسيين للرئيس بوتفليقة في الجامعة الصيفية لجبهة التغيير، ومنهم أحمد غزالي وعلي بن فليس الذي وجه انتقادات حادة لبوتفليقة قبل أيام، وهو ما قرأ فيه بوتفليقة بزوغ نجم جديد قد ينافسه على الكرسي، ليقرر التخلص منه بطريقة غير لبقة وخالية من جميع الأعراف الدبلوماسية.
فقرار بوتفليقة لم يكن عاديا، إذ أنه شمل نشاطات بلخادم في جميع هياكل الدولة، مرفقاً بأمر رئاسي الى قيادة جبهة التحرير (الحزب الحاكم) بإقصائه من كل المسؤوليات الحزبية التي يشغلها، خصوصا عضوية اللجنة المركزية.
وفي سياق متصل ذكرت جريدة «العرب»، أن الاستغناء المفاجئ للرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة عن خدمات مستشاره عبدالعزيز بلخادم، جاء بعد تقارير تحريضية ضده من خصومه في الحزب الحاكم وصلت رجل الظل وصاحب القرار سعيد بوتفليقة. 
وكشفت المصادر أن تقارير سرية قدمت ضد بلخادم حول نشاط غامض لما يعرف ب»لجنة الوفاء لبلخادم» على شبكات التواصل الاجتماعي، وكذا عن علاقة وُد مفترضة بينه وبين رئيس جهاز الاستخبارات الفريق محمد مدين (الجنرال توفيق)، المعروف بصراعه مع محيط الرئاسة حول المستقبل السياسي للبلاد ورفضه للولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة.
وقالت المصادر إن لجنة الوفاء صارت محل إزعاج للقيادة الحالية لجبهة التحرير الوطني، سيما في ما يخص إظهارها اطلاعا كبيرا بالمسائل السرية لمحيط الأمين العام الحالي عمار سعداني، وتسريبها عددا من الملفات حول قضايا فساد و»ممارسات مشبوهة» له وللمحيطين به.
وأضافت المصادر أن تقارير متعددة رفعها سعداني، إلى «رجل الظل»، الشقيق الأصغر لرئيس الجمهورية ، سعيد بوتفليقة، حول نشاط لجنة الوفاء لبلخادم، وأن التقارير ركزت على المخاطر التي باتت تشكلها على قيادة الحزب، ومدى تأثيرها على الرأي العام، بما أنها أبانت اطّلاعا واسعا على أدق التفاصيل في ما يدور في كواليس الحزب الحاكم وخاصة رجال سعيد بوتفليقة.
وسبق لعمار سعداني، خلال الأسابيع الماضية، أن أثار مسألة اللجنة في اجتماع سري للمكتب السياسي للحزب الحاكم، وهو ما كشفت عنه جريدة «العرب» في وقت سابق. كما أكد لمقربين منه على ضرورة كشف الشبكة أو المجموعة التي تسرب أسرار الحزب للجنة الوفاء لبلخادم. وحينها اتهم سعداني جهاز الاستخبارات بالوقوف خلف اللجنة، وقال في نفس الاجتماع لمقربيه إن «الجهاز هو من يحرك اللجنة، إن لم تكن هي ذاتها مكونة من عناصره، في إطار مخطط لهز استقرار جبهة التحرير الوطني».
وأكدت المصادر أن نشاط اللجنة على شبكة التواصل الاجتماعي، ركز اهتمامه على دعم جناح بلخادم في العودة إلى قيادة الحزب، ومعارضة قيادة سعداني، وهو ما وظفه معارضوه بالقول إن طموحاته تتعدى استعادة منصب الرجل الأول في الحزب الحاكم، إلى منصب الرجل الأول في البلاد، وهو الأمر الذي أزعج جناح الرئاسة وجعلها تفقد كامل ثقتها فيه وتود التخلص منه.
هذا، وقد كان عمار سعداني رفض التعليقَ على قرار عزل غريمه بلخادم من الحكومة والحزب، أو الخوض في الجوانب المتصلة بالقضية، واكتفى بالقول: «القرار اتخذ من طرف رئيس الجمهورية، الذي يخول له الدستور صلاحية تعيين وعزل أي إطار أو مسؤول». وأضاف: «لا يجب أن ننسى أن بوتفليقة نفسه هو الرئيس الشرفي لجبهة التحرير الوطني، ونصوص الحزب تكفل له نفس المهمة».
وحول جمع قرار عزل بلخادم للنشاط الحكومي الرسمي والنشاط الحزبي، أكد سعداني، أنه تلقى اتصالا من مؤسسة الرئاسة حول المسألة، وسيجتمع بالمكتب السياسي لشطب بلخادم.
وفي قراءة معمقة يقول المحلل والأستاذ في جامعة الجزائر، محمد لعقاب، في تصريح نشرته «العرب» : إن «السلطة الجزائرية لا تفرط في رموزها بهذا الشكل، ولم يحدث أن صفّت حساباتها بهذه الطريقة، فعلاوة على المصالح المتبادلة، فإن الاستغناء عن رجل بحجم بلخادم، لا يمكن أن يتم بالنظر إلى ما للرجل من اطلاع واسع على ملفات كبيرة وأسرار اللوبيات النافذة». وأضاف: «أعتقد أن السلطة تحضر لشيء ما استدعى سحب بلخادم من الواجهة الرسمية والحزبية، وأظن أن بوتفليقة لما يستشعر خطرا من خصومه، يعاقبهم بطريقة ذكية، تتمثل في الإبعاد عن الجبهة الداخلية، ويحفظ لهم ماء الوجه بمناصب شكلية غير مؤثرة».
وتابع: «بلخادم سيكون بديل جناح الرئاسة، إذا تدهورت صحة الرئيس أكثر، وخليفته في قصر المرادية إذا نظمت انتخابات رئاسية مسبقة بعد تعديل الدستور قبل نهاية العام الجاري، بحسب ما يروج في بعض الدوائر».
وكان بلخادم قد اعتبر قرار عزله من الحكومة، من صلب صلاحيات رئيس الجمهورية، واستبعد أن ينسحب ذلك على موقعه في حزب جبهة التحرير الوطني الذي ظل لفترة كبيرة أمينه العام، ملمحا إلى أن سبب العزل يكمن في خلاف له مع بوتفليقة بشأن الأوضاع التي يمر بها الحزب منذ عدة سنوات.
ومن جهة أخرى أكد السفير الأمريكي السابق، إدوارد غابرييل،كما نشرت تلكسبريس، أن الإقالة المفاجئة لعبد العزيز بلخادم، المستشار الخاص لرئيس الجمهورية الجزائرية، من كافة مؤسسات الدولة وجبهة التحرير الوطني، هي من أعراض حرب الخنادق الطويلة الأمد التي بلغت ذروتها بين مختلف أركان السلطة الجزائرية، والتي «تنهل من فكر سوفياتي بائد». وقال غابرييل، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الأمر يتعلق ب»اشتباك بين مختلف أركان السلطة الجزائرية، المنظمة وفق هيكلة سوفياتية، وهي معركة تقليدية تجمع، على الخصوص، بين الجنرالات والنخبة السياسية بالجزائر»، موضحا أن «الآراء التي يدافع عنها هؤلاء تعود إلى نظام فكري خبيث وغير مبال بالتحديات الملحة التي يواجهها الشعب الجزائري وكامل منطقة شمال إفريقيا». وأضاف أن هذه «الرؤية الجامدة للعالم والمناهضة لأي تغيير تندرج في إطار السير عكس مزايا تيار الحداثة والانفتاح، وتعيق قدرة الشعب الجزائري على امتلاك رؤية استشرافية وتطورية لمستقبله الخاص». وفي الصدد ذاته، لاحظ أن هذه الأزمة السياسية بالجزائر قد تهدد بتقويض الاستقرار في المنطقة، التي تعد في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تضافر الجهود وتوحيدها من أجل مواجهة التحديات الأمنية الناجمة عن الوضع المتدهور الذي تشهده حاليا ليبيا، البلد الجار للجزائر.
وحذر من أن «القيادة الجزائرية، بالمقابل، مدعوة لإيلاء أهمية خاصة إلى الأحداث التي تجري بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تعد في أمس الحاجة إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى»، مضيفا أنه لا يتعين على الجزائر إطلاقا تجاهل رياح التغيير التي غالبا ما تنتهي «بفرض مصيرها الحتمي». وفي هذا السياق، ناشد غابرييل القيادة الجزائرية لمواجهة تحديات التغيير في البلد والعمل بشكل وثيق مع المغرب من أجل غد أفضل بالنسبة للمنطقة قاطبة، تماشيا مع الطموحات المشروعة لشعوب هذا الجزء من العالم من أجل تحقيق التقدم والرفاهية المشتركة. 
إن أهم ما ميَّز فترة رئاسة بوتفليقة للجزائر على طول 15 عاما، أنه وضع نفسه خارج المحاسبة؛ فلا أحد ولا أي هيئة في البلاد بإمكانها أن تراجع قراراته ولا أن تسأله عن خيارات اعترف هو بأنه أخطأ فيها، ولا أحد يعيّن ويقيل إلا هو حتى في أبسط المناصب في الدولة، كأمين عام بلدية، وبالتالي تحوّلت كل من سلطتي «التعيين والإقصاء» إلى هواية مفضلة لديه.:
أمعن الرئيس بوتفليقة، خلال فترة رئاسته الممتدة على 15 سنة، في ممارسة سلطتي «التعيين والإقصاء» من مناصب المسؤولية في الدولة، حتى أصبحت من فرط تكرارها «هواية» مفضلة تميز مرحلة حكمه. بيد أن غياب المبررات والأسباب التي تشفع أغلب قرارات الرئيس في اختيار الرجال ثم إنهاء مهامهم، جعلت من هذه الممارسة بعيدة عن «منطق الدولة»، وقريبة إلى «تصفية حسابات» مع شخصيات لم توافق هوى الرجل.
سمحت السلطة المطلقة التي احتكرها بوتفليقة على مدار سنوات حكمه، بأن تكون له اليد في معاقبة من يشاء من السياسيين الذين عملوا تحت سلطته، حتى ولو كانوا من أكثر المقربين إليه. والذين كان آخرهم، عبد العزيز بلخادم الذي عاقبه الرئيس بأن قذف به إلى عزلة سياسية تكاد تكون شبيهة بوضعه في إقامة جبرية.
إن بلخادم من منظور بوتفليقة متمرد وأصبح في نظره ينازعه الشرعية على جبهة التحرير كما حدث لسلفه بن فليس.
وبتالي فإن بوتفليقة يدرك منذ شبابه أهمية جهاز الأفالان في معركة السلطة بالجزائر، ومنذ شبابه شهد ثم انخرط في معركة السيطرة على الحزب الذي يعد أحد أعمدة الشرعية لأي رئيس ونظام قائم. ففي سنة 1979 خسر الرئيس الحالي رهان خلافة بومدين، لأن الحزب دعم محمد الصالح يحياوي ليكون مرشحا له، فيما وقفت المؤسسة العسكرية في صف العقيد الشاذلي بن جديد. وعند توليه الحكم في أبريل 1999، لم يهدأ باله إلا بإقصاء بوعلام بن حمودة أمين عام الحزب حينها، وتحقق له ذلك في سنة 2001، بعد سنتين فقط من توليه الحكم، وعين علي بن فليس أمينا عاما للحزب، ضمن مساعي بوتفليقة وضع الحزب تحت برنوسه، غير أن الخلاف سرعان ما دبّ بين بوتفليقة الذي كان يجهز نفسه لعهدة ثانية وقيادة الحزب المدعومة من جناح في السلطة، كانت ترى في علي بن فليس وريثا شرعيا للحكم. ولم يهضم بوتفليقة انقلاب الأفالان عليه، فحرك شبكاته وأجهزة الدولة لاسترجاع جهاز الأفالان، وتحقق له ذلك بإبعاد بن فليس عن اللعبة. وبعد مرحلة انتقالية قصيرة، انتخب عبد العزيز بلخادم أمينا عاما للحزب، وتم تطبيع الأوضاع الداخلية بما يخدم توجهات الرئيس الذي كان يشتغل على جبهات متعددة لتعزيز أسس حكمه، وكسر مراكز «المقاومة».
ومكن بوتفليقة في فترة حكمه للأفالان من السيطرة على المؤسسات المنتخبة، وفتح هذا شهية قيادات الحزب التي ترى نفسها أولى بالمناصب الحكومية والريوع، لكن لوضع مؤقت، وقام بتكميم أفواه مسانديه في الحزب. إلا أنه في بداية العهدة الرابعة، وانكماش الرئيس على نفسه مع كثرة انتكاساته الصحية وتخليه عن كثير من صلاحياته لمجموعة من المسؤولين التنفيذيين، تفجرت ثورة لدى قيادات الأفالان ترى أنها أبعدت عن القرار وعن الريوع، لصالح جماعات مصالح جديدة مشكلة من تحالف لرجال المال والإدارة المسنودين من محيط الرئيس نفسه. وعملت القيادات المخضرمة في الأفالان بقيادة عبد العزيز بلخادم، على الضغط على الرئيس بوتفليقة، لأجل تصحيح الأوضاع عبر تصحيح مسار الحزب الذي يسيره عمار سعداني، المتهم بأنه بيدق في خدمة مجموعات المصالح الجديدة. لِيبدوَ فيما بعد أن تحركات مجموعات المخضرمين في الأفالان الملتفين حول بلخادم، والتقارير التي جهزها مقربون من الرئيس عجلت بطرد المستشار من الرئاسة والأفالان، لقطع ما يرونه فتنة، ومحاولة تفجير أوضاع جبهة التحرير الوطني، أو الثورة على الرئيس ومحيطه، وحرمانه من شرعية الأفالان التي قضى سنوات لاكتسابها.
وفي هذا الطرح يسير الكاتب الصحفي سعد بوعقبة حين صرح لجريدة «الخبر» معتبرا أن: «بوتفليقة دخل مرحلة فك الاشتباك بين الزمر»، قبل أن يضيف: بوتفليقة تربى في مدرسة الحكم المطلق كوزير للخارجية، هو المشرع وهو المنفذ، ولذلك لا يرى أبدا أن يتم التفريق بين صلاحيات المؤسسات الدستورية للدولة، ولا يرى أن هناك في الحكم من بإمكانه أن يراقب صلاحياته أو سلطته، لهذا أعاد شبكة المؤسسات التي تركها زروال إلى ما قبل دستور 1989 عمليا فأصبح هو الكل في الكل، وهو يعتقد صادقا بأن تجميع كل الصلاحيات في يده يقويه، في حين أن ذلك يضعف مؤسسات الدولة وبالتالي يضعف حكمه وهو ما حصل بالفعل. فلو كانت المؤسسات قوية، ما شهدنا مثل هذه الكوارث التي تحدث في البلاد، ومن توغُّلٍ للفساد وترهل لمؤسسات الدولة والمسؤولين وتعاظم الاضطرابات والقلق الحاصل في الحياة الأمنية للبلاد.
بوتفليقة يعتقد بأنه يتقن فن الحيل السياسية والمؤامرات أكثر من غيره، ولذلك لا يرى في مسألة خلط الصلاحيات بين الوظائف والمؤسسات مسألة تضرب في العمق منطق الدولة. ما ساعد بوتفليقة على بقائه رهينة سياسة الخلط بين المؤسسات والصلاحيات، كما أن الرجال الذين اختارهم حوله لا يوجد بينهم من باستطاعته أن يقول له ما يجب أن يقال في الوقت المناسب، لهذا عاث فسادا في إضعاف مؤسسات الدولة لصالح سلطة شخصه المطلقة، وهو ما أضر به هو أولا قبل أن يضر بمؤسسات الدولة وتطورها. والأمر لا يعود لبوتفليقة وحده، بل يعود إلى عقلية المحيطين به والذين أصبحوا يرون فيه نبي هذا الزمان، والسلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، تسود فيها حجة السلطة وليس سلطة الحجة التي تبنى عليها أنظمة الدول الحديثة.
ليضيف معلقا على السؤال: هل بإنهاء مهام بلخادم سياسيا وحكوميا، يكون بوتفليقة دخل في مرحلة تصفية الحسابات مع مقرّبيه؟ لا أعتقد ذلك. الرئيس يكون قد دخل في مرحلة فك الاشتباك بين الزمر المحيطة به بواسطة مثل هذه القرارات ذات الطابع المسرحي الذي يوحي بأن الرئيس يتحكم في كل شيء، وهو في الواقع لا يتحكم في شيء. إبعاد بلخادم بهذه الطريقة دون تعيين من يخلفه يدل على أن منصب بلخادم بالأساس كان زائدا، يمكن الاستغناء عنه مثل الرئيس الذي تسير المؤسسات من دونه، فالرئيس ينعم على من يشاء وبما يشاء وينزع ما يشاء ممن يشاء في الوقت الذي يشاء، وهذه ليست ظواهر ممارسة رئيس دولة. ماذا يعني إقحام الأفالان في عقاب بلخادم؟
الأفالان هو آخر ما تبقى من مظاهر شرعية النظام السياسي، ولهذا فإن الصراع فيه وحوله هو في الواقع صراع حول اكتساب شرعية مهزوزة أو هكذا يعتقد المعتقدون.. فالأفالان لم يعد عند الجزائريين مصدرا للشرعية، بل هو الآن أحد أسباب فقدان الحكم لشرعيته، وحتى بوتفليقة نفسه قال هذا الكلام.
أثبت بوتفليقة أنه لا يتردد في الانتقام من مقرَّبين منه، هكذا افتتح قاسة عيسى عضو المكتب السياسي للأفالان سابقا كلامه في حوار مع جريدة الجوائر، قبل أن يضيف: وغالبا ما يأخذ الانتقام طابعا شخصيا. وأكبر دليل على صحة هذا الطرح ما ورد في برقية وكالة الأنباء الجزائرية، التي نشرت خبر إنهاء مهام السيد عبد العزيز بلخادم من منصبه. الجزء المتعلق بإنهاء مهامه الحكومية لا دخل لنا فيه، ولا نعلق عليه بحكم أنها من صميم الصلاحيات الدستورية للرئيس، بل الجزء الثاني المتعلق بنشاطه ونضاله الحزبي، فأظهر الرئيس طابعا خفيا لمحتوى القرار وهو يبرز خلطا واضحا بين وظيفة تمنحها مؤسسات الدولة، وحزب كغيره من الأحزاب السياسية. مضيفا أنه يستند إلى مثال إنهاء مهام عبد العزيز بلخادم للإجابة على السؤال، لأنه ذهب ضحية خلط بين الصلاحيات، مع العلم أن بلخادم لما كان أمينا عاما للأفالان لا يتخذ أي قرار ولا يسجل أي نقطة، في جدول أعمال الاجتماعات إلا وتصل إلى رئيس الحزب. ثم إن رأينا نعبر عنه فيما تعلق بالصلاحيات بأمور موثقة في نصوص قانونية ومواقف رسمية، أما ما تعلق بالأمزجة والأهواء فهذه أمور لا يعلمها إلا الله، أما الممارسات القانونية وغير القانونية فلنا فيها أدلة.
وحتى وإن كان إنهاء مهام بلخادم حكوميا لا دخل لنا فيه، إلا أنه مادام هناك حديث عن الخلط بين الصلاحيات، فالجزء الأول من البرقية عندما تشير إلى إنهاء مهامه من كافة هياكل الدولة، فهذا يعني أن بلخادم أمام إدانة من جانب العدالة، وإذا كانت هذه القراءة صحيحة فهي من صلاحيات العدالة.
وإجابة عن السؤال:هل العقوبة الاستعراضية التي حلّت ببلخادم تعكس تصفية حسابات يمارسها الرئيس؟ يقول: يمكن لهذا الطرح أن يتأكد في حال أحيل بلخادم على لجنة الانضباط بالحزب، لأنه سيتكلم عن الدواعي التي جعلت الرئيس يتصرف معه بهذه الطريقة، عمّا إذا كانت تتعلق بأخطاء متصلة بوظائف حكومية. لكن يجب التنبيه ردا على هذا السؤال، أن الحزب في الوقت الحالي، كان ينتظر من الرئيس قرارا حاكما، لأن الصراع متعلق بمسألة الشرعية، والحل يكون عبر ممارسات ديمقراطية.
إن جبهة التحرير الوطني ،يضيف المتكلم، هي في صراع من عدّة وجوه، لكن قبل كل شيء نوضح بأن أول من دعا الرئيس لولاية رابعة كان عبد العزيز بلخادم بداية من مارس 2010، وليس عمار سعداني الذي ادعى ذلك ونسب لبلخادم أنه ينوي خلافة بوتفليقة، ثم أي شخص تتوفر فيه الشروط القانونية للترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة، فذلك حقه الدستوري. ومنه، يمكننا أن نقر بأن إبعاد عبد العزيز بلخادم ووسط «تعتيم شامل» من كافة مؤسسات الدولة الجزائرية وجبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) يشي بدرجة كبيرة من تحلل وتفكك النظام الجزائري، بسبب حرب الخنادق بين مراكز السلطة بالجزائر العاصمة، بما في ذلك مختلف أجهزة المخابرات، وهي عوامل دفعت بالخبراء ووسائل الإعلام الأمريكية إلى مراقبة الوضع بانشغال أكيد، خاصة قبيل وبعيد الانتخابات الرئاسية الأخيرة وفي هذا الصدد اعتبر مدير مركز (إفريقيا سانتر)، التابع لمجموعة التفكير الأمريكية المرموقة (أطلانتيك كاونسل)، بيتر فام، أن «هذا القرار يدل أيضا على أن النظام الجزائري بقي جامدا في موقفه الشمولي المناهض لرياح التغيير»، مذكرا بأن هذه «الإقالة المفاجئة تأتي في سياق سياسي داخلي بالجزائر، يعيش على وقع تبادل الضربات والاتهامات بين عمار سعداني، الأمين العام الحالي لجبهة التحرير الوطني، والجنرال توفيق، رئيس إدارة الاستخبارات والأمن». وقال بيتر فام، الخبير الذي يلجأ الكونغرس الأمريكي إلى استشاراته، إن «الأمر يتعلق بالتأكيد بحرب بين القادة الجزائريين، في السبعينات من عمرهم، على انتزاع السلطة، وهي حرب تنضاف إلى حالة التحلل المتواصل للنظام الذي يوجد على حافة الهاوية، في وقت يتشكل فيه غالبية الشعب الجزائري من الشباب». ولاحظ الخبير الأمريكي أن من سخرية القدر أن عبد العزيز بلخادم، الذي يعتبر من رجالات السلطة بالجزائر، كان «من أشد الداعمين لإعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ظل الظروف المعروفة للجميع»، محذرا من تداعيات «تدهور الوضع السياسي الداخلي بالجزائر على بلدان المنطقة». وشدد على «الحاجة الملحة للشباب وللشعب الجزائري عامة للاستفادة من فرصة أن يكون لهم رأي حول الاتجاه الذي يتعين أن يسير فيه البلد، بكل شفافية ونزاهة، بخلاف ذلك فإن النظام يكون قد أشعل شرارة انفجاره داخليا».
وكانت الصحيفة الأمريكية «نيويورك تايمز» قد أزاحت مؤخرا الستار عن مشهد تفكك سياسي بالجزائر، مؤكدة أن حفنة من السياسيين والجنرالات ومسؤولي المخابرات «يمسكون بزمام السلطة» منذ الاستقلال ويعارضون أي تغيير، الأمر الذي أدخل الجزائر في «حالة سبات عميق»، في حين أن البلد يوجد «على حافة الانهيار».
ونقلت الصحيفة سالفة الذكر، في مقال بعنوان «سياسيا على غير هدى، الجزائر تتمسك بمسوخها العجوزة»، عن رئيس الوزراء السابق أحمد بن بيتور قولَه إن «البلاد تتجه نحو الانهيار».
ويرى مراقبون في واشنطن أن «شلل الحكومة يعتبر واحدا من الأعراض الأكثر بروزا للحالة المرضية التي توجد فيها الجزائر وكذا انعدام ثقة القادة في التحول السياسي».
ونقلا عن دبلوماسي غربي، أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن المسألة الأكثر إلحاحا تتمثل في معرفة «إلى متى ستستمر السلطات الجزائرية في شراء السلم الاجتماعي دون تغيير سياسي».
وفي سياق متصل بالتصريح الذي أدلى له بلخادم، لجريدة الخبر الجزائرية، والذي نفى فيه أن يكون خلافه مع الرئيس حول الحزب، وحول بعض سياسات الحكومة هي التي دفعت الرئيس إلى إقالته. قائلا: » من الواضح أن للقرار صلة بالوضع الداخلي لجبهة التحرير الوطني، وأن الرئيس حسم قراره لصالح سعداني الذي نال، إلى جانب ذلك، اعترافا صريحا وعلنيا من الرئاسة بشرعيته. يمكن أن نقول أن: » إقالة بلخادم إشارات تحمل تحذيرا لمسؤولين حكوميين آخرين، بأن مصيرهم سيكون الإبعاد بالإهانة إذا تجاوزوا الخطوط الحمراء، أو أخلوا بالتوازنات وخارطة الطريق المكلفين بها. وهي ذات الرؤية التي دفعت أحمد بن بيتور رئيس الوزراء الجزائري السابق أنْ يعتبر أنَّ إقالة عبد العزيز بوتفليقة لممثله الخاص عبد العزيز بلخادم من جميع مهامه، بمثابة الجزء المرئي من «جبل الجليد» في إشارة إلى الأزمة التي تضرب رأس الدولة في إطار الصراع على السلطة بسبب الفراغ الناجم عن الوضع الصحي لرئيس البلاد. قبل أن يضيف بن بيتور: الدولة الجزائرية في الوقت الراهن دولة فاشلة استنادا إلى جميع المعايير العلمية المتبعة، محذرا من استمرار مسلسل التراجع والانحدار الذي تعيشه الدولة.
«لقد انتهت صلاحية بلخادم لأنه رجل كان في خدمة بوتفليقة، بدل خدمة الجزائر، هكذا يقول بن بيتور، لِيُتمم: إن هذا القرار يُعبِّرعن فقدان رئيس الدولة لجميع صلاحياته وعدم قدرته على وقف القرارات التي يتخذها محيطه الخاص الذي يدير الدولة بمنطق المصالح والحسابات التي لا مكان فيها لأي اعتبارات تتصلُ بمصلحة الدولة أو الشعب الجزائري.
واعتبر بن بيتور إقالة بلخادم مقدمة لبداية صراع سياسي على السلطة، وعملية تمشيط أولية لتصفية بعض الأسماء التي يمكن أن تستفيد من نفوذها ورصيدها لدى الشعب. كما ربط أزمة البلاد السياسية، بالوجه الآخر للأزمة وهو الجانب الاقتصادي الذي يعاني من الركود والتضخم بسبب انحسار مداخيل النفط، وتوقف الطفرة النفطية بسبب استقرار الاسعار في السوق الدولية. كما تحدث عن آفاق قاتمة تنتظر الاقتصاد الجزائري، متوقعا فترة جفاف طويلة للاقتصاد الجزائري، بعد تآكل مدخرات النفط بسبب الادارة الفوضوية لهذا القطاع، وسخاء الإنفاق في مجالات غير منتجة.
هذا وقد اعتبر تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في مقال نشرته جريدة الأحداث المغربية، أن إبعادَ عبد العزيز بلخادم المستشار الخاص لرئيس الجمهورية من كافة مؤسسات الدولة وجبهة التحرير الوطني قرارا يؤكد أزمة «شخصنة السلطة» التي يعانيها النظام الجزائري. وأوضح الأستاذ الحسيني تعليقا على هذا القرار، أنه عادة في الأنظمة الديمقراطية تمر مثل هذه القرارات عبر الأجهزة الرقابية التي من خلالها تمارس الرئاسة سلطتها وليس بمقتضى قرارات رئاسية تتخذ بكيفية شخصية وأحادية. وقال إنه «يعكس الصبغة الشمولية والاستبدادية للنظام الجزائري الذي لا يخضع لقواعد الديمقراطية». من ناحية أخرى، أبرز أستاذ العلاقات الدولية أن هذا الإجراء «يجد خلفيته في الصراع الدائر على السلطة بين شخصيات محورية في جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس الجزائري) وداخل المؤسسة العسكرية».
أن كل ما سلف يلزمنا الاقرارَ أن الجزائر علاوة على أنها تعيش وضعا اجتماعيا واقتصاديا متسما بهشاشة الحادة، إلا أنه كذلك يعيش على وقع تفكك سياسي خطير ذو طابع «خندقي- طائفي» يزيد من حجم المخاطر، وهو الوضع الذي يُعتبر إبعاد بلخادم دليلا صارخا عليه. وهي نفس الوضعية التي ستضطر الشعب الجزائري الطامع للتقدم والازدهار إلى مزيدٍ من الانتظار، لكن إلى متى...؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.