في قرار غير متوقع، أبعد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، مستشاره الخاص ووزير الدولة عبدالعزيز بلخادم عن مهامه، وهو القرار الذي ذهبت مجموعة من التحليلات إلى أن الرئيس بوتفليقة أرغم على اتخاذه، خاصة أن «جهات عليا» في السلطة، وهم العسكريون المتحكمون في أعتاب قصر المرادية، تعمل على تحضير خليفة لبوتفليقة (الرئيس المريض) مع إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتحضيرات، حسب رأيه، هدفها استبعاد أي أسماء قد تترشح تحت مظلة حزب جبهة التحرير، فضلا عن استبعاد أي شخصية «تتعاطف» مع الإسلاميين أو «تغازلهم»، وهو ما ينطبق على «رجل ثقة الرئيس». وأصدر بوتفليقة قرارا يقضي «بإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم بصفته وزيرا للدولة مستشارا خاصا برئاسة الجمهورية، وكذا جميع نشاطاته ذات الصلة مع كافة هياكل الدولة». وأضاف بيان رئاسة الجمهورية أن القرار الذي صدر خلال اجتماع مجلس الوزراء يشمل أيضا منع بلخادم من أي نشاط سياسي ضمن هياكل حزب «جبهة التحرير الوطني» الذي يشغل منصب أمينه العام. وذكر بيان رئاسة الجمهورية أن «اتصالات تمت مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، بقصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء مهام عبد العزيز بلخادم ضمن الحزب ومنع مشاركته في نشاطات كل هياكله». ولم يوضح البيان الصفة التي تدخل بها الرئيس بوتفليقة لمنع بلخادم من النشاط السياسي كمناضل في حزب جبهة التحرير الوطني. لكن بلخادم، الذي أبدى تفهمه لقرار إنهاء مهامه كوزير للدولة ومبعوث خاص للرئيس، باعتبار القرار يخص صلاحيات رئيس الجمهورية، لم يتقبل في الوقت نفسه قرار منعه من النشاط السياسي كمناضل في حزب «جبهة التحرير الوطني»، وقال في رسالة نصية، إن «صفة المناضل أمر يخصني وحدي ويتوقف على إرادتي». لكن السعيد بوحجة، المكلف بالإعلام على مستوى المكتب السياسي لحزب جبهة التحرير الوطني، قال عن أحقية بوتفليقة في نزع رداء المناضل الحزبي عن بلخادم: «إن بوتفليقة، باعتباره الرئيس الشرفي للحزب، مارس مهامه طبقا لما ينص عليه القانون الأساسي والميثاق الداخلي للحزب حينما منع بلخادم من ممارسة الأنشطة الحزبية». ورجح بلخادم، في تصريح للخبر الجزائرية، أن يكون خلافه مع الرئيس حول الحزب، وحول بعض سياسات الحكومة هي التي دفعت الرئيس إلى إقالته. وقالت «الخبر»: « من الواضح أن للقرار صلة بالوضع الداخلي لجبهة التحرير الوطني، وأن الرئيس حسم قراره لصالح سعداني الذي نال، إلى جانب ذلك، اعترافا صريحا وعلنيا من الرئاسة بشرعيته، مثلما يشير إليه البيان. وحملت الصياغة التي جاء بها الخبر والألفاظ التي تضمنها، نبرة انتقام تعكس شعورا بغضب كبير من بوتفليقة ضد رجله المقرب سابقا». وحسب ما أوردته «الخبر»، نقلا عن مصادر من الأفالان، فإن «الرئيس بوتفليقة فضل التضحية برجل ثقته السابق، الذي يلام، حسب محيط الرئيس، بسبب إساءة استخدام منصبه في الرئاسة الذي تولاه في مارس الماضي، لمحاولة العودة للأفالان، وكثرة توظيفه اسم الرئيس في صراعه مع خصومه.» بينما تشير مصادر أخرى، تقول «الخبر»، إلى أن «فاعلين في السلطة لم يتقبلوا تحفظات وزير الدولة على بعض السياسات الحكومية، ومنهم الوزير الأول عبد المالك سلال، فيما تورد مصادر أخرى أن التخلص من بلخادم تقرر انتقاما منه لانحيازه لجناح مدير الأمن والاستعلام الفريق محمد مدين، رغم نفيه لذلك». وكان بلخادم يعد من أقرب الشخصيات إلى الرئيس بوتفليقة منذ عام 1999، حيث عينه وزيرا للخارجية، ثم رئيسا للحكومة عام 2005، ثم وزيرا للدولة ومبعوثا خاصا للرئيس بوتفليقة. وأكدت بعض المصادر أن قرار الرئيس بوتفليقة إبعاد بلخادم من هياكل الدولة له علاقة بتصريحات مثيرة أدلى بها بلخادم قبل أسبوع لقناة تلفزيونية محلية، اتهم فيها صراحة السلطات المصرية بالمشاركة في العدوان على غزة من خلال غلق معبر رفح. وأضافت هذه المصادر أن الرئاسة المصرية راسلت عبر القنوات الدبلوماسية الرئاسة الجزائرية للاحتجاج على تصريحات مسؤول في الدولة الجزائرية مازال يمارس مهامه الوظيفية. غير أن مصادر أخرى، أكدت أن الإقالة جاءت على خلفية مشاركة بلخادم في لقاء «إسلامي»، إذ أتت بعد يوم من مشاركة عبد العزيز بلخادم في الجامعة الصيفية (لقاءات تعقدها الأحزاب صيفا) لإطارات (كوادر) حزب «جبهة التغيير» (إسلامي معارض)، التي نُظمت يوم الاثنين الماضي تحت شعار «التحوّل الديمقراطي مسؤولية المجتمع، السلطة والمعارضة». وحضر بلخادم هذا اللقاء إلى جانب «كِبار» معارضي الرئيس بوتفليقة، يتقدّمهم «خصمُهُ» في الانتخابات الرئاسية 2014 و2004 رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، وكذلك رئيس الحكومة الأسبق أيضا أحمد بن بيتور، ورئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي إلى جانب وزير الخارجية الأسبق أحمد عطاف ووزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحّابي. بعض التحليلات رجحت «أن تكون نشاطات بلخادم خلال الأيام القليلة الماضية هي التي وقفت وراء التعجيل برحيله أو ترحيله بهذه الطريقة السياسية التي سبق وأن رأيناها مع وزير الاتصال الأسبق عبد العزيز رحابي و رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، رفقة علي بن فليس، وحتى رسالة عبد القادر حجار التي وجهها للرئيس بوتفليقة بشكل خاص يعاتبه فيها على عدم تكليفه بأي مهمة رغم مساندته له، و قام الرئيس بوتفليقة وقتها بنشرها عبر وكالة الأنباء الجزائرية، قبل أن يتراجع ويعيّن حجار سفيرا للجزائر بطهران سنة 2001، ومن الواضح جدا أن بوتفليقة أنهى الوقت الإضافي لبلخادم الذي سبق وأن راجت بشأنه عدة تأويلات قبل رئاسيات 2014، أدت إلى سحب البساط من تحته والانقلاب عليه في عملية استعراضية وذكية أسقطته من قيادة الأفلان وجاءت بغريمه عمار سعيداني أمينا عاما وهو الذي سيتولى بداية من اليوم عملية إبادة «البلخادميين» من الحزب، بعد الإشارة التكليفية التي جاءت بها وكالة الأنباء، التي لم تذكر الأسباب التي دفعت بالرئيس إلى قرار عزله أو بالأحرى طرده من الرئاسة والحزب، وهو القرار الذي سيفتح باب الدخول الاجتماعي والسياسي على وجبة سياسية دسمة، بعد الحديث عن مساعي قام بها بلخادم مع معارضين لبوتفليقة من تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وأسباب أخرى من المرجّح أن يتم الكشف عن تفاصيلها لاحقا كحديث عن استقباله، أي بلخادم ببهو قصر الرئاسة قبل يومين زعيم حمس عبد الرزاق مقري برفقة القيادي في حركة المقاومة الفلسيطينية اسماعيل رضوان، وفي كل الحالات فإن بلخادم لا يمكنه العودة إلى معسكر بوتفليقة، هذا الأخير الذي قرر نهاية مأساوية للوقت الإضافي الذي منحه له قبل رئاسيات أبريل 2014، وهي نهاية قد تكون رسالة غير مباشرة لشخصيات أخرى من المحيط نفسه». وسجل الكاتب والباحث السياسي عبد العالي رزاقي عدة أسباب لإقالة بلخادم ومنعه من النشاط الحزبي، منها تحدثه باسم الرئيس، واستغلاله في صراعه مع الأمين العام لحزب جبهة التحرير عمار سعداني. كما أكد رزاقي أن استقبال بلخادم وفدا من حركة الإخوان المسلمين يعد تجاوزا غير مسموح به بنظر السلطة التي يرى جزء منها -أي السلطة- أن بلخادم ذو توجه إسلامي، وأن لقاءاته المتكررة مع قيادات حزبية إسلامية باتت تقلق أطرافا كثيرة في هرم السلطة. والأهم في القضية، حسب رزاقي، هو أن جهات عليا في السلطة تعمل على تحضير خليفة لبوتفليقة مع إمكانية إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والتحضيرات، حسب رأيه، هدفها استبعاد أي أسماء قد تترشح تحت مظلة حزب جبهة التحرير، ولأن بلخادم هو المرشح الأوفر للترشح باسم الحزب بحكم قواعده النضالية فقد تم استبعاده من الآن، يقول رزاقي، تفاديا لأي مفاجآت. ولفت إلى أن بيان الرئاسة «تضمن عدة تناقضات، أهمها أنه أحدث تداخلا كبيرا بين الهيئة التنفيذية والمؤسسة الحزبية بعد أن أقدم الرئيس بوتفليقة على طرد بلخادم من الحزب رغم أنه عضو منتخب في اللجنة المركزية، ولا يمكن أن تسحب منه هذه الصفة، حسب رزاقي، إلا عن طريق سحب الثقة من طرف أعضاء هذه اللجنة، لذلك يعد قرار بوتفليقة -في تقديره- خرقا وسابقة في المشهد السياسي». من جهته، أرجع السعيد بوحجة، المكلف بالإعلام على حزب جبهة التحرير الوطني، فإن سبب الإقالة مرتبط بتصرفات ومواقف الرجل، والتي باتت برأيه غير منسجمة ومتوافقة مع أهمية المناصب الرسمية التي يتولاها، وهي المواقف التي قال إنها كانت تسيء لسمعة الهيئة التنفيذية، ولسمعة الرئيس شخصيا، في إشارة إلى إقحام بلخادم اسم بوتفليقة في صراعه مع الأمين العام الحالي للحزب عمار سعداني، واتهم بلخادم باستغلال المناصب لإحداث النفوذ والتأثير داخل حزب جبهة التحرير الوطني. وسجل بوحجة مآخذ أخرى على بلخادم، مثل مشاركته في بعض الاجتماعات السياسية للمعارضة، «وهو المسار الذي كان ينبغي عليه ألا يسلكه حسب بوحجة، لأنه يبعث الشكوك في ممارساته السياسية». وتعليقا على معلومات بأن من أسباب التعجيل بإقالة بلخادم اتهامه النظام المصري بالمشاركة في الحرب التي تقودها إسرائيل ضد غزة، قال بوحجة ل»الجزيرة نت» إن «بعض مواقف بلخادم لا تتوافق مع السياسة الخارجية الرسمية للجزائر، مضيفا أن عبد الفتاح السيسي هو رئيس مصر وهي دولة لها موقعها ومكانتها، وكان لها دور في إنجاح المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي جرت في القاهرة، لذلك لا ينبغي تخوينها، على حد تعبير بوحجة.» وانتقدت «الخبر» قرار العزل والإبعاد، واعتبرته دليلا على «استمرار النظام السياسي في التعامل بنفس الأساليب الموروثة من عهد الأحادية، إلى جانب الخلط بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الحزبية، ناهيك عن توظيف وكالة الأنباء الرسمية في نزاع بين عصبة واحدة، كما حدث مع عبد القدر حجار سنة 1999 من خلال نشر رسالته إلى الرئيس بوتفليقة». وأضافت: «تحمل إقالة بلخادم إشارات تحذير لمسؤولين حكوميين آخرين، بأن مصيرهم سيكون الإبعاد بالإهانة إذا تجاوزوا الخطوط الحمراء، أو أخلوا بالتوازنات وخارطة الطريق المكلفين بها».