ما جلبه نتنياهو ورفاقه على إسرائيل، في مواجهة بين أقوى جيوش المنطقة مع تنظيم يحوي حوالي 15 ألف مقاتل وأقل من نصف هذا العدد من الصواريخ، ليس مجرد كبوة، إنها هزيمة. قال يوليوس قيصر: جئت، رأيت، انتصرت. لكن نتنياهو ويعلون يقولان: جاءوا، رأوا، هزموا، وأطلقوا علينا قذائف الهاون» أدى عجز نتنياهو عن تسويق وقف النار على أنه انتصار لإسرائيل في حربها ضد المقاومة عموماً الى ترسخ شعور بالهزيمة لدى الاسرائيليين. حيث تجمع أغلب صحف إسرائيل على أن الحرب في غزة انتهت، لكنها بدأت «بين اليهود» في تل أبيب. وتشهد المقالات التي تنشر في الصحف الإسرائيلية على أن قلة قليلة جداً في إسرائيل ترى في الاتفاق إنجازاً. ذلك أن بعض الوزراء من الميالين إلى عدم المكابرة يأملون أن تتضح في وقت قريب معالم نتائج الحرب، وهل أنها حققت أي ردع للمقاومة في غزة. معلقون كثر تحدثوا عن تعادل. آخرون قالوا إن الطرفين «انتزعا» التعادل بصعوبة. وكان قد ترسخ اعتقاد بأنه في الحروب غير المتماثلة (أي بين دولة وتنظيم أو بين جيش ومنظمات مسلحة) إذا لم تنتصر الدولة أو الجيش فهي مهزومة، وإذا لم يهزم التنظيم أو المنظمة فهو منتصر. وتبرر هذه المعادلة الفرحة في غزة والغضب في إسرائيل. إذ كيف يتعادل فريقان أحدهما من الدرجة الممتازة والآخر من الدرجة الثانية، ولا يهم هنا عدد الأهداف التي سجلها كل طرف. صحيح أن الخسائر لدى الفلسطينيين في الأرواح والأملاك أكبر بكثير جراء امتلاك إسرائيل قوة نارية هائلة لا تقارن بما تملكه فصائل المقاومة في غزة، ولكن خسائر إسرائيل المعنوية والاقتصادية والسياسية أكبر بكثير. تحت عنوان «نتنياهو انتهز الفرصة وهرب» كشف المراسل السياسي ل«هآرتس» باراك رابيد كيف قرر نتنياهو وقف النار من دون تصويت داخل الحكومة. وأشار إلى أن «سلوك نتنياهو طوال أيام الحرب الخمسين أظهر كم هي كبيرة الهوة بين التصريحات والوعود التي أطلقها وبين الواقع. فرئيس الحكومة الذي تحدث بأقوى لغة ضد حماس، أنهى المواجهة معها بأضعف شكل. كل ما أراده هو تحقيق وقف للنار تقريباً بأي ثمن. وعندما لاحت الفرصة لفعل ذلك ببساطة أخذ الاتفاق وهرب». ولفت رابيد إلى أن «الخطة المصرية التي قبلتها إسرائيل لم تمنحها أية إنجازات. الأمر الوحيد الذي تباهى به المتحدثون بلسان رئيس الحكومة هو أنهم منعوا حماس من تحقيق إنجاز برفض مطلب الميناء والمطار ودفع الرواتب. مع ذلك كل هذه المواضيع ستعرض في المفاوضات مع حماس التي ستستأنف الأسبوع المقبل في القاهرة». وكتب المراسل العسكري ل«هآرتس»، عاموس هارئيل أن «الهدوء على المدى البعيد يتعلق بمقدار الضرر الذي أصاب إرادة حماس في خوض مواجهة عسكرية أخرى مع الجيش الإسرائيلي، وبطبيعة المنفذ الذي ستسمح به إسرائيل ومصر لفك الحصار الذي خنق القطاع. فالوضع في غزة عشية الحرب كان لا يطاق من ناحية الفلسطينيين. لذلك انهارت التهدئة. وعلى الصعيد السياسي ينبغي لإسرائيل قريباً أن تقرر ما الذي تريده». لكن المعلق الأمني في «هآرتس»، أمير أورن، فكتب أن على إسرائيل الاستعداد منذ الآن للمواجهة المقبلة مع حماس في القطاع. وفي نظره فإنه «في حرب الخمسين يوماً ابتلع الطرفان ضفادع، لكن الضفدع الإسرائيلي أكبر، ويتقلب في البطن. وبنيامين نتنياهو سيبذل من الآن جهدا هائلا لعرض النتيجة كنجاح. إذا صدق نفسه، سيكون تقريباً الوحيد في عصره. فالهدوء لا يرد عليه بهدوء، إلا كذباً. وما جلبه نتنياهو ورفاقه على إسرائيل، في مواجهة بين أقوى جيوش المنطقة مع تنظيم يحوي حوالي 15 ألف مقاتل وأقل من نصف هذا العدد من الصواريخ، ليس مجرد كبوة، إنها هزيمة. قال يوليوس قيصر: جئت، رأيت، انتصرت. لكن نتنياهو ويعلون يقولان: جاءوا، رأوا، هزموا، وأطلقوا علينا قذائف الهاون». بدوره، يبدأ معلق الشؤون الحزبية، يوسي فيرتر في «هآرتس» مقالته بالحديث عن أن الأجوبة على الأسئلة المهمة والإستراتيجية لن نراها إلا في المستقبل البعيد: «هل حققت إسرائيل الردع وأفلحت في كي الوعي؟ هل طحن غزة، والقتل الجماعي للمدنيين، ومئات آلاف النازحين واغتيال قادة حماس، سيدفع ورثتهم في سلم القيادة إلى التفكير مرتين أو ثلاث قبل الجولة المقبلة، مثل حزب الله في العام 2006؟». ويرى فيرتر أن «صورة الوضع التي تملي الخطاب العام بائسة، مؤلمة وفيها ضياع فرصة: إذ انتهت خمسون يوم قتال لم تبادر فيها إسرائيل ولم تقدها، ولم تفرضها (عدا الاغتيالات). في الغالب كانت طرفاً مجروراً وترد على أنغام ربابة حماس. كانت نقطة الخروج المثالية بالنسبة إلى إسرائيل هي عند انتهاء مرحلة تدمير الأنفاق. لكن الطرف الثاني لم يتعاون، واكتشفت إسرائيل أنها لا تملك إستراتيجية خروج وهي لا تملك إستراتيجية استمرار. ففر سكان الجنوب من بيوتهم، وغدا مطار اللد تحت تهديد دائم، وتل أبيب، التي تمثل رمز المنعة والقوة الإسرائيلية، تعرضت للصواريخ مرة تلو الأخرى، والإجازة الصيفية دمرت، والسياحة سقطت أرضاً، والاقتصاد يلعق جراحه و71 قتيلاً بينهم عشرات الجنود الشبان وطفل. أما حماس فبقيت واقفة على قدميها ونظمت احتفالات نصر، فيما تستعد للتفاوض على مطالبها». ويمضي فيرتر ليقول إن «هذا ما يراه ويشعر به معظم الجمهور في إسرائيل. فالصدمة والمعاناة والأضرار في القطاع لا تعنيهم أبداً. كل واحد يتحدث عن وجعه، كما القول الشائع. لذلك فإن الإسرائيلي العادي يتعذر عليه شراء رواية (نحن انتصرنا) التي يطلقها المتحدثون بلسان الحكومة في آذانه من الصبح إلى المساء. وطحن، لا أريد قول الانهيار، نسبة التأييد لرئيس الحكومة تعبر عن قلة استعداد الإسرائيليين لتبني الرواية التي يجهد نتنياهو في تسويقها لهم. هذا المزاج شائع أساساً وسط قاعدته الانتخابية، في اليمين، ما يضع أمامه تحدياً سياسياً كبيراً: طمأنة الخائبين وإعادتهم إلى قاعدته الانتخابية«. ويخلص فيرتر إلى القول إن «ما يحتاج إلى إعادة إعمار ليست غزة فقط، وإنما كذلك صورة نتنياهو، التي سبق وبنيت بجهد كبير طوال عشرات السنين». وتقول الكاتبة أميره هاس على صفحات «هارتس» إن «الناطقين باسم الحركة سارعوا إلى إقناع المواطنين بأن وقف إطلاق النار هو انتصار»، وتساءلت «لكن هل يستطيع قادة حماس وفتح أن يتغلبوا على النفور المتبادل ويتفقوا على استراتيجية سياسية مشتركة من أجل نضال شعبي؟» وهاجم الكاتب براك ربيد نتانياهو بمقال في «هارتس»قال فيه إن «نتانياهو أخذ وهرب. نتانياهو وافق على اتفاق مع حماس وهو من تحدث بقوة ضد حماس وانتهى الصراع.. نتانياهو ضعيف وكل ما أراده هو وقف إطلاق النار». ومن جانبها لم تكن صحيفة «يديعوت أحرنوت» راضية عن اتفاق الهدنة حيث قال الكاتب ناحوم برنع «بدل أن نفتح الطريق إلى إنهاء التهديد من غزة فتحنا الطريق إلى جولة ثانية في لبنانوغزة، لكن هذا ما صدر عن الحكومة. واكتشفنا بعض الحقائق الجديدة عنها رغم حرية التصرف التي أعطيت للجيش إلا أنه لم يتمكن من إخضاع منظمة صغيرة، والحقيقة الثانية أن حربا محدودة لها ثمن والجمهور الإسرائيلي ليس على استعداد لدفعه والحقيقة الثالثة أن الإسرائيليين اكتشفوا أنه ليست لديهم حكومة وإنما من أدار المعركة كان الجيش وفي إسرائيل انتظروا رئيس حكومة يتخذ القرارات ويجري حوارا صادقا مع الجمهور، لكنهم حصلوا على ناطق رسمي جيد جدا ليس أكثر». أما صحيفة معاريف فقد سلطت الضوء على الغضب الذي أصاب سكان الجنوب ووزراء معارضين للقرار، مؤكدة أن «وقف إطلاق النار بعد خمسين يوما من القتال وفتح المعابر والتفاوض على بناء ميناء ومطار بعد شهر لن تقبله إسرائيل» بحسب مصادر خاصة. الغضب والإحباط سيدا الموقف السياسي الإسرائيلي في السياق ذاته تراوحت ردود الفعل في الداخل الإسرائيلي على اتفاق وقف إطلاق نار طويل الأجل في قطاع غزة بين الشعور بالغضب والإحباط. فبينما اعتبر البعض الاتفاق «استسلاما للإرهاب» و«نتيجة مُرة» وقف وزير المخابرات والشؤون الاستراتيجية يوفال ديسكين عقب الإعلان عن الاتفاق أمام الصحفيين في القناة الثانية مدافعا عن موقف حكومته، وقال «إنه لم يكن أمامهم سوى أحد خيارين؛ «إما تسوية أو اجتياح مكلف جدا فاخترنا الخيار الأول». وبينما وصف رئيس بلدية عسقلان إيتمار شيمعوني الاتفاق بأنه «استسلام»، اعتبر المعلق البارز في القناة الإسرائيلية الثانية أمنون أبراموفيتش النتيجة أنها «مُرة» بالنسبة للإسرائيليين.، معتبرا أن الحرب ساهمت في تقوية حركة حماس حيث خرجت «طرفا معترفا به وجسما مهيمنا أكثر بكثير مما كانت عليه قبل الحرب».