(.....في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة: خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر. خمسُ بناتٍ على باب مدرسة ابتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا...) محمود درويش وأنا أتابع الأخبار الفلسطينية التي غطت على المشهد الإعلامي ليس العربي فحسب, وإنما العالمي ، استوقفتني صورة منشورة في حساب أحد الأصدقاء الفلسطينيين على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لتلميذة فلسطينية تبحث عن الكتب المدرسية بين أنقاض منزلها الذي تم هدمه بالقصف الإسرائيلي المتواصل ...صورة بالرغم من آلام الدمار والخراب الذي تختزله فهي تشير بالكتب و باللون الأخضر الذي ترتديه هذه الفتاة ، إلى بارقة أمل وتوحي بمستقبل أكثر إشراقا... فألف تحية لفراشة الأمل هاته التي تقدم للعالم صورة الإنسان الفلسطيني الجديد ..الذي صنع وتفوق في زمن الاحتلال والتضييق ...لم تبحث عن وسائل اللهو التي تحتاجها في هذه السن وإنما نفضت الغبار عن ما يخيف أعداء فلسطين والعالم الإسلامي أجمع ...إنه سلاح العلم الذي نهضت بواسطته الدول المنهكة في زمن الحروب ..كألمانيا واليابان .... ألف تحية لهذه البطلة الفلسطينية التي قدمت درس بناء الإنسان في أبهى صوره ... المواطن المتعلم هو الذي سيبني تلك الدور المخربة ...سيشيدها بإصراره الرائع على التحدي والوجود..... فالتلميذة المكلومة ،التي خصصت لها موضوع هذا المقال ...هي تيمة التحدي والحياة ..... رفضت أن تنحني الكلمات وتموت الحروف ...و أعادت الكتب إلى الحياة مجددا تماما كطائر الفينق الخرافي الذي ينبعث من رماده متحديا الموت والزوال هي تيمة للوطن والمواطن الفلسطيني العنيد والمصر على الحياة... فلا يحدث هذا التحدي وعدم الاستسلام واليأس ، إلا في فلسطين التي جعلت الرئيس الكوبي فديل كاسترو يقول عنها : (اليهود حمقى لأنهم احتلوا دولة شعبها لا يكل ولا يمل..) ألف تحية لعائلتها وأساتذتها ..على هذا الحب... الذي غرسوه في قلبها ..فجعلوها تقبل و ترتبط بالكتب والعلم في أشد الأيام حلكة وسوادا؟؟!! ألف تحية للدرس الذي قدمته بهذه الصورة الحية وهي تحدث تلامذتنا عن التعليم في فلسطينالمحتلة ، الذي يعتبر من النماذج الراقية على المستوى العالمي, فنسبة التمدرس في هذا القطر العربي الذي ماينفك يخرج من حرب ممنهجة حتى يعود إلى نفس الحرب بكل تفاصيلها القاسية .... تعتبر الأعلى على المستوى الإقليمي وأيضا من ضمن الأوائل على المستوى الدولي..كما توجد الأطر الفلسطينية في مختلف الجامعات الدولية ، بإفريقيا وأستراليا وآسيا وأوروبا وأمريكا .... ومن نتائج هذا التقدم على المستوى العلمي هو ما شاهده العالم أجمع إبان هذه الحملة الصهيونية القذرة ....حيث بزغ نجم فلسطين في التصنيع الذاتي وبأبسط المواد الأولية خصوصا في المجال العسكري ..فتل أبيب أصبحت في مرمى المقاومة المسلحة ...هذا بالموازاة مع الوعي السياسي والنضج الثقافي الكبير الذي يتميز به عامة الفلسطينيين ، فيكفي أن تسمع لمداخلة أحد الفلسطينيين حتى يأسرك كلامه ..وتسحرك فصاحته ...وتدهشك براعة تحليله لمايجري في المحيط الإقليمي والدولي .. فالمواطن الفلسطيني يضع التعليم في الدرجة الأولى في حياته ....وهذا ماجعله يقدم للإنسانية أدباء ومفكرين وشعراء عظام كإدوارد سعيد ،ناجي العلي ، غسان كنفاني ، سميح القاسم، محمود درويش ، فدوى طوقان ...وغيرهم كثير ... فهؤلاء الأعلام فبالرغم من رحيلهم استشهادا أو وفاة طبيعية, فإن أدبهم الإنساني لازال وسيبقى حيا بيننا لا يمحي ولايزول صورة التلميذة الفلسطينية هي تجسيد رائع للمثل العربي الذي يقول : (رأسمالك علمك وعدوك جهلك ...) طلب العلم هو الكنز الفلسطيني الذي تصر الناشئة على تطويره ...لأن العدو الأول للشعوب ومصدر تخلفها هو الأمية والجهل ...فأكيد أن الصهاينة ترعبهم المدرسة أكثر من أي شيء آخر وهذا مايفسر قصفهم للمدارس حتى الأممية منها (الأونروا)... وإدراكا منهم لهذه الحقيقة وقف الطلبة والتلاميذ الفلسطينيين إبان هذا العدوان القذر وقفة المقاومين البواسل .. واصطفوا بمختلف المدارس الفلسطينية بقطاع غزة في طابور صباحي وذلك قبل اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ ...حيث انتظروا قرع الجرس دون أن يتوجهوا إلى الفصول المدمرة ...و بذلك أرسلوا للعالم أجمع رسائل غير مشفرة مفادها أن الطالب الفلسطيني يتنفس العلم في زمن العدوان !! كما تطرق الرئيس الفلسطيني أبو مازن في معرض خطابه عن اتفاق الهدنة الشامل ، إلى قضية التعليم الفلسطيني ..و جاء ذكره في هذا الخطاب الرئاسي ، ترتيبيا قبل الصحة و قضايا أخرى ذات أهمية بالغة في المجتمع الفلسطيني ... من المؤكد إذن أن الطالب الفلسطيني وبالرغم من الألم والجراح ، وصور الدم والخراب التي تلاحقه أينما حل أو ارتحل ، سينهض مجددا في المجال التربوي ، خصوصا مع توفر أطر محلية من مرشدين اجتماعيين ونفسانيين ... والسؤال المطروح إذن : أما آن الأوان لنقل التجربة التربوية الفلسطينية إلى دول عربية أخرى يعيش غالبية طلبتها حالة من النفور والرهبة اتجاه المدارس العمومية, مع العلم أنهم ينعمون بالأمن والأمان والرفاه... !!!!؟؟