كان يفترض ألا يكون الطفل «أحمد هاني» حافي القدمين في مثل هذه الأيام، وأن يرتدي ذاك القميص الأخضر، والبنطال الأسود الجديدين، غير هذه الملابس المتسخة التي يرتديها الآن. لكن داخل ما يشبه الخيمة التي نصبها والده من أغطية وأقمشة في ساحة مستشفى الشفاء في مدينة غزة، لا مكان لارتداء ملابس العيد الجديدة، التي دفنت تحت منزله المقصوف في حي الشجاعية. ويقول هاني «9 أعوام»، «إنه لا يشعر بفرحة العيد، ولا يملك ثيابًا جديدة كي يرتديها» متسائلا: «أي عيد لنا في ساحة المستشفى وداخل هذه الخيمة، أتمنى أن نعود إلى منازلنا وألعب مع أصدقائي». ويستدرك «هاني»، وهو يجلس على الأرض داخل خيمتهم الصغيرة التي بالكاد تتسع لعائلته:«لا أعرف إن كان أصدقائي أحياء أم لا، أتمنى أن أراهم مرة أخرى». وتضم مستشفى الشفاء المئات من العائلات الفارّة من القصف المتواصل على المناطق الحدودية لمدينة غزة، واتخذت منه مأوى لها. وشرعت (إسرائيل) قبل 22 يومًا، بشن حربٍ على قطاع غزة أطلقت عليها اسم «الجرف الصامد»، وتوسعت فيها الخميس الماضي(17 يوليو) بتنفيذ توغل بري محدود، مصحوباً بقصف مدفعي وجوي وبحري كثيف، أدى إلى استشهاد أكثر من ألف فلسطيني، وجرح أكثر من ستة آلاف آخرين، بينهم 250 طفلا. ومرّ اليوم الأول في العيد كأي يوم آخر منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، كما تقول فاطمة حلس للأناضول:»لقد كان اليوم حزينًا مليئا بالقلق والخوف، هنا لا نعرف أي فرحة بالعيد، وكل الفرح قلب إلى وجع عميق». وتتابع الأم لعشرة أبناء الذين تحلقوا بجوارها داخل الخيمة:» في هذا اليوم كان يفترض أن أستقبل أقاربي في المنزل، وأعطي أحفادي العيدية، وأقدم لهم أقراص الكعك، وأن يجتمع كل أفراد الأسرة معًا، لكننّا الآن مشتتين ومشردين». تقاطع الحديث ابنتها سناء «17 عامًا»:»لا شيء هنا، كأننا في العراء، لا نملك ملابس، أو أغطية أو حلوى نجعل الأطفال يفرحون بها، غزة حزينة لا عيد فيها». ولا تصدق حلس بأنها نجت من «الموت» هي وعائلتها، ووصلت لمستشفى الشفاء، نازحة، دون أن يصاب أحد بأذى. لم نبتعد كثيرًا عن خيمة حلس، لنسمع صوت بكاء الصغير «رافي حجاج»، يقول لوالدته «نجاة»: «ماما أريد كعك العيد، لماذا لم تصنعيه». وداخل الخيمة جلس أطفال «نجاة» حولها، بثياب اتسخت من غبار القصف، بعضهم حفاة الأقدام، أشارت الأم لأحدهم وقالت إنه «منذ الصباح يسألني، ماما صح اليوم العيد؟ ليش مش نلبس أواعي العيد؟». وتساءلت «نجاة» ذات غطاء الرأس البنفسجي:»ما ذنب هؤلاء الصغار ليقضوا العيد في المستشفى، ويحرموا من فرحة العيد، أي أطفال يحتملون كل هذا». وتقول «نجاة»، «كيف سيفرح أبنائي ووالدهم مصاب، لقد أصابته شظية في قدمه وظهره، أثناء هروبنا من حي الشجاعية، ولم نستطع أخذ أي شيء معنا». وتتابع:» مظاهر العيد غابت هنا، فالأطفال لا يرتدون ثيابا جديدة، انظري إليهم كيف يبدو الحزن واضحًا في عيونهم». وكانت تتمنى «نجاة» أن تصنع لصغارها أقراص الكعك الذهبية، وتشتري لهم ثيابا جديدة، وشوكولاتة، كما يحبون»، على حد تعبيرها. وفي خيمة مجاورة من بين عشرات الخيام التي نصبت على العشب الأخضر في ساحة مستشفى الشفاء، جلس الأب هاني حلس، برفقة صغاره يعدهم بأن يشتري لهم ثياب العيد فور عودتهم إلى منزلهم. ويقول حلس المرتدي لنظارات طبية:»لا فرحة للعيد هنا، طالما أن الصغار لم يفرحوا، الحياة هنا مؤلمة جدًا». وفرّ حلس وأبناءه السبعة من القصف الإسرائيلي العنيف على الحدود الشرقية لمدينة غزة، واختار من مستشفى الشفاء مضطرًا مكانا يعيش فيه مع صغاره إلى أن تضع الحرب أوزارها، كما يقول. في غزة... عيد شهيد فضل مواطنو القطاع إطلاق مصطلح «عيد شهيد» على عيد الفطر السعيد. ولم تترك قساوة العدوان وبشاعته فرصة للمواطنين حتى للحديث او استذكار العيد الذي يحييه العالم بعيداً عن مشاعر ومعاناة مواطني قطاع غزة. وينوي المواطنون عدم إحياء عادات العيد واقتصاره على زيارة عوائل الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى والمعتقلين وزيارة مراكز ايواء النازحين المنتشرة في كافة مناحي القطاع. ونست قسوة وشدة الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد البشر والحجر في القطاع منذ أكثر من ثلاثة أسابيع حتى الأيام المناسبات واقتصرت ذاكرة المواطنين على استذكار مشاهد الأشلاء والدمار الهائل الذي لحق بمناطق متفرقة من قطاع غزة. ولم يحتمل المواطن هشام الحلبي الحديث عن العيد، وصرخ قائلاً عن أي عيد يمكن ان نتحدث مع استمرار الكارثة. وقال الحلبي الذي يستضيف عددا من عوائل النازحين في منزله، إنه لا مجال للحديث عن العيد او أي مناسبات أخرى غير العدوان. وأضاف، إن هذا عيد شهيد وليس عيدا سعيدا، معرباً عن أمله في أن يلتزم جميع المواطنين بمنع التظاهر بمظاهر العيد التقليدية والالتزام بالحس الإنساني والوطني تجاه المواطنين المتضررين. أما الشاب حسين عزيز فقلل من أهمية الحديث عن حلول عيد الفطر وقال، إن من يريد إحياء العيد عليه ان يخرج من القطاع ويحييه بعيداً عن مشاهد الدماء والدماء وأشلاء الشهداء. وانتقد عدد من المحال التجارية في غرب المدينة التي قامت بعرض الحلوى، مؤكداً أن هذا عمل غير إنساني وغير مسؤول. وقال عزيز، كيف يمكن لنا ان نحيي العيد والقصف متواصل والاحتلال يحصد المزيد من الأرواح وينشر الخراب والدمار والقتل في كل مكان. وتعهد بقضاء العيد في مراكز الإيواء وبجانب اسر الشهداء وزيارة الجرحى في مستشفى الشفاء القريب من منزله. وقال، حتى لو أعطيت هدنة إنسانية فلن يغير من نيته بعدم إحياء العيد وسيستنكف عن زيارة الأقارب. ويشاركه الرأي صديقه احمد أبو عاصي والذي قرر هو الآخر قضاء العيد بعد انتهاء الصلاة وتناول الفطور في زيارة الجرحى واسر المفقودين للتخفيف عنهم ومواساتهم. وقال المواطن أبو عاصي، إن المشهد الدامي في غزة يفرض نفسه ولا يمكن تجاوزه، داعياً إلى فرض عقوبة قاسية على كل من يخرج عن المألوف في يوم العيد. وأضاف، هذا عيد للشهداء وليس لارتداء الملابس الجديدة أو تناول الحلوى أو زيارة الأقارب في مشاهد تستفز المتضررين. وتابع، إنه لا يتخيل أن يمارس طقوس العيد الاعتيادية مع وجود هذا الكم الهائل من الشهداء والجرحى والمشردين. وسقط لغاية الساعة الثانية من ظهر أمس، وهو الموعد الجديد لبدء سريان تهدئة جديدة لأربع وعشرين ساعة أكثر من 1060 شهيدا وأكثر من 6000 جريح. وغابت مظاهر العيد بشكل كامل عن أجواء القطاع وانشغل المواطنون بلملمة جراحهم. وفضل المواطن إيهاب معروف أن يقوم دعاة وخطباء المساجد بالتعميم على المواطنين لزيارة عوائل الشهداء بشكل جماعي وتنظيم المسيرات باتجاه المناطق المدمرة للتضامن مع أصحابها ورفع معنوياتهم. وقال معروف من حي النصر بمدينة غزة، انه رفض طلباً لأبنائه الصغار بشراء الملابس الجديدة، مضيفاً، إنه اقنعهم بعدم وجود ضرورة لشرائها وارتدائها لمقتل المئات من نظرائهم الأطفال وتشرد عشرات الآلاف الآخرين. ووعد معروف (38 عاماً) باصطحاب صغاره إلى مراكز اللجوء والتشريد والمناطق المدمرة. من جانبه، قال المواطن سيد إسماعيل، انه سيصلي العيد وسيعود إلى البيت وسيكتفي بالحديث عبر الهاتف مع شقيقاته والاطمئنان عليهن فقط. وأضاف إسماعيل ويعمل صحافياً، إنه سيمارس عمله كالمعتاد في نقل معاناة المتضررين والنازحين، مؤكداً أنه لا مجال للراحة أو الاسترخاء في ظل تواصل الجرائم وحرب الإبادة الإسرائيلية عيد موشّح بالسواد لا زالت مراكز الإيواء المؤقتة، التي أقامتها وكالة الغوث الدولية للاجئين الفلسطينيين «أونروا»، تغص بالنازحين، ممن أجبروا على ترك منازلهم والنجاة بأرواحهم، هرباً من القصف الإسرائيلي. وشكل اقتراب العيد فاجعة جديدة لتلك الأسر، التي تضطر ولأول مرة، لقضاء هذه المناسبة الدينية، التي من المفترض أن تكون سعيدة، بعيداً عن أحيائها وبيوتها. عيد حزين المواطنة يسرا أبو جزر»40 عاماً»، من سكان شرق مدينة رفح، كانت تجلس وسط غرفة صغيرة في مركز إيواء، أقامته وكالة الغوث وسط المدينة، تنظر إلى وجوه الأطفال البائسين، مستذكرة العيد في السنوات الماضية. أبو جزر أكدت أنها لم تعايش عيداً حزيناً كهذاً، فلا شيء يدعو للفرحة، أو حتى الأمل، فمئات المنازل دمرت، وآلاف الأسر فجعت، والحزن والألم يعتصر قلوب الناس جميعاً. وأكدت أبو جزر أن كل المؤشرات تؤكد أن الأسر ستقضي العيد في المدرسة، وتنتظر وجبة الفطور الصباحية من وكالة الغوث، كما انتظرت لأيام طويلة وجبات الإفطار والسحور. وأوضحت أن حلول العيد في ظل استمرار العدوان والتهجير، أمر قاس وله أثر نفسي سيئ على الأسر المهجرة، خاصة الأطفال، ممن كانوا ينتظرون هذا اليوم طوال العام، من أجل إدخال الفرحة إلى نفوسهم. وتقدر بعض المصادر نزوح ما يزيد عن 50 ألف مواطن عن منازلهم وأحيائهم في مدينة رفح وحدها، ثلثهم أقاموا في ثماني مدارس، افتتحتها وكالة الغوث لإيواء النازحين، بينما توزع الباقون في منازل أقرباء وأصدقاء، فتحوا منازلهم لإيوائهم، في مشهد أعاد للنسيج الاجتماعي لحمته وتماسكه. أما المواطن أحمد عبد الحي، فكان متكئاً على جذع شجرة كبيرة وسط المدرسة، وقد بدت علامات الإعياء والتعب واضحة عليه، أكد أنه كان يأمل بالعودة إلى منزله قريباً، ليقضي العيد مع أبنائه وعائلته هناك، لكنه وحين عاد إليه خلال ساعات الهدنة، فوجئ بتحويله إلى كومة من الركام، بعد أن قصفته الدبابات بقذائفها. وأكد عبد الحي، أنه يستقبل وأسرته العيد بفاجعة كبيرة، ستقوده بكل تأكيد لمعاناة قاسية ستستمر سنوات، لا يعلم كيف من الممكن أن يتدبر أموره خلالها، فهولا يمتلك مسكناً بديلاً، ولا نقوداً يستأجر بها منزلا، ولا يعلم أين سيذهب بأسرته التي يبلغ عدد أفرادها سبعة أشخاص، خاصة مع صعوبة البقاء في المدرسة فترة أطول. ولوحظ خلال اليومين الماضيين قيام نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بتداول عبارة «عيد شهيد»، عوضاً عن عبارة «عيد سعيد»، التي يتبادلها المواطنون في مثل هذه المناسبة، تعبيرا عن الحزن والحداد على أرواح الشهداء، الذين سقطوا بسبب العدوان. أما المواطن ياسر جراد، فأكد أن أكثر ما أحزنه، الأطفال الذين فقدوا البهجة والفرحة، وحملوا الهم والحزن مبكراً، فهم ورغم صغرهم، يعون ما يحدث حولهم، ويشاركون الكبار مصابهم. وأكد جراد، ويقيم هو الآخر في مركز إيواء وسط المدينة، أن أطفاله الصغار لم يسألوه عن العيد، ولم يطلبوا منه شيئاً، وحين بادرهم بالسؤال عن مشاعرهم، أجابوه بأن العيد هو عيد الشهداء، حينها صمت وصدم بما قالوه. وأشار إلى أن مجيء العيد في مثل هذه الظروف هو تعميق لمعاناة المهجرين والمكلومين، وتجديد لأحزانهم، وتذكيرهم بما كانت عليه أوضاعهم في السنوات الماضية. وأكد أن العدوان قد ينتهي قريباً، لكن آثاره وفجائعه ستدوم فترة طويلة، حتى بعد بناء مساكن للمهجرين، فإن مسح المآسي والفجائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال من ذاكرة الغزيين سيكون مستحيلاً. وفي فلسطين ! «عيد شهيد»، هو عنوان «الهاشتاغ» الذي أطلقه نشطاء فلسطينيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة «تويتر» وفيسبوك»، ويشتمل على العديد من المقترحات التي بدأت تجد لها صدى على أرض الواقع، تعبيراً عن حالة التضامن الجمعية مع غزة وأهلها، التي تتعرض لحرب إبادة إسرائيلية. ويختصر القائمون على «الهاشتاغ» الذي بات حملة متكاملة، إحياء العديد ب»زيارة الوالدين، وارتداء الأسود، واقتصار ارتداء الملابس الجديدة على الأطفال، وعدم صناعة الكعك والحلويات وتوزيعها». وعمم النشطاء العديد من القمصان السوداء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض اقتنائها، حملت عبارات من كبير «عيد شهيد»، و»عيدنا يوم انتصارنا»، وكذلك «كلنا غزة»، و»أي عيد والبلد شهيد؟!»، وغيرها من العبارات والرموز التي تعكس حالة من الحزن الشديد في عيد ليس سعيداً على أبناء الشعب الفلسطيني، في ظل استمرار آلة الحرب الإسرائيلية بارتكاب مجازرها في غزة، ونشر وهم الانتصار على حساب أجساد الأطفال التي تحولت أشلاء، ودماء النساء التي اختلطت بطعام الإفطار الذي كانت تعده لصغارها قبل دقائق من القصف الهمجي، مستهدفة المسنين في المساجد، والجرحى في المشافي، وحتى جثامين الموتى في المقابر. وصممّ النشطاء ملصقات عديدة في هذا الإطار، من أبرزها الملصق ذي الخلفية الصفراء، الذي أبدعه المصمم الشاب رياض حماد، فالطفلة التي تتأرجح وبرفقتها بالوناً أحمر بلون الدم، يحيط فيها أرجوحات عبارة عن أسلاك شائكة تحمل «طائرة إف 16»، سلاح القتل الإسرائيلي في الحرب المتواصلة على كل شيء في غزة، وقنبلة يدوية، وصاروخاً، وهلالاً أسود، يرمز إلى رمضان كان الأصعب لربما في تاريخ الرمضانات التي عايشها أهل القطاع، وعموم الفلسطينيين. وصممّ حماد العديد من التصاميم، من بينها ما يحدث رجال المقاومة الفلسطينية على مواجهة العدو، تحت عنوان «اقنص .. وعيّد». ومن بين التصاميم التي انتشرت صورة مقسومة لنصفين تظهر طفلاً نصفه طبيعي يرتدي ملابس العيد، والخلفية مشهد طبيعي جميل، ذيلت بعبارة «عيد سعيد .. هنا العالم»، ونصفه الآخر مشوه، والخلفية مشهد دمار بناية سكنية في غزة ودمية لفظت أحشاءها، مذيلة بعبارة «عيد شهيد .. هنا غزة». ونشرت بعض الصفحات التابعة لحملة «عيد شهيد»، تعلميات تحت عنوان «كيف نجعل هذا العيد عيد شهيد؟»، جاء فيها: تواجد في موقع صلاة العيد ومعك صورة أحد الشهداء أو لافتة تحمل أسم أحد الشهداء، أو علم فلسطين، أو اي شعار تضامني مع غزة .. وإن كنت من أقارب /قريبات، أو من أصدقاء/صديقات شهيد او شهيدة, فاحرص على أن يكون احتفالك بالعيد في منزله/منزلها، أنت وأسرتك، وأستقبل معهم زوار "العيد عيد شهيد"، واحرص على زيارة أسر الشهداء والجرحى والأسرى ومعايدة المصابين في حيك أو في أحياء أخرى، وساهم في التخفيف عنهم بما استطعت. واحتفلت صفحات «تويتر» و»فيسبوك» بتعليقات النشطاء الالكترونيين من فلسطين والوطن العربي، فقال خالد الأحمد «غزة عيّدت بألف شهيد .. عيد شهيد .. غزة تحت القصف»، فيما كتب جوزيف حشاش «عيد شهيد .. بأي حال عدت يا عيد؟!» .. بينما غرّد حسام القلعاوي في ذات الإطار، وعبر «يوتيوب»: «لكم عيدكم ولنا عيد .. عيدكم عيد، وعيدنا ألف شهيد .. غزة .. فلسطين .. عيد شهيد»، فيما سطرت نانو طافش «عيد شهيد من بعدك يا غزة .. ما إلنا عيد .. كيف الواحد بدو يحس بالعيد وانتي كل يوم فيكي 100 شهيد .. إلك وإلنا الله غزتنا يا عزتنا»، أما المحامي طارق العوضي فاختصر الأمر بتغريدة كتب فيها «هذا العام لن نقول عيد سعيد .. سنقولها جميعاً عيد شهيد». «العيد ليس لنا». هكذا تقول الحاجة أم عصام معبرةً «العيد لكل الناس مش إلنا»، بعد أن نزحت مع عائلتها جراء ما يقوم به الإحتلال من تدمير وقتل في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، وتضيف أم عصام التي تعاني من ضيق في التنفس وألام في الصدر جراء الغازات التي أطلقها جيش الإحتلال في منطقة سكنهم، لا يقدر أحد منا على ذكر كلمة عيد أو التفكير به بعد كل هذا الدمار في البيوت، والقتل الذي لحق الأطفال والشباب، كيف لنا أن نفرح بعد كل هذا التشريد, بعد كل هذه المجازر، تقول أن الفرحة الحقيقية بإنهاء هذا الكابوس الذي يحلق فوق رؤوس أبناء فلسطين والإنتصار على الإحتلال، وتقول داعيةً اللهم ثبت أبناء هذا الشعب وأنصرهم على من عاداهم، وأبعد عنهم كل شر يا الله. الحاج أبو شاهر ضاهر الذي كان من النازحين بعد مجزرة حي الشجاعية، حيث حول العدوان منطقة حي الشجاعية في قطاع غزة إلى منطقة غير صالحة للسكن بشكل شبه كامل، يقول ضاهر حتى لو كان قد انتهى هذا العدوان على القطاع قبل حلول العيد لا يوجد نفس تطيق أجواء الفرح والبهجة به، هناك بيوت كثيرة دمرت وأطفال كثر منهم مصاب ومنهم شهيد وكذلك الشباب والنساء والشيوخ لم يسلموا من القصف, من سيحتفل وكل هذه المظاهر نعيشها في القطاع، ويضيف قائلاً سكان القطاع يحتاجون إلى فترة ليست بالقصيرة ليخرجوا من الحالة النفسية المأساوية التي وقعت عليهم جراء العدوان، يقول أن عيون أطفالي وهم حولي ترفض الفرح, فالخوف يرافقهم حتى في نومهم، وتابع قائلاً أن هذه الحالة من الكآبة لا تخصني وحدي ولم أنفرد بها, فكل أبناء القطاع باتوا وفي قلوبهم كثير من الحزن والمآسي، فهناك بيوت دمرت ومسحت بالكامل وبيوت تفتقد إلى أخ كان بينهم كل عام في العيد وهناك عائلات مسحت من السجل المدني ولا يعد لها وجود، فلا مكان للفرح في القلوب. وفي مشهد محزن، لم تسلم حتى مراجيح الأطفال في حي خزاعة من القصف، في اشارة الى ان السواد والألم يخيمان على الحجر والحديد والانسان في قطاع غزة. ويقول صاحب العاب الأطفال تامر يوسف: لقد طال القصف ايضا مدينة الالعاب التي اقيمها مع بداية شهر رمضان المبارك من كل عام لأنها مصدر دخل مهم لأسرتي، ولكن هذا العام وبعد تركيبها بأيام في حي الشيخ رضوان، بدأ العدوان ليتحول شهر رمضان المبارك الى شهر للأحزان، ولم تعد تعمل مدينة الألعاب الصغيرة. ويشير الى انه قبل يومين دمرتها قذيفة مدفعية مع عدد من المنازل المجاورة. ويقول: «لم يعد للفرح مكان في غزة». ويقول الطفل عدي غسان (11 عاما) من رفح «كل عام نفرح ويشتري اهلنا لنا الملابس والحلوى والمكسرات ونعمل الكعك، في هذا العيد لا شيء نرى سوى التلفزيون الذي يبث مشاهد الرعب والدمار»، ويوضح انه وأشقاءه يبيتون مرعوبين عندما يبدأ القصف الاسرائيلي. ويضيف: «نريد ان نعيش، حرام على العالم، اليهود ما خلوا لنا حاجة، كل يوم قصف ودمار وشهداء، واهلنا بقولوا لنا القصف لا يرحم أحد، لقد بتنا نتخيل الموت، كيف نفرح بالعيد والموت يطاردنا؟». وفي اسواق غزة ان وجدت، غابت ملامح الفرحة بعيد الفطر، فالتجار لم تطاوعهم نفوسهم على عرض العاب الاطفال بمختلف انواعها، واكتفوا بعرض الأغذية التي بات الانسان يشتريها للضرورة من اجل البقاء على قيد الحياة. ويقول التاجر غسان الكحلوت «منذ بداية شهر رمضان قمت بشراء كميات هائلة من العاب الأطفال ولكنها الآن متكدسة في المحلات، بصراحة لا يمكن لنا ان نبيع تلك الألعاب في اجواء القصف والدماء ونزيف الدم». يجمعون العظام وعدة شهداء في قبر واحد وفي مشهد آخر، وبعد سيطرة قوات الاحتلال على مقبرة غزة الرئيسية في اجتياحها البري، ونظرا لوجودها على الشريط الحدودي الشرقي، لجأ أهالي غزة الى دفن الشهداء في المقابر الصغيرة التي امتلأت ولم يعد بها مكان او متسع لمزيد من الموتى والشهداء. جثث الموتى والشهداء لم تسلم هي الاخرى من وحشية قوات الاحتلال، وباتت مطاردة من الحصار الاسرائيلي على مدار ثماني سنوات منذ عام 2006. ويقول المواطن عصام عبدو (55 عاما) من حي الشيخ رضوان بغزة: «لا توجد مقابر داخل مدينة غزة، ولقد بتنا ننبش في القبور عن مكان او متسع لدفن الشهداء، واحيانا نخاطر بحياتنا من اجل إكرام موتانا ودفنهم، فنذهب الى مقبرة الشعف رغم الخطر الكبير هناك واطلاق النار علينا من قبل الدبابات المتوغلة في حي الشجاعية بجوار المقبرة، نحن مضطرون للمخاطرة بحياتنا من أجل دفن موتانا»، مشيرا الى انه تم دفن عدد من الشهداء في قبور مشتركة حتى يتم انتهاء العدوان ونقلهم في قبور مستقلة. ويوضح المواطن محمد موهوب ان اهالي غزة يشتكون الى الله ظلمهم. ويقول: «حسبنا الله ونعم الوكيل حتى الشهداء يعانون من عدم وجود مكان لدفنهم»، ويشير الى انهم يقومون بجمع عظام الموتى في مقبرة الشيخ رضوان لإيجاد متسع لدفن الشهداء بجوار بعضهم حتى يتم نقلهم الى مقبرة غزة الشرقية بعد انتهاء العدوان. ودعت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية المواطنين الى دفن شهدائهم في مقبرة الطوارئ بمنطقة الشعف شرق السنافور, مشددة على ضرورة مراعاة الجانب الأمني حتى لا يتعرضوا للخطر من قبل العدو.