لن يطلب الطفل محمد شحيبر في مدينة غزة من والده بعد الآن ملابس العيد ومستلزماته، فقد ارتقى شهيداً برفقة أبناء عمومته في قصف إسرائيلي استهدف مدخل بيتهم خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ عشرين يوماً. تقول زوجة عم الشهيد الطفل، فاطمة حجير، وهي تقف على مدخل العناية المركزة في "مجمع الشفاء الطبي"، منتظرة السماح لها بزيارة طفلها خالد للاطمئنان عليه بعد إصابته بجراح خطرة، إن "القصف استهدف مجموعة من الأطفال كانوا يلهون داخل مدخل منزلهم". وتوضح حجير أن شهر رمضان مَرّ عليهم بدون نكهة، ولم يشعروا بفرحته التي انقلبت هَمَا وحزناً. كذلك يأتي العيد وقد فقدوا الطفل محمد وعدداً من الأقارب. تقول: "والدة ووالد محمد يرقدان لتلقي العلاج بعد إصابتهما، وحالتهما صعبة للغاية، سيكون عيداً صعباً علينا". تضيف: "قبل العيد بعدة أيام كان الأطفال يلتفون حولنا، وكان الشهيد الطفل محمد شقياً وكثير الطلبات، لكنه الآن لن يحضر العيد". لم تتمالك فاطمة السيطرة على دموعها. تتساءل: "كيف يمكن أن نسمع تكبيرات العيد، ونحن في هذا الوضع؟"، قبل ان تتابع: "أتمنى أن يصبرنا الله، ويصبر كل المكلومين على أبنائهم". حال عائلة شحيبر ليس بأفضل من حال كثير من العائلات الفلسطينية التي قصفت بيوتها فوق رؤوسها، ما أدى إلى استشهاد أسر بكاملها. لن يتمكن عيد الفطر هذا العام من سماع ضحكاتهم، وأمنياتهم بأعوام قادمة أكثر أمناً وسلامة. في شوارع قطاع غزة الحزينة والمتشحة بالسواد، استبدل أهالي قطاع غزة عبارة "كل عام وأنتم بخير"، بعبارة "حمداً لله على سلامتكم". فكمّ المجازر التي ارتكبت والقذائف التي أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على أهالي غزة المدنيين العزل كان كفيلاً بإجهاض أحلامهم وفرحهم وأملهم في الحياة. أسواق غزة ومحالها التجارية ومتنزهاتها العامة، كان يفترض أن تزدحم بالناس في الأيام العشر الأخيرة من رمضان، تحضيراً لعيد الفطر، وكانت البسطات الشعبية لِتكسو شوارعها، لكن هذا العيد جاء وقد فقدت غزة كل ملامح الفرح. حي الشجاعية، شرقيّ مدينة غزة، كان من أكثر الأماكن في القطاع الذي يكتظ بالناس خلال تحضيرهم للأعياد، وكانت شوارعه ممتلئة بالأراجيح وألعاب الأطفال. لكنّ هذا العام لن يكون كالأعوام السابقة على الحيّ وسكانه، لأن الاحتلال أحاله إلى ركام، وقتل العشرات من سكانه. يقول المواطن أبو أنس خليفة من منطقة الصبرة وسط مدينة غزة إنه نجا وعائلته من موت محقق بعد استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي سيارة أمام منزلهم الذي تعرضت أجزاء كبيرة منه إلى الهدم، لافتاً إلى أنه أعلن الحداد على أرواح الشهداء، وأنه لن يقوم بمعايدة أهله وأقاربه. ويوضح أن الحزن العميق في نفوس أهالي القطاع لن يمكنهم من الفرح بالعيد الذي من المفترض أن يكون سعيداً، مبيناً أن الفلسطينيين بطبعهم شعب متكاتف، يراعون شعور بعضهم البعض. يشرح: "أطفالي طلبوا مني عدم شراء ملابس جديدة، لأنهم حزنوا على أصدقائهم الجرحى والشهداء". يأتي عيد الفطر هذا العام وقد استشهد أكثر من ألف ومئة مواطن فلسطيني من قطاع غزة، معظمهم من الأطفال الذين لن تتمكن عائلاتهم من استقبال العيد بفرح كل عام. يأتي وقد تشرّد مئات الآلاف عن بيوتهم. يأتي وقد تهدّمت آلاف البيوت فوق رؤوس أصحابها. * المصدر: العربي الجديد