لم يعد بإمكان ساكنة وزوار مدينة انزكان المرور في شوارعها دون مشاركة السيارات للطريق العمومية. فقد فرض ذلك الاحتلال العشوائي لأرصفتها من قبل الباعة المتجولين وأصحاب المقاهي والمحلات التجارية، خاصة على طول شارع المختار السوسي وعلى امتداد الطريق المؤدية من السجن إلى فندق المونية، حيث لم تفلح السلطات المسؤولة في إيجاد حلول ناجعة لإشكالية احتلال الملك العام، من خلال حملاتها العشوائية، مما أدى بقوة الفعل بتحويل أرصفة الشوارع إلى ملكيات خاصة محتلة بشكل دائم وتمارس فيها كل أنواع التجارة. فقد أغرق هذا الأمر انزكان في صورة عارمة وقاتمة من الفوضى أساءت إلى جمالية المدينة، حيث يخال للزائر أنه وسط سوق بدوي غطى على جمالية المدينة، حيث تعرض السلع فوق قارعة الطريق والأرصفة والعربات المجرورة، وتتعالى من ورائها أصوات رجال ونساء وأطفال لإثارة المارة بأهمية ما يعرض. فشارع المختار السوسي هو النقطة المظلمة، حيث أن العابر منه ملزم على التفكير على أكثر من صعيد. فمفروض عليه التأني والتمهل وأيضاً عدم التعجل في خطاه إن رغب في الخروج بسلام منه. فأهمية الشارع تكمن في الربط بين مختلف المراكز الاقتصادية بالمدينة، حيث تتواجد أهم الأسواق المختصة في البيع بالجملة والتقسيط، زيادة على الكم الهائل من المقاهي المنتشرة على طوله. وكذلك الفنادق المحيطة به، فضلا عن تواجد السجن المحلي لإنزكان على مقربته، حيث الأرجل لا تنقطع نتيجة الزيارات المكثفة والكثيرة لمختلف الشوارع الاجتماعية لذويهم. كل هذه السمات مكنته من أن يكون معقلا للمئات من التجار المتجولين الذين تملكوا هذه الأرصفة وتحولوا إلى مستوطنين يزاحمون المارة وأصحاب المحلات التجارية المنتشرة على أطرافه، مما يؤدي إلى خلق اضطراب في حركة السير والمرور لا بالنسبة للراجلين الذين تم احتلال أماكن مرورهم، ولا بالنسبة لسائقي السيارات والشاحنات الذين يشتكون اقتسام الراجلين للطرق معهم، مما يزيد من خطورة وقوع حوادث سير، من شأنها إزهاق أرواح بريئة نتيجة الارتجالية التي تشوب الوضع. وسلعة الشمال بلا ثمن »لا غلا على مسكين« و «مول المليح باع وراح» عبارات يحفظها جميع سكان المدينة، من أطفال إلى كهول، لكثرة تداولها بين التجار لإغراء المتبضعين الذين يجدون ملاذهم فيما يتم عرضه من سلع مختلفة الأثمان والصنع والجودة. فكثرة هؤلاء الباعة يسبب لهم بعض المتاعب »واكترو أخويا على رزقهم«، يقول الحسين مشيراً إلى كون هذا الصنف فالتجار في تزايد مستمر يوم بعد الآخر بشكل مخيف، مما يستدعي تقنين الأمر. فمشهد الهروب وحالة الاستنفار تعم الجميع من لحظة إلى أخرى عقب المطاردة، والتي غالباً ما تكون مفاجئة، »ما عرفنا هاذ الناس آش بغاو منا واش نسرقو، علاش ما يخليونا نترزقوا«، يقول عبد القادر القادم من قلعة السراغنة للبحث عن مجال أرحب بإنزگان. إلى ذلك، يضيف عدد من التجار المستجوبون بأن أزيد من نصف السلع المعروضة هي في ملكية أصحاب المتاجر الموجودة داخل الأسواق، والذين يلجأون إلى كراء أشخاص مقابل مبالغ مالية متفق عليها مسبقاً لأجل عرض سلعهم في الشارع، حيث الفرص أكثر لبيع عدد أكبر عدد من السلع. مصادرة سلع الباعة المتجولون وإجلائهم عن أرصفة الشوارع، يقول أحدهم، إنه ربط علاقات مع بعض رجال الأمن والقوات المساعدة، حيث يتم علمهم قبل المداهمة مقابل ذلك يتم تقسيم هامش من الربح مع أفراد الدورية، بينما يفضل البعض من الباعة تسخير أفراد لمراقبة تحركات الدوريات، ويتم الاتصال عبر الهواتف النقالة من بعيد لدرإ أي مخاطر يمكن أن تسبب في حجز السلع العمومية. بالإضافة إلى هذا لا يعدو الزحام الذي غالباً ما يكون حول الباعة المستقرين في الأرصفة المكان المفضل »للنشالين« الذين ينشطون بشكل كبير في هذه الأماكن، نظراً لسهولة الإيقاع بالضحية، فغالباً ما تتعالى صيحات الضحايا لوقوعهم في أيدي نشالين تسللوا إلى جيوبهم وأخذوا ما بها من مال، وهواتف نقالة ليتم بيعها في الجهة المقابلة للشارع دون محاسبة أو مراقبة. لقد طالبت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني، بضرورة تحرك المسؤولين لإيجاد حلول لهذه المعظلة الاجتماعية، التي باتت تؤرق المجتمع السوسي بالخصوص، والمغربي عامة، بعيداً عن سياسة المطاردات والحملات الموسمية التي استمرت لسنوات دون أن تجدي نفعاً. فنحن بحاجة إلى حلول موضوعية دقيقة.