مجلس الحكومة يصادق على مشاريع مراسيم أحدهم يتعلق بعمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية    بقيمة 319 مليار درهم.. انتقاء 5 مستثمرين وطنيين ودوليين لإنجاز 6 مشاريع في مجال الهيدروجين الأخضر بالجهات الجنوبية للمملكة    ممثل البنك الأوروبي للاستثمار يشيد بالتقدم الملحوظ للمغرب تحت قيادة جلالة الملك    مولاي بوسلهام.. تنسيق أمني يُحبط محاولة تهريب أزيد من خمسة أطنان من "الحشيش"    سجن الناظور يرد على مزاعم حادث الاصطدام    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتابع وضعية الطفلة المعتقلة ويدعو لعدم نشر صورتها    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    بايتاس: 12 ألف منصب شغل مرتقب في منطقة التسريع الصناعي ببن جرير    الفنان ابراهيم الأبيض يطل علينا باغنية "أسعد الأيام" في رمضان    مرصد: مؤسسات الإيواء السياحي المصنفة بالمملكة تسجل 2,04 مليون ليلة مبيت    بايتاس يطمئن المغاربة بشأن مراقبة المواد الأساسية ويؤكد على الوفرة في المنتجات    على عتبة التسعين.. رحلة مع الشيخ عبد الرحمن الملحوني في دروب الحياة والثقافة والفن -06-    أفضلية إنجليزية وتفوق واضح للضيوف في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا    بنخضرة تستعرض تقدم إنجاز خط أنبوب الغاز إفريقيا-الأطلسي بواشنطن    قمة الدول العربية الطارئة: ريادة مغربية واندحار جزائري    السلطات تمنع تنقل جماهير اتحاد طنجة نحو فاس لمؤازرة فريقها أمام "الماص"    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    مانشستر يونايتد يدخل التنافس على خدمات نايف أكرد    "الفيفا" يدرس توسيع كأس العالم لكرة القدم لتضم 64 منتخبا    جون ماري لوكليزيو.. في دواعي اللقاء المفترض بين الأدب والأنثربولوجيا    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    الكاف: إبراهيم دياز السلاح الفتاك لأسود الأطلس وريال مدريد!    الدريوش.. المحكمة الإدارية تقضي بتجريد 9 أعضاء بجماعة بن الطيب ورئيس وأعضاء بجماعة أزلاف    اتفاقية شراكة بين وكالة بيت مال القدس ووزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية للتكفل بالأيتام والأطفال مبتوري الأطراف ضحايا الحرب على غزة    شركة لإيلون ماسك تفاوض المغرب لتوفير الإنترنت عبر الأقمار الصناعية في الصحراء المغربية    إيرلندا تدعم جهود المبعوث الأممي    تساقطات ثلجية وزخات مطرية قوية مرتقبة اليوم الخميس بعدد من مناطق المملكة    ارتفاع عدد ضحايا حادثة السير المروعة على الطريق الساحلي باتروكوت    الملك يهنئ رئيس غانا بالعيد الوطني    الأداء السلبي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    توقعات نشاط قطاع البناء بالمغرب    قصص رمضانية...قصة الصبر على البلاء (فيديو)    سكينة درابيل: يجذبني عشق المسرح    أخبار الساحة    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    عائلات محطمة بسبب مآسي الهجرة سباحة إلى سبتة مع تزايد أعداد المفقودين    "مرجع ثقافي يصعب تعويضه".. وفاة ابن تطوان الأستاذ مالك بنونة    الفاتنة شريفة وابن السرّاج    السعودية تدعم مغربية الصحراء وتعتبر مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا لهذا النزاع الإقليمي    كأس العرب قطر 2025 في فاتح ديسمبر    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    تقارير تنفي اعتزال اللاعب المغربي زياش دوليا    بريظ: تسليم مروحيات أباتشي يشكل نقلة نوعية في مسار تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولايات المتحدة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    اليابان.. قتيل وجريحان في انفجار بمصنع لقطع غيار السيارات    البيض ماكلة الدرويش.. تا هو وصل لأثمنة غير معقولة فعهد حكومة أخنوش.. فين غاديين بهاد الغلاء؟ (فيديو)    المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني يعقد اجتماعا برئاسة شي جين بينغ لمناقشة مسودة تقرير عمل الحكومة    قمة أوروبية طارئة بمشاركة زيلينسكي على ضوء تغير الموقف الأمريكي بشأن أوكرانيا    أمطار رعدية في توقعات طقس الخميس    الأمم المتحدة تحذر من قمع منهجي لنشطاء حقوق الإنسان في الجزائر    وزارة الصحة : تسجيل انخفاض متواصل في حالات الإصابة ببوحمرون    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    مسؤول يفسر أسباب انخفاض حالات الإصابة بفيروس الحصبة    أمن طنجة يحقق في واقعة تكسير زجاج سيارة نقل العمال    مكملات غذائية تسبب أضرارًا صحية خطيرة: تحذير من الغرسنية الصمغية    عمرو خالد يكشف "ثلاثية الحماية" من خداع النفس لبلوغ الطمأنينة الروحية    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    عمرو خالد: هذه أضلاع "المثلث الذهبي" لسعة الأرزاق ورحابة الآفاق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرح عالق في النشرة الجوية ليوم الأربعاء

تتذكر ذلك الرجل الحالم الذي ترك المقهى – مقهاه – ورحل. ترك كل شيء تقريبا. العتاد الأساسي كان موزعا بشكل فوضوي في كل الأرجاء.
كانت هناك ثمة عناكب بغيضة تغيض الجدران ببيوت تذكرك بفرنسيس بيكون صاحب التشبيه الشهير للعقلانيين بالعناكب. بيوت هي مجرد مصائد لاصطياد الأشباح وطرد الملل (أليست هناك أشباح في عالم الحشرات؟). علب البيتزا المقفرة والتي لا تثير شهية أحد أصبحت كأوراق الأرشيف المليئة بالغبار وأخطاء آلات الدكتيلو القديمة.
أنت الوحيد الذي تنتبه إليها حينما تمر قرب البوابة الزجاجية المقفلة بعناية شديدة. تتخيل أنه صفق الباب وأغلقه بإحكام بالمفتاح وهو ينوي العودة غدا، وإن كان قد فكر أكثر من مرة أن الزبائن الذين حلم بهم قد تبخروا، وأصبحوا جزءا من أحلام شبيهة بنبوءات أفلام الكرتون. كل شيء تبخر الآن. لم يعد يجلس كرئيس محل تجاري يوجد في زاوية شارع رئيسي. لكن هذا الشارع يوجد في حي راق يغلق أهله أبوابهم باكرا ليتركوه عرضة للريح التي تنهش سكينته. كان يجلس مثلما تجلس رصاصة في ماسورة بندقية. هي جلسة المتحفزين الذين ينتظرون شيئا بثقة عالية في النفس كأنهم رأوا ذلك في نشرة جوية طويلة ولكنها غير مملة. نشرة جوية تنشر أسماء الذين سيرتادون المطاعم والمقاهي. لذلك كان يجلس كل مساء أمام تلفازه العتيق والمصاب بعمى الألوان. تلفاز بدرجة مذياع. كأنه محارب خاض الحروب العالمية كلها ولا يزال يفكر في خوض حروب أخرى مادام أن الكهرباء لم تنقرض بعد. كان يجلس أمام هذا التلفاز الذي لا يختلف عن صناديق تاجر في حكايات ألف ليلة وليلة ويمعن الإنصات لعله يظفر بأخبار عن مقهاه.
لكنه كان يصاب بالإحباط حينما يجد أن النشرة الجوية لم تتوقف عند زبائنه القلائل. فكان المقهى المسكين يعبر في فم المذيع مثلما يعبر سهم أطلقه قناص بدائي في غابة الأمازون.لا شيء تقريبا يخبر به. إنها مجرد احتمالات ضعيفة بمرور أشخاص متأنقين سيتناولون فناجين قهوة سوداء دون أن يجدوا الوقت للالتفات إلى جرائد اليوم، أو يسمع مثالا بأن ثمة مراهقين سيقضون المساء كله وهم يرابطون في بهو المقهى كأنهم كهنة ينبشون الأرض لتتفتق عن بقايا عفاريت منسيين. لقد أغلق المقهى الآن وأنت تمر من هناك ولا تجد أي أثر لصاحبه أو لضحكاته الرنانة التي لا تصدر مثيلاتها إلا عن أناس واثقين في المستقبل كأشجار في بداية عهدها بالإثمار. تتخيل أنه حدث زوجته عن ورطته التي كانت مجرد سر يعذبه طيلة ليال حولها الأرق إلى سراديب مظلمة تمتلئ بالصمت. تقلب يمنة ويسرة في حركات يائسة لا قبل لها بمجاراة مغالاة النوم في عناده وعقوقه. نوم عاق لا يهادن أحدا. يبدو أنه كان يتحدث لزوجته بصوت خفيض كالهمس بعد أن يكون قد أطفأ الأضواء، وإن كان متيقنا من سفر جيرانه منذ مدة، والذين قد يتنصتون عليه بسبب أو بدونه. أسر لها بأن مقهاه لا مكان وثير له في النشرة الجوية كأنه مصاب بنحس أو بنكسة مناخية. لقد أصبح كالأرض الجدباء التي لا تنبت أي شيء. «ما كنا نحلم به قد تبخر».هكذا كان يتحدث لها – الآن أصبح يستعمل ضمير المتكلم الجماعي بما أن الأمر يتعلق بفشل ذريع وليس بنجاح ما – إذن فزوجته أصبحت شريكا له الآن. فلا ضير أن يتقاسم معها خسارته بالقسطاس.
إنه رجل عادل. هذا ما فكر فيه دوما أو على الأقل هذا ما كان يتمنى أن يعتقده الآخرون. لقد حان الوقت ليتحدث كقديس أصيل يحاول أن يبرر إثما ارتكبه. ولكنه على كل حال قديس حصل على أكثر من تزكية. تحدث لزوجته بشكل مطول ومسد شاربه أكثر من مرة، كأنه كان يريد الإعلان أنه لا يزال رجال. لقد خسر في مشروعه الاقتصادي ولكنه لم يخسر رجولته مادام لم يتذلل لأحد ولم يتسول رضا أي زبون مثلما يفعل أرباب العلامات التجارية حينما يستأجرون أشخاصا متحذلقين لمدح سلعهم على شاشة التلفاز. ولكن لماذا لا يغير نمط تفكيره؟ لماذا لا يفكر في وصلة إشهارية بحجم ثلاثين ثانية يكدس فيها إشارات كثيرة غامزة ولامزة؛ شريطة أن تخلو من الاستعطاف. وصلة إشهارية تتضمن قصيدة شعرية كتبها شاعر سوريالي مبتدئ. قصيدة تتحدث عن الواقع والمحال. تتحدث أيضا عن الأحذية القديمة التي ستصبح لامعة حالما تطأ سهول المقهى المليئة بشقائق النعمان.
ولكن عن أي سهول يتحدث والمقهى بحجم راحة اليد تقريبا؟ بدأ حديثه يخفت الآن وصوته يتقطع كمطرب شعبي يعاني من آلام في الصدر. لذلك فصوته أصبح لا يختلف عن الحشرجة المؤذية للسمع. كما أصبح يحس بأن دموعا ما ستخذله في أية لحظة. تنحنح أكثر من مرة لاستجماع شجاعته المتبقية. قال لها إنه ليس بالشخص الفاشل الذي سيطرق الطرقات داسا يديه في جيوب سرواله البيج من نوع» ماركو بولو»،وممططا شفتيه دلالة الأسف والحنق. لن يفعل ذلك أبدا. فجأة تذكر سارتر. تذكر مدرس الفلسفة وأحاجيه عن الماهية والمسؤولية والحرية. «إذن أنا شخص حر « هكذا غمغم. «أستطيع أن أفعل أي شيء دون أن آخذ برأي الآخرين «أضاف. ولكن هذه أنانية بنظر كارل ماركس.»نحن سواسية حينما نصبح مجرد أسنان مشط، أي حينما نكون مجرد أناس ضيعوا مشاريعهم الشخصية؛ المقهى مغلق الآن.»هجس. كانت زوجته قد نامت حينما صدرت منه شتيمة مدوية. لم يعد من حقه أن يهنأ كالآخرين بحياته أو التمتع بعطلة نهاية الأسبوع في الرولي كريستين. لقد أصبح مجرد شخص عادي لا يتمتع بأية امتيازات في هاته الحياة السريعة كوجبة مزيفة في مطعم ماكدونالد. تأكل دون أن تستطيع إثبات ذلك. تحيا دون أن تستطيع إثبات ذلك.
تشتغل دون أن تظهر عليك نعمة شغلك وعطاياه الكثيرة. تحلم دون أن تتبين من ذلك أي شيء اللهم مخاوف أخرى تنضاف إلى مخاوفك السابقة. لن تنفعك المبرهنات الرياضية التي تحفظها عن ظهر قلب أو الأساليب القديمة التي هربتها من بساتين المنفلوطي وجورجي زيدان. ستقف واجما مثل آلة أوتوماتيكية معطلة لبيع فناجين القهوة. لاتستطيع أن تقدم أي شيء لزبون اعتيادي. هو لم ير الازدحام أبدا داخل مقهاه. قرأ الكثير من الكتب أو على الأقل ادعى قراءتها.
الكتب التي تشرح الكيفية التي تمكنك من أن تصبح جذابا، أو تلك التي تشرح كيف تتعامل مع الآخرين. لطالما اعتبر أن تلك العناوين هي مجرد دعابة سمجة لا تليق أبدا بقارئ نهم مثله .تتذكر الآن كيف صفق باب المقهى. لم يفكر أبدأ أنه لن يعود إلى هناك أبدا.كان الأمر مجرد فكرة في مخيلته. مجرد فكرة لا أكثر ولا أقل كتلك الأفكار التي تتزاحم في طابور طويل مصطبرة لقرص ذباب القلق الذي أصبح مزمنا كفسطاط عمرو بن العاص.
أفكار بدون ذمة تزوره كل بداية صيف وهو على أهبة الخلود لكسل لا يحتمل التأخير كفاتورة الهاتف. لكن الأمر تحول إلى حقيقة. لقد ترك اخيرا الكرسي الأشبه بحذاء بكعب عال المرأة تحلق في سماء المودة بجناحين أبيضين كذينيك اللذين تراهما في تلك الأفلام الأمريكية المحبوكة الإخراج كقرنفلة صغيرة في مزهرية داخل شرفة. تتذكر أيضا صهره الذي ورث عنه ذلك المقهى بعد سنوات طويلة من الانتظار المقيت،والذي أصيب بداء الباركنسون ليقضي على كل آماله في أن تطول حياته كحياة أجداده.
صهره بوجمعة الذي كان يظل طيلة يومه متشبثا بتلك المنضدة مقتعدا ذلك الكرسي الأسود وهو يستقبل زبائنه في متجره لبيع الأجواخ. الزبناء الذين سيقلون يوما بعد يوم بعد أن أصبحوا مترددين ومتأففين من الإنصات لتلك الأصوات التي كان يطلقها وهم يستعدون للدخول إلى متجره. أصوات أشبه بالصراخات التي تعقب الكوابيس.
لم يستمر المسكين طويلا في إزعاج زبائنه. لقد أراحهم من اهتزازاته وهو على الكرسي الخشبي يحاول أن يظفر بطلباتهم.ترك كل شيء ومضى. وهاهو هو الآخر يترك مقهاه ويمضي. لكنه على الأقل أفشى كل شيء لزوجته وبوسعه أن يستريح قليلا الآن. ربما هذا الفرح لايزال عالقا في النشرة الجوية ليوم الأربعاء القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.