كان يحمل المعول على كتف يبدو عاريا من قميص ممزق، وكان حافي القدمين يمشي مسرعا بين جدار البستان والساقية، يهرول لأن دور الماء كاد ينتهي. ثمصدح بموال حزين فصفقت أجنحة اليمام من النخلة، وسقط خلخال من رجل الغجرية. سقط الخلخال وخنق مهرج الجماعة القزم ضحكة نزقة، كان يخاف أن تغضب الراقصة لكنها ابتسمت وأمرته أن يحضر الحصان البني. على التلة كان يتابع الحركات كلها رئيس العصابة وأقسم أن يغتال المغني. ركبت الراقصة الحصان وجرت حيث لا يدري أحد، فنبحت الكلاب. الفلاح ابن عبد سرقته القبيلة المجاورة للكثبان ذات غروب وهو يرعى غنم العشيرة؛ والقزم وجدوه ذات فجر بباب المسجد رضيعا لا يبكي؛ أما الغجرية فسرقت ليلة دخلتها لتضم لحريم صاحب التلة. ومر الخريف والربيع وجاء الصيف والفلاح يغني غير مكترث بكتفه الذي أكله المعول، وغير ملتفت لقميصه الممزق وأرجله الحافية. وبين فصل وفصل كانت الغجرية تركب الحصان البني وتسابق الريح علها تقبض ببقايا الموال. وهناك في الربوة تحت النخلة يزداد حنق سيد قطاع الطرق. سأقتله ذات يوم، سأقتله وأرتاح من الغناء الذي يجعل الطيور تجن والنساء يفقدن الخلاخل. وحدث أن التقيا ذات يوم على جسر الترعة، كان صاحب التلة فوق فرسه الأبلق والفلاح حافي القدمين، أطلق المغني مواله وأسقط الفرس راكبه ليعوم في الطمي. في المساء أجمع كبير اللصوص كل الأفاكين للتشاور وقرروا أن يقتل الراقص الحزين المغني الآبق. في تلك الليلة المقمرة مرت فرقة غناء تستوحي عزفها من الجن، جذبت الراقصة المسكونة ودخلت في حضرة مجنونة لم تفق منها حتى الفجر. وجاء اليوم المشؤوم، كانت السماء هائجة مبرقةوأوى الكل إلى مخبئه، غير الفلاح الذي كان يرسل مواويله الحمقى لحنا يوقعه إيقاع الرعد. هربت الغجرية من مخدعها لتسمع الموال الذي زادته الريح شجنا. ثم زغردت الزغرودة التي تعلمتها من إناث الضفادع جوابا على الموال. ورقص المغني السعيد على رجل واحدة. كبلها السيد بحبل بغل من شعرها ومرغها في التراب. وعقد اجتماع ثان آخر الليل، جمع المرابي؛والسمسار؛ والراقص الحزين؛ والقزم، وكبيرة الجواري. تداولوا كثيرا حتى استقروا على رأي المرابي: -لا تقتلوا صاحب الموال الحزين، زوجوه الغجرية ! خيم الصمت والخوف على الجميع. زوجوه في العلن فحسب، لتحسب عليه لدى الفلاحين، وهي مملوكة للسيد في واقع الحال. وافق صاحب التلة. وبعد العرس بمدة وجيزة وجدوا المغني وقد تدلى من قلب نخلة.