قبل مغادرتنا المدرسة الحزبية مكان إقامتنا في مدينة ناننينغ عاصمة منطقة قوانغشي- حيث تجتمع قوميات تشوانغ، والتي تعتبرها الحكومة المركزية المنطقة المنسجمة والنموذج الحي للتطور والتضامن والتسامح بين مختلف القوميات، والممثلة في قومية هان، وياو ، ودونغ، وغيرها، وهي من اثنتي عشرة أقلية قومية في المنطقة – أقام نائب رئيس المدرسة الحزبية بإدارة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني wei Riping ، حفل عشاء بمطعم المدرسة المسمى «مطعم تشوان شين يوان»، وكان نائب الرئيس مصحوبا بكل من رئيسة الديوان للجنة المذكورة السيدةZhao Lingjuan، والسيدةShi Yuefei وهي سكرتير بقسم غربي آسيا وشمال إفريقيا بإدارة العلاقات الخارجية المركزية للحزب، وHuang Di من كوادر نفس القسم، وLi Xia، الباحثة بقسم تدبير موظفي الحكومة في المدرسة الحزبية للجنة الحزب الشيوعي الصيني بمنطقة قوانغشي الذاتية الحكم، و نائب رئيس المكتب الإداري لنفس المدرسة السيد wei Haijian. كانت الطاولة التي غطت نصف المطعم، جد مرتبة، زاد البياض ترتيبها جمالا، وأبدعت عاملات المطعم وتفننن في كيفية وضع الصحون والكؤوس، التي رفض بعض أعضاء وفدنا المكون من الكوادر الحزبية المغربية، أن يكون سائلها خمرا، عندما استشار المنظمون رئيس الوفد الأخ عبد السلام الرجواني في ذلك، والذي بدا لي جد هادئ وهو يدبر الأمر مع بعضنا، الذين ذهب بهم النقاش حد استحضار لغة «الحلال والحرام « واللعنة التي تصيب شاربها وحاملها، والحرية الشخصية وحدودها عندما يتعلق الأمر بحرية الآخرين. كان مضيفونا يتابعون الأمر باهتمام، لم يقرروا في وضع الخمر على الطاولة أو عدم وضعه، بل انتظروا قرار الوفد الضيف، الشيء الذي اعتبره الكثير منا تخلفا، ومجرد طرح المسألة، هو سلوك تافه، من شأنه أن يسوق نظرة سيئة عن المغرب، خصوصا وأننا وفد من المفروض فيه ألا يناقش الأمر أصلا، إيمانا منا أن لكل واحد اختياراته وقناعاته في الفعل من عدمه. ابتسم عبد السلام الرجواني، وقال « للرفيق رائد»:» لكم واسع النظر..»، فما كان لكؤوس الخمر إلا أن تحولت إلى سائل أبيض أعتقد أنه حليبا…والله أعلم. لقد استطاع،بالفعل، رئيس الوفد المغربي – الذي صوت الجميع على مهمته التي أتقنها، وأبان فيها عن حكمة وتجربة- أن يحول البعض من رداءة الموقف إلى لحظات قوية في دلالات تواجدنا في الصين الشعبية، من خلال الخطاب المجاملة الذي ألقاه باسمنا جميعا على طاولة العشاء، بموازاة خطاب الترحيب الذي قدمه ناب رئيس المدرسة الحزبية والمسؤول المحلي في اللجنة الحزبية لمنطقة قوانغشي. كان الرجواني جد أنيق في تعبيره وهندامه المغربي، وهو يقدم الوفد المغربي الذي يجسد رغبة المغرب الدبلوماسي الموازي الحزبي والمدني، في ربط علاقات التواصل والتعاون بين المغرب والصين الشعبية، مستحضرا في هذا الصدد أهمية عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي في الاتحاد الإفريقي وسياسة المغرب التنموية والاقتصادية جنوب- جنوب، واهتمام الصين وتوجهها الاقتصادي نحو إفريقيا، مما يشكل نقط لقاء جوهرية وقوية في التعاون المغربي الصيني في النهوض بالمنطقة وخلق شراكات حقيقية تعود بالخير على الإنسانية جمعاء، خدمة للتعاون والتضامن والسلم العالمي. كانت كلمة الأخ الرجواني حرة وهادفة وتراعي تشكلة الوفد المغربي الحزبية، في الوقت الذي توجهت فيه كلمة المسؤول عن المدرسة الحزبية السيد weiriping إلى لغة التعريف بفضاء المدرسة الحزبية، الذي فهم مضيفونا، أو وصل إلى مسامعهم، أنه الفضاء الذي لا يمكن استبعاده من تداولنا عند الانتهاء من الأشغال، سواء في أوراش النقاش في قضايا تهم منطقة قوانغشي أو في قضايا تهم الصين والحزب الشيوعي الصيني واستراتيجيته التي بوأت الصين مكانة اقتصادية متقدمة جدا في العالم. أشار المسؤول الحزبي الذي حرص على أن تكون الدعوة إلى العشاء ذات أبعاد معرفية، إلى تاريخ تأسيس المدرسة الحزبية الذي يعود إلى الخمسينيات من القرن الماضي، وقدرتها الاستيعابية، ومستوى الكوادر التي مرت منها، كفضاء للتفكير الاستراتيجي، المبدع للمخططات الكبرى، مدرسة تدخل ضمن قناعات الحزب الشيوعي الصيني الذي لم يخطئ في تصويب البوصلة نحو الهدف المنشود في تكوين أبنائه وتوجيههم وجعلهم في قلب معركة التحدي، والمواجهة بسلاح العلم والمعرفة والتفكير العميق والمنتج. لم تكن اللقاءات التي تجمعنا بالمسؤولين الصينيين تنتهي في زمنها الاحتفالي، أو الزمن المحاصر بسويعات المحاضرة في ورش مغلق، بل كانت لقاءات متبوعة بمداولات في ما بيننا كوفد مغربي، كنا نقارن في غالب الأحيان بين بلدنا والصين الشعبية، متفائلين مرة ومتشائمين أحيانا، لكن تفكيرنا كان يذهب إلى قدرتنا على فعل الشيء نفسه، إن نحن امتلكنا الإرادة والرغبة الحقيقية في التغيير بمواجهة كافة التحديات، ومحاربة نقط الضعف التي تتعمق بغياب المسؤولية والمحاسبة . تركت النقاش بيننا جانبا، وبدأت أفتش في دفتري عن المعلومات التي دونتها عن الصين، كي تكون منطلقا بالنسبة لي لمقارنة عالمة، مع الواقع الذي خضت رحلة طويلة لملامسته برغبة حقيقية وهادفة في المعرفة عن قرب. فالاقتصاد الصيني قرائي، يقف اليوم في المرتبة الثانية بعد الولاياتالمتحدة، ويبقى بطبيعة الحال مهما جدا للاقتصاد العالمي، إذ أن أي هزات قد تصيبه ستكون لديها انعكاسات على الدول الأخرى. فمنذ عام 2010 شكلت الصين أكبر مصدر للسلع التجارية، وثاني أكبر مستورد لها، كما أنها خامس أكبر مصدر وثالث أكبر مستورد للخدمات التجارية، إضافة إلى ذلك، فإن الصين هي ثاني أكبر مزود للاستثمارات الأجنبية المباشرة بعد الولاياتالمتحدة. وقد قامت الصين بتخفيض مستويات الفقر في مجالها، والارتقاء باقتصادها بفضل تحولها إلى مركز تصنيع للعالم، متخصصة بتجميع المنتجات محليا بالاعتماد على اليد العاملة الرخيصة نسبيا وتصدير السلع الرخيصة لجميع الدول. كما لعب القطاع الخاص في الصين دوراً هاما في دعم نمو الاقتصاد الصيني وخلق الوظائف. ويرى الخبراء الاستراتيجيون أنه من المتوقع أن يكون اقتصاد الصين أكبر اقتصاد في العالم سنة 2030 …