هناك ليلى سليماني التي أصدرت مؤخرا، بعد تتويجها في وقت سابق بجائزة «الغونكور» الأدبية، كتاب «الجنس والأكاذيب، الحياة الجنسية في المغرب»، بالإضافة إلى نسخة مرسومة منه، الكتاب الذي تيمته الأساس صعوبة وضع المرأة ككائن بالمغرب. المؤلفة اختارت في إصدارها الجديد هذا سبيلا غير مباشر لنقد وزر الدين في المجتمع المغربي، سالكة طريق نقد السلطة الأبيسية. وهناك جانيت بوغراب، المناضلة من أجل اللائكية التي ألفت في فنلندا حيث تقيم حاليا كتاب «رسالة من المنفى: البربرية ونحن». وهناك أيضا ليديا غيرو التي هي على وشك نشر «لا علاقة لهذا بالإسلام؟ لنستيقظ، لتستيقظوا لمواجهة التطرف الإسلامي»، لأنها لم تعد تطيق، عقب كل عملية إرهابية، سماع لازمة «لا علاقة لما حدث بالإسلام»؛ عبارة تتردد بينما المطالب المستندة إلى انتماء هوياتي تتنامى. وهناك كذلك الصحفية صونيا مبروك التي أصدرت قبل الصيف الماضي كتابا حواريا مع جدتها التونسية: «العالم لا يدور بشكل سوي يا حفيدتي»، كتابا تمزج ضمن صفحاته قضايا المدرسة والثقافة وتراجع الإسلام المعلمن. لكن، ما نقطة الالتقاء بين هؤلاء الكاتبات؟ هن جميعهن شابات فرنسيات من أصول جزائرية أو تونسية أو مغربية، نساء مسلمات موقعهن صدارة مواجهة الإسلام الراديكالي الزاحف، مواجهة تخوضها كل واحدة منهن بطريقتها الخاصة: طريقة شرسة أو مرنة إلى حد ما. إنهن ترغبن جميعهن في دوام إسلام أجدادهن وآبائهن وأمهاتهن؛ وهن، بفعل كونهن شابات جسورات في جميع الأحوال، تتعرضن للتهديد والشتم من طرف حركات متعددة من بينها «أهالي فرنسا». جبن وتواطؤ قبل هؤلاء الكاتبات المعاصرات دقت مجموعة من الرائدات ناقوس الخطر، في فرنسا وخارجها: تسليمة نسرين بطبيعة الحال، أو «سلمان رشدي البنغالية بصيغة المؤنث»، وشاهدورت جافان موقعة «انزعوا الأحجبة!» الصادر سنة 2003، وغيرهن من النساء الكاتبات الأكثر أو الأقل شهرة. هل تتلخص أسباب نزول هذا الصنف من الكتب في اكتشاف دور النشر لكنز يولد إقبال القراء وارتفاع المبيعات؟ الأمر يتجاوز، في الحقيقة، هذا البعد! ومن غير الممكن اتهام هؤلاء النساء باعتناق القضية التي يدافعن عنها بدافع انتهازي. منذ سنوات وجانيت بوغراب تفضح توسع دائرة الراديكالية الإسلامية، هي التي قررت الاستقرار في فنلندا بعد العملية الإرهابية التي استهدفت «شارلي إيبدو» في 2015، والتي كان من ضحاياها حبيب قلبها الرسام شارب. بعد كتابيها «جمهوريتي تتوفى» و»لعينات»، قررت الوزيرة السابقة سليلة العائلة الجزائرية المساندة للاستعمار الفرنسي التي نزحت إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر العودة إلى اقتراف فعل الكتابة. ذلك أنها تشعر بالغضب، تسكنها النقمة في حضرة ما وصفه ميشيل أولبيك في كتابه «خنوع»، وجراء ما تلاحظه هي نفسها من ظواهر بدأت تنفذ إلى الواقع الفرنسي: الجبن إزاء الإسلاميين المتطرفين والتواطؤ. في مؤلفها الأخير الصادر قبل أسابيع، تصبو بوغراب إلى تناول الكلمة «كفرنسية وعربية مسلمة يغضبها أن تسمع في محيطها بأن ثقافتها ثقافة ملؤها التسامح، بينما العنف حاضر بقوة في رحم هذه الثقافة»، ثقافة تذهب إلى حد «نكران النساء وتوظيف الأطفال». تأخذ جانيت بوغراب الكلمة أيضا كفتاة ذات ذاكرة تطبعها ذكرى أمها التي حُظرت عليها المدرسة وأُجبرت على الزواج في طفولتها، الأم التي أكدت لها قبل رحيلها بأن معركتها عادلة. لا تصدق جانيت بوغراب ما يحصل، إذ بينما يخاطر العديدون بحياتهم في العربية السعودية وإيران للدفاع عن اللائكية ولمواجهة فرض الحجاب، ثمة من لا يستشعر مدى الخطر في فرنسا، وهم كثر. «البعض تظاهر دفاعا عن كسوة السباحة الإسلامية ومعهد العلوم السياسية نظم يوما دراسيا حول الحجاب… كل هذا في حين يتعرض كامل داوود (الذي هو في اعتقادي فولتير جديد، مثله مثل بوعلام صنصال) للهجوم عبر مقالات رأي تنشرها يومية لوموند!» خلال مرورها بباريس، لم تخف الوزيرة السابقة قلقها المتولد عن تنامي الأممية الجهادية، مكررة ما ترسخ في اعتقادها: «السبيل الوحيد للتخلص من هذا الوضع هو إقرار العلمنة كاملة وغير منقوصة». بالإضافة إلى قناعتها المتمثلة في كون النساء يضطلعن بدور في هذا المضمار، تعتقد بوغراب بأنه من اللازم كذلك إقناع الرجال، «تربيتهم وتعبئتهم»، رغم أن تحقق الغاية هذه صعب المنال في كثير من الأحيان. إنها تعلم علم اليقين هذا المعطى، هي التي قاطعها بعض أفراد عائلتها، هي التي تعرضت للتعنيف. «أنا دكتورة في القانون، أستاذة محاضرة ووزيرة سابقة، عمري الآن 44 سنة، ومع ذلك فجزء من عائلتي يعتبرني سافلة، بل قد أتعرض للعنف من طرف هؤلاء». وتعترف الكاتبة، ضمن السياق ذاته، بأن «إضفاء معنى على حياتي وسيلة أيضا لإنقاذ نفسي». «المسلمون هم من يجب أن يتأقلموا» ليديا غيرو، الناطقة باسم حزب «الجمهوريون» التي لم تعمر طويلا في منصبها هذا، لا تتحفظ في الكلام هي الأخرى. سليلة الجزائر المطبوعة بعمق بذكرى بنات عمومتها اللواتي كن تذهبن إلى الجامعة «جد مرعوبات»، وبذكرى اغتيال الطالبة الشابة أمال زنون في 1997 التي نحرت من الوريد إلى الوريد داخل حافلة نقل عمومية بسبب متابعتها الدراسة بالكلية، تسجل بغير قليل من القلق بأن التطرف في فرنسا أصبح يستقطب أكثر فأكثر مناصريه من صفوف الأجيال الاصغر سنا، مستشهدة بالفتيات الصغيرات المحتجبات اللواتي تتم تربيتهن في كنف نبذ ورفض النموذج الغربي. ملاحظة التسلل المتزايد الوتيرة للإسلاميين إلى صفوف الأحزاب الساسية والنقابات ووسائل الإعلام ومراكز الترفيه، بل وحتى إلى قطاع التربية الوطنية، تقر ليديا غيرو بعدم تفاؤلها، متحدثة عن الأحياء «حيث لم تعد احتفالات أعياد الميلاد تقام، واسمها لا ينطق إلا إذا غير ترتيب حروفه رأسا على عقب، وحيث يمكن لأي طفلة صغيرة أن تتعرض للعنف اللفظي بذريعة كون أمها لا تضع الحجاب. إننا نراوغ باستمرار، نلهث خلف التوافقات لا نزال. والحال أنه يجب أن تتسم الجمهورية بالصرامة. المسلمون هم من يجب أن يتأقلموا، وليس المجتمع الفرنسي»، تؤكد الكاتبة. وبعد أن تعترف بأنه لم يعد ممكنا العثور على دين الآباء والأمهات على أرض الواقع الحالي، تدعو غيرو إلى الانتفاضة، مطالبة الجمهورية الفرنسية ب «عدم التنازل للناحبات الطائفيات الساعيات إلى تشويهها». توصلت المرأة الشابة بتهديدات عديدة بالتصفية الجسدية، مثلما كانت ضحية للتحرش عبر وسائط التواصل الاجتماعي، ولذا، فقد اقتنعت بأنه على المسلمين والمسؤولين الدينيين الإمساك بزمام الأمور. ومع ذلك، فاعتقادها يظل راسخا بأن التغيير سيأتي أولا على يد النساء، لأنهن «أكثر واقعية ويشعرن بالطابع الاستعجالي للقضية بفعل كونهن في الخطوط الأمامية، هن المحكوم عليهن بالمكوث خلف الأبواب المغلقة باسم حشمة مقدسة مزعومة، هن أولى ضحايا الظلاميين». ثم تستطرد ليديا غيرو: «ثمة حرب فعلية سيندلع شكل من أشكالها قريبا جدا. ومن واجب المسلمات المتشبعات بقيم الحرية، اللائكيات والجمهوريات، إطلاق الشرارة الأولى لحركة تصبو إلى تحرير الكلام وللمقاومة المدنية. لكن مشاركة الجميع ضرورية، نظرا لما يمثله التطرف الإسلامي من خطر يهدد العالم بأسره، وجميع الأطفال والنساء والديمقراطيين». الصحفية صونيا مبروك، التي يتطرق كتابها الصادر قبل شهور قليلة لوضعية المرأة في تونس بشكل خاص انطلاقا من حوار مع جدتها المسلمة، تنتمي هي الأخرى إلى هؤلاء الراصدات الساعيات إلى الوقوف في وجه انتصار الإسلام الراديكالي . معجبة بأعمال ليلى سليماني التي تعرفت عليها حين كانتا معا صحفيتين في مجلة «جون أفريك»، تثمن صونيا مبروك اختيار الحائزة على جائزة «غونكور» ب «إعطاء الكلمة إلى نساء أخريات» في كتابها الأخير. «أظن بان صوتنا لا يكون مسموعا بما فيه الكفاية حين نوظف شهرتنا المفترضة للتعبير عن أفكارنا باسمنا الشخصي»، هكذا تتحدث مبروك، وهو ما يفيد بالواضح بأن نجاعة تنبيهات هؤلاء الكاتبات تستلزم التساؤل أيضا عن مدى بلوغ الرسالة التي تحملنها إلى الفئات المستهدفة. وبالفعل، فهل يمكن لنساء متعلمات تعتبرن من المتمتعات بوضع امتيازي أن يجسدن حاملات ناجعات لرسائل هدفها الأساس إقناع وتحذير المرأة المنحدرة من الطبقات الشعبية، المرأة تلك التي هي أولى ضحايا الإسلام الراديكالي؟ لهذا السبب، فضلت الصحفية التي تصرح بأنها مسلمة تعيش دينها في توافق تام مع قوانين الجمهورية، توظيف الخيال ضمن كتابها المقبل: «حتى لا أسقط في شراك الاصطدام وجها لوجه الذي قد يكون ذا نتائج عكسية». «لقد تطورت وكثيرا ما أعود إلى تونس لأنني لا أريد للمسافة أن تتعمق بيننا. يكمن الخطر المحدق في اتخاذنا لمواقف مبنية على ردود فعل انعكاسية، ما يؤدي إلى جعل صوتنا غير مسموع. الأمر شبيه بلوحة نرسمها، إذا رمينا اللون الأسود بمفرده على السند، فالرسم لن يظل جيدا. الواجب يفرض استعمال ألوان متدرجة. لذا، فليس من الصائب الانغلاق في لحظة الغضب بمفردها، وإلا غدا الأمر محض سجل تجاري وتحول إلى ورطة. ومثل هذا الوضع هو السائد حاليا إلى حد معين». رهينة رجال الدين والمجتمع الأبوي ومن الممكن جدا، حسب صونيا مبروك، أن تتولد نتائج مضادة عن انتقاد مجموع العالم الإسلامي بدون استثناء ووضعه في قفة واحدة: «مثل هذا السلوك يجعلنا نسقط في شكل من أشكال المزايدة، في الكلام الفظ الذي لا يحقق بالضرورة مبتغاه». ومع ذلك، فالصحفية التي تعتقد بأن لها مسؤولية عليها الاضطلاع بها، لا تنوي التخلي إطلاقا عن المعركة التي ورثتها خاصة عن جدتها: «الأمر مهم. علينا التفكير بطريقة تتجاوز مجرد التنديد، وبمعية الرجال»، تقول مبروك قبل أن تضيف بأن أهم المكتسبات التي حققتها النساء في تونس يجعل الفضل فيها لرجل، بورگيبة. «الشجاعة تكمن اليوم في عدم التعميم». وعلى ما يبدو، فهذا الاختيار ذاته هو الذي قامت به ليلى سليماني. ويذكر أنه حين صدور روايتها الأولى «في حديقة الغول»، عبر العديدون عن اندهاشهم من كون مغربية تستطيع تأليف كتاب «حر وجنسي إلى مدى بعيد»، يروي قصة امرأة مدمنة على الجنس بشكل مرضي. على هامش جولاتها في المغرب لتقديم روايتها تلك، التقت ليلى سليماني بشابات متعطشات لتبادل الآراء حول الموضوع، ولذا قررت نقل كلامهن كما ورد على ألسنتهن وبدون تنميق في مؤلفها الأخير. «كل هؤلاء النساء، حين حكين لي حيواتهن وقبلن تهشيم المحظورات، أردن في جميع الأحوال إبلاغي أمرا محددا: حياتهن ذات أهمية، وهن مهمات ويجب اعتبارهن كذلك. لقد سعين، عن طريق شهاداتهن، إلى التخلص من العزلة ولو لمدة ساعات معدودات، وإلى دعوة بقية النساء إلى اكتساب الوعي بأنهن لسن وحيدات. وتأسيسا عليه، فكلامهن ذو حمولة سياسية، ملتزم ومحرر». هو ذا المنحى الذي سلكته ليلى سليماني إذن بغية «إعادة تملك وسيلة للتأثير في رحم ثقافة تعاني كونها رهينة في يد رجال الدين والنظام الأبوي». ( *) عن «لوفيغارو»، عدد 20 شتنبر 2017