عرفت السنة الجارية طبع العديد من الكتب التي حاولت مقاربة وضع الإسلام ومنظورية المسلمين في فرنسا. ومن بينها كتاب الصحفي كلود أسكولوفيتش: «مكروهونا: هؤلاء المسلمون الذين ترفضهم فرنسا» عن دار النشر غراسي الذي صدر في شتنبر الماضي، ومؤلف المحامية وكاتبة الدولة السابقة جانيت بوغراب: «جمهوريتي تحتضر» الذي نشرته نفس الدار في يناير 2013 . و كلود أسكولوفيتش صحفي انتقل بين عدة عناوين منها «لوماتان دو باري»، «ماريان»، «لو نوفيل أوبسرفاتور» و»لو بوان»، كما اشتغل في الإعلام السمعي. سبق له نشر العديد من الكتب حول السيرة الذاتية للاعب كرة القدم بازيل بولي، وحزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف وسيرة ليونيل جوسبان ومسار رشيدة داتي، بالإضافة لكتاب حواري مع وزير الداخلية الفرنسي الحالي مانويل فالس في موضوع إعادة بناء اليسار. وكان أسكولوفيتش قد غادر العمل في أسبوعية «لو بوان» سنة 2012 عقب خلاف مع خطها التحريري بخصوص مقاربتها للإسلام في فرنسا. أما جانيت بوغراب المنحدرة من أصول جزائرية والمنتمية لحزب نيكولا ساركوزي «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، فقد شغلت منصب رئيسة «الهيئة العليا لمحاربة التمييز ومن أجل المساواة» (أبريل - نونبر 2010) قبل تعيينها كاتبة للدولة مكلفة بالشباب والحياة الجمعوية في حكومة فرانسوا فيون. وهي اليوم محامية ضمن مكتب المحاماة الأمريكي «مايير براون» وإحدى منشطات لأخبار في قناة كنال بلوس. في عددها المؤرخ في 21 شتنبر الماضي، نشرت أسبوعية «ماريان» حوارا مزدوجا مع الكاتبين أجراه معهما فيليب ريدو، وهو الحوار الذي نترجم أهم ما ورد فيه لقرائنا. ترجمة: سعيد عاهد { ماريان: يشكل كتابك «مكروهونا»، في نفس الآن، دفاعا متحمسا على مسلمي فرنسا ومعتقداتهم وممارساتهم، وهجوما عنيفا ضد ما تسميه بسخرية «الاستثناء الفرنسي الجميل» الذي هو الجمهورية. هل يمكنك شرح إرادتك في فضح ما تسمه من جهة أخرى ب «النزعة الهوياتية الجمهورية»؟ كلود أسكولوفيتش: أنا لا أهاجم الجمهورية، بل أنتقد ما يحولها البعض إليه. إنني جمهوري أكثر من المنظرين الإيديولوجيين الذين يريدون منع الشابات المحجبات من ولوج الجامعة. لقد ترعرعت في رحم جملة شارل بيغي (كاتب فرنسي: 1843 - 1914) التي مفادها: «هذا مزعج، يقول الله لنفسه، حين سينقرض الفرنسيون، فهناك أشياء أقوم بها لن يوجد أحد لفهمها». يمكن للاستثناء الفرنسي أن يكون رائعا أو خسيسا. وحين يتحول هذا الاستثناء، بفعل تداخل قوانين وخطابات، إلى منع اجتماعي وتحرش معنوي ضد عشرات الآلاف من مواطنينا لأنهم مسلمون ومؤمنون يمارسون شعائرهم ويدافعون عنها، فإن ذلك شنيع وعبثي. حين يصرح 80 % من الفرنسيين أنهم معادون للمسلمين، فهذا يشكل كارثة بالنسبة لفرنسا. لقد تغير المجتمع الفرنسي، والإسلام أصبح مكونا من مكوناته. الأمر جد معقد أحيانا، جد صعب، لكن هذا هو حالنا، رغم أن نخبنا (وجانيت بوغراب تنتمي لها) تصر على تجاهله، على مواجهته أو شيطنته. لقد التقيت، من أجل صياغة كتابي هذا، هؤلاء المسلمين الذين يتم الحديث عنهم طوال الوقت بينما لا أحد يتحدث معهم إطلاقا. لقد حاولت حكي فرنسا وما ما هي بصدد التحول ٍإليه. { ماريان: جانيت بوغراب، نشرت مؤخرا، لدى نفس دار النشر، كتابا هجوميا بعنوان «جمهوريتي تحتضر»، قمت ضمنه، على العكس، بالتنديد بجبن بعض ممثلي الجمهورية إزاء التطرف الكامن. نتخيل أنك لم تجدي نفسك ضمن بورتريهات المسلمين العديدة التي تضمنها كتاب كلود أسكولوفيتش... جانيت بوغراب: نحن على طرفي نقيض. بما أنني من أصول عربية وثقافتي مسلمة رغم ميلادي في فرنسا، فأنا امرأة منحدرة من الهجرة الجزائرية، يتوفر والدي، وأنا أيضا بالطبع، على جزء من هذه الثقافة. لقد تربيت إذن في رحم هذا العالم. إنه ليس من اللازم التأكيد على كوني لم أجد نفسي في كتاب كلود أسكولوفيتش! خاصة حين يتعلق الأمر بالحجز المتجدد في الإقامة الدينية الذي يتخلله. أنا لا أفهم هذا. في سنوات 80، وحاليا أيضا، تعرضت للعنصرية وسمعت عبارات سب وشتم من قبيل «عربية قذرة» أو «جدية قذرة»، لكنه لم يسبق لي أن شتيمة: « مسلمة قذرة». مماثلة الانتماء العربي مع الإسلام : في هذا تكمن الكارثة الفعلية. تصيبني صدمة لما يتحدث أحد عن المسلمين أو اليهود أو المسيحيين بشكل مطلق. ألا يمكن الإقرار بأن هذا يندرج في حميمية الإنسان في آخر المطاف؟ أنا غير متفقة إطلاقا على هذا المنحى الاستعراضي الذي يؤدي تعريف المواطنين انطلاقا من انتماءاتهم الدينية أو تقاليدهم. وبالنسبة لي، فهذ الأمر يمثل نفيا للجمهورية. كلود أسكولوفيتش: أنا لا أفرض عليك أية إقامة جديدة في أي فضاء! أنا لا أتحدث أبدا عن «المسلمين» على العموم. أنا أتحدث عن أفراد. إن الخطاب السائد هو الذي يتحدث عن المسلمين شموليا. أما أنا، فأتناول وضع شاب متزوج من امرأة لا تضع الحجاب، يعلن صراحة عن انتمائه للسلفية دينيا، وهو نقابي في صفوف «القوات العمالية» بمرسيليا ومن عشاق فريق أولمبيك مارسيليا... أو حالة شابة، هي طبيبة جيدة تمارس مهنتها قصد الانتقام لأمها التي منعت من مزاولة مهنتها العلمية بسبب وضعها للحجاب. أو ما يقع لمهنية في أحد البنوك تضطر للاختفاء داخل دولاب للمكانس لأداء الصلاة. حين تقرر شابة أن تصبح مسلمة مؤمنة، أن تمارس شعائر دينها وتضع الحجاب، وأن تجد نفسها، رغم دراساتها، محرومة من العمل جراء قرارها إلا في مسجد، فهذا يشكل فوضى عارمة، ونحن من أوجد مثل هذا الوضع. جانيت بوغراب: بما أنني منحدرة من الهجرة الجزائرية، فإنه لا يمكنني عدم التفكير في العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر والتي عرفت اغتيال 300 ألف شخص من طرف الإرهابيين الإسلاميين. أستحضر أرواح لونس معتوب، المغني القبائلي، وأولئك الصحفيين والفنانين وجميع الناس البسطاء الذين تعرضوا للقتل على مذبح التطرف الديني، والنساء اللواتي ذبحن من الوريد إلى الوريد لأنهن رفضن وضع الحجاب... وفي فرنسا، هناك شابات تركن المدارس للاستمرار في وضع الحجاب. أما في باكستان، فإن طفلة مسلمة صغيرة، ملالا، تحدت الموت للحصول على الحق في الذهاب إلى المدرسة. الحداثة ليست موجودة حيث نعتقد، بل يمكنها أن تبزغ في غفلة منا في مكان ملؤه الإقفار. وقد كشفت عن نفسها في باكستان بملامح تلم الطفلة. كلود أسكولوفيتش: المسلمات الفرنسيات الممنوعات من العمل بسبب حجابهن لا يرفضن لا التعليم ولا الثقافة ولا الاندماج، بل على العكس... لكنهن هن من نصر على عدم رؤيتهن. وأفظع من ذلك: بهدف تبرير إقصائهن من الحريات العامة، تتم الإشارة إلى ضحايا الظلامية القاتلة أو الفاشية الإسلامية في باكستان وغيرها من الدول. { ماريان: بوصفك رئيسة سابقة للهيئة العليا لمحاربة التمييز ومن أجل المساواة، ما رأيك في هذه الحجة؟ جانيت بوغراب: إنها تفاجئني، ففي فرنسا، وحسب الهيئة العليا لمحاربة التمييز ومن أجل المساواة نفسها، فإن السبب الأول للتمييز في العمل يكمن في كونك امرأة، وبعده السن، وفي المرتبة الثالثة فقط الدواعي المرتبطة بالأصول. ولكنه، وحين تم منع نساء من ولوج أحد مقرات نقابة الكونفدرالية العامة للشغل بأولني، فهذا يقلقني! كما أن رفض مستخدمين في المترو الباريسي مصافحة امرأة أمر لا يطاق. إن التعرض في الماضي للتمييز العنصري ليس مبررا لرفض الآخر بسبب جنسه بذرائع دينية. (...) { ماريان: يبدو من خلال الإنصات إليكما أنه ليس هناك قاسم مشترك بينكما، رغم أن مرجعيتكما معا هي الجمهورية! ما الذي تعنيه بالنسبة لكل واحد منكما هذه الكلمة؟ كلود أسكولوفيتش: نفس ما تعنيه بالنسبة لك! الحرية، المساواة، الأخوة، المساواة في الفرص، الأمن، الحياة المشتركة، وللجميع. أنا لا أدمج في إطارها ما نسميه العلمانية منذ سنوات، أو بالأحرى المعنى الذي أصبحت هذه الكلمة تحمله، أي المطاردة الاستحواذية للمظاهر الإسلامية والتركيز المرضي على أدنى حادث (لماذا نريد أن يدفع جميع المسلمين ومجموع المجتمع الفرنسي ثمن سلوك متطرف عامل في شركة المترو الباريسية؟). والفكرة الدائمة التي مفادها أن المسلمين الفرنسيين الطيبين هم الذين يذعنون للنموذج الثقافي السائد، أي المجبرين على الكذب حول أنفسهم أو التبرؤ من أبناء ديانتهم! سألتني حول «النزعة الهوياتية الجمهورية»... إنها هي هذه العلمانية بالذات. إن فرنسا، في إطار العالم المخلخل، ترتعب، تتيه، تنصت لكلام بليد، تعتقد أنه يمكنها تجاهل الأوضاع القائمة أو العودة إلى الأزمنة السالفة. لقد أصيبت فرنسا بالدوار، بثقب هوياتي أسود: نحن لم نعد نحن، وهو أمر لا يطاق... لقد تولدت «قضية مسلمي فرنسا» بمختلف تجلياتها من هذا الدوار ومن هذا الهلع. جانيت بوغراب: البورتريهات التي قدمتها في كتابك، بسذاجة مربكة، لمسلمين التقيتهم لا تخلو من نزعة حمولة فئوية! فكرتا الجمهورية والعلمانية ليستا حكرا على فرنسا. تذكر المظاهرات ضد الأسلمة الزاحفة في إسطنبول خلال شهر يونيو الماضي، تذكر أيضا النزهة المنظمة في منطقة القبائل بمناسبة شهر رمضان، وكذلك المعارضين التونسيين الذين يبعثون عبر تويتر صورا لهم وهم يحتسون الخمر. هناك تفاوت بين ما يحصل هنا في فرنسا وبين هذا التطلع للحرية لجزء من الشعوب العربية. وأستحضر على وجه الخصوص في هذا السياق مجموعة الراب «مغرب يونايتد» التي تعيش في رحم الاستيهام! والجميع يعلم أن المغاربة والجزائريين يتجاهلون بعضهم البعض في الضفة الأخرى للمتوسط. أضف إلى ذلك أنني خضعت لحماية الشرطة طيلة أربعة أشهر حين نشرت كتابي. أتعتقد أن هذا طبيعي؟ كلود أسكولوفيتش: لا! تعلمين أنني فقدت عملي لما دافعت عن المنتجات الحلال ضد مارين لوبين! هذا بالطبع أقل خطورة، لكنه أيضا أمر معيق وكاشف إلى حد ما. لقد كتبت كثيرا حول العنف والفاشيات التي تقول بانتمائها للإسلام، وكنت أول عارض طارق رمضان وهو ما أواصله في هذا الكتاب. لكن الإسلامي والمنحرف اللذان هدداك لا يبرران الإقدام على مسخ الجمهورية عبر حصرها في إطار محدد. يقال للفرنسيين إن الإسلام والمسلمين يهددونهم وينكرون ولا يعترفون بهم جملة وتفصيلا، فيصدق الناس هذه المزاعم. والحال أنه يتم القيام بمجزرة في حق هذا البلد عن طريق نفي واقعه الحقيقي... أنا متأسف جانيت، لكنه لا علاقة لنضالك بأي عملية تحررية. إنك تحملين، بكل تأكيد، الكثير من النوايا الحسنة ومشبعة بتاريخك الشخصي الذي هو جد جميل ومشروع. لكن هناك فرنسيون آخرون ليست لديهم نفس الاختيارات الفلسفية التي لديك أو لدي، وهم مسلمون ملتزمون، الأمر الذي لا يقلل من انتمائهم لفرنسا. ومع ذلك، فإنهم يتعرضون للتشكيك في انتمائهم الفرنسي، رغم أن وجودهم لا يهددنا بأي شكل من الأشكال.