قريبا، سيقسط محرم بالإتحاد الأروبي (طابو). إذ، مع قرار وزراء ماليةفرنسا، ألمانيا، إيطاليا وإسبانيا، تسريع النقاش حول فرض الضرائب أروبيا على مؤسسات الإنتاج، فتحت النار على الشركات متعددة الجنسيات العاملة في المجال الرقمي، بغاية حملها على تأدية الضرائب ضمن مجال اشتغالها. الأمر، لا يتعلق فقط، بالرباعي الأشهر (غوغل/ أمازون/ فايسبوك/ آبل)، بل إن الأمر عند الرأي العام، يشمل أيضا عمالقة المجال الرقمي، التي جسدت، خلال الأشهر الأخيرة، عنوان فضائح اختلاس لأموال ضخمة، من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، تلك. ولعل الجميع، لا يزال يذكر ذلك الحكم البليد، الذي أصدرته المحكمة الإدارية بباريس، الذي أسقط في شهر يوليوز الماضي، التعديل الضريبي الخاص بغوغل، الذي عليها تأديته، البالغ 1.115 مليار أورو، بدعوى أن محرك البحث ذاك، لا يتوفر على «مقر قار» بفرنسا. بالتالي، فإن مئات موظفيه، بالبلد، وكذا أرباحه، البالغة 1.75 مليار أورو، الواردة من روابط إعلانات، غير ذات قيمة، كما سجلت ذلك نقابة قواعد الأنترنيت، لأن تلك الأرباح تسجل في الواقع بإيرلندة حيث يقع المقر الأروبي لغوغل. إن البلدان السائرة في طريق النمو، سواء في إفريقيا أو بالعالم العربي، معنية أيضا بهذا النقاش. لأنها تسجل نموا مطردا للأنترنيت، أي للشركات الرقمية مثل غوغل، آمازون، فايسبوك وآبل. ما يجعل أمر اهتمامها بفرض الضرائب على هذا القطاع الرقمي، حيويا ومستعجلا. إن التلاعب المسجل من قبل كبار القطاع الرقمي، يرجع إلى طبيعة النظام الضريبي الحالي، الذي يجيز للمؤسسات التلاعب في محاسباتهم، من خلال تحويل أرباحهم صوب دول، تكون الضرائب فيها على الشركات ضعيفة، إن لم تكن منعدمة. فتفقد الدول، تلك، عشرات المليارات (من المداخيل الضريبية). مما يؤثر، فيها، على ميزانيات التعليم، الصحة، البنية التحتية والأمن. هكذا، أصبحت كل من إيرلندة، اللوكسمبورغ وهولندة المسارب الرئيسية للفساد من قبل الشركات المتعددة الجنسيات داخل الإتحاد الأروبي. إن ما تؤكده، هذه الفضيحة، هو مدى ضعف الإجراءات الضريبية الحالية، بأروبا وبالعالم. بالتالي، علينا وقف عملية تحديد الضريبة، على الشركات المتعددة الجنسيات تلك، من خلال فروعها، فرعا، فرعا، واعتبارها، عكس ذلك، مؤسسات موحدة، مثلما توصي بذلك اللجنة المستقلة لإصلاح الضريبة الدولية على الشركات (ICRICT). لقد انطلق العد التنازلي، إذن، ونحن في الطريق لربح المعركة الثقافية. فقد شرع البرلمان الأروبي، في مناقشة تحرير تقرير حول تسريبات «الجنات الضريبية لباناما»، الذي سيسمح بالذهاب بعيدا في إدانة وفضح كل أشكال الفساد، وإصدار توصيات قانونية وتنظيمية. لقد تبنى النواب الأروبيون، خلال شهر يوليوز الماضي، توصية للجنة الأروبية تلزم الشركات المتعددة الجنسيات بنشر كل المعلومات المرتبطة بأعمالهم، سنويا. مما سيسمح بالتأكد إن كانت تلك المؤسسات، خاضعة للضريبة بما يتساوق وحقيقتها في السوق وبالدول حيث تعمل. وحتى تصبح تلك التوصية ملزمة، على الدول الأعضاء أن تتوافق داخل المجلس (الأروبي)، بغاية عدم إضعاف قوة النص. وهو أمر يظهر أنه ليس يسيرا تحقيقه. الواقع، إن فرض الضرائب على الشركات، ليس مجرد أمر مالي ضريبي داخل الإتحاد الأروبي، بل إنه يعكس عطبا في شفافية المنافسة. مثلما، فضح ذلك، القرار التاريخي للجنة (الأروبية) سنة 2016، الذي أدان شركة «آبل» وفرض عليها أداء 13 مليار أورو بإيرلندة. لقد اعتبرت بروكسيل، أن العملاق الأمريكي قد استفاد من دعم مقنع. وحين دفعت بالنقاش، صوب مجال التنافسية، خطت اللجنة الأروبية، خطوة جبارة. لأنه، إذا كانت الإجراءات الضريبية تحوز الإجماع، بقلب الإتحاد، فإن الأغلبية البسيطة تكفي في ما يتعلق بقضايا التنافسية. قد يعتبر، ذلك، آلية مفيدة لتجاوز صعوبة الإجماع وشروطه، بغاية تنزيل الإصلاحات الضرورية، مثل اقتراح وعاء مشترك، صلب، للضريبة على الشركات (ACCIS). مثلما، تقترح بروكسيل، نصا قانونيا لحماية منصات التنبيه، التي بدونها، لا يمكن الوقوف (على) أو الكشف (عن) الفساد الضريبي. من حظ الإتحاد الأروبي اليوم، أنه يصنع التاريخ، من خلال فتحه باب النقاش عالميا حول فرض الضريبة على الشركات المتعددة الجنسيات، عكس الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي ترفض حكومتها الحالية الإنخراط في ذلك. إنه لأمر مستعجل، أن تلتحق إفريقيا ويلتحق العالم العربي، بهذا النقاش، بغاية ضمان حقوقهما ومداخيلهما الضريبية، التي تعتبر السند الأكبر لدعم مشاريعهما التنموية والرفع من مستوى عيش ساكنتهما. هامش: (*) السيدة «إيفا جولي»، نائبة أروبية فرنسية، عن مجموعة الخضر، من أصول نرويجية، حيث ولدت بالعاصمة أوسلو سنة 1943، وحصلت على الجنسية الفرنسية في العشرينات من عمرها. وهي قاضية في مجال المحاكم المالية بباريس، وتعتبر من كبار المتخصصين في مجال الرقابة المالية والضريبية بفرنسا وأروبا والعالم. اشتهرت في قضايا فساد مالي ضخمة بفرنسا، مثل ملف الفساد الذي تفجر في شركة البترول الفرنسية الشهيرة «إلف»، وكذا قضية رجل الأعمال المارسيلي الشهير «برنار ثابي». (**) هذا الرأي، خصت به السيدة «إيفا جولي» جريدتنا «الإتحاد الإشتراكي»، ضمن شبكة لدعم النقاش المطروح بقلب البرلمان الأروبي وبالإتحاد الأروبي، حول محاربة التهرب الضريبي لكبريات شركات الأنترنيت، بغاية تحفيز دولنا العربية والإفريقية (وضمنها المغرب)، للإنخراط ضمن نفس التوجه العالمي لمحاربة ذلك التهرب الضريبي بما يضمن مداخيل قيمة لدولنا، تساعد في مجال تحقيق التنمية.