قدر مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتعاون (الانكتاد) حجم الخسارة التي تكبدتها الدول النامية نتيجة التهرب الضريبي عبر تهريب أرباح الشركات المتعددة الجنسيات إلى الملادات الضريبية بنحو 100 مليار دولار. ولشارت المنظمة الدولية إلى أن الدول النامية تبدو عاجزة تماما أمام سطوة الأساليب التي تستعملها الشركات المتعددة الجنسية بسبب قلة حيلتها وعدم توفرها على الكفاءات والوسائل الفنية اللازمة لمواجهة الآليات المعقدة للتهرب الضريبي. ونبهت الانكتاد في تقريرها عن الاستثمار الدولي لسنة 2015 إلى التشابك الكبير بين السياسات الجبائية التي تنهجها الدول بهدف تحفيز الاستثمارات، واستراتيجيات الشركات متعددة الجنسيات لتتويج الوقع الضريبي على أرباحها وإيراداتها مستغلة انعدام الانسجام والتنسيق بين السياسات الجبائية لمختلف الدول، وبين التهرب الضريبي. وحذرت المنظمة الدولية من اتخاذ إجراءات على الصعيد العالمي ضد التهرب الضريبي دون أخذ السياسات الاستثمارية بعين الاعتبار، مشيرة إلى أن الملادات الضريبية أصبحت تشكل جزءا لا يتجزأ من البنية التحتية لتمويل الاستثمارات المباشرة عبر العالم وتلعب دورا أساسيا في حركية الرساميل. وأبرز التقرير أن 30 في المائة من تمويلات الاستثمارات المباشرة في العالم تأتي من هذه الملادات. غير أنه لاحظ أن مردودية الاستثمارات التي تأتي عن طريق الملادات الضريبية تكون أقل بشكل ملحوظ من الاستثمارات القادمة مباشرة من البلدان الأصلية للشركات. ويتضح من التقرير أن الشركات متعددة الجنسية لا تكتفي بنقل أرباحها العادية إلى هذه الملادات لوضعها في منأى عن الضرائب، وإنما تنقل أيضا جزءا مهما من مردودية هذه الاستثمارات التي كان يجب أن تعود للبلد المضيف عن طريق التلاعب في الحسابات والفواتير بين مختلف فروعها. ويتزامن تقرير الانكتاد مع نقاش عالمي حامي الوطيس حول التهرب الضريبي والملادات الضريبية. فما أن كادت تبرد حرارة "لوكس ليكس" التي عرت حجم التهرب الضريبي في اللوكسومبرغ، حتى سقطت "أوراق باناما" لتعيد النقاش إلى نقطة الصفر. وبيد أن بلدان العالم الثالث هي الأكثر تضررا من التهرب الضريبي للشركات المتعددة الجنسية، إلا أن الآفة عالمية ولم يسلم منها أي بلد. فلا شغل للمحاسبين والمستشارين الجبائيين للشركات عابرة الحدود والجنسيات سوى التخطيط اليومي لتقليص الضغط الجبائي على إيراداتها من خلال استعمال أدوات ووسائل جد معقدة، وتنقيل الأموال عبر مسارات ملتوية باستعمال عمليات تمويهية بين فروعها. وكشفت انكتاد في تقرير سابق حجم هذه العمليات التمويهية، وأثرها على إحصائيات الاستثمارات الخارجية. ففي جزر موريس مثلا مثلت هذه العمليات التمويهية 99 في المائة من التدفقات المالية الخارجية التي دخلت حدود البلد، ولم تتجاوز نسبة الاستثمارات الحقيقية 1 في المائة. نفس الشيء في لوكسمبرغ حيث مثلت التدفقات التمويهية بغرض التهرب الضريبي 95 في المائة من التدفقات المالية الخارجية، ومثلت 80 في المائة بالنسبة لهولندا، حسب تقرير انكتاد حول الاستثمار الدولي لسنة 2014. وحسب دراسة لمكتب الأبحاث الأمريكي (Audit Analytics) فإن الشركات الأمريكية الألف الأوائل يمتلكن نحو 2120 مليار دولار في الملادات الجبائية خارج الولاياتالمتحدة. وتتصدر هذه الشركات جنرال إليكتريك بنحو 110 مليار دولار، ومايكروسوفت بنحو 77 مليار دولار، وفايزر للصناعات الصيدلية بنحو 70 مليار دولار، وآبل 54 مليار دولار، وأي بي إن 52 مليار دولار. ويعزو المحللون هذا الوضع إلى خصوصية النظام الضريبي الأمريكي الذي يفرض ضريبة على أرباح الشركات بنسبة 35 في المائة عندما تكون داخل نطاق تخصصه الترابي، ويؤجل تحصيلها ما دامت خارج حدود البلاد. وبالتالي تفضل الشركات الأمريكية العابرة للحدود تحويل أرباحها إلى الملادات الضريبية في انتظار إعادة استثمارها. وتشير التقارير أن الأمر لا يتعلق فقط بالأرباح التي تنتجها الشركات الأمريكية عبر نشاطاتها في الخارج، ولكن أيضا تلك التي تجنيها داخل أمريكا نفسها، والتي تنقلها إلى ملادات آمنة عبر فواتير وهمية بين فروعها في الداخل والخارج. وغالبا ما تكون هذه التحويلات مجرد تسجيلات محاسبية في الملادات الضريبية فيما تبقى الأموال في البنوك الأمريكية وتساهم في تمويل الاقتصاد الأمريكي.