قال تعالى: (يريد لله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر..) قال النبي (ص) «ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى» أخرجه الحاكم الاضحية سنة مؤكدة للقادر عليها..» واختلف العلماء في حكمها على قولين.. الاول: الجمهور قالوا إنها سنة مؤكدة، أى لا إثم فى تركها. الثاني: أحمد والأوزاعي والليث ومذهب أبي حنيفة أنها واجبة، وهو من إحدى الروايتين عن أحمد.» قال مالك: «الضحية سنة وليست بواجبة، ولا أحب لأحد ممن قوي على ثمنها أن يتركها». (الموطأ) والمقصود بها التقرب إلى لله وشكره على نعمة الحياة والخيرات التي جعل الارض تزخر بها مما علمنا وما لم نعلم.. ومخلوقات لله الحية المكلفة وغير المكلفة أي الانسان والحيوانات والحشرات ..مفطورة وتتعلم بعض معاني التضحية التي تلائم ادراكها وفهما وحاجتها للاستمرار.. فالتضحية والإيثار مترافقان بشكل دائم مع ضرورة تحقق المعرفة التي تعطي الفهم المطلوب إنسانيا وروحيا لهما عقلا وشرعا وايمانا.. إن ابشع درجات التضحية عند بعض الشعوب والقبائل القديمة هي التضحية بالانسان كذبيحة تقربا وتعبدا وجلبا للخير والبركة ودفعا للبلاء .. إن الحديث عن الأضحية والتضحية في العالم الاسلامي في علاقتها بالإوضاع الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية للغالبية العظمى من الناس يجعلنا نقف أمام التضحيات العديدة والكبيرة للمواطنين والمواطنات بالعديد من مكتسباتهم بفعل سياسات وقرارات وأوضاع ليسوا مسؤولين عنها ..والتي همت جملة من الحاجيات و الضروريات التي كانت في المتناول وذلك بسبب غلاء الأسعار وضعف الدخل الفردي وهشاشة منظومة العدالة الاجتماعية وآلية المساواة… فبعد أن ضحى بالجودة في كل شيئ من أجل البحث عن الرخيص من خضر وملابس وسلع وبضائع وسكن غير لائق ..الخ.، ساهمت أيضا عدة مناسبات منها الديني والاجتماعي في الإجهاز على ما تبقى من القدرات وجعلت المواطن المعني تائها بين الفعل الذي يعتقد أنه لامفر له منه، والترك الذي لاسلطة له لاتخاذه منفردا ..فمن متطلبات العطل، إلى الدخول المدرسي، إلى شهر رمضان فعيد الفطر ثم عيد الاضحى والتي تجتمع أحيانا في زمن يمتد لاربعة اشهر وتتوزع أحيانا على فصول من السنة بسبب حركة وجولان الأشهر القمرية على كل فصول السنة الشمسية .. فالمواطنون والمواطنات الكادحون والكادحات ضحوا بالغضب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في مواجهة عالم السياسة وامتداداتها الترابية ونتائجها وعوضوه بالضحك والإبتسام والحمد والشكر والصبر والتحمل الكبير ..بل وضحوا بما كان حقا لهم ماديا أو معنويا مكتسبا أو موروثا لعدم قدرتهم على مواجهة من سلبه منهم وضيع حقوقهم لاسباب عدة يعلمها الجميع منها الخوف من المجهول وضياع كل شيئ ..وهذا لايعني الخضوع والإستسلام بقدر ما يعني العزوف والمقاطعة وتصريف عدم الإعتراف وتجاهل ما يحصل لعل أولي الأمر يدركون أنهم خارج اهتمام ورضى الشعب وانه لامفر من الاصلاح الشامل الذي تعود نتائجه بالخير والبركة على الشعب… إن كل أنواع الهجرة داخل الوطن من منطقة إلى أخرى وخارجه تجاه كل بلدان العالم شكل من أشكال التضحية التي سجل التاريخ الاسلامي منها هجرة أصحاب النبي إلى الحبشة وهجرته والمسلمين والمسلمات الأوائل إلى يثرب… وهناك أنواع من التضحية تمتد تأثيراتها وانعكاساتها السلبية لأشهر تنهك وتضعف قوت الأسر التي ترهن نفسها في الاقتراض من أجل إقامة شعيرة لاترقى إلى قوة ومكانة الركن، وقد تكون مصيبتهم أعظم إن كانوا من المتعصبين لذيح كبش أقرن أملح إما تقربا الى لله وتعظيما لشعائره وإما للتباهى أو هما معا.. إن الواجب هو «ما أمَرَ به الشارع على وجه الإلزام»؛وهو إما معين كالصلاة والصوم، وإما جاء على التخيير كبعض الكفارات ، وإما كفائي إذا قام به البعض سقط عن الباقين وإذا لم يقم به أحد أثم الجميع، و إما مطلق غير محدد بزمن ولا مكان، او مقيد بزمن للقيام به، وهناك غير المحدد مثل الاحسان.. والواجب يرتبط موضوعيا بالاستطاعة والقدرة وقد يتغير حكمه بسبب الاهلية والتكليف او مرض مزمن ودائم في علاقة مع الصيام مثلا. او فقر بعد غنى فيما يخص الزكاة ..الخ والمنذوب «ما أمَر به الشارع لا على وجه الإلزام»؛ كالسُّنَن الرواتب. إن المطلوب منا عقلا وشرعا هو أن نعظم حياة وكرامة الناس أولا وأخيرا ..لأنهم خلقوا ليعمروا الارض بالإستخلاف فيها والقيام بكل ما ينميهم ويطورهم ويؤهلهم لأداء رسالتهم الحقة التي لا عبودية فيها ولا استغلال ولا استعباد ولا ابتزاز ولاتحقير ..أي ترك الشرور والمنكرات وفعل الخيرات والصالحات وهذا مقصد مادي جوهري للتقوى ..وحتى قوله تعالى «وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون» تتكامل مع قوله تعالى «لا إكراه في الدين» و«وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» إن المفهوم الاجتماعي والنفسي والتربوي للأعياد الدينية وغيرها هو إقرار وانخراط جماعي في مناسبات عامة يسعد بها الجميع ويشترك في إحيائها وطقوسها وعاداتها وتقاليدها كل الناس تراحما وتعاونا وتحابا وتآخيا، ويفترض أن لايحصل فيها تمايز أو تصنيف أو تفاخر وتبجح يقتل الاحسان والتكافل ويسيئ للاخرين.. إن العيد في الإسلام هو مظهر من مظاهر الإعتزاز بالقيم الإنسانية ومكارم الاخلاق الأصيلة والقيم التي أضافها الإسلام من اجل سمو أخلاق الاخوة بكل ما تحمل من معاني ، وليس لتكريس الفقر والتسول والمضاربات والإبتزاز والطبقية المقيتة .. وليس بتعميم الفهم الضيق والمتعصب لآراء ووجهات نظر تسمى تعسفا «فتوى» أو «اجتهادا» او «موعظة «لاشك أنها تسيئ لحقيقة الشريعة والحكمة منها ..وتتعسف عى الاحساس والوعي العام الذي يجر إلى متاهات خلافية معطلة لكل شيئ فيه خير للناس وفاتحة لكل ما فيه إثارة للفتن والاضطرابات وعدم الاستقرار والاقتتال، ولاحاجة لنا في إعطاء أمثلة من هنا وهناك في زمننا هذا وقبله إلى عمق تاريخ الرسالات والرسل والانبياء.. إن حقيقة التربية على روح الحياة ومرتكزات استمرارها بكرامة في إطار من التوازن الذي لا يوصي يالاغراق في التشاؤم والتزمت والانغلاق، ولا الدعوة للميوعة والاستهتار واللامسؤولية ..وان جوهر الاجتهاد والتشريع هو التنظيم الأ فضل والأيسر لأمور الناس وجعله خادما للمصلحة المتجددة والمتغيرة فأينما كانت المصلحة فتم شرع الله وتشريع البشرية.. فأن يركز الاعلام على فرح الناس في عيد الاضحى وعيد الفطر على سبيل المثال لايعني ان هناك فرحا كاملا وحقيقيا ، ولتكتمل الصورة فليسأل الناس طوال أيام السنة عن أحوالهم وأوضاعهم وطبيعة فرحهم والفرح الحقيقي الذي يتمنوه لأنفسهم في الأعياد وغيرها.. إن سياسات السوق والإقتصاد وبعض التقاليد الغريبة الموروثة إبتدعت ووضعت «واجبات» و«سننا» و«محرمات» خاصة بها تتحكم وتؤثر بشكل كبير في أحوال المستقبلين للمناسبة الدينية او الاجتماعية ، وتؤطر الأسواق والفضاءات ، كما تضع طقوسا مجحفة ومتخلفة عن روح العصر والتحديث والتجديد الإيجابي المطور للوعي والتنظيم الاجتماعي تواكب المناسبة استعدادا واحياء… إن الجهد الذي يبذل للعيد كبير ومتعب ..فمن الإلتجاء إلى مؤسسات الإقتراض أيا كانت صفتها أو إسمها، أو من الناس والباعة للإقتناء على أقساط قد تمتد لسنة ..إلى بائع لبعض أغراضه المنزلية أو رهن بعض ممتلكاته ..إلى ملتمس للدعم لإستكمال الثمن ..إلى مستغل لفقر الناس بإسم الدين ولاغراض سياسوية لتمول من طرف البعض عمليات شراء عشرات أو مئات آو آلاف الاضاحي لتوزع على الناس..؟؟ إن السياسات غير الرشيدة والبعيدة عن الحكامة تنتج الفقر.. وتجليات الفقر من البطالة الكاملة والمقنعة والعمل غير المستمر والعرضي إلى طبيعة ومستوى الأجور ثم حالة السكن، وآثار التهميش والهشاشة .. فاسباب الفقر الهيكلية التي تؤدي أحيانا إلى اختلالات وظواهر إجتماعية سلبية مختلفة الأضرار ومتعددة المخاطر ومنفلتة ..وإذا أضفنا إليها الفقر المعرفي بحقيقة الدين وفلسفة التشريع فلا شك أن الامر استفحل وتعقد وعظم .. ويظهر من خلال قراءة واقعنا أن المكلفين أخلاقيا وثقافيا من علماء ومثقفين وساسة بإرشاد الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى ، ومن الظلامية إلى التنويرية والتقدمية قد وجدوا صعوبة أو لم تعد لهم القدرة على اقناع الناس بأن الواجب والفرض والتكليف أحيانا يسقط ويعطل إذا تعذر القيام به أو ينتج عنه ضرر أو هلاك ..مثل صيام المريض لرمضان ..والحج للذي يعاني فقرا أو لغياب الأمن ..وإخراج الزكاة لمن أصابه فقر بعد غنى ..هذا فيما يخص الاركان فكيف ببعض السنن ..؟ وكذلك هو الشأن في السياسات العمومية والتشريعات الوضعية التي تصبح سببا في تعطيل وعرقلة المصالح الخاصة في تكامل مع المصالح العامة ..او تكون لها علاقة مباشرة او غير مباشرة فيما يعانيهويشتكي منه ويتخبط فيه الفقراء والمساكين وكل ذوي الدخل المحدود ..وحتى الاغنياء.. …فعندما يكون الجميع معنيا فإنهم مدعوون لإعادة قراءة ذواتهم وأنفسهم وسياساتهم ومناهج عملهم وإخضاعها للنقد والتأهيل والإصلاح والتقوية حتى تكون في مستوى الحدث واللحظة والمهام والإنتظارات وفق الإستطاعة بطبيعة الحال… ..إن الدراسات الإقتصادية والإجتماعية والإحصائيات الرسمية المتوفرة للجميع والتي تكشف مستويات الفقر والهشاشة وعمق الأزمة وحتى أسبابها تمكن كل مسؤول أو مطلع أن يعرف ويلمس ويحس بأسباب ونتائج وحياة الفقر والبطالة ومسببات الفتنة، فإن تعطلنا او تلكأنا او تجنبنا القيام بالتغيير والإصلاح الممكن للمعالجة والوقاية من الاسوأ فذلك تهور وانتحار وأنانية مفرطة لحد العدمية وإختلال ما بعده إختلال في الأخلاق والعزائم والسياسات.. …إن الطبقة العاملة وفئات هامة من الشغيلة والكادحين يضحون طوال أيام السنة بزبدة حياتهم المهنية حيث يتقاضون أجرة محدودة إلى ضعيفة ..كما أنهم يضحون بالوقت الذي يستغرق منه العمل أحيانا أكثر من 10 ساعات وزيادة ..كما يضحون بالعديد من الضروريات لمصلحة الأسرة لتحقيق بعض التوازن الشكلي والوهمي .. كما يضحون بالراحة اللازمة والسكن الملائم …كل هذا وهم يساءلون ويحاسبون ومعرضون لفقدان الشغل ، وقد يرهنون بعقود وإتفاقيات اذعانية قد تشعرهم بالدونية وقد ترهن وتضيع إستقرارهم.. ..إن التضحية المطلوبة عقلا وشرعا هي بأفق وعلى قاعدة إغناء الفقراء والطبقات الوسطى حتى يخرجوا من دائرة الفقر والخصاص والأزمات المالية والإجتماعية ويصبحوا حلقة أساسية في التنمية والعطاء والانتاج ..وهذا لن يتم إلا بعدالة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي يفترض أن تقدمها الحكومات وتجعلها واقعا حقيقيا تتجلى آثاره في أوضاع الناس ومعاشهم وتعليمهم وسكنهم وصحتهم ..كما أن الاثرياء والاغنياء مسؤولون كذلك .. ..إن إقرار شراكة للتضحيات بالتناسب مع مستويات العيش والدخل والثروة ستعود بالخير والنفع على الجميع وستساهم في تحريك عجلة التنمية بتنشيط القدرة الشرائية لعامة الناس التي تعود بشكل او بآخر بالفضل للممتلكين لوسائل الانتاج والدولة في اطار الدورة الحكيمة للاقتصاد.. إن للتضحية تجليات وصيغ متعددة يقدم عليها العديد من الناس من أجل تحقيق أهداف ومقاصد معنوية وروحية وأحيانا مادية أعلاها التضحية بالنفس، والتي لا تختص بها أمة دون أخرى أو دين دون آخر، إنها ثقافة مشتركة وتفسير وفهم يتأرجح بين الإتفاق والإختلاف بين كل الامم بتنوعهم الفكري والعقدي ..فكل المضحين بأرواحهم بالعالم عبر التاريخ للدفاع عن الحرية والعدالة والإستقلال في مواجهة الطغيان والظلم لهم مكانة ورمزية كبيرة لايمكن لأي كان أن يتجاهلها، ولن يفلح كل المسيئين والمتاولين الكذبة والمتعسفين عبر التاريخ في الحط من قيمتهم ، وفي بلادنا شهداء وشهيدات رووا بدمائهم كل بقاع الوطن شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ووسطا من أجل إستقلالنا وحريتنا وكرامتنا وتقدمنا وازدهارنا ..فالذين لايحترمون خيرة أبناء الوطن من شهداء وأبطال عظام «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا «ويسعون إلى محوهم من الذاكرة المعاصرة أو المستقبلية يقدمون على فعل يعتبر أخس وأبشع سلوك حيث «التضحية» فيه بالتاريخ المشرق والأبطال الأعلام وأساتذة المعارف والعلوم والأخلاق والإيثار في مقابل تعميم التجهيل والخرافات والتضليل والتضبيع وصنع بشر كفزاعات من ورق مهترئ كبدائل لاخير فيها… قال تعالى: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا لله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) سورة العنكبوت وقال تعالى: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» سورة الحشر. قال صلى لله عليه وسلم «لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه البخاري ومسلم.