الحكامة هي حسن ممارسة السلطة السياسية ، و جودة إدارة كل شؤون المجتمع تخطيطا وتدبيرا وإصلاحا وتغييرا وتطويرا من أجل شفافية تشمل كل المؤسسات في إطار ديموقراطي وحقوقي ومعرفي اجتهادي، ومن أجل تنمية متقدمة مستدامة تحقق التوازن والعدالة الاجتماعية والاقتصادية … إنها المنهجية المعتمدة في إدارة الحكم وتصريف كلياته وتفاصيله سواء تعلق الأمر بمؤسسات الدولة ، و بمختلف القيادات السياسية المنتخبة و الإدارية .. أو تعلق بوضع البرامج والخطط المرحلية والمتوسطة والبعيدة المدى للدولة والقطاعات العامة وشبه العامة والخاصة في علاقتها بالتوازنات الاقتصادية والاجتماعية والمالية ، وهي تجليات لمستويات الوعي والإدراك والاختيار والإرادة، ولطبيعة التصرفات عند الأفراد والتجمعات والجماعات ، فبها تعرف درجات الفهم ، والقدرة على فعل واعتماد الجودة في كل شيء، من التفكير إلى التنظير ثم التنزيل ، وهي القدرة على ضبط النفس أثناء الفعل ورد الفعل وحسن إدارة ومعالجة التطور والأزمة .. إن الحديث عن الإصلاح والتغيير يجب أن يكون برؤية شمولية ، مع الابتعاد عن كل ما فيه تسطيح لفلسفة الحكامة في كلياتها وجزئياتها، وتجنب كل ما فيه تعامل مع معطيات أووقائع أوأحداث بغرض تعليل وضبط وتوجيه ما حصل ويحصل أو يفترض وقوعه برؤية ومبادرة استباقية مستعجلة تتسبب في انزياح عن الجوهر وتوغل في بعض هوامشه التي لاتشكل الحقيقة الموضوعية للأمر المعروض .. إن الواقع لايستقيم ولا ينصلح ولا يتقوى بتداعي المهتمين والمتفاعلين دون علم بإطلاق كلام وتصريحات هنا وهناك مغرقة في العدمية والحقد المبيت ، و النميمة الإعلامية والسياسوية، وأساليب التضليل والتجهيل حتى يحصل إشباع وملل من الموضوع فيترك لأنه يصبح مبتذلا ، ليتوجه أويوجه الرأي العام إلى موضوعات أخرى قد تبتعد عن طرق المعالجة وتجر إلى مسارات كلها ترقيع جزئي يتسبب في نخر الأسس التي تقوم عليها المصداقية ، وتؤدي إلى إتلاف مكانة وأهمية الحكامة في القلوب والعقول والأفعال ..ليحل محلها الشك الذي لايقطع إلا بيقين تام مستدام .. إن الإشكال ليس في طي صفحة أو ملف أو حقبة ..بل في أن تكون الحكامة حاضرة عند التعامل والدراسة والبحث واقتراح الحلول ووضع مخططات عمل تهم كل قضايا الوطن والمواطنين في ارتباط علمي حكيم بين الماضي والحاضر والمستقبل القريب والبعيد .. إن معرفة أحوال الناس وطباعهم وقدراتهم نضجا وتشبعا بالقيم الوطنية والدينية والكونية وتمسكا بالثقافات المحلية شرط لجعل من يتواجد في مراكز المسؤولية يدرك بوعي متبصر أنه أمام شعب هو مصدر للسلطات ..ومنه يستمد الدستور قوته ، وبه ومعه ومنه تبنى المؤسسات ، ولمصلحته توضع الاختيارات المرحلية والاستراتيجية ، ومن أجله يجب أن يعمل الجميع بجودة تهم كل البرامج والأوراش .. وليس لأي مسؤول سياسي أو إداري في تعامله مع الناس ..أن يوهمهم بأنه ما خلق إلا ليكون قائدا وزعيما ومنتخبا. بأن يستغل ضعف معارفهم وسطحيتها أو جهلهم وأميتهم ، ويعمد إلى توجيههم باسم الدين أو المال أو النفوذ والمصالح ، فيسلبهم إرادتهم وحريتهم وكرامتهم ..ويجعلهم تابعين وخاضعين لمن هب ودب من المتطفلين على السياسة والمجتمع المدني وتسرب البعض إلى المؤسسات المنتخبة ترابيا ووطنيا .. ومن هنا نطرح أهمية الاستفادة من الدراسات والإحصائيات التي تقوم بها وتصدرها مؤسسات الدولة والمؤسسات المتخصصة عالميا ..ونكتفي بالإشارة إلى مستوى الأمية والجهل المعرفي من جهة ومستوى الفقر واللاتوازن الاقتصادي والتنموي بين القرى وبين المدن وبين الجماعات والأقاليم والجهات والقطاعات ..ولنا أن نتساءل جميعا عن : *ما الذي وضعناه في إطار المسؤولية والحكامة لجعل الناس متحررين من الأمية والجهل بجميع أنواعهما ، ومن الفقر بجميع تجلياته ..؟ ..إن معايير الحكامة حسب المؤسسات الدولية والوطنية يجب أن ترتكز و تتجلى بشكل واضح في ..دولة القانون / وإدارة القطاع العام وشبه العام و الخاص /وفعالية الحكومة/ و الرؤية الاستراتيجية/ والتشبع بمبادئ الديموقراطية / والاستقرار السياسي /ونوعية التنظيم الاقتصادي والاجتماعي /و الجودة في الإنتاج والعمل والخدمات /وجودة تدبير الموارد البشرية /والشفافية /وحسن الاستجابة / والتوافق / و التشارك / والشراكة /والسيطرة على الفساد/والمحاسبة /..والإدارة الترابية …الخ ومن هنا خص الدستور المغربي من الفصل 154 إلى الفصل 171 للحكامة الجيدة.. ، كما حدد مؤسسات وهيئات : حماية الحقوق والحريات والنهوض بها ..والحكامة الجيدة والتقنين .. والنهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية. إن قراءة الدساتير والتعديلات التي اعتمدت بالمغرب من أول دستور بعد استقلال المغرب إلى دستور2011. . ..وإن قراءة أول ظهير ينظم مالية الجماعات الترابية بعد الاستقلال، حيث كانت سيطرة شبه مطلقة للسلطات المحلية على حساب المجالس الجماعية ورؤسائها تعلق الأمر بالاختصاصات أو التسيير أو الوصاية ..وصولا للقانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات..ورقم 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم، ورقم 113.14 المتعلق بالجماعات ..مع قراءة للتعديلات التي طالت القوانين ذات الصلة بإدارة الشؤون الترابية ماليا وعمرانيا وتنظيميا وكذا على مستوى المساطر والإجراءات.. تجعلنا أمام زمن امتد من 1956 إلى 2017 . – أي ما يناهز 60 سنة – تغيرت فيها التشريعات بشكل متدرج ، كما شهدت بموازاة مع ذلك توافقات واختلافات بعد صراعات وأزمات وسنوات جمر ورصاص ..ثم لتتم مصالحات وتطوى صفحات .. مما أبطا عملية البناء والتغيير والإصلاح وعلى رأسها ملف الديموقراطية التي تتم جرعة جرعة بما يتلاءم وتدبير التوازنات والضوابط التي وضعت كمرجعية لبناء الدولة المغربية لمرحلة ما بعد الاستعمار في علاقة ذلك بالصراعات الداخلية بين الدولة وجزء هام من النخبة السياسية الوطنية المعارضة ( الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ..) حول طبيعة وشكل الدولة التي ستبنى، وتأثير التجاذبات العالمية بمعسكريها الكبيرين الشرقي والغربي الطامحين للتحكم والنفوذ والصراع الفكري والايديولوجي.. إن هذا التدافع غير المتوازن عقد وصعب التعامل مع العديد من الملفات والبرامج الإصلاحية التي طرحتها الأحزاب الوطنية والتقدمية وبالمعارضة ، أو التي طرحتها الدولة كبدائل والتي لم تكن متجاوبة ولا في مستوى تطلعات الداعين لبناء دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات أثناء وبعد التنفيذ ، كما أن التوجس وضعف الثقة بين الأطراف ووجود لوبيات قوية تشتغل على تعميق الخلاف واختلاق المؤامرات والتفنن في صنع المكائد والمواجهات عطل بشكل كبير زمن التغيير .. وبالقراءة العادية سنجد أن العديد من النصوص والمواد كانت تقنن وترهن وتبطئ فعالية القرارات المحلية والقطاعية الترابية بمساطر تستغرق وقتا مهما بسبب الوصاية والاختلاف في الفهم والتأويل والتصور والإرادات بين الإدارات المركزية والمسؤولين المحليين والإقليميين ، كما تتكشف بين الفينة والأخرى إشكالات وحتى اختلالات قد تكون غير متوقعة في المساطر والآليات وحتى مجموعة من المواد القانونية مما يضطر معها المشرع إلى وضع بدائل قانونية ومسطرية وأحيانا الالتجاء إلى المذكرات لتعطي تأويلا لنص كان غامضا لدرجة التعارض مع القصد من وضعه أو كانت غير مقبولة وفي حكم الممنوع وقد تترتب عليها آثار قانونية .. إن خطب وتوجيهات المؤسسات تدعو إلى الجودة والمرونة والتيسير والسرعة في الأداء والإنجاز ، شيء جميل ، هذا من جهة .. ومن جهة أخرى .. نجد عدة نصوص قانونية ومساطر وواقع التعامل والتكامل بين المؤسسات في إطار شراكات واتفاقيات وبرامج عمل موحدة ، تجعل الخطاب لايجد طريقه بسهولة أو يتعذر تنزيله في الواقع مما يترتب عنه هدر وسوء تدبير للزمن ، ويصعب الوصول إلى الأمثل بين المؤسسات المشتركة في مشاريع معينة أو برامج متعددة الأطراف كما هو الحال في برامج التأهيل وسياسات المدن والتنمية البشرية ، حيث تختلف آليات إدارة كل قطاع عن الآخر في علاقة ذلك بالاختصاص وحدود التدخل ومن هو صاحب المشروع الفعلي والآمر بالصرف ، وتتفرق المسؤولية على الجميع مما يعقد المساءلة والمحاسبة العادلتين .. إن الحديث عن الإصلاح والتنمية الشاملة يرتكز على عدة أعمدة منها «التحليل الملموس للواقع الملموس « ، أو على المعرفة العلمية والإحصائية للموارد والإمكانيات والقدرات والكفاءات التي نتوفر عليها ، حتى تكون البرمجة والتخطيط واقعيين وقابلين للتطبيق وفق الزمن المفترض للعمل ، وأن يمتلك المواطن المعلومات الكاملة التي تهم الإمكانيات المحلية الحقيقية والمساهمات الممكنة للدولة بقطاعاتها ، وما يمكن عمله وما يتعذر ويصعب تحقيقه ، وما يتطلبه إنجازه من زمن على المدى القصير أو المتوسط والبعيد ، مع معرفة واضحة بالأولويات والضروريات .. …إن الفشل والنجاح مرتبطان بالنتائج ، و بآليات العمل ، والإمكانيات والموارد المرصودة ، ونسبة العمل المبرمج والمنجز في علاقة بحجم الخصاص ، وحجم الإكراهات الموضوعية المعطلة للمبادرات وللأشغال التي تتسبب في الفشل أو التأخر، بغض النظر عن من أسندت إليه المسؤولية إداريا أو انتخابيا ، ومستوى علمه أو خبرته ، وفوق ذلك احتساب التأثيرات السلبية لمحدودية آثار العمل في علاقة بحجم تطور المتطلبات والخصاص عند الناس كما عند المسؤولين … إن قياس سرعتنا لا يكون إلا بوجود معيار يجعلنا ندرك ونعي حقيقة حركتنا الايجابية أمام حركة وتطور حاجيات الناس وضرورات العيش التي تتعرض للانتقاد وأحيانا التبخيس أو التشكك بعلة البطء وضعف الحكامة ، وحتى النجاحات التي يمكن أن تظهر في بعض القطاعات أو المؤسسات التي لاشك تتأثر إيجابا وسلبا مع الزمن بالمستوى العام للحالة الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وحقيقة مستوى عيش الناس ، والسياسات والتوجهات الاقتصادية للدول الكبرى والمنظمات الدولية .. إن الأمر يتطلب إعداد دراسة جدية تقف على أسباب التعثرات والإخفاقات وهدر الزمن بالتشريعات والمؤسسات والأشخاص ويتطلب من باب « اطلبوا العلم ولو في الصين «إجراء دراسات مقارنة موضوعية وعلمية مع دول كانت في وضعيتنا منذ 60 سنة وأصبحت اليوم في وضعية جد متقدمة للاستفادة من تجارب وإطلاق تجربة قوية غير متعثرة يصح أن يطلق عليها ثورة التغيير والإصلاح والعدالة الاجتماعية والاقتصادية .. … إن من القضايا المطروحة التي تتعلق بضرورة المحافظة على الدور الهام والمحوري للقطاع العام وأطره وكفاءاته وموارده البشرية مجتمعة ، يتطلب التوقف عن البرامج التجريبية الضعيفة الأمد التي تصبح متجاوزة وتأثيراتها السلبية تظهر بسرعة لتخلف أضرارا متشعبة …كما يطلب وضع دفتر تحملات علمي استراتيجي في منظومته وتوجهاته مرن للقيام بالمراجعات في وقتها المناسب للتوجه نحو الأفضل ..كما يتطلب ضرورة خلق تحفيزات ، ومنح بدل اجتهاد وتضحية وعطاء كما هو معمول به في بعض المؤسسات شبه عمومية .. إن التعامل بطرق مشجعة لتكريس وحماية الجودة والحكامة ، ونجاعة التقدير المعنوي والمادي للتضحيات في علاقة بالموظفين العموميين باعتبارهم رافعة حقيقية لمؤسسات الدولة من جيش ومختلف منظومات الأمن والتعليم بكل مستوياته والصحة والجماعات الترابية والمصالح الخارجية للقطاعات الحكومية … يقتضي أيضا تكوينا وتأهيلا مستداما يعتبر جزءا من العمل ، إنه بلغة العصر التنمية البشرية التي تترجم القرارات والخطب والتوجيهات إلى أفعال وتصرفات ناطقة تحظى برضا المرتفقين … إن من الحكمة والحكامة اليقظة والانتباه والتوقع لتجنب افتراض حصول ضعف أو فشل في جميع المجالات .. كما يستوجب التعامل مع الإدارة بكل أنواعها بالقطاع العام والشبه العمومي والقطاع الخاص كآلية ضرورية في حاجة دائما للتجديد وتقوية آلية التواصل والتأهيل والتطوير والدعم إضافة إلى المراقبة والتوجيه المواكب والبعدي لضمان تكامل مع المواطنين والمرتفقين ….إن منظومة العمل الإداري وطرق تدبير الزمن العام وزمن المواطنين مع المرافق العامة وشبه عامة والخاصة يطرح أكثر من إشكال ، مما يجعل العمل ببعض الوظائف بمؤسسة ما محدودا ومناسباتيا إلا أنه ضروري ولا يمكن الاستغناء عنه ، وبعضها يكون العمل بها يوميا ويتزايد ضغطه وإرهاقه واكراهاته للشغيلة مما قد يؤثر سلبا على المردودية ..كما أن بعض القطاعات يمتد عملها إلى خارج أوقات العمل وبالبيوت من إعداد بحوث ومراجعات وتطوير وتحيين للمعارف وتحضير وتصحيح ، وقد يستغرق حتى العطل الأسبوعية والدورية بقطاع التعليم مثلا … و تطرح هنا الحاجيات الفعلية للإدارات .. ومستوىات تأهيلها ، ليس داخل إدارة بذاتها فقط ، بل بين الجماعات الترابية المحلية والإقليمية والجهوية ووزارة الداخلية من جهة ..وبينها وبين كل الوزارات المتقاطعة بشكل أوتوماتيكي من جهة أخرى ، بين المؤسسات المنتخبة مهنيا وخدماتيا «الغرف « …ومثلا بين الجماعات وإدارة الضرائب والمراقبة المالية ومصادر التمويل المفترضة بالداخل وحتى من الخارج …هذا على اعتبار أن المنتخبين هم من يتحمل وزر مشاكل الناس مع بعض الإدارات مما يصبحون معه لمن استطاع إلى ذلك سبيلا وسيط خير أو مصلحة للتدخل هنا وهناك ..وهذا الأمر يجب إجلاء الغبار عنه لأن آثارا أخرى تنتج عنه تضعف دور النقابات .. ..إن جودة الخدمات تطرح إشكاليات مهمة جدا تتعلق بالموارد المالية لغالبية الجماعات الترابية والقطاعات منها : ما هي قدرة عطاء الجماعات الترابية انطلاقا من ميزانيتها وطاقات تفعيلها، ومستوى الاقتراض وسداد الدين، ومستوى تدخل الدولة في التأهيل والتطوير ليس فقط على مستوى البنيات التحتية بل الاستثمار وإرساء قواعد التوزيع العادل للثروات والخيرات والإمكانيات بما يخلق حكامة فعلية تطلق التطور والمردودية، وتقرب بين المناطق وتحد من الفوارق بين الجماعات والأقاليم والجهات على مستوى جميع القطاعات والخدمات …؟؟ ألا تحتاج المكاتب الجهوية للاستثمار إلى تقوية آلياتها القانونية لتكون قراراتها نافذة لتحظى برامجها على الرأي المطابق أمام العمال ورؤساء الجماعات وأحيانا أمام الوزارات والذين قد يكون لديهم رأي آخر..؟ ..إنه عندما يشتغل كل قطاع حكومي وطنيا وترابيا بمنهجيته ووفقا لقوانينه ومساطره الخاصة التي قد لاتتماشى مع توجهات وسياسات القطاعات الأخرى المشتركة والمتقاطعة ، والتي لايقوم عمل بعضها إلا بتكامل مع عمل وإرادة الآخر ، فإن الأجوبة لن يجدها لا المنتخب ولا أية إدارة منفردة إلا ببدل جهد قد يمتد لسنوات ..لأن كل واحدة منها عندها جزء محدود من الجواب وجزء محدود من الحل ، وهنا يطرح سؤال يتعلق ب : تعريف الإدارة ../ وتعريف العمل الإداري المشترك في إطار من الانسجام والتكامل والحكامة …/ وتعريف حدود الاستقلالية القطاعية.. / ومفهوم السر المهني والمعلومات الخاصة ، على أساس أن الحق في المعلومة لايجب النظر إليه باعتباره خبرا ، بل باعتبارها جوابا وحلا فعليا لسؤال أو إشكال أو قضية، إن التجسيد الفعلي لفكرة الشباك الوحيد والقطع مع مساطر إدارية بيروقراطية والتي قد تفرض على المواطن قطع مئات إن لم نقل آلاف الكيلومترات لحل مشكلة بسيطة بسبب الحاجة لزيارة قطاعات مختلفة والحصول على موافقتها أو رأيها المطابق أصبح عبثا مسيئا للإدارة … ..إن القطاع العام والقطاع الخاص والشبه العمومي مطالبون على حد سواء بالعمل في انسجام وتكامل ومرونة بتثمين الزمن واقتصاد الجهد الإداري والتقني والمالي لكل عملية ، مع الاستجابة الفورية المحققة لمصالح الناس ، وإطلاق المبادرات والأفعال البناءة باعتماد الاجتهاد الذي ينسجم وروح القوانين دون أن يكون معطلا لحاجات ومصالح المواطنين … ..إن الحديث عن دور الأحزاب ودور الإدارة أصبح يطرح موضوعا يجب أن نأخذه بعين الاعتبار ونطرح إشكاليات منها .. : من تأثر بسلبيات الآخر ؟ .. هل مشاركة الأحزاب في إدارة المؤسسات بالتمثيلية الانتخابية الترابية والقطاعية والوطنية هي التي أضعفت الإدارة ؟ .. أم أن الإدارة هي التي نقلت مشاكلها وسلبياتها إلى الأحزاب واحتوائها حتى أصبح من الصعب على العامة التمييز بين القائد المعين والرئيس المنتخب .. ؟ هل الأحزاب السياسية تؤهل مناضليها ومناضلاتها للإلمام بقضايا الشؤون المحلية والعامة ، وهل تؤهل منتخبيها وتتابع عملهم الميداني ومدى احترامهم لمبادئ أحزابهم ومستوى تنفيذهم للبرامج التي تقدموا بها أمام السكان والتعرف على الاكراهات والمشاكل والقيام بكل ما يجب من اجل إنجاح العمل المحلي الذي يتأثر به المواطن ؟..ذلك أن العديد من الانتقادات الموجهة للأحزاب حتى من داخلها ..تتحدث عن وجود استلاب وابتلاع الإدارة للأحزاب حتى أصبح البعض ينعت بما تنعت به الإدارة منذ الستينيات إلى زماننا هذا ..وهذا مرتبط بالبرامج الانتخاباتية و البرامج الحكومية مثقلة بروح ديموقراطية وحداثية وبوعود والتزامات تتأرجح بين الأحلام والتطلعات والممكنات والمستحيلات والموضوعيات والمزايدات … فهل الدولة بإداراتها ومؤسساتها تمتلك كل ما يمكن المتحملين للمسؤولية من تحقيق الحد المعقول من الملتزم به معنويا والممكن تحققه بما يتجاوب مع انتظارات المواطنين والمواطنات ..؟؟ وهل الإدارة تمتلك وجودا وكيانا وهوية وإرادة مستقلة عن الجميع ..؟ أم أنها جزء من منظومة الحكم تلبس لباس من يحكم وتنفذ سياساته وتخضع لأفكاره ؟ إن الفشل النسبي أو الكلي يرجع موضوعيا للجميع بمستويات مختلفة ومتباينة .. إن المسؤولية مشتركة لأن من الأحزاب من ابتلعته الإدارة العتيقة بكل أعمالها المنتقدة ، ولأن الإدارة ترى نفسها مستقلة عن الأحزاب، فتجد نفسها في خلط بين تنفيذ برامج المنتخبين المنتمين سياسيا الذين يصبغون العمل الإداري بصبغة سياسية خاصة ، بل قد يصل بالبعض منهم إلى جعل الإدارة وإمكانيتها في خدمة حزب ما وقد تصبح بديلا مرحليا للمكتب الحزبي ..وبين الوفاء لقيم الإدارة المعتمدة .. ولأن بعض الأحزاب تقدم بمجرد دخولها لجماعة ما على إقصاء وتهميش اطر وكفاءات عدة بأحكام مسبقة أو احترازا مما يتسبب في تهميش وتعطيل وإبعاد كل من يخالف المسؤولين الرأي ولو كانوا مخطئين … إن الأحزاب السياسية بممثليها في المؤسسات لايمكن اعتبارهم ولا التعامل معهم كموظفين إداريين عموميين ولا خواص.. بل هم ممثلون للمواطنين والرأي العام يعبرون عن آرائهم ومطامحهم وبرامجهم وحاجياتهم كما يوضح ذلك الدستور وكما يضبط ذلك القانون ..كما يجب على المنتخبين أن يتحولوا إلى موظفين إداريين يحلون عن جهل منهم أو تعسفا محل ذوي الاختصاص …..إن العزوف السياسي بعد عقود من أعمال التحديث والإصلاح القانوني والإداري ، وتوسع الإطار الديموقراطي ، وما واكب ذلك من مد وجزر وإخفاقات ونجاحات وتعثرات ..طال حتى بعض السياسيين من كفاءات وأطر لعدة اعتبارات تتعلق بواقع الأحزاب والواقع السياسي العام ..وطال كذلك نسبة هامة من المواطنين والمواطنات لأسباب موضوعية وذاتية تتعلق بالثقة والمواطنة والحقوق وظروف العيش ونتائج السياسات ..و الجميع يقر بأن العزوف يتسع بين مرحلة انتخابية أو إصلاحية وأخرى … ..إن العمل بيروقراطيا هو الميل نحو التحكم وعدم الفصل بين العمل الإداري والعمل التمثيلي في بعده السياسي التدبيري والتنموي والتأطيري وخروج عن المنهجية الديموقراطية ..يفرغ التمثيلية من مهامها وأدوارها النبيلة التي هي كلها تطوعية ونضالية وتحويلها إلى نفوذ و بروتوكولات إدارية وانسلاخ عن قضايا الناس، والإصابة بعقدة الكرسي التي تجعل السياسي أو الإداري يرى نفسه ليس مع العامة بل مع نخبة النخبة التي بيدها الحل والعقد والطريق إلى إرضاء الميولات والأهواء والتي يجب أن تتحسن وتتطور أحوالها ، وأنهم لابديل لهم ذلك أنهم يستطيعون تحقيق مكاسب ومنافع ومصالح شخصية وقد تكون حزبية بأيسر السبل … إن هذا الخلط المتعمد والمتوافق عليه عند البعض ..يكون مؤثرا بشكل كبير على مسارات إرساء أخلاقيات العمل السياسي والتمثيلي وأخلاقيات العمل الإداري الترابي والقطاعي والحكومي والمؤسساتي .. ..إن العدمية السياسية التي تطال الإدارة بتبخيس وتعطيل برامج ومشاريع وقرارات سواء من منتخبين أو مسؤولين إداريين و تشكيك وطعن كل مسؤول فيمن سبقه بشكل عبثي وسياسوي بنية الإساءة والإقصاء والتعطيل ..يجعل الشك وعدم الثقة هما السائدين ليس في العمل السياسي والتمثيلي فحسب ، بل في الإدارة بكل تمظهراتها في مؤسسات الدولة .. ومن هنا نخلص إلى ضرورة العمل بحكمة وحكامة وتدبر قوله تعالى « : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) وقَولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :((إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ))