كل الأمم التواقة إلى ربح رهان التقدم وتنمية الذات الهوياتية والحضارية والتنموية بكل تجلياتها تسعى دوما إلى تحقيق ذلك عبر التربية والتكوين والبحث العلمي، باعتبارهما الممر الأساس للعبور الجماعي نحو كسب رهان ترسيخ قيم المواطنة والبناء المتوازن للذات، وتعتبر اللغة في التربية والتكوين كموقع القلب في الجسد، أي أنها تمنح له الخفقان اللازم المدر للحياة. فالطفل الإنسان ما انفك يعايش اللغة في واقعه البيئي والاجتماعي والمدرسي، ويعايش بها حقائق وجوده. فالإنسان المغربي الإفريقي ميال بطبعه إلى الاستقلالية والحرية رغم التقلبات اللغوية التي يعايشها، فهو دوما مقاوم، منذ فجر التاريخ، لكل أشكال الذوبان، كأنه يقول للعالم : أنا أقاوم، إذن أنا موجود،وقد تجلت فعالية هذا الإنسان المغربي في تعامله الإيجابي مع العالم دون أن يفقد كيانه اللغوي الهوياتي، فهو مخلوق مساهم في صناعة تاريخه الوطني القاري إلى جانب ماهو كوني إنساني، أي أنه نافع لذاته وغيره، حيث ما فتئ يقدم الدروس تلو الأخرى للعالم في تدبير التنوع والتعدد المتآلف وفي صناعة الاستقرار لنفسه المتشبعة بروح المواطنة العالية وخاصة في المواقف الصعبة الكثيرة التي مر منها. لقد هيأ ثلة من المغاربة المثقفين كافة الشروط الحضارية والاجتماعية والمفاهيمية والتربوية من أجل الإزاحة السلسة لكافة الحواجز النفسية والإيديولوجية التي من شأنها أن تحول بين المغاربة وبين ثقافتهم ولغتهم الأمازيغيتين، فكان أن تم رفع وتجسيد شعار: « الوحدة في التنوع « مع بداية الثمانينات من القرن الماضي، مما مهد للتخلص من كل المخلفات والتركات التي لعبت دورا سلبيا في شوكلة العقل ليعانق الاستلاب ويعتمد على الاستيراد. لقد تم اعتماد المرجعية التاريخية والأنتربولوجية واللسانية والحقوقية في طرح إشكالية إدراج الأمازيغية في المنظومة التربوية والمسارات الدراسية المغربية باستعمال قوة الحجة عن طريق المرافعة والتواصل والاقتراح، مما ساهم إيجابا في بعض التجاوب الجزئي الرسمي والحزبي والنقابي والمدني ليتم إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والانتصار للحكمة والهوية والتربية والبيداغوجية في اختيار حرف «تيفيناغ» ، بعد توظيبه بطريقة تسهل مأمورية المكون والأستاذ(ة) والتلميذ (ة) ليكون سهلا قابلا لسرعة التنفيذ، وتمت كذلك الانطلاقة في عمليات إدماج أو إدراج الأمازيغية في المسارات الدراسية ابتداء من شتنبر 2003، بصدور المذكرة الوزارية 108 المنظمة لعمليات التكوين والإدراج في الزمن الدراسي والتدريس وتقويم التعلمات، لتتوالى المذكرات الوزارية المتنوعة، والبرامج والمشاريع الأكاديمية (سوس ماسة درعة كنموذج)، أضف إلى ذلك الكتب المدرسية التي تم تأليفها بطريقة عصرية تستجيب لأسلوب التدريس بالمقاربة بالكفايات، والتوحيد السلس والمتدرج والمتنوع للغة الأمازيغية . كلها عوامل يمكن أن تساهم في تشجيع الإرساء المعتمد على الاجتهاد التربوي البيداغوجي المرتكز على تفعيل مجالس المؤسسات، إلا أن الانشغال بالبرنامج الاستعجالي وبعض المذكرات المقننة مركزيا لاستعمالات الزمن والتقويم (122 204 تم إلغاؤهما)، أضف إلى ذلك اقتصار التعلمات الأساسية في المدرسة الابتدائية على العربية والرياضيات والفرنسية، وكذا توقف عمليات التكوين منذ سنة 2009، بحيث لم تستفد الأمازيغية قط من تكوينات البرنامج الاستعجالي، أضف إلى كل هذا العقليات التي ما زالت متشبثة بمخلفات الماضي الذي قيل إننا دفناه، العقليات التي ما فتئت تمارس نوعا من التحريض واختلاق العراقيل والصعوبات المغرضة مما أثر سلبا في عمليات الإرساء، وشجع على ممارسات التراجع والتهاون وانعدام المساءلة، وحيث أن مرور عشر (10) سنوات على هذه التجربة كاف للارتقاء باللغة الأمازيغية لتصبح من التعلمات الأساسية بالمدرسة الابتدائية، واعتمادها كمادة معممة سيما وأن الأمر يتعلق بلغة رسمية بموجب دستور 2011، وذلك بالاستثمار الإيجابي للتجربة الميدانية لثلة من الممارسين في الأقسام سواء كأساتذة أو مؤطرين، والذين استفادوا من العمل الجمعوي والأكاديمي وأغنوا به تجربتهم البيداغوجية، فإنه آن الأوان أن ننظر إلى العمليات البيداغوجية والتربوية لتدريس الأمازيغية نظرة مستقبلية جديدة متجددة بعيدا عن كافة الإسقاطات التي أثبت العمق التاريخي والحضاري والأنتربولوجي افتقادها لأية مصداقية، وبالتالي فإن الأمر يتطلب تدخل العقل المغربي الجدي الكفء ، أي أن تدريس الأمازيغية في حاجة ماسة إلى البيداغوجية أكثر من الإيديولوجيا، وحتى يتحقق حلمنا الجماعي في مدرسة مغربية وطنية لكل المغاربة، وحتى نجسد شعار « الوحدة في التنوع « على المستوى المدرسي، أرى أن يعمل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وكافة المؤسسات والهيئات ذات الصلة من أجل تحقيق ما يلي : اعتماد المقاربة التشاركية وفق التصورات والاقتراحات التي تقدمت بها الفعاليات والجمعيات المدنية في عمليات استكمال الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية، مع مراجعة كافة القوانين والتشريعات والمذكرات التنظيمية بما يتوافق وروح دستور 2011. تعديل ومراجعة مقتضيات ميثاق التربية والتكوين بما يتوافق والمساواة والعدالة اللغوية بين الأمازيغية والعربية، انسجاما مع الوثيقة الدستورية والمواثيق الحقوقية الدولية المعمول بها في هذا المضمار. اعتبار اللغتين الأمازيغية والعربية لغتا الأم لكافة المغاربة، واعتمادهما كأساس للمردودية التربوية والتعلماتية وعبر كل المسارات الدراسية انطلاقا من التعليم الأولي، واعتمادهما في كل أشكال التربية غير النظامية وتعليم الكبار، وكل أشكال التعليم والتربية والتكوين وفي مختلف المؤسسات العمومية والخصوصية ذات الصلة. اعتماد منظومة تربوية تستمد روحها من العمق المغربي التاريخي الحضاري الأنتربولوجي الروحي المنفتح على المحيط الإفريقي المتوسطي وعلى كافة التجارب الإنسانية الكونية الإيجابية، تعتمد في جانبها التنظيري والتنظيمي والديداكتيكي على ما تم تراكمه من طرف العلماء والمفكرين والأساتذة المغاربة، والمنظمات المدنية والنقابية المغربية، والاستنارة بالتجارب الإيجابية الأجنبية المتقدمة بما يخدم التدبير الحقيقي للتنوع الثقافي واللغوي. تصحيح الوضعية المفاهيمية والتاريخية ومضامين النصوص التعليمية الوظيفية والمكملة، وكذا المصطلحات الأماكينية و كل ما يتعارض شكلا ومضمونا في الكتب المدرسية والموازية والمقررات الدراسية مع إدراج الأمازيغية إلى جانب العربية في المسارات الدراسية. اعتماد منهاج دراسي ملائم لخصوصية تدريس اللغة الأمازيغية يرتكز على حرف « تيفيناغ « والتوحيد والمعيرة المتدرجة، حسب المراحل والمستويات الدراسية والمناطق،والتعميم الأفقي والعمودي، والإلزامية، والتقويم، والإدراج في كافة أنواع الامتحانات الفصلية والإشهادية أسوة باللغة العربية. اعتماد اللغة الأمازيغية ضمن التعلمات الأساسية وتمكينها من كافة الشروط البيداغوجية الديداكتيكية وتدريسها لكافة أبناء المغرب في الداخل والخارج دون استثناء، وإدراجها ضمن الأنشطة المدرسية كالمسرح المدرسي والتربية الموسيقية والتشكيلية والتربية على المواطنة والتوثيق الإداري والتربوي والهوية البصرية للمؤسسات والإدارات وكافة مناحي الحياة المدرسية. نفض الغبار عن الموسيقى الأمازيغية وكافة أشكال الإبداع الأمازيغي وكتابتها بطريقة علمية عصرية وإدراجها في المقررات الدراسية الفنية التشكيلية الموسيقية المسرحية. إعادة النظر في عمليات تكوين الأستاذات والأساتذة باعتماد مقاربة القرب بتشكيل مجموعات من المتمكنين من الأساتذة يؤطرها النواب الإقليميون والمفتشون ذوو دراية بالأمازيغية، تقوم هذه المجموعات بالانتقال عبر الأقاليم والجهات لتذليل كافة الصعوبات من خلال لقاءات تنظمها المؤسسات التعليمية المتقاربة جغرافيا بغية نقل التكوين إلى الأستاذ(ة) عوض ما كان معمول به سابقا حيث الخضوع لمنطق الصفقة والتدبير الورقي دون الوصول إلى المبتغى، والسماح باستدعاء أطر من المجتمع المدني الذين لهم دراية بالموضوع لتقديم الخدمات في مجال التكوين للمؤسسات بشراكة مع الجماعات الترابية ومنظمات المجتمع المدني، تتم برمجتها انطلاقا من مقرر وزير التربية الوطنية المنظم للموسم الدراسي. تعميم تجربة اعتماد التدريس بأستاذ(ة) الوحدة أو الوحدات المتآخية بالتعليم الابتدائي لفتح المجال أمام توفير أستاذ(ة) خاص بالأمازيغية أسوة بباقي المواد. الانتقال بتعميم تدريس الأمازيغية إلى المرحلة الإعدادية ثم الثانوية التأهيلية للوصول إلى إحداث شعبة خاصة بالتعليم العالي، مع الشروع في إدراجها في بعض الكليات كمادة، كالطب والصيدلة والمدرسة المحمدية للمهندسين والمعاهد العليا العلمية والتقنية والإدارية والأمنية والعسكرية. إحداث مكاتب خاصة بتتبع وتنظيم أجرأة تدريس الأمازيغية بالأكاديميات والنيابات تكون تحت المسؤولية المباشرة للسادة مدراء الأكاديميات والسادة النواب تجنبا لتنازع الاختصاصات بين رؤساء المصالح، يسند الإشراف على هذه المكاتب لذوي التجربة والكفاءة من الممارسات والممارسين. إن تحقيق شعار الوحدة في التنوع يتطلب إرادة سياسية ووطنية عالية بعيدا عن كل أساليب التشكيك والتحريض واستعمال مواقع المسؤولية للفرملة، وهذا لن يتأتى إلا بإشراك كافة الكفاءات التي راكمت تجارب ميدانية في كل عمليات الاقتراح والأجرأة والتكوين والتنظيم والتدريس. أستاذ التعليم الابتدائي - جمعوي ومسؤول نقابي كاتب مسرحي