من المفارقات، في الأسبوع الماضي، خلال محاولة ملياردير الإعلام الأسترالي الأمريكي روبرت ميردوخ، صاحب المؤسسة العملاقة «فوكس القرن 21»، شراء مؤسسة عملاقة منافسة «تايم وارنر»، أن المؤسستين تعملان على التخلص، أو تخفيض إصداراتهما الورقية. رغم أن المؤسستين بدأتا بالنشر الورقي: لصحيفة «أستراليان» في أستراليا. ومجلة «تايم» في أميركا. بل إن واحدا من دوافع ميردوخ هو أن تحل، تدريجيا، صحف ومجلات وكتب الإنترنت محل الورقية. في الشهر الماضي، أعلنت مجموعة «تايم وارنر» أن مجلة «تايم» ستنتقل من المبنى العملاق الذي ظلت فيه منذ أكثر من نصف قرن إلى مبنى آخر. هذا هو مبنى «تايم لايف»، إشارة إلى المجلتين رائدتي المجلات المصورة في النصف الأول من القرن الماضي. قالت المجموعة إن السبب مالي. لكن، الذي حدث هو أن «تايم» سترحل من مكانها القديم في قلب مانهاتن، في نيويورك، إلى مكان بعيد في مانهاتن. بل كانت الخطة الأولى هي نقلها إلى ضاحية «برونكس»، لتكون قريبة من مطابع هناك. لكن، احتج المشرفون على المجلة. ولم يغب الرمز على الناس: أولا: تريد المجموعة «طرد» المجلة الورقية. ثانيا: يزيد عبء كل مطبوعة ورقية لأنها، عكس المطبوعة الرقمية، تحتاج إلى مطبعة تلازمها، أو تكون بالقرب منها. في السنة الماضية، فعلت مجموعة «فوكس القرن 21» نفس الشيء تقريبا. لم تطرد صحفها ومجلاتها. لكنها فصلت الشركات الورقية عن الشركات التلفزيونية والإذاعية والرقمية. لهذا، قال في الأسبوع الماضي ديفيد كار، محرر الشؤون الإعلامية في صحيفة «نيويورك تايمز»: «يبدو أن الإعلام الورقي لا مستقبل له». وأضاف: «ليس هذا موضوعا مفاجئا، أو غريبا، أو معقدا. أنت وأنا لم نعد نقرأ الصحف والمجلات والكتب الورقية كما كنا نفعل، حتى قبل عشر سنوات». ويمكن تقديم دليل على ذلك، ما حدث في الأسبوع الماضي، بعد أن أسقط متمردو أوكرانيا الطائرة الماليزية: أولا: انتشر الخبر سريعا، وكثيرا، في الإعلام الاجتماعي في الإنترنت. ثانيا: بفضل التكنولوجيا الحديثة، لم يكن الخبر مكتوبا فقط، ولكن، أيضا، كان بالصور وبالفيديو، وبالرسوم البيانية، وبالخرائط. ثالثا: قطعت تلفزيونات إخبارية برامجها، وبدأت تتابع الخبر على الهواء. وقطعت تلفزيونات غير إخبارية برامجها لتعلن الخبر، وتعد بتفاصيل في نشرات الأخبار المسائية. رابعا: في صباح اليوم التالي في أميركا، بعد مرور قرابة يوم كامل على الحدث، صدرت الصحف تحمل الخبر. وهكذا، خسر الإعلام الورقي. رغم أنه حاول أن يلحق بغيره. مثل صحيفة «نيويورك تايمز» التي نشرت صورا كثيرة عن الحدث. منها صور تدعو للتقزز عن الضحايا. وعندما انتقدت، سحبت الصور، واعتذرت. وصار واضحا أنها كانت تريد منافسة الإعلام غير الورقي. كما أنها تابعت الخبر متابعة حية في موقعها. وفعلت ذلك صحف أخرى مثل «واشنطن بوست» و«وول ستريت جورنال». وفي كل الأحوال، لم يقدر الإعلام الورقي على منافسة إعلام الإنترنت. لكن، تظل للإعلام الورقي محاسنه. في الشهر الماضي، نشر باحثون في جامعة فيكتوريا، في ولينغتون، في نيوزيلندا، دراسة أثبتت أن الخبر المفصل والمركز والقيم، يظل في الصحف الورقية. وليس في الإنترنت. لكن، قال الباحثون إن الذين يستعملون الإنترنت، ويتابعون الأخبار فيه، لا يهمهم الفهم الكامل للخبر. وجاء في التقرير: «يحاول الناس أن يتذكروا الأخبار التي يقرأونها، ليقدروا على متابعتها. لهذا، صار صاحب الذاكرة القوية أكثر حظا. لكن، يسأل الذين يتابعون الأخبار في الإنترنت: لماذا نكلف أنفسنا أن نتذكر بينما كل شيء موجود في الإنترنت؟».