السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    دعوة في طنجة لتبني إعلام جهوي يواكب التحولات المجتمعية والتكنولوجية    مجلس الشيوخ بالباراغواي يدعم بشكل لا لبس فيه الوحدة الترابية للمغرب    نقابي يكشف أسعار الغازوال والبنزين المٌفترضة بالمغرب خلال النصف الثاني من شهر نونبر    أكبر منتج لزيت الزيتون يتوقع انخفاض الأسعار إلى النصف مع تحسن الإنتاج    الركراكي: المنتخب المغربي قدم أداءً كبيرًا أمام الغابون    النسخة الأولى من جائزة المغرب للشباب: خطوة لتعزيز ثقافة الاعتراف بالشباب المغربي ودعم تحقيق الحلم المغربي    تقلبات أسعار المحروقات في المغرب .. البنزين يتراجع والغازوال يستقر    ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص    خبراء يسلطون الضوء على وجاهة مخطط الحكم الذاتي بالصحراء المغربية    المغرب يرسل شاحنات إضافية لمساعدة إسبانيا في تخطي أضرار الفيضانات    حريق مهول يلتهم سوق "الجوطية" بالناظور ويخلف خسائر مادية جسيمة        المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    المنتخب المغربي يعود إلى مدينة وجدة تأهبا لمواجهة ليسوتو    وزارة الداخلية تكشف عن إجراءات حاسمة لإنهاء الفوضى بقطاع "التاكسيات"    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    أنفوغرافيك | ⁨لأول مرة.. جامعة الحسن الثاني تدخل تصنيف "شنغهاي" الأكاديمي العالمي 2024⁩    مشروع نفق جبل طارق.. خطوة إسبانية جديدة نحو تجسيد الربط مع المغرب    ارتطام وأغدية متطايرة.. حالة من الرعب عاشها ركاب طائرة    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري    اتهام فنزويلا بارتكاب "أفعال دنيئة" أمام البرازيل    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز    فيضانات فالنسيا.. المديرة العامة للوقاية المدنية الإسبانية تعرب عن امتنانها للملك محمد السادس    الوزيرة أشهبار تستقيل من الحكومة الهولندية والمعارضة تعتبره "موقفا شجاعا"        كيوسك السبت | 800 مليار سنتيم سنويا خسائر الكوارث الطبيعية بالمغرب    توقعات أحوال الطقس اليوم السبت    خسارة تايسون في سن ال58 أمام صانع المحتوى بول    فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    توافق وزارة العدل وجمعية المحامين    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    حماس "مستعدة" لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب "للضغط" على إسرائيل    وزيرة مغربية تستقيل من الحكومة الهولندية بسبب أحداث أمستردام    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    جورج عبد الله.. مقاتل من أجل فلسطين قضى أكثر من نصف عمره في السجن    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ازدواجية الخطاب مقتل للممارسة السياسية
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 07 - 2017

ورث الخطاب السياسي الحزبي ازدواجية عن حقب سياسية يعود بعضها إلى مرحلة الاستعمار، بينما بعضها وليد فترة ما كان يسمى بسنوات الرصاص. كانت تلك الظروف لا تسمح باتخاذ الخطاب السياسي شكلا واحدا، عندما يتوجه إلى السلطات القائمة، وعندما يتوجه إلى المحازبين، لأن الخوف من الوقوع تحت طائلة العقوبات والانتقام أسس لنوع من الازدواجية لها ما يبررها في تلك الحقب حيث يتم الاضطرار إلى قول شيء في العلن وتوجيه بالفعل بما يتعارض معه وقد يناقضه تمام التناقض على مستوى الممارسة الفعلية. غير ان واقع الحال، في بلادنا الْيَوْمَ، لم يعد يسمح بالتعايش مع هذه الازدواجية، لإنها تساهم، من بين عوامل أخرى، في تبخيس العمل السياسي وانتشار العداء للعمل الحزبي على قاعدة ان ما يمارس في الواقع ليس متطابقا مع ما يتم الإعلان عنه على مستوى الخطاب. وهل يحتاج هذا إلى دليل أكثر قوة من الخطاب العلني لبعض القوى السياسية اليمينية واليسارية، معا، كلما تعلق الأمر بطرح برامج والدفاع عن تصورات او بعض مواقف الدولة من قضايا حيوية ومصيرية بالنسبة للبلاد؟ إذ ما لا شك فيه ان مواقف بعضها لا تتوافق مع مواقف البعض الآخر، حتى في الوقت الذي تعلن فيه عكس ذلك، أو تلجأ إلى أساليب غامضة في التعبير تسوِّغ ممارسة ازدواجية واضحة او ضمنية. وهذا ما يفسر مثلا ذهاب البعض إلى الانتخابات على مختلف المستويات دون ان يكون صاحب قناعة بجدواها أصلا، وإنما الغاية منها هي شيء آخر بما في ذلك التشكيك في العمل الانتخابي باعتباره تجليا من تجليات الممارسة الديمقراطية وان دون ان تكون قادرة على استيعاب كل العملية الديمقراطية. ولا يخفى على اَي كان إنها في البلدان والمجتمعات المختلفة شكل من أشكال التعبير عن الرأي والموقف واختيار الحكام على هذا المستوى او ذاك. بينما هي لا تعدو بالنسبة لبعض القوى عندنا كونها مناسبة لما تسميه فضح النظام والتحريض عليه باعتباره غير ديمقراطي او غير شعبي إلى آخر مثل هذه المفردات التي تؤثث الخطاب السياسي لعدد من القوى وخاصة في اطار الدوائر المغلقة لأعضائها أو لمن تطمئن إلى ولائهم من المواطنين
. ان مغادرة مأزق هذه الازدواجية القاتلة للعمل السياسي تبدأ من خلال تطبيع الخطاب السياسي مع الصدق في التعامل بين الأحزاب السياسية، رغم كل تعارضاتها وتناقضاتها، وفِي التعامل مع الدولة بغض النظر عن الموقع الذي تحتله هذه القوة السياسية او تلك من مختلف هيئات الدولة التنفيذية والتشريعية والإدارية. إن هذا الصدق هو الذي يبدو لي إنه مرادف للتطبيع السياسي بين مكونات المجتمع المغربي حيث تضطلع المصلحة العليا للشعب بدور بيضة القبان في بلورة الخطاب الذي يلائم المرحلة وينتصر لقرن الأقوال بالأفعال.
لقد عانى الخطاب السياسي في بلادنا من هذه الازدواجية إلى درجة ان الهوة بينه وبين الممارسة من الاتساع والغور بحيث يصعب تجاوزها ما لم يتم احداث ثورة حقيقية في هذا الخطاب يمكن اعتبارها قاعدة ثورة شاملة على مستوى الثقافة السياسية السائدة. وقد أشرت إلى هذا المضمون في مقالة سابقة حيث اعتبرت إنه ينبغي الانطلاق من طبيعة مرحلتنا الراهنة بمحدداتها الاساسية على مستوى الحداثة والديمقراطية بالأفق التقدمي الضروري ليس لتجاوز تلك الازدواجية فحسب وإنما للاستفادة القصوى من الإطار العام للممارسة السياسية في العهد الجديد بما يحمله من آمال وطموحات وما ينطوي عليه من التزامات قاطعة في هذا المجال.
قد يقال: لم يكن حينئذ من خيار آخر امام قوى الحركة الوطنية والديمقراطية إلا اعتماد احد الأسلوبين، اما اُسلوب المواجهة المفتوحة مع قوى الحكم في كل فترة من تلك الفترات، وهو اُسلوب مكلف على مستوى التضحيات التي على تلك القوى الاستعداد لتقديمها، والحال ان مستوى الوعي بضرورة تقديمها يتفاوت بين القيادات وجمهور المواطنين المؤيدين لها، الامر الذي فرض على الحركة الوطنية اعتماد الخيار الثاني أو الأسلوب المتاح وهو محاولة الاستفادة من بعض القوانين القائمة التي تسمح بنوع من الممارسة النقدية تجاه الحكم مع الإدراك التام لمحدودية هذا الأسلوب، بل وإدراك ما يمكن ان يؤدي اليه من ازدواجية فعلية وعدم التطابق بين الخطاب السياسي وبين الممارسة في بعض ابعادها وخاصة عندما ترى قوى الحركة الوطنية الديمقراطية ان اعلان موقفها كاملا يعني منعها من إيصاله إلى المواطنين سواء من خلال حجب صحافتها او التعرض لحملات الاعتقال الدورية التي تستهدف إضعافها والإصرار في تقليص هوامش حرية حركتها وهما يؤديان معا إلى النتيجة إياها.
غير ان هذا لا ينفي ولا يبرر بأي حال من الأحوال كون هذه الازدواجية المفروضة قد تطورت إلى اُسلوب في التفكير والعمل بحيث لم تجد تلك القوى اَي تناقض بين قول شيء ومحاولة ممارسة شيء آخر قد يكون متعارضا جذريا معه. الموقف من البرلمان مثلا بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ستينيات القرن الماضي يكشف هذه الازدواجية التي تم التعبير عنها بصريح العبارة من طرف بعض قادته في تلك الفترة. لقد آن أوان مغادرة قاموس التفكير بمفردات البديل الكامل والتام واعتماد خطاب التوافق الخلاق بين مكونات المجتمع دولة وأحزابا وتيارات فكرية ونقابية وسياسية انطلاقا من بِناء المشترك المرشح للاستمرار والتطور، بديلا عن التقوقع في إطار جزر مغلقة او في حرب مواقع دائمة بينها لن تنتهي مع مرور الزمن إلا إلى مزيد من التشرذم وتحويل ثقافة الالغاء باسم أي بديل مزعوم كان إلى الموجه الأساسي لمختلف القوى في مجالات الممارسة وهو الطريق السيار نحو التدمير الذاتي وخلق شروط تنامي عوامل التفكك والسقوط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.