قال إنها ابتلعت 44 مليار درهم خلال أسابيع وتهدد باستنزاف احتياطي الصرف تدخل بنك المغرب بقوة مع بداية الاسبوع الحالي لوقف الهرولة نحو بيع الدرهم المغربي مقابل العملات الصعبة بهدف الاحتراز من انخفاض قيمته مع اقتراب دخول نظام الصرف المرن حيز التنفيذ كما كان متوقعا خلال النصف الثاني من العام الحالي. وعبر والي بنك المغرب عن استيائه من هذه الهرولة غير المبررة والتي بدأت تهدد بشكل جدي باستنزاف الموجودات الخارجية للبلاد. وكشف عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أنه اتصل شخصيا برؤساء البنوك المغربية للتعبير عن غضبه، بعد أن تجاوز حجم عمليات صرف الدرهم مقابل العملات الصعبة 44 مليار درهم خلال أسابيع. وعبر الجواهري خلال لقاء صحافي عقده عقب انعقاد الدورة الفصلية لمجلس إدارة البنك المركزي بعد ظهر الثلاثاء عن استيائه الكبير من هذه الهرولة وغضبه من الجهات التي أفتت بها. وقال «غضبت لأن هذه الاستشارة تتضمن تشكيكا في كلمتي وفي مصداقيتي كبنك مركزي. فقد أكدت مرارا وتكرارا أن قيمة الدرهم لن تنزل، وأن عملية المرور من نظام سعر الصرف الثابت إلى نظام الصرف المرن ستمر بسلاسة وبشكل متدرج ومتحكم فيه. كما نبهت إلى عدم الخلط بين تخفيض قيمة العملة وبين الانتقال إلى نظام الصرف المرن». وأضاف الجواهري أنه أمر مصالحه المختصة بإجراء بحث دقيق لمعرفة ما حصل، متسائلا عن الجهة التي نصحت المستوردين بالتخلص من الدرهم للوقاية من احتمال انخفاض قيمته، والتي يمكن أن تكون البنوك أم مكاتب استشارة أم فقط «سلوك القطيع»، على حد قوله. وعلمت «الاتحاد الاشتراكي» أن غرف عمليات الصرف لدى البنوك المغربية عرفت مع بداية الأسبوع الحالي تشددا في بيع أدوات تغطية سعر الصرف، وعدم استجابتها لطلبات تحويل العملة من طرف الفاعلين الاقتصاديين، خاصة المستوردين. وأكد الجواهري ذلك، مشيرا إلى أنه أحدث خلية لمراقبة عمليات الصرف. وقال «إذا كان الأمر يتعلق بعمليات حقيقية، من قبيل ترحيل ربيحات مستثمرين أجانب، أو تسديد فواتير استيراد، فمرحبا. أما عندما يتعلق الأمر بالمضاربة على انخفاض الدرهم فهذا غير مقبول». ووصف الجواهري الفاعلين الاقتصاديين الذين سايروا هذا التوجه بأنه مغرر بهم، وأنهم تكبدوا مصاريف إضافية نتيجة شراء أدوات التغطية من تغير سعر الصرف بدون جدوى، مؤكدا أنهم سيكتشفون ذلك عما قريب، لأن قيمة الدرهم لن تنخفض. ودعا الفاعلين الاقتصاديين إلى الثقة بالعملة الوطنية، وإلى تجنب «سلوك القطيع». كما طالبهم بانتظار مراسيم مكتب الصرف وأدوات تغطية مخاطر الصرف التي سيضعها مكتب الصرف رهم إشارتهم، والتي سيتم الإعلان عنها قريبا جدا. وقال الجواهري «أنا عند وعدي بالمرور إلى سياسة مرونة سعر الصرف خلال النصف الثاني من العام الحالي، وسيتم الإعلان عن هذا المرور بشكل رسمي خلال لقاء صحافي مشترك مع وزير المالية والاقتصاد قبل نهاية الشهر الحالي. وأنا أيضا عند وعدي بأنه لن ينتج عن ذلك أي تخفيض في قيمة الدرهم، وأن العملية ستتم بالتدرج وبطريقة متحكم فيها وتحت السيطرة». وأكد الجواهري أن الانتقال سيكون عبر مراحل ممتدة في الزمن، ففي المرحلة الأولى سيتم الاحتفاظ بنظام تحديد سعر صرف الدرهم على أساس سلة من العملات تتكون بنسبة 60 في المئة من اليورو وبنسبة 40 في المئة من الدولار، مع السماح بهامش من التذبذب صعودا وهبوطا بنسبة 0.6 في المئة. وفي المراحل التالية سيتم توسيع هذا الهامش تدريجيا باتجاه أسعار صرف أكثر مرونة وأكثر ارتباطا بميكانيزمات العرض والطلب للدرهم مقابل العملات الصعبة. وشدد الجواهري على أنه لن يتساهل أمام أي انزلاق معتبرا أن مصداقيته كبنك مركزي وكصانع للسياسة النقدية في البلاد هي التي توجد على المحك. وقال «لو كنا ننوي فعلا تخفيض قيمة الدرهم لقمنا بذلك بصمت، ولأنجزنا التخفيض قبل موعد الانتقال إلى سياسة المرونة. لأننا نفضل أن يكون ذلك خلفنا عندما نشرع في تطبيق نظام مرونة سعر الصرف». وأوضح الجواهري أن الانتقال لنظام مرونة سعر الصرف في المغرب يتم في إطار فريد وخاص مقارنة مع باقي التجارب التي عرفها العالم. وأضاف «نحن نقوم بهذا الانتقال بشكل إرادي ونحن في وضع مرتاح ومعد بدقة وإحكام. في حين أن كل التجارب التي عاشتها الاقتصاديات الصاعدة والنامية من قبل مرت تحت ظروف استثنائية كانت ترزح خلالها تحت الأزمة وتحت الضغوط، وكانت نتائجها كارثية من حيث انهار قيمة العملة الوطنية وتدهور القدرة الشرائية».