هذا مشروع كتاب،سيصدر عن مؤسسة آفاق للدراسات والنشر ضمن سلسلة»مراكشيات». يتطرق الكتاب لمسار المجموعات الغنائية من خلال السيرة الذاتية لاسم من أسماء زماننا،فنان جيل الجيلالة عبد الكريم القسبجي،مستعرضا تجربته وكثيرا من مفاصل حياته الشخصية والفنية،فالرجل متشرب للفن عمليا وتطبيقيا،مُرتوٍ حتى الثمالة بإيقاعات متنوعة ومختلفة، واقفا عند بصماته التي تركها على تاريخ المجموعات الغنائية، وعلى فرقة جيل الجيلالة بوجه أخص،بوصفه صوتا جميلا متميزا،منحها نفسا جديدا ودفقة حرارية فياضة،أكسبتها طاقة على تأكيد وجودها وفرض ذاتها أمام المجموعات الغنائية الأخرى.من هنا،يمكن القول ان الكتاب يشكل قيمة مضافة ومكسبا من حيث كونه وثيقة هامة، وثيقة فنية، وثيقة تاريخية وعصرية.
خرج الجميع من مقر النادي ولا يدري أي منهم كيف سيكون مستقبله، فالجميع محترفون، ولادخل مادي آخر لهم سوى الفن. كانت أحوالهم المادية سيئة جدا، إلى درجة الخجل من أن يعود أحدهم إلى بيت العائلة وهو صفر اليدين، كذلك كان وضع عبد الكريم الذي قصد مدينة مراكش إلى بيت الوالدين وهو يحمل مجموعة من الأسئلة مليئة بهموم المستقبل. مرت أيام قليلة أخذ يفكر خلالها، هل يعود إلى فرقته الأم نواس الحمراء، أم يؤسس فرقة جديدة، وينطلق من البداية مادامت جيل جيلالة قد تلاشت وانتشر خبر تفرق أعضائها؟ في أحد الأيام، جاء فرد من عائلة عمه، يخبره بضرورة الالتحاق بمنزل العم لانتظار مكالمة هاتفية من مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي اتصل ببيت عمه. في تلك الحقبة لم يكن الهاتف معمما على المنازل، فقط بعض العائلات كانت تتوفر على هاتف، وضمنها عائلة عم عبد الكريم. رن الهاتف، كان في الجهة الأخرى صوت مولاي عبد العزيز الطاهري، الذي طلب منه الالتحاق في أسرع وقت ممكن، لأن اتفاقا تم بينه وبين مولاي الطاهر الأصبهاني يفيد بضرورة استمرار التجربة. الشريف لمراني عازفا لجيل جيلالة كان مولاي الطاهر ومولاي عبد العزيز الطاهري، بعد عدة جلسات في الدارالبيضاء مع مجموعة من المقربين، قد قرروا أن تستمر مسيرة جيل جيلالة، رغم غياب العناصر الأخرى، أي الزوغي والدرهم والسعدي، خاصة أن مولاي عبد العزيز الطاهري قد أعد بعض الأعمال، واشتغل عليها بمعية مولاي الطاهر، واتضح بأنه من اللازم إصدارها. التحق عبد الكريم بالدارالبيضاء، هذه المرة قصد فندقا صغيرا للاستقرار. عقد اجْتِمَاعُ في منزل مولاي عبد العزيز الطاهري، بين الأخير ومجد ومولاي الطاهر وسكينة، بالإضافة إلى عبد الكريم، وأشعرهم مولاي عبد العزيز ومولاي الطاهر بأن هناك أعمالا غنائية يوضبانها، لكن هناك مشاكل عديدة تقف أمام هذا المشروع، منها ضرورة إيجاد مقر للتمارين، والتوفر على مصاريف مالية للإعداد وتوفير التغذية.وقد كان الجميع عاطلا عن العمل في فترة الفراغ تلك ، كما كان من الضروري إيجاد عازف. لحسن الحظ فإن لجيل جيلالة صداقات، حيث لما تحدث الطاهري ومجد ومولاي الطاهر مع بعضهم، اقترح عليهم صديقهم مصطفى الناصري الإطار الأمني، أن يوفر لهم كابانو كان يملكه بشاطئ زناتة، من أجل الإقامة والتمرين، هذا الخبر أفرح الجميع، خاصة في حالة الضيق المادي والمعنوي، الذي يعانون منه، بل إن الناصري كان كريما وتكلف حتى بالمؤونة. قرر عبد الكريم مغادرة الفندق، لأنه بالكاد كان يجد مصروف الإقامة به ،واستقر في الكابانو، لتنطلق التمارين كانت الفترة فترة صيف، لذلك كان الكابانو مقصدا لعدد من الأصدقاء، منهم رياضيون ومثقفون وفنانون، إذ كان يتردد على زيارتهم هناك أبو الصواب، ومصطفى الزعري، ومصطفى الداسوكين، والشاوي حارس الكوكب المراكشي، وزميله عزوز، ومولاي أحمد، والخالدي لاعب الرجاء، والعربي أحرضان لاعب الوداد، وشهرمان، ومحمد مفتاح، وسعيد الصديقي، عزيزي، وعبد الجليل بنكيران صديق المجموعة، والذي كان يدعمها ماديا، وحسن برادة، وقطبي، والبرمكي، وعبد السلام الزيادي، وبوشعيب بوعنان وغيرهم، كانوا يلتقون هناك، ويمارسون كرة القدم نهارا، وفي المساء يتسامرون ويستمعون لجديد جيل جيلالة. كانت الفرقة تشتغل على أغاني، « مزين وصولك يا البدر السامي لولا جفاك» «جلاتني رياحك ف بحر ملطام امواج وطوفان ماتسلكو بحرية»، « الناس ف الهوى نشدات»، « ناديتك ف الغنة» يقول عبد الكريم:»في هذه الفترة سأكتشف أكثر طيبوبة مولاي الطاهر، وخبرته الفنية الغنية والعميقة، إذ كان يبيت معي لأيام في الكابانو، خلالها كان يلقنني كيفية التعاطي مع الأغاني، وكيف أوظف الصوت دون عناء، وتعلمت على يده أشياء عديدة تهم اللعب بالصوت أساسا، فمولاي الطاهر فنان رفيع، لم يكن قط أنانيا. وهنا يجب أن يعلم الجميع بأن مولاي الطاهر هو من كان يوزع المساحات الغنائية للفرقة، وقليلا ما يأخذ «صولوات» خاصة به، فقد كان متعففا، لكن في الوقت نفسه كانت تحكمه فكرة الرجل المناسب في المكان المناسب، ولعل التوزيع الموسيقي ل جيل جيلالة جعلها فرقة غير مملة، وهذا بفضل تبصر مولاي الطاهر وهي حقيقة لابد من التسطير عليها».