يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته. شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه. في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها. نُشرت هذه الحلقة ، في عدد أمس ، مبتورة ، لأسباب تقنية ، نعيدها هنا كاملة ، مع اعتذارنا للقراء. كانت فرقة جيل جيلالة، هي المجموعة الوحيدة التي تبدو أكثر تنظيما وأكثر انضباطا، لكن في الحقيقة ، وعلى غرار باقي المجموعات الغنائية، كانت تعيش شروخا بين الفينة والأخرى، ولكن أعضاءها لم يكونوا يصرحون بذلك، كما أن علاقتهم مع الإعلام كانت محدودة جدا رغم صداقاتهم مع عشرات الصحفيين. مولاي الطاهر من جهته، يعتبر أن ما يحصل بين أفراد الفرقة هو شأن داخلي ولا داعي ليطلع عليه المحبون، مادامت العلاقة بينهم وبين هؤلاء تتجسد في الابداع وإنتاج الأغاني التي تطرب. خلال الجولة التي قامت بها المجموعة الى المشرق العربي، ستنقسم الفرقة الى قسمين بسبب خلاف مادي محض، الفريق الأول يضم محمد الدرهم وحميد الزوغي و محمود السعدي ، فيما يتشكل الفريق الثاني من مولاي الطاهر وعبد العزيز الطاهري وسكينة وعبد الكريم ومحمد مجد. وهو الفريق الذي كان عليه الاعتماد على نفسه لكي ينجز أغاني جديدة ويواكب السهرات الفنية المقامة هنا وهناك. في هذه المرحلة ، ولأن المجموعة لم يعد لها عازف، سيتم الالتجاء الى الشريف الأمراني عازف فرقة المشاهب، كما سينضم في بعض السهرات الفنان الشادلي من فرقة المشاهب ايضا ، وفي هذا الاطار أذكر شهادة الشريف خلال مذكراته التي نشرناها بجريدة «الاتحاد الاشتراكي» ، والتي أكد فيها بأن عبد الكريم ومولاي الطاهر حباهما الله بصوتين يعدان من أروع الأصوات التي عرفها، وبأن العمل مع جيل جيلالة ممتع لأن أعضاءها بسطاء ولا تجد معهم أية مشكلة، خصوصا في ما يتعلق بالجانب الفني، وأبدى الشريف الأمراني ، في مذكراته تلك ، التي سبقت وفاته بأيام، إعجابه الكبير بجيل جيلالة. ومن بين السهرات التي شارك فيها الشريف الأمراني والشادلي مع مجموعة جيل جيلالة، تلك التي أقيمت في مكناس رفقة عزيزة جلال في سنة 1976 ، بمناسبة صعود فريق النادي المكناسي لكرة القدم الى القسم الوطني الاول. خلال الانشقاق الأول، يقول مولاي الطاهر ، لم يكن للفرقة فلس واحد، فقد عادت من الشرق العربي بجيوب فارغة رغم النجاح الذي حققته هناك، لهذا الغرض كان على أفرادها العمل من جديد لكسب القوت أولا وضمان استمرار الفرقة داخل الساحة الفنية ثانيا. في هذا السياق المظلم، يقول مولاي الطاهر، لحسن الأقدار وجدنا صديقا يحبنا وهو مصطفى الناصري، الذي منحنا أحد الكبانوهات بمنطقة زناتة وظل يُطعمنا ويرعانا لمدة شهر ونصف ، وهي المدة التي كنا نُعد فيها ألبوما جديدا سيضم أغاني «جلاتني رياحك»، «الناس ف الهوى نشدات» ، «ناديتك ف الغنة»، «الدورة» ثم «مزين وصولك»، صيف 1975 أمضيناه في إعداد هذا العمل . وكانت الاغنية الاخيرة من أنجح الاغاني: «مزين وصولك يا البدر السامي لولا جفاك كلام حسودك والرقيب للي داير بيك ماحد نجومك ضاوية وهلالك بين لفلاك فدي ميسورك زورو ويزورك عليه رُف ورحمو يهديك سرح مسجونك سرح مسجونك وانعم له بالفكاك من قبل غيومك ينطفى ضوك ويخليك». هذه الاعمال كانت من أبرز ما أبدعته جيل جيلالة خلال مسارها الفني، رغم الظروف الصعبة التي كانت ترخي بظلالها السوداء على المجموعة. هذه الأغاني كانت من تأليف عبد العزيز الطاهري، أما قصيدة «الدورة » فهي لمحمد شهرمان، وشارك في إعدادها الفني مولاي الطاهر، الذي يعتبر أن هذه الاغاني زادت من إشعاع المجموعة رغم انها انجزت في وقت كانت فيه منقسمة. يقول مطلع «الدورة»: «دارت بنا الدورة والنفس للي تسال مقهورة الدمعة الهاطلة مغيورة قل لو راح الليل آه ياوين...» بينما كانت المجموعة تتدرب على هذه الاغاني بزناتة لكي تذهب الى تسجيلها، سيطرق الدرهم باب المجموعة ، راغبا في العودة من جديد. وبالفعل عاد الى موقعه ومُنح له دوره في هذه الاغاني التي ظلت خالدة الى الآن...