يعد مولاي الطاهر الأصبهاني من بين الأعمدة الأساسية لمجموعة جيل جيلالة، بل من أعمدة المجموعات الغنائية ككل، صوته أطرب الكثيرين، منهم مسؤولون في الدولة، بل أكثر من هذا كان قد أثنى عليه العندليب الأسمر في أواخر السبعينات، عندما كان في زيارة للمغرب ودعاه أحد المسؤولين إلى حفل ستحييه فرقة جيل جيلالة، أدت خلالها أغنية «ليغارة»، ولأن الأغنية استهوته كثيرا صعد العنديب الأسمر إلى الخشبة، وأخذ البندير في يده وبدأ يغني مع المجموعة، وبعد انتهائها سيمسك العندليب بيد مولاي (كما يناديه المقربون منه) ويعلن في الحضور بأن صوته من أجمل ما سمع في حياته. شكل صوت مولاي الطاهر الأصبهاني رنة خاصة في أذان الأجيال، حتى أن الشباب الذي يقلد المجموعة غالبا ما يقلدون صوته، الذي أسكن في أذهان المتلقين- بمعية أصوات الدرهم والطاهري وعبد الكريم وسكينة والسعدي- فن الملحون وجعله فنا مشاعا لدى الشباب الذي كان يستثقل الطريقة التي يؤدى بها من طرف شيوخه. في هذه السلسلة سنسافر مع الأصبهاني وسط قلعة جيل جيلالة لنطلع على أسرارها ومسارها. من سنة 1974 إلى سنة 1975 ستدخل جيل جيلالة تجربة جديدة ومغامرة أخرى، لكي تعطي لنفسها الاشعاع الذي تستحق. في تلك الفترة كان عبد الكريم القسبجي قد التحق بالفرقة، وكان قدومه قيمة فنية انضافت إلى المجموعة، فبصوته الحاد والرائع سيتمكن من أن يصبح عنصرا اساسيا داخل الفرقة وسيصبح من المنشدين الضروريين لها، وسيضيف لها نكهة أخرى ستمدها بنفس جديد. ولعل المستمع لأغاني جيل جيلالة ما يزال يحتفظ بصوت هذا الرجل سواء أغاني الملحون أو غيرها. كان عبد الكريم قبل التحاقه بجيل جيلالة، يعمل بفرقة «نواس الحمراء» المراكشية وهي من الفرق التي تأسست في مراكش بعد أن ظهرت جيل جيلالة، وكان لهذه الفرقة موقع خاص يعرفه المتتبعون للمجموعات الغنائية المغربية، مولاي الطاهر وعبد العزيز الطاهري. وفي اطار تدعيم الفرقة بأصوات جديدة سيقترحان جلب عبد الكريم القسبجي من مجموعة «نواس الحمراء»، وكذلك كان يسافر معها مباشرة إلى باريس وتسجيل ألبوم جديد يضم أغاني «الريفية و ليغارة» و«دادة امي» و«بابا مكتوبي» و«ريح البارح». سيعد صوت عبد الكريم من أروع الاصوات التي عرفتها المجموعات الغنائية وذلك بشهادة الجميع. المخرج حميد بنشريف مبدع شاب سيظهر هو الآخر في حياة المجموعة وسيجرها إلى عالم السينما، ليصور معها فيلما قصيرا اسمه «صورة» سيعرض في مرجان تونس وسيفوز بالجائزة الأولى، بعد نجاح فيلمه القصير هذا سيصور بنشريف فيلما جديدا أبطاله هم جيل جيلالة، وهو فيلم شبه استعراضي للفرقة تحكي قصته عن مجموعة غنائية تود أن تبرز مواهبها لكنها ستصطدم بعدة عراقيل لتتحول حياتهم إلى «تراجيديا» حقيقية. هذا الفيلم انتجه حسن برادة أحد رجال الاعمال وأحد اصدقاء جيل جيلالة الذي اقترح أيضا أن تقوم الفرقة بجولة في الشرق العربي كي تزيد من اشعاعها وتغزو سوق الفن هناك، وتبرز الفن التراثي المغربي. هذه الفكرة تحمس لها الجميع، وتم الاتفاق أيضا على تسويق فيلم حميد بنشريف في الشرق، وان تقوم الفرقة بتصوير أغانيها للمحطات التلفزية هناك، من أجل هذا الغرض سافر حميد الزوغي وحميد بنشريف إلى الدول العربية التي يجب أن نقصدها في جولتنا من أجل وضع الترتيبات والاجراءات القانونية لهذه الجولة. بعد أن غادر حميد بنشريف وحميد الزوغي إلى الشرق العربي، كانت للمجموعة عدة لقاءات فنية في المغرب، وبينما هي منهكمة في هذه العروض، فإذا بها تتلقى اتصالا هاتفيا من الجنيرال احمد الدليمي قصد مقابلته، وهو ما تم فعلا، ليخبرهم بأن الدولة تريد منهم كفرقة فنية أن يقوموا بجولة في الثكنات الامامية والمرابطة في الحدود وهي ثكنات الزاك وفم لحصن و إيفني وطرفاية، وكانت الصحراء إذاك مستعمرة من طرف الاسبان. كان الهدف من هذه الجولة يقول مولاي الطاهر هو الرفع من معنويات جنودنا هناك على الحدود، وجعلهم لا يحسون بجفاء ما وبأن قلوب الشعب المغربي معهم، لم نكن إذاك قد انجزنا لا أغنية «العيون عينيا» ولا «جنود الصحراء»، كانت لقاءاتنا من الجيش في مختلف الثكنات عفوية جدا، لم نكن نقيم خشبة أو نستعمل مكبرات الصوت، بل كنا نقصد مباشرة ساحات الثكنات ونقوم بالغناء وكأننا في الحلقة، ويلتف حولنا الجيش الذي يؤدي معنا كل الاغاني التي نؤديها، وظل الامر على حاله طيلة عشرة أيام كانت مناسبة لنا أيضا لأن نتعرف على أقاليمنا غير المسترجعة ومن هناك جاءتنا فكرة انجاز اغنية من أجل جنودنا، خصوصا بعدما وقفنا فوق جبال «كركر» وهي الاغنية التي ستنجز بعد سنوات من زيارتنا إلى المناطق الصحراوية. كان الدليمي يتتبع خطواتنا واحدة واحدة وكلما حل في ثكنة كان يدعونا للجلوس معه إما للدردشة أو لعب الورق.