يرتبط التكفير لدى الخوارج باعتقادهم النابع من الأصل القرآني، "ومن لم يحكم بما أنزل لله فأولائك هم الكافرون" (المائدة 44). غير أن الوقائع تبين أن «العمل بما أنزل لله» من منطلق إيماني صرف ليس سوى القشرة التي تختفي وراءها نزعة الصراعات السياسية والاجتماعية والهيمنة على السلطة من قبل الطوائف والمذاهب والفرق الكلامية التي ظهرت في ما بعد. وقد قيل في تعريف فرقة الخوارج أن:»كلمة خوارج أطلقت على أولئك النفر الذين خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه بعد قبوله التحكيم عقب معركة «صفين»، إذ اعتبر هؤلاء التحكيم خطيئة تؤدي إلى الكفر، ومن ثم طلبوا من علي أن يتوب من هذا الذنب، وانتهى الأمر بأن خرجوا من معسكره، وقد قبل الخوارج هذه التسمية، ولكنهم فسَّروا الخروج بأنه خروج من بيوتهم جهادا في سبيل لله وفقا لقوله تعالى: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى لله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على لله)[سورة النساء/الآية:100]، وقد أطلق على الخوارج أيضا اسم»الشُّراة» وربما يكونون هم الذين وصفوا أنفسهم بذلك، كما ورد في قوله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات لله ولله رؤوف بالعباد) [سورة البقرة/الآية:207]، وسمُّوا أيضا بالحَرورية لانحيازهم في أول أمرهم على قرية»حَروراء» بالقرب من الكوفة، كما سمُّوا أيضا بالمُحكّمَة لرفعهم شعار»لاحكم إلا لله» والتفافهم حوله. ومهما يكن من شيء، فإن اسم»الخوارج» في معناه الأول الذي يشير على الانشقاق ومفارقة الجماعة». فالخوارج، إذن، هم أولئك النفر الذين خرجوا على عليٍّ بعد قبوله التحكيم في موقعة صفين، ففارقوا جماعة المسلمين وهاجروا بعيداً عنهم. ولعل من أشد ما أقدم عليه الخوارج، في بداية ظهورهم حين كان يطلق عليعهم اسم «المحمكة»، قتلهم عبد لله بن خباب، ابن الصحابي خباب بن الأرت، بعد أن حدثهم بحديث يوجب القعود عن الفتن. ويذكر الإسفراييني تفاصيل ذلك: بأنهم حين خرجوا إلى النهروان، رأوا في طريقهم عبد لله بن خباب بن الأرت، فقالوا له: حدث لنا حديثا سمعته من أبيك عن رسول لله -صلى لله عليه وسلم, فقال: سمعت أبي يقول سمعت رسول لله يقول: «ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والواقف فيها خير من الماشي…»، فلما سمعوا منه ذلك قتلوه على حافة النهر، ثم قصدوا بيته وقتلوا أولاده وأمهات أولاده». وكان الذي تولى قتله -فيما يذكر الأشعري- مسعر بن فدكي، ويذكر البغدادي أنه رجل يسمى مسمعا؛ ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن مسعر بن فدكي الذي تولى رئاسة الوفد الذاهب إلى البصرة أمر مسمعا بقتل عبد لله بن خباب فقتله، ولعلهما شخص واحد حصل التصحيف في اسمهما لتقارب الشكل. كما أن الخوارج حين خرجوا إلى حروراء كانوا يعاملون المسلمين الذين يخالفونهم في الرأي أبشع المعاملات وأقساها، ويصفهم الملطي بقوله: «فأمَّا الفرقة الأولى من الخوارج فهي المحكمة الذين كانوا يخرجون بسيوفهم، فيمن يلحقون من الناس، فلا يزالون يقتلون حتى يقتلوا، وكان الواحد منهم إذا خرج للتحكيم لا يرجع أو يقتل، فكان الناس منهم على وجل وفتنة». ومن أبرز أفكارهم أنهم: زعموا أن عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين، وكل من رضي بالحكمين، كفروا كلهم؛ وذلك بظاهر قوله تعالى: «إن الحكم إلا لله»، الأنعام: 40. وزعموا أنَّ كل من أذنب ذنبا من أمة محمد فهو كافر، ويكون في النار خالدا مخلدا. وذلك باستثناء الإباضية التي تقول بأن مرتكب المعاصي كافر كفر نعمة. تجويزهم -بل إيجابهم- الخروج على الإمام والحاكم الجائر, واستحلال دماء المسلمين. هذه أبرز وأهم أفكار المحكمة التي كانت بذرة الخوارج وبداية فتنتهم التي ما زالت مستمرة حتى عصرنا الراهن. وقد ذكر الإسفراييني في كتابه «التبصير في الدين»: «أن علي بن أبي طالب أرسل اليهم رسولا أن ادفعوا إليّ قاتل عبد لله بن خباب، فقالوا: كلنا قتله، ولو ظفرنا بك لقتلناك أيضا! فوقف عليهم علي بنفسه، وقال لهم: يا قوم ماذا نقمتم مني حتى فارقتموني لأجله؟ قالوا: قاتلنا بين يديك يوم الجمل وهزمنا أصحاب الجمل، فأبحت لنا أموالهم ولم تبح لنا نسائهم وذراريهم، وكيف تحل مال قوم وتحرم نسائهم وذراريهم، وقد كان ينبغي أن تحرم الأمرين أو تبيحهما لنا؟ فاعتذر علي بأن قال: أما أموالهم فقد أبحتها لكم بدلا عما أغاروا عليه من مال بيت المال، الذي كان بالبصرة قبل أن وصلت إليهم، ولم يكن لنسائهم وذراريهم ذنب فإنهم لم يقاتلونا، فكان حكمهم حكم المسلمين، ومن لا يحكم له بالكفر من النساء والوالدان لم يجز سبيهم واسترقاقهم، وبعد لو أبحت لكم نساءهم من كان منكم يأخذ عائشة في قسمة نفسه؟! فلما سمعوا هذا الكلام خجلوا وقالوا: قد نقمنا منك سببا آخر وهو أنك يوم التحكيم كتبت اسمك في كتاب الصلح: إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية حكما فلانا, فنازعك معاوية وقال: لو كنا نعلم أنك أمير المؤمنين ما خالفناك, فمحوت اسمك فإن كانت إمامتك حقا فلم رضيت به؟ فاعتذر أمير المؤمنين وقال: إنما فعلت كما فعل النبي (ص) حين صالح سهيل بن عمرو، وكتب في كتاب الصلح: «هذا ما صالح محمد رسول لله سهيل بن عمرو».