تذكٌر الصحيفة الجزائرية الشهيرة .. هذا الأسبوع أنه منذ بداية سنة 2014 تم اغتيال ما لا يقل عن عشر مزابي جزائري في ما وصف ب»التّيَهان الأمني» في سياقٍ عصيب يتميز بقمع الدولة الجزائرية لكلِّ معارضة و بالتصفية الجسدية لكلِّ معارض. المزابيون هم أقلية جزائرية، يبلغ عددها ما يقرب ال300 ألف نسمة، لا يشتركون مع الشّعب الجزائري لا في اللغة ولا في التقاليد أو في المذهب السنّي الغالب في الجزائر. و تقع هذه الأقلية في جنوبالجزائر حول مدينتي غرداية والأغواط. و التاريخ يشهد أنه تم ربط هاتين المدينتين إلى بقية التراب الجزائري من خلال مراسيم جمهورية فرنسية ابتداءً من 1900. هذه المدن والمناطق المحيطة بها توفِّر كمِّيات هائلة من النفط المصدر من قبل الدولة الجزائرية المركزية. والدخل من هذه الصادرات لا يعود و لا ينفع قِط أهل المزاب. أكثر من هذا فهذه المناطق تعاني من بطالةٍ هامّة تفوق الستِّين بالمائة، وكذلك تعاني من إقصاء تام من الحياة السياسية والإجتماعية الجزائرية. المزابيون اليوم يموتون مقتولين ليتم الإعتراف بهذه الحالة التي تشبه بكثير الإستعمار. إلا أن العالم عند ما يتطرق لشمال إفريقيا، يفضل النظر في مصير الصحراويين الذين تعتبرهم الجزائر نفسها التي تجلد المزابيين، غير مغاربة!!! و للتذكير، فرغم محاولات التضليل الكاذبة، فلا يموت صحراويٌ واحدٌ بسبب بطش و غطرسة الدولة، و بالأحرى أنهم لا يموتون بالعشرات كالمزابيين. إلا أنَّ بالنسبة للجزائر فمصير الصحراويين، الذين يحسِدونه عليهم المزابيين، هو الَّذي اقرب للإستعمار. و هذا يبقى غير منطقي لكلِّ عقلٍ سليم. أضف أنٌَ الصحراويين يشتركون مع كل المكونات الهوياتية للمغرب: المذهب، و اللغة و التاريخ و و و... أيضاً و خلافا للمزابيين, فالقبائل الصحراوية، ذات أصلٍ عربي، حيث كانت هاته القبائل تميَّزت خلال معارك و حروب السعديين ثم خلال بيعاتها للعلويين. و بعد ما يسمّى بحرب شربوبة القبلية تدخل المخزن للصُّلح فاستقرَّت في الصَّحراء في القرن 17،بعد التشاور مع المخزن و الحكومة المركزية المغربية آنذاك. و لا تزال موجودة حتٌَى اليوم في شمال المملكة ألقابُ أبناء عمومتهم القُدامى. أما بالنٌِسبة للمزابيين فلا وجود لأي علاقة من هذا القبيل مع الجزائر. و أخيراً و بسبب الرَّبط المُتأخر للقبائل الصحراوية للوطن من خلال المسيرة الخضراء التي أنجزها الملك الراحل الحسن الثاني، عرفت تحويلات هامّة في الموارد المالية و البشرية ممّا أدّى إلى ازدهار هام في المنطقة. على عكس منطقة المزاب في الجنوبالجزائري التي تكاد أن تكون منكوبة. فيبقى سؤال واحد: لماذا كلُّ هذا الإهتمام المُعار لمنطقة مزدهرة و هادئة كجنوب المغرب من طرف الأممالمتحدة و الإتحاد الإفريقي، بينما يتِمٌُ التِّجاهل كلياً بمصير المزابيين في جنوبالجزائر. علماً أن مصيرهم يقترب أكثر بكثير من سيناريو الإستعمار عمّا هو مصير أهل جنوب المغرب؟ هناك تفسير واحد فقط: كان لجنوب المغرب مستعمر مختلف عن مستعمر المغرب الأوسط. و هو إسبانيا. و المنظمات المذكورة أي الأمم المتَّحدة و الإتحاد الإفريقي، الذي كان المغرب مؤسس له، تعتبر أنه إذا تمَّ رسم خط في الخارطة بالحبر والدم، فيكفي ذلك لخلق وطن. و اتِّباعاً لِنفس المنطق فرسم خط في الخارطة بالحبر والدم يجمع هويات غير متصلة، كما فعلت فرنسا مع المزابيين، فهذا يكفي بالنسبة للأمم المتحدة و للإتحاد الإفريقي لخلق أمّة متكاملة! يا له من منطق، هدفه الوحيد توريط الشعوب، و تكريس التّقسيم الإستعماري الهجين. و هكذا يتم تفادي نتائج الإستقلال الذي وصلنا إليه بعد كفاح طويل من 1944 إلى 1953، و يتم فرض واقع مفبرك يهدد استقرارنا لعشرات السِّنين و ربّما لقرون.و كلُّ هذا يختلف عن الواقع المغربي والمغاربي. الواقع الحقيقي هو أن الأمّة المغربية كانت موجودة قبل وصول المستعمر بين 1912 و 1913. و بالدَّليل بعض الشيوخ المغاربة القُدامى لا يزالوا يُذكروننا بزمان وَطنِنا قبل مجيئ المستعمر، كما تذكرنا بذلك كتبنا و آثارنا و مُؤرِّخونا وخرائطنا و تقاليدنا المشتركة من الشمال الرّيفي إلى الجنوب الصحراوي. الواقع هو أنّ من أهم أسباب استعمارنا نحن المغاربة، ابتكار الطيران في بداية القرن العشرين و استعماله ضدَنا، خاصةً من خلال إلقاء كميات هائلة من الغازات السامّة ضد المدنيين العُزّل، لربما في محاولة لشكر المغاربة في مساهماتهم الباسلة خلال الحروب العالمية!!! الواقع هو أنّنا غفرنا و سمحنا، و نعترف بكلّ الدول في كل مكوناتها، و ننتظر المِثل من طرافها. و أخيراً الواقع هو أنه ليس هناك من شعب صحراوي، و أنَّ كلُ ما سيتذكره التاريخ في هذا الركن من القارة الأفريقية هو المغرب و المغاربة.