الحاج الحسين برادة، أحد مؤسسي المقاومة وجيش التحرير أركان الحملة المشبوهة للعميل البخاري في الحلقة العاشرة من الحوار المذكور، اعتبر العميل أن الشهيد محمد الزرقطوني كان «أميا»، وكان «أجيرا صغيرا في القطاع الخاص»، وأنه كان من «الزبناء الأوفياء للأحياء الخاصة»، أي البورديلات، واعتبر أن «المنظمة السرية لم تكن في الحقيقة منظمة سرية جماعية ومنظمة، وإنما كانت، ببساطة، مشروعا شخصيا يسيره ويديره محمد الزرقطوني لوحده. حيث كان يتخذ القرارات فيما التنفيذ كان موكولا لأعضاء المنظمة السرية»، وأضاف مؤكدا أن «هؤلاء الأعضاء جميعا جاء بهم محمد الزرقطوني، وكانوا من المتعاطين للدعارة، والهاربين من العدالة، والمترددين على الأحياء الخاصة للدعارة بالمدينة القديمة»... وقال العميل إن «محمد الزرقطوني كان محتشما جدا، ولم يكن مثقفا، ولم يكن يحب السفر إلى المدن الأخرى من البلاد، لأنه، منذ تأسيس المنظمة السرية، أصبح يعيش دوامة من الخوف، ولا ينام إلا ساعات قليلة خلال الليل، وتراوده كوابيس وتخوفات من خيانة ممكنة، أو الاعتقال يوما ما خارج مدينة الدارالبيضاء»... وبخصوص التمويل، قال العميل إن الشهيد «كانت لديه أموال «صندوق أسود» غير مراقبة، باسم منظمته السرية، ينفرد بأمر تدبيرها ولا يشاركه أحد في تسييرها، وكان يستعملها في إعالة أسرته الصغيرة، والديه، وجميع أفراد أسرته بالمدينة القديمة، فيما يذهب جزء من تلك الأموال إلى أداء أجرة العاملين معه الذين يستعملهم لاغتيال أحد المسؤولين الفرنسيين أو المتعاونين معهم من المغاربة، أو لوضع قنبلة تقليدية في مكان ما من أحياء مدينة الدارالبيضاء»... ثم يستطرد العميل ليقدم معلومة عجيبة جدا مفادها أن «المنظمة السرية عاشت عمرا قصيرا»، لأنها، بعد شهور قليلة على تأسيسها، قامت «بتوقيف أنشطتها» عقب استشهاد الزرقطوني. ليعود من جديد إلى تشويه عملية الاستشهاد البطولية، بالادعاء أن جاسوسين «استطاعا، في أسابيع قليلة فقط، أن يفوزا بثقة محمد الزرقطوني ويسقطاه في فخ المخابرات الفرنسية»، ومن ثمة اعتقاله، ليبتلع السم، و»يجده رجال الشرطة ميتا داخل زنزانته»، لأن «الزرقطوني كان يخشى التعذيب، ولم يكن بمقدوره أن يقاوم آلامه، وقام بهذه الخطوة ليموت قبل أن يبدأ هذا التعذيب»... تقارير مشبوهة في الحملة التضليلية للعميل البخاري لابد من الإشارة هنا إلى أن ما قام به العميل أحمد البخاري هو حملة تشويه مدبرة ضد الوطن وضد الشعب وضد تاريخه ومقاومته وتضحياته من أجل طرد قوات الاحتلال وإحقاق الاستقلال. وبمعنى أوضح إن المؤامرة اليوم هي مؤامرة ضد ثورة ملك وشعب!!! وككل متآمر محترف، يحاول العميل التغطية على حملته التآمرية بالقول إنه لا يأتي بشيء من عنده، وإنما ينقل ما اطلع عليه من تقارير سرية بأرشيف المخابرات الفرنسية... والغريب في هذه النازلة أن ما وقع في المغرب منذ عدة عقود من استعمال مشبوه لتقارير المخابرات الفرنسية، لم يحصد سوى الفشل الذريع بفضل الإجماع الشعبي على رموز الوطن، وافتضاح مرامي القوى المضادة لثورة الملك والشعب وانكشاف أهدافها التآمرية... الغريب أنه بعد أزيد من ستة عقود على إفشال المؤامرة على رمزية ورموز الثورة، تستفيق اليوم بقايا هذه القوى في المغرب، وتستعمل نفس الأساليب البالية، ونفس الاتهامات والإشاعات حرفيا بالنقطة والفاصلة، للعودة إلى محاولة تشوية ثورة الملك والشعب، انطلاقا من تقارير مشبوهة ومخدومة... وللتأكيد أن العميل المذكور يلعب هذا الدور التآمري أنه لا يكتفي بمهمة «نقل الكفر» والتغطية على ذلك بمقولة «ناقل الكفر ليس بكافر»، بل يحاول التحايل على القراء، للإيهام بمصداقية تلك التقارير، بالقول «لو كنت أحكي هنا ما هو مكتوب في تقارير الاستخبارات والاستعلامات العامة، لكان مغلوطا، لكن تقاريرSDECE كانت محايدة تماما ولا تميل إلى أي جهة»، ثم يؤكد أنه «ليس من مصلحة المخابرات الفرنسية أن تعد تقارير كاذبة أو مغلوطة»، ومشددا على أن هذه المخابرات تابعة للدفاع وليس للحكومة، وهو «ما يجعل تقاريرها جدية ومحايدة، وتبحث عن الحقيقة للتعامل معها»!!! لنتصور حقيقة ودوافع شخص معين يتكلم عن تقارير استخباراتية ويدافع عنها بكل هذا الشكل الحماسي، هذا أولا. ثانيا، القول إن جهاز SDECE وهو جهاز «مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس» في الشرق الأوسط وفي شمال إفريقيا، يتبع الدفاع ولا يتبع الحكومة، قول مردود لأن من يتحكم في الإقامة العامة خلال الفترة التي تأسست فيها المنظمة السرية هي الدفاع وليست الحكومة، وحتى المقيمين العامين لم يعودوا مدنيين وإنما جنرالات بارزين، علما أن تأسيس «المنظمة السرية» في 1951 ارتبط بالممارسات القمعية للجنرال جوان، ثالثا، أن الاستخبارات الفرنسية كانت تعد تقارير مغلوطة بهدفين: تضليل الحكومة الفرنسية حول حقيقة ما كان يجري على الساحة المغربية، ومحاولة استعادة ثقة المعمرين في المغرب، ومازلت شخصيا أذكر هذه الأساليب، ومازال رفاقي المقاومين الأحياء، أطال الله في أعمارهم، يذكرون ذلك جيدا، ويذكرون كيف تصاعدت أعمال المقاومة، وكيف أصبحت مدينة الدارالبيضاء تحت تصرف الفدائيين، حتى أن الفرنسيين المقيمين بالمغرب باتوا أنفسهم على قناعة بهذه الحقيقة، مما جعل السلطات الاستعمارية تتحرك بكل قوة لاستعادة ثقة الجالية الفرنسية، فجندت مخابراتها وصحافتها وإذاعتها وعملاءها وأبواقها لتعلن في الشوارع أنه ليس هناك وجود لأي حركة منظمة، وإنما مجرد أفراد مجرمين يقترفون جرائم القتل والاعتداءات، وأنها ستلقي عليهم القبض لاستتباب القانون والأمن والاستقرار... ومازلت أذكر أنه ردا على هذا الادعاء، قررت جماعتنا تنفيذ عمليات منظمة في مختلف أحياء مدينة الدارالبيضاء، بواسطة مسدسات من عيار واحد، وفي وقت واحد تحدد في الساعة الثامنة والنصف ليلا. وهذا ما حصل بنجاح، وعاد الإخوان إلى مواقعهم سالمين، مقدمين لسلطات الحماية الدليل على أنهم يمسكون بزمام الأمور، وأن المحتلين ليسوا أمام أفراد مجرمين، بل إن الوجود الاستعماري برمته كان في مواجهة مباشرة مع إرادة شعب مؤمن بالحرية والاستقلال من خلال مقاومة مسلحة منظمة تناهض الاحتلال... إنني أتألم اليوم غاية الألم، لأن ما كنا نواجهه، كمنظمة سرية، أيام بطش سلطات الاستعمار في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي، أجد أنه، اليوم، بعد أزيد من 60 سنة، ونحن في سنة 2014، نواجه نفس الحملات ونفس التقارير ونفس التضليلات الاستعمارية!! هذا في ما يتعلق بالتقارير التي استند إليها العميل، لننتقل إلى الرد على باقي أركان الحملة المشبوهة ضد رموزنا الوطنية...