ولد الرشيد: العلاقات الفرنسية المغربية مبنية على أسس صلبة    ولاية أمن مراكش…توقيف مواطن فرنسي مبحوث عنه دوليا بتهم ترويج المخدرات والاختطاف ومحاولة القتل    البواري يستقبل رئيس الوزراء فرانسوا بايرو ووزيرة الفلاحة والسيادة الغذائية في الجناح المغربي بالمعرض الدولي للفلاحة بباريس    تفاصيل هزة ارضية ضربت يابسة إقليم الحسيمة    وهبي في جنيف: نأمل في توافق بشأن إجراء زيارات مستقلة للإطلاع على وضعية حقوق الإنسان بالمملكة    صحيفة أمريكية تنسب لقيادي من حماس انتقاده لهجوم 7 أكتوبر والحركة تنفي    رئيس الحكومة يتباحث مع "ديون"    أخنوش يستقبل لارشير بالرباط    توظيف مالي مهم من فائض الخزينة    الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية تثير استغراب نقابات الصيادلة    اعتقال مواطن فرنسي بمراكش في قضية ترويج المخدرات والاختطاف ومحاولة القتل    سبيك: المغرب ينجح في إحباط مخطط "تفجيرات إرهابية عن بعد"    عن تنامي ظاهرة العنف المادي والمعنوي ضد أطر التربية..    تلاميذ طنجة أصيلة يتألقون في البطولة العربية لألعاب الرياضيات والمنطق ويحصدون ميداليتين ذهبيتين    أكثر من 130 مقاتلا مغربيا في تنظيم "داعش" في إفريقيا    استراتيجية المغرب في التعاون الدولي نهج استباقي، متعدد الأبعاد وشامل    الاتحاد الأوروبي يعلق عقوبات على سوريا    مراكش.. اجتماع حول المخطط الشامل للتعاون العسكري المشترك بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية    الصحراء في المخططات الإرهابية.. بين « تنظيم الدولة » و « دولة التنظيم »!    العداؤون المغاربة يتألقون في ماراثون اشبيلية    جريمة مزدوجة تهز المحمدية ..سبعيني يقتل ابنته وصهره ببندقية صيد    الطالب الباحث مصطفى المحوتي يناقش رسالة الماستر حول البعد التنموي لقوانين المالية بالمغرب    ندوة بالحسيمة تسلط الضوء على حقوق النساء الراعيات للأشخاص في وضعية إعاقة    منخفض جوي يقترب من المغرب مصحوب بامطار غزيرة وثلوج    رئيس الاتحاد الموريتاني لكرة القدم يستقبل فوزي لقجع    نايف أكرد يغيب عن مواجهة برشلونة بسبب تراكم الإنذارات    فرنسا تدين استهداف قنصلية روسيا    الملك يهنئ رئيس جمهورية إستونيا    دراسة.. ارتفاع معدلات الإصابة بجرثومة المعدة لدى الأطفال بجهة الشرق    ميناء طنجة المتوسط يستقبل سربًا من مروحيات الأباتشي    "زمن الخوف".. الكتابة تحت ضغط واجب الذاكرة    الجبل ومأثور المغرب الشعبي ..    غزة ليست عقارا للبيع!    تفكيك خلية إرهابية مرتبطة بداعش .. عمليات البحث والتتبع لأنشطة عناصر الخلية استغرقت ما يناهز السنة    سفير اسبانيا .. مدينة الصويرة تلعب دورا محوريا في تعزيز الروابط الثقافية بين المغرب واسبانيا    دنيا بطمة تعود إلى نشاطها الفني بعد عام من الغياب    الدار البيضاء.. الأوركسترا السيمفونية الملكية تحتفي بالفنان الأمريكي فرانك سيناترا    مع اقتراب رمضان.. توقعات بشأن تراجع أسعار السمك    دراسة تكشف عن ارتفاع إصابة الأطفال بجرثومة المعدة في جهة الشرق بالمغرب    السد القطري يعلن عن إصابة مدافعه المغربي غانم سايس    المهاجم المغربي مروان سنادي يسجل هدفه الأول مع أتليتيك بلباو    الذهب يحوم قرب أعلى مستوياته على الإطلاق وسط تراجع الدولار وترقب بيانات أمريكية    "كابتن أميركا" يواصل تصدّر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    غوتيريش: وقف إطلاق النار في غزة "هش" وعلينا تجنب تجدد الأعمال القتالية بأي ثمن    السعودية تطلق أول مدينة صناعية مخصصة لتصنيع وصيانة الطائرات في جدة    الصين: "بي إم دبليو" تبدأ الإنتاج الضخم لبطاريات الجيل السادس للمركبات الكهربائية في 2026    الوزير يدعم المغرب في الحفاظ على مكسب رئاسة الكونفدرالية الإفريقية للمصارعة وانطلاقة مشروع دراسة ورياضة وفق أفق ومنظور مستقبلي جديدة    مناقشة أول أطروحة تتناول موضوع عقلنة التعددية الحزبية في المغرب بجامعة شعيب الدكالي    نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي يدعو إلى قتل الفلسطينيين البالغين بغزة    صدمة كبرى.. زيدان يعود إلى التدريب ولكن بعيدًا عن ريال مدريد … !    المغربي أحمد زينون.. "صانع الأمل العربي" في نسختها الخامسة بفضل رسالته الإنسانية المُلهمة    فقدان الشهية.. اضطراب خطير وتأثيره على الإدراك العاطفي    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سفر في المجموعة القصصية «غيبوبة على منظر ساقط» لمحمد المباركي (*)
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 05 - 2017

محمد المباركي مبدع أصيل وأنيق، يصر على محو البياض، وتكسير رتابة اليومي الأرعن، هو عنوان صادق من العناوين الجميلة التي تؤثث المشهد الثقافي الوطني. هو عاشق يمشي الهوينى في شارع الإبداع، هو رحالة يتنقل بين مناطق الجمال زاده دربة ودراية وصدق.
محمد المباركي كاتب من كتاب المغرب الشرقي الرائعين، يحفر اسمه في هدوء وثبات، زاهد في الظهور، متصوف لا يتوقف عن رسم شطحات العزلة وتمجيد الظل والهروب من الضجيج والأضواء. محمد لمباركي مبدع يخطو خطواته في دروب الكتابة متحصنا داخل الصمت ماسكا بزمام الإبداع.
أحسست بمتعة كبيرة وأنا أركب صهوة مجموعته القصصية الجميلة «غيبوبة على منظر ساقط»، التي أهدتني سفرا ساحرا، حيث تذوقت حلاوة الجمال الذي تفيض به السطور، وتلذذت بسحر الألحان التي تعزفها الحروف.
امتد السفر عبر خمسة عشرة محطة، تختلط الهموم والأحلام وتعدد المواضيع والتيمات، تستدعي المجموعة ألوانا من الأوجاع وتعرج على مناطق مختلفة من التداعي والبؤس وخيبات الأمل.
تبتدئ الأضمومة بنص «طبيبة ملاك» حيث تمتزج قصتان في قصة واحدة، قصة الجليس الذي يحكي أحداث الفيلم، ويتأثر بها، وقصة الفيلم حيث تلعب طبيبة نفسانية دور البطولة، وتنجح في التجاوب مع رضيع متخلى عنه، ظل يرفض التواصل مع الآخرين.
بعد هذا النص الجميل الذي ينساب معتمدا على التكثيف والقصر واللغة البسيطة والسرد المتدفق بعذوبة ودون تكلف، تسمح لنا المجموعة بولوج عالم نص آخر بعنوان «كلبنة» ويحكي قصة كلب مدلل يقيم رفقة مالكته في فندق فاخر بإحدى المدن السياحية حيث يعيش حياة بذخ. الكلب لا يرتاح لهذا النوع من العيش، ويحس أنه مسلوب الحرية ومنسلخ عن طبيعته، فيتوق إلى الانعتاق والانخراط في حياة الكلاب الضالة، هذه القصة غنية بالدلالات وتتوالى أحداثها بسلاسة معتمدة على لغة بسيطة وساخرة.
بعد النصين السالفي الذكر، تستقبلنا قصة أخرى بعنوان «على رصيف الصدفة» والتي تتمحور حول لقاء ضرير بضريرة صدفة، وينتهي اللقاء بزواجهما، ويتميز هذا النص بجمله القصيرة وبطغيان الحوار وبقصر الحجم.
القصة الرابعة في المجموعة القصصية تحمل عنوان «ضاعت مني»، وفيها يُضَيِّع كاتب قصة كان ينوي قراءتها على الجمهور، فيتجه إلى إطلاع الناس على روايته التي نالت شهرة كبيرة واستقبلها الجمهور بكثير من الاحتفاء والإعجاب، وينتهي النص بإفصاح الكاتب عن اسمه الذي لم يكن سوى غابرييل غارسيا ماركيز.
القصة الخامسة ضمن المجموعة القصصية «غيبوبة على منظر ساقط» لمحمد المباركي تحمل عنوان «ألا يوجد فيكم رجل رشيد»، وفيها وجد السارد نفسه في مدينة يسكنها سكان عراة، يبدو مختلفا عن الجميع مما يعرضه للاعتقال داخل مخفر للشرطة، حيث تُوجه له تهمة العراء! والنص كسابقيه غني بالدلالات ويتخلله الحوار.
النص الموالي بعنوان «أصائص الزهر» وتجري أحداثه في حانة، حيث يلتقي رجل بامرأة ويدور بينهما حوار، ونجد في النص الكثير من الصور والتعابير الجميلة.
وتحمل القصة السابعة في المجموعة القصصية عنوان «رجل ينتظر» وتبدأ كغيرها من القصص بالحوار الذي يطغى على نصوص المجموعة ككل، وتحكي قصة رجل ظل ينتظر امرأة ثلاثة عقود، لكنها تُخلف وعدها. ليظل هو في مدينة وهي في مدينة، وبينهما كاتب ماكر ينقل إلى المرأة خبر انتظار الرجل.
وتحمل القصة الثامنة عنوان «المملكة الزرقاء» ويطغى عليها الوصف كما في المثال الذي يبتدئ به النص «لاح له في ركن من المملكة الزرقاء وجهها القمحي الباسم البديع القسمات..» إلى آخر المقطع. ويتخلل هذا النص أيضا الحوار بل يطغى عليه كما في المثال التالي:
– متى نلتقي خارج هذا العالم الافتراضي يا حبيبتي!؟
– متى حلا لك ذلك يا حبيبي… إلى غير ذلك من الأمثلة.
وتدور هذه القصة الجميلة حول علاقة تعارف بين فتىً وفتاة في العالم الافتراضي، وسرعان ما يتحول هذا التعارف إلى علاقة حب، فيتم الاتفاق على اللقاء، ويسافر الفتى عبر القطار السريع للقاء الفتاة لكنه حين يراها في المحطة تنتظره على كرسي متحرك يتحاشاها، ويعود من حيث أتى، دون أن يكلمها حتى.
أما النص التاسع فهو الذي تحمل المجموعة عنوانه «غيبوبة على منظر ساقط» وفيه تسقط الزوجة في غيبوبة حيث تكتشف أن زوجها شاذ جنسيا.
وتتوالى نصوص المجموعة بنفس الإيقاع والخصائص والمميزات، وهذا ما يتجلى واضحا في باقي قصص الأضمومة، فالنص العاشر «قنينة الخليط» الذي هو عبارة عن حلم يرى فيه رجل كهل في الخمسين نفسه يتناول خليطا فيصير شابا في العشرين ويعود إلى أجواء الشباب، لكن زوجته أوقفت شريط الحلم بعد أن أيقظته.
هذا النص أيضا يعتمد الحوار وسيلة من وسائل السرد، وتحضر فيه المرأة حضوراً لافتاً كباقي نصوص «غيبوبة على منظر ساقط».
ويشكل النص الحادي عشر الاستثناء إذ تغيب فيه المرأة ويحتل المكان حيزا مهما في هذا النص الذي يحمل عنوان «هل تتغير الجغرافيا؟» ويحكي كيف أن حركة غريبة أدت إلى تغيير موقع المغرب الأقصى.
وفي النص الثاني عشر «حين كان الجواز حلما» يطفو على السطح موضوع آخر هو موضوع الهجر، حيث يحصل السارد على جواز السفر حين كان الأخير حلما صعب المنال، ويهاجر إلى فرنسا وينزل في باريس حيث يتغنى بالحرية ويرفض العودة إلى الوطن.
مع توالي حلقات السفر على متن سطور الأضمومة القصصية «غيبوبة على منظر ساقط»، يتضح أن النصوص تسير وفق تقنيات سردية مشتركة، لكنها تختلف من حيث المواضيع والتيمات، ويتجلى ذلك واضحا من خلال النصوص الثلاثة التي تختم المجموعة، فقصة «امبارك» التي تحكي قصة رجل كهل منحرف يعود في آخر حياته إلى جادة الصواب ويموت ويشيع في جنازة مهيبة، وقصة «صبي في ليل البحر» التي تتخذ مدينة السعيدية فضاءً لها حيث يسير السارد ليلا على الرصيف الطويل وتثير انتباهه امرأة تتسول بابنها. وقصة «قط ليومين» حيث يمسخ صديق السارد إلى قط، فيتناوب على عملية السرد السارد والقط، هذا الأخير الذي يتنقل بنا إلى الحافلات وسطوح المنازل والأحياء الفقيرة والراقية.. وينتهي النص بتحول القط إلى قطعة صابون.
هذه القصص الأخيرة لا تخرج عن السياق السردي العام الذي تعتمده قصص المجموعة ككل، ولكنها تختلف من حيث المواضيع والتيمات كما سلف الذكر.
إن المسافر في تضاريس المجموعة القصصية «غيبوبة على منظر ساقط» يخرج بالاستنتاجات التالية:
حضور المرأة القوي على امتداد مساحة المجموعة، حيث تتقمص أدوارا عديدة منها الطبيبة والزوجة والعاهرة والمتسولة والحبيبة…
تعدد مواضيع المجموعة القصصية حيث تطفو على سطحها عدة مواضيع، كالحب والهجرة والفقر والانحراف والخيانة والشذوذ…
طغيان الحوار حيث لا يكاد يخلو أي نص من نصوص المجموعة من الحوار الذي يُعتمد كتقنية سردية مهيمنة.
استحواذ الزمن الماضي على جغرافية المجموعة، فكل القصص تستنجد بالماضي في سرد أحداثها.
حضور المدينة وغياب البادية، فالأولى تحضر إما صراحة (باريس، السعيدية) أو من خلال ما يرتبط بالفضاء المديني (الشارع – الحي – الحافلة – الحانة…).
وهذا يزكي الرأي القائل إن القصة جنس أدبي مديني بامتياز.
هنيئا للخزانة القصصية المغربية بهذه الأضمومة الجميلة، وهنيئا بالقاص الجميلة محمد المباركي الذي يرسم أثره الإبداعي عموما بعمق ووعي وصدق ودون ضجيج أو جري وراء الأضواء.
(*) ألقيت هذه القراءة في إطار الدورة الخامسة للمهرجان العربي للقصة القصيرة بالصويرة أيام 16-17-18 دجنبر 2016 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.