في إطار الاحتفالات الفرنسية بالذكرى المئوية للحرب العالمية الثانية، تذكرت فرنسا المحاربين الأجانب الذين قاتلوا في صفوف جيشها، سواء خلال تلك الحرب أو أثناء الحرب العالمية الثانية. قدماء المحاربين المغاربة في الجيش الفرنسي من بين هؤلاء، وحسب الإحصائيات الفرنسية، فإن 14 ألفا منهم لا زالوا على قيد الحياة. حمو موسيك، البالغ من العمر الآن حوالي 96 سنة والقاطن بالدارالبيضاء، أحد قدماء المحاربين الذين قاتلوا من أجل تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية. وقد حارب طوال مدة تفوق 10 سنوات في العديد من الجبهات: الجبهة التونسية في يناير 1943، تحرير كورسيكا في يونيو 1944، إنزال بروفانس في غشت من السنة نفسها، احتلال ألمانيا إلى غاية نونبر 1945، ثم حرب الهند الصينية في يونيو 1950، وحصل على ما لا يقل عن سبعة أوسمة عسكرية. بمناسبة تخصيص ملف خاص لقدماء المحاربين الأجانب رفاق سلاح الجنود الفرنسيين خلال الحربين العالميتين (10 يوليوز 2014)، التقت مبعوثة أسبوعية «لو نوفيل أوبسرفاتور» حمو موسيك في الدارالبيضاء، ورسمت له البورتريه الذي نقترح ترجمته على القراء. تقول الأسطورة العائلية إنه ازداد في بداية القرن الماضي، يوم دخول القوات الاستعمارية الفرنسية إلى الدوار، هناك في الأعالي، بمنطقة أزيلال الواقعة في قلب الأطلس المتوسط المغربي. وتضيف الأسطورة أنه في اليوم، قتل الجنود «موح»، والده الذي هو بربري كان مناهضا لنظام الحماية. لا أحد من أفراد العائلة يعرف متى حدث ذلك بالضبط، وحمو موسيك لا يعرف تاريخ ميلاده. لاحقا، في نونبر 1941، حين سينخرط في صفوف الجيش الفرنسي، هو ابن المقاوم، سيقرر الطبيب أنه يبلغ من العمر 23 سنة. كان الطبيب، يومها، قد فحص الطبيب أسنانه، ولذا، فبطاقة تعريفه تحمل، أمام خانة تاريخ الميلاد: 01 - 01 - 1918 . حصل الأمر تنفيذا لقرار مفاده أن عيد ميلاد جميع من ازداد، في المغرب، قبل خلق الحالة المدنية سيوافق فاتح يناير. حروب حمو برمتها موضوعة في ظرف ورقي يبلغ حمو موسيك اليوم 96 سنة من العمر، وربما أكثر (احتلت القوات الفرنسية أزيلال، عاصمة الإقليم الحامل لنفس الاسم، في نونبر 1916، ما يجعل تاريخ ميلاد حمو موسيك يعود إلى تلك الحقبة). إنه رجل مسن وحيوي، يلبس جلبابا ويصعد دون وهن أدراج منزله الصغير الواقع في حي سيدي عثمان الشعبي، جنوبالدارالبيضاء. ظروف عيشه، بمعية عائشة، إحدى بناته، متواضعة، وهو لا يعرف لا القراءة ولا الكتابة، مثلما لا يتكلم اللغة الفرنسية. لكنه يحتفظ، في دولاب غرفته، بقطعة مخملية حمراء علقت عليها الأوسمة السبعة التي منحتها إياه فرنسا: وسام جوقة الشرف، الوسام العسكري، وسام حرب 39 - 45 بنجمته البرونزية... حمو موسيك خدم فرنسا عسكريا عشر سنوات وعشرة شهور، حيث أرسل إلى الجبهة التونسية في يناير 1943، وشارك في تحرير كورسيكا في يونيو 1944، وفي إنزال بروفانس في غشت، وفي احتلال ألمانيا إلى غاية نونبر 1945، وبعدها في حرب الهند الصينية في يونيو 1950 برتبة «مقدم أول» . حروبه موضوعة اليوم برمتها في ظرف من الورق، ذلك أنه دس داخل الظرف كناشه العسكري المعبأ يدويا بخط ضيق والمتضمن لتفاصيل خدماته وانتقالاته المختلفة شهرا بعد شهر، بالإضافة إلى بطاقة جنديته التي تمنحه تقاعدا قيمته 669 أورو سنويا. الجندية للإفلات من الفقر إنه أحد رجال الجبال، كما يقال في ضفة المتوسط الأخرى، ترعرع وسط أراضي مجدبة يبلغ ارتفاعها 1330 متر على سطح البحر. كان، هو الابن الوحيد لأرملة، يرعى الماعز والأكباش والأبقار، ويزرع قليلا من القمح والشعير. يتذكر حمو أن الجيش كان ينظم، كل سنة، حملة تجنيد. وقد قرر، ذات يوم، الانخراط في صفوف الجندية لأن تامرزوكت، حيث كان يقطن، «لم تكن توفر مناصب شغل». في بداية الحرب العالمية الثانية، التحق 90 ألف مغربي، على غراره، بالجيش الفرنسي بهدف الإفلات من الفقر، أو لأن القائد عينهم. انخرط حمو موسيك إذن في صفوف الگوم، وحدات المشاة تلك المكونة حينها من برابرة الأطلس أساسا والمكلفة بالأمن الداخلي (كان حمو موسيك تابعا للفيلق 60 من الگوم، علما أن هؤلاء كانوا موزعين إلى طوابير، وأن الأخيرة كانت هي الأخرى تكون أربع مجموعات من الطوابير المغربية. وبالإضافة إلى الگوم، كان هناك أيضا أربعة فيالق من الخيالة وعشرة من المشاة). أيامها، لم يخبره أحد أنه قد يلتحق ربما بجبهة القتال. سيجد حمو موسيك نفسه، خلال شتاء 1943، في الجبال التونسية لمواجهة الوحدات الألمانية، وهو لا يتوفر إلا على عدة بئيسة، على جلباب وحذاء قديم «تخترقه المسامير» وبندقية تعود إلى نهاية القرن التاسع عشر (بندقية برثيي القصيرة الشهيرة)، ولا شيء تقريبا يقتات به باستثناء «قليل من الخبز والعجائن». ولن يتوصل فيلقه بعتاد يليق ب «جمود حقيقيين» من طرف الأمريكيين إلا حين ستدق ساعة الإنزال في كورسيكا، أي بعد مرور شهور على المغامرة التونسية: سترة من الكتان الغليظ وخوذة وقفازان وعلب سردين... عقب الإنزال في كورسيكا، وبهدف تحرير باستيا، سيضطر الگوم إلى عبور شعب تغيم. سيستغرق منهم الأمر 12 ساعة من المشي تحت المطر ومن الانزلاق فوق تربة مبللة، حاملين على الأكتاف خيمة وغطاء وفأسا وبندقية. كما أن بعضهم اضطر لحمل صناديق الذخيرة أيضا، لأن عدد البغال لم يكن كافيا. هذا، وبمجرد مرور ساعتين على وصول الگوم، شرع الألمان في القصف، ليرى حمو موسيك بأم عينه أول قتلاه. فقد الفيلق الثاني للگوم المغاربة يومها 41 فردا، « لكننا لم نكن نعير اهتماما لذلك حينها»، يقول. أحد أكثر فصول الشتاء برودة في القرن في السنة اللاحقة، وبعد الإنزال في بروفانس، سيحرر الگوم مرسيليا. لقد ظهروا فجأة في المرتفعات المحيطة بها، ثم توجهوا ناحية الشمال الشرقي وعبروا وادي نهر الرون، قبل مواجهة ما يسمى ب «محنة الفوج». أجل، الشتاء ذاك كان من أكثر فصول القرن برودة. الرياح كانت جليدية والثلوج غزت الفضاء برمته. هناك نال حمو موسيك أحد أوسمته، حيث ورد في قرار منحه إياه ما يلي: «لقد تميز بشكل خاص خلال معركة رامونشون، يوم 8 أكتوبر 1944، مساهما بعمله الفردي في دفع فرقة عسكرية ألمانية إلى الفرار وإلى اعتقال جنديها الحامل للرشاشة». إثرها، سيغادر حمو موسيك جبال الفوج بقدمين مجمدين بفعل البرد، مثله مثل عشرات الجنود المغاربة، ما فرض عليه قضاء شهر ونصف في أحد مستشفيات مدينة ديجون. أما معارك الهند الصينية، فستشكل المعارك الزائدة عن الحد. يقول حمو موسيك في هذا السياق: «في حرب العصابات تلك كان العدو يظهر من كل مكان، من خلف أي شجرة، من أي حقل من حقول الأرز». خلال تلك الحرب كانت الحرارة الرطبة تشكل كماشات حول رؤوس الجنود، ولم يكونوا يستطيعون شرب غير النبيذ بسبب كثرة المتمورات في الماء ما كان يجعل احتساءها يولد ألما فظيعا في البطن. دفع رجال «العصبة من أجل استقلال فيتنام» الجنود المغاربة إلى الانسحاب من حرب استعمارية لا ناقة ولا جمل لهم فيها، كما كانوا يرددون على مسامعهم. كانوا يصرخون بذلك عبر مكبرات الصوت باللغة العربية ويوزعون المناشير، ما جعل عشرات الگوم يتخلون عن القتال. ويختصر حمو موسيك الوضع ذاك قائلا : «قاسينا هناك من البؤس». عقب عودته، كان الرجل «متعبا إلى حد لا يطاق» جعله يغادر الجيش ليلتحق بشرطة الدارالبيضاء ويكف عن الحديث عن معاركه. لقد نسيته فرنسا، ونظرة المغاربة إليه كانت مريبة بسبب قتاله لصالح الدولة المستعمرة السابقة (استمرت الحماية الفرنسية من 1912 إلى 1956)، ما أدى به إلى إخفاء أوسمته. يحكي محمد، ابنه البكر، وهو أستاذ متقاعد للفنون التشكيلية: «كنت قد بلغت سن الرشد حين رأيت الأوسمة للمرة الأولى». الآن، وبعد المشاركة في الحرب، عليكم العودة إلى دياركم في نهاية سنوات 1990 فقط، سيشرع حمو موسيك في تلقي الدعوات لحضور حفلات إحياء ذكرى الحروب التي شارك فيها، وسنة 2007 فقط، أي عاما بعد عرض فيلم «لي زانديجين» لرشيد بوشارب، ستتم الزيادة في تعويض تقاعده ليصبح مماثلا لتعويضات قدماء المحاربين الفرنسيين، إذ ظل قبلها يحصل على مبلغ يقل عنهم عشر مرات. لقد لقي 7 آلاف جندي مغربي حتفهم خلال الحرب العالمية الثانية، كما جرح 30 ألفا من بينهم وأسر 18 ألفا. وحين كان الگوم يتوجهون إلى الجبهة، فإن العادة كانت تقضي لديهم أن ينشدوا: «زيدوا الگدام». وكانت الأغنية تقول في نهايتها: الآن، وبعد أن حاربتم، فإنه عليكم العودة إلى دياركم. قاسينا هناك من البؤس ناثالي فونيس