يناقش أستاذ السياسات العمومية يوسف بلال، في هذا الحوار الوضع السياسي المغربي الراهن، معتبرا أن «الربيع الديمقراطي» ما يزال مفتوحا على كل الإمكانيات بالمغرب، متوقعا أن المخرج السياسي بالمغرب سيكون بتحالف القوى الإسلامية مع القوى اليسارية، على قواعد ديمقراطية وقواعد للإنتقال، تمكن المغرب من التحرك فعليا باتجاه التغيير، مقيما أداء حزب العدالة والتنمية في الحكومة بالفشل في مواجهة «المؤسسة المخزنية»، ما أثر على دستور 2011 الذي بقي محدودا أمام حالة الإنبطاح التي أظهرها الحزب أمام سلطة القصر. يعمل الأستاذ يوسف بلال أستاذا بجامعة كلومبيا، وخبيرا بالأمم المتحدة، كما درس في السابق بجامعة محمد الخامس بالرباط، كل ذلك في تخصصه «السياسات العمومية»، كما صدر له كتاب قبل سنتين, فتح نقاشا واسعا بالمغرب وبين المهتمين بالحقل السياسي المغربي، بعنوان «الشيخ والخليفة»، الذي نناقش بعض أفكاره في هذا الحوار، ويعرفنا الأستاذ بلال عن مشاريعه الفكرية التي ينكب عليها حاليا. ثلاث سنوات من الدستور، هل ما يزال بوسعنا الحديث عن إمكانية التنزيل الديمقراطي? للدستور؟ الأمور بالنسبة لي واضحة، لقد كانت هناك آمال سنة 2011 بالنسبة لمن كان يعتبر أن دستور تلك السنة يمكن أن يأتي بالتغيير، وبالفعل كان ممكنا، فهو يبقى نصا، والنص خاضع للظروف السياسية ولميزان القوى.. أنا شخصيا أعتبر أنه لم يكن ممكنا الحكم على تجربة حزب «العدالة والتنمية» قبل مرور مهلة زمنية، يمكن من خلالها أن ننظر إلى التجربة وإلى الواقع.. وأعتقد أنه في البداية كانت محاولة من الحزب، ولكن من طبيعة الحال وقع تراجع، فالإشكال بنظري لم يكن مرتبطا بالنص، الذي كان ناتجا عن ضغط ظرفية معينة فيها «الربيع العربي» وحراك عشرين فبراير، وتخوف الملكية بعد سقوط نظامي بنعلي ومبارك.. والنتائج المحصلة نتيجة الضغط رأيناها أيضا في قضية «العفو الملكي عن دانييل غالفان» أو فيما يخص قضية «علي أنوزلا» أو قضايا أخرى. أعتقد أن العدالة والتنمية كان بإمكانه لعب دور أساسي، لكنه لم يرد فعل ذلك، وحافظ على خط سياسي مضمونه «الحكم مع الملك» وعدم الوقوف في المواجهة والمقاومة، برغم الإهانات والصراع السياسي ما بين القصر ورئيس الحكومة,... حصيلة هذه الثلاث سنوات هي أني أظن أن العدالة والتنمية كان بإمكانه أن يدفع بشكل جيد هذه التجربة، وأن يأتي بالكثير على مستوى المؤسسات، خاصة في البداية، حيث كانت تبدو بوادر إيجابية، لكن فيما بعد مثل في حالتي اعتذار رئيس الحكومة عن إصلاح المشهد السمعي البصري، وأيضا المأذونيات، ظهرت محدودية التجربة، ثم ساعة التعديل الحكومي ظهر أن هناك تراجعا، حتى على مستوى الأخلاق السياسية، في تلك الساعة ظهر أن العدالة والتنمية ليس فقط عاجزا عن محاربة «الإستبداد» بل وأيضا محاربة «الفساد». فيما يخص الأموال العمومية وإصلاح تدبيرها أيضا، تبين أنه يقع تراجع مستمر وخطير. تحدثت عن ضغط «الربيع العربي»، ألم يعد هذا «الربيع» خريفا، وكيف تريد المغرب أن يكون «استثناء» رغم الإنتكاسات الواقعة في الإمتداد؟ من قال إن الربيع العربي فشل، أنا أعتقد أن التجربة التونسية تبقى تجربة ناجحة، وهي في طريقها إلى الديمقراطية. يرد على كلامك بأن تونس تبقى استثناء، والقاعدة الفقهية تقول «الشاذ لا حكم له» وتبقى القاعدة هي القتل والدمار، دعني أسألك بشكل مختلف، أيهما أقرب للديمقراطية في نظرك ، هل المغرب أقرب, أم مصر؟ التغيير يقتضي أن يكون هناك المد والجزر، والظروف تتغير، و»الربيع العربي» هو لحظة معينة فتحت آفاقا، وخلقت حركية، وذلك لا يعني أن التغيير الديمقراطي سيكون غدا. المقارنة بين مصر والمغرب، مصر تبقى قطبا على المستوى العربي والجهوي والدولي، ما يجعل التداعيات, والصدى لما يقع فيها يحكم الكثير من الأمور في العالم العربي، في حالة قارنت ما وقع في السنوات الأخيرة، تجد أنهم ذهبوا كثيرا ساعة «إسقاط مبارك» والحراك الاحتجاجي الذي كان، وسنتين من التغيير السريع، لكن في نفس الوقت ما وقع ساعة الإنقلاب على الشرعية الديمقراطية، والمحاكمات التي نراها اليوم، إذا ما قارنا ذلك مع المغرب، نجد أن المغرب ما يزال يحافظ شيئا ما على الإنفتاح، رغم أنهما يشتركان في الأنظمة السلطوية. في الحالة المصرية هناك ذاكرة مشتركة وتمثل مختلف بين الدولة والشعب، حتى مفهوم «الثورة» هناك ما زال يحمل تمثلا قريبا من إعادة إنتاج الثورة التي كانت، «الثورة الناصرية»، أما في المغرب فالملكية تحاول تكريس أن لا أفق للثورة، وأن الملكية هي الطريق الوحيد للإصلاح، ما يجعل كلمة «الثورة» ما تزال تثير التخوف على مستوى الفاعلين السياسيين وعلى مستوى المجتمع. هناك من يقول أن التغيير في المغرب كان على نفس قدر ضعف المعارضة للسلطة، ما تقييمك للمعارضة بالمغرب اليوم؟ أهم مكونات المعارضة هي جماعة العدل والإحسان، إذ تملك امتدادا شعبيا، إلى جانب مجموعات فكرية ونخبوية في اليسار، التي لا تمتلك وزنا شعبيا حقيقيا، حتى وإن كانت تلعب دورا أساسيا في لحظات معينة، في الفضاء العام، في حالة طرح بعض القضايا مثل حقوق الإنسان أو حرية الصحافة أو التعذيب بالمغرب وأحيانا بالإنتهاكات في قضية الصحراء، لكنها لا تملك وزنا انتخابيا ومجتمعيا. ما يجعل من الضروري في حالة أردنا التغيير باتجاه إعادة تحديد علاقة الملكية، أن ينبني توافق بين جماعة العدل والإحسان وحزب العدالة والتنمية والأحزاب اليسارية. ماذا تقصد بالتوافق، وهؤلاء تقريبا كانوا جميعا في لحظة «عشرين فبراير»، ولم يؤد اجتماعهم إلى شيء حاسم؟ وجب أن تتوافق هذه الهيآت على الحد الأدنى لقواعد التنافس الديمقراطي، هؤلاء هم القوى الحقيقية في المجتمع، صحيح أن هناك قوى أخرى عندها ارتباطات بالمخزن ولكنها معزولة شعبيا ولا تملك قواعد صلبة وقوية، وهذا هو الإشكال المطروح بصفة عامة في العالم العربي، عن كيفية بناء المجتمع الديمقراطي بقواعد ديمقراطية، بشكل يسمح من جهة لكل طرف أن يحافظ على هويته، وأيضا الإعتراف المشترك بين الطرفين. أليس هذا الكلام متكررا في نظرك؟ ألم نكن قد سمعناه في 2011 ولم يؤد بنا لغير الدمار في أغلبية التجارب بالمنطقة، وأدت ل»داعش» وبقية التنظيمات الإرهابية، ألا يمكن أن نتأمل أفقا مختلفا؟ في وجهة نظري أنه سنة 2011 لم يحدث ذلك، لم يقع التقارب، بل فضل جزء من اليسار وجزء من الإسلاميين أن يتفاهموا مع المخزن ويتقاربوا معه، وأظن أن اختيار العدالة والتنمية ترجيح كفة المخزن كان لعب دورا محوريا في الصراع. كيف يمكن أن نثق في الإسلاميين وهم ساهموا في تخريب سورية والعراق؟ الحركة الإسلامية فيها العديد من التيارات، التي تشكل جزءا من المجتمع، أما ما تتحدث عنه في سورية والعراق فمرتبط بالحرب الأهلية... ما الذي يضمن أن لا تقع عندنا الحرب الأهلية بالمغرب؟ ذلك لا علاقة له بالحركة الإسلامية، هو مرتبط بالعنف، وعلاقة هذا العنف بأمريكا معروف، أما ما نتكلم عنه فحالة حد من الإستقرار السياسي، مثل النموذج التونسي، الذي لم ينجح فقط للمدى القصير، بل أيضا على المدى المتوسط والمدى الطويل، لأنهم بنوا الدستور سطرا سطرا وبندا ببند. وهذا ما يعنيه التوافق، رغم الخلافات بينهم، توافقت الأطراف حول الحد الأدنى للقواعد الديمقراطية والقواعد الدستورية، التي يحتكم لها للجميع. هل يمكن أن ينجح «العدالة والتنمية» في إسقاط الفساد والإستبداد؟ إذا استمر الحزب في نفس الإتجاهات التي يسير عليها اليوم فالجواب واضح، وسيكون هو لا، بشكل مفروغ منه، لكن إذا وقع تحالف واسع بين القوى الحية فيمكن ذلك. هل تظن أن العدالة والتنمية بوسعه التخلي عن المخزن؟إ اختيار الحزب الى الآن يقوم على الحفاظ على الثقة مع الملك، فيما يشبه سياسة «توجيه السلطان» نحو الخيارات الصحيحة، لا نعرف ماذا سيتستجد على الساحة السياسية فيما بعد. وهذا الإختيار سيحدد مستقبلا القدرة السياسية لحزب العدالة والتنمية ومستقبله كحزب أو كمشروع، السؤال المطروح الآن هو هل تستمر «العدالة والتنمية» في تجربة حكومية تؤخذ خلالها قرارات، على المستوى السياسي والإقتصادي، في القصر، وليس هو صاحب الحسم فيها، لكنه هو يؤدي فاتورتها السياسية والإنتخابية . لأنه هو الذي يبررها أمام الرأي العام، وهذا نفس السؤال الذي كان قد طرح على حزب «الإتحاد الإشتراكي» في وقت سابق.. هل يمكن للعدالة والتنمية أن يستمر حزبا قويا، وهو يتحمل المسؤولية السياسية لقرارات تؤخذ في دواليب السلطة. أتريد أن تفهمنا أن العدالة والتنمية سيتخلى عن القصر ويتحالف مع العدل والإحسان واليسار؟ هذا في الحقيقة ما أتمناه، رغم أنه ليس مستبعدا، حتى وإن كانت الظروف اليوم لا تسمح، لكن تلك الظروف يمكنها التغير في أي لحظة، فمن كان بإمكانه أن يتوقع أسبوعا قبل عشرين فبراير 2011 أو هروب بنعلي، أن ينشئ فضاء للتعبئة والاحتجاج والنقاش بتلك القوة والحماس والتأثير. أنت اشتغلت على أدبيات جماعة «العدل والاحسان» كثيرا، هل بالنسبة لك هذا التنظيم يمكن أن يقبل بالديمقراطية؟ نعم، أولا ما كتبه عبد السلام ياسين، في حالة اطلعنا على كتابه «العدل» نجد تطورا لفكره بحجم التجربة والواقع ، وحتى في الفقه الأمور المتأخرة هي التي تملك قوة أكبر، لا يمكن أن نعود ل»المنهاج النبوي»، بل نجد وصيته السياسية في كتابه «العدل» إلى جانب كتب أخرى. صحيح أنه يتحدث عن الديمقراطية برؤية مختلفة قليلة، وهنا تطرح القضية التي تطرح في العالم العربي اليوم، حول دورنا كحضارة وسط هذا العالم، ياسين يطرح هذه القضية التي كان يطرحها اليسار نفسه في مرحلة سابقة، في علاقة ب»الهوية» و»الحضارة».. موجودة الديمقراطية في كتابات ياسين، ويزيد عليها الجانب الروحي الذي بوسعه القيام بدور مهم في الفضاء العام والسياسي، وهذا في تقديري الشخصي وأظن أن العدل والاحسان والكثير من التنظيمات الإسلامية تسير في نفس الاتجاه، هو هذا الإشكال على المستوى الحضاري: «كيف يمكننا أن نحافظ على هذا الجانب الروحاني والجانب الأخلاقي؟»، الإشكال يبقى فقط في تصريف هذه المعطيات سياسيا، وهنا أختلف وأرى أنه من الخطأ أن نرى أن على الدولة القيام بهذا الدور، هذه الحركات «الدعوية» هي التي يمكن أن تقوم بذلك. لكن ما المشروع السياسي والاقتصادي لهذه الحركات الدعوية؟ هنا الإشكال تحديدا، ليس مفترضا أن نفكر دائما من خلال المنظار الغربي للسياسة والاقتصاد، هناك أشياء أخرى تنظم حياة المجتمعات وتنظم حياة التجمعات الإنسانية، غير الإقتصاد أو السياسة.. هناك أيضا الجانب «الأخلاقي» للكلمة، وهنا يوجد الإبداع. أين تجد «الإبداع» في «الأخلاق»؟ هنا يطرح سؤال كيف يمكن أن نتصرف سياسيا في الفضاء العام، أمور مرتبطة بالجانب الأخلاقي في الفضاء العام، في حالة تحكمت فيها الدولة في نظري، فذلك يعني الفشل بدون أدنى شك، ويكون لزاما علينا أن نفكر في سؤال علاقة «الدعوة» ب»السياسة» بلغة الحركة الإسلامية، ويجب أن نعمل جميعا لنفكر في هذه الأسئلة، لأنها لا تطرح فقط على الحركة الإسلامية بل على مجتمعاتنا بشكل عام. ما تقترحه هو أن يراهن الناس العاديون على أطراف لم تحسم بعد مشروعها ولم تفكر في أسئلته الكبيرة بشكل كافي، كيف يمكن في نظرك أن نراهن على أطراف لم تحسم بعد الأجوبة على أسئلتها المصيرية؟ لا يوجد أي خيار آخر اليوم، نحن نرى أن هذه القوى هي التي توجد في المجتمع، ويلزمنا أن تكون عندنا القدرة على الإنصات والقدرة على فهم ما يأتي به الآخر من أشياء إيجابية للمجتمع، وهذه القضية تطرح لأننا اليوم نعيش ضغط الزمن، فالناس تطالب بحل مشاكلها الأساسية في السياسات العمومية، ولكن المجتمعات الإسلامية حيث الديني يلعب دورا كبيرا، لا يمكن للمجتمع أن يعيش فقط بالسياسات العمومية، بل يبحث عن جوانب جديدة تمنحه معنى للحياة، أخلاقيا وروحيا.. بإختلاف عن الديمقراطية التي صنع في الغرب الذي لا يهتم لهذا الجانب، ما يجعل التحدي عندنا هو كيف نحافظ على الحريات وأن نحافظ معها على هذا المكون الأساسي للحضارة العربية والإسلامية. هذا ما تحاول الملكية ادعاء القيام به اليوم، لكن الكل يعرف أنه دور زائف، ولا يمكنها القيام بذلك، لأن السلطة ومصالحها أفسدتها، وهنا تأتي كتب عبد السلام ياسين، الذي كان عندما ينصح الحسن الثاني، شارحا له أنه عندما تدعي أنك أميرا للمؤمنين، وجب أن تكون في ذلك المستوى الأخلاقي، وأن لا تهمله... حتى وإن كنت أعتقد أنه لا يمكن للدولة أن تتحكم في الجانب الروحاني والأخلاقي. ما حجم تأثير وفاة عبد السلام ياسين في جماعة العدل والإحسان؟ وفاة ياسين في نظري كانت مرحلة وليس قطيعة، لأنه هيأ هذا الجانب مسبقا، ما جعل الإنتقال في الجماعة يتم بشكل سلس، وكان توزيع الأدوار بين السياسي والتربوي، وأظن أن أيام خروج البشيري كان الصراع أكبر منه ساعة وفاة ياسين، إذ كان هناك اتجاهان ساعة البشيري قبل أن تحسم الأمور لصالح ياسين باتجاه التصوف, ودور الشيخ لعب دورا توجيهيا لأعضاء الجماعة، واستمرت الأمور بشكل هادئ حتى بعد وفاة الشيخ المرشد. هل يعني كلامك أن الجماعة لن تتأثر مستقبلا وهل يمكن أن تتطور الجماعة خارج جلباب أبيها؟ الشيخ في سنواته الأخيرة تعب جسده، ويبدو أن ذلك جاء بعد أن هيأ كل شيء لحالة ما بعد، وهيأ الجماعة لحادث رحيله، أما عن مستقبل الجماعة بعيدا عن مؤلفات عبد السلام ياسين فأنا أظن باستحالة ذلك، لعلها تصير شيئا آخر في حالة حدث ذلك. هل كتب ياسين تبقى للإستئناس، أم أنها ستتحكم إلى الأبد بطريقة حرفية في الجماعة؟ للجواب عن هذا السؤال وجب أن نعود ونتأمل ماذا يميز كتب الشيخ ياسين، سنجد أن مميزها تحديدا هو اسم الجماعة «العدل» و»الإحسان»، العدل نجده في مواقف عبد السلام ياسين السياسية المعروفة للجميع، المرتبطة بمواجهة «الملكية»، لا يمكن أن يخرجوا عن خطه السياسي في الجماعة، سوى ساعة يقع تغيير ديمقراطي حقيقي في المغرب، حينها يتوقع أن يشاركوا لتغير معطيات الواقع... الإشكال بالنسبة لهم هو «الدور المفترض للجماعة ساعة النظام السلطوي»، ثم سؤال «كيف يمكن أن تغير هذا النظام السلطوي إلى نظام تنافسي يسمح لهم بلعب دور؟». الجانب الثاني هو «الإحسان» وهو الجانب الأهم عند الجماعة، هو الجانب التربوي والجانب الروحاني، دائما تبقى العلاقة الروحانية بين الأعضاء والمرشد عندها دور كبير، وفي نفس الوقت يبتعد المرشد عن «السياسة اليومية» حتى وإن كانت له خرجات توجيهية أحيانا، لكن الدور الأساسي له هو الدعوة والروحانيات. أفهم من كلامك أن المستقبل للحركات الإسلامية في المغرب؟ أعتقد أنه لا يمكن أن يكون أي انتقال ديمقراطي في المغرب بدون الحركات الإسلامية، ولكن في نفس الوقت يستحيل لهذه الحركات أن تغير موازين القوى وأن تحكم لوحدها، هذه ليست حالة المغرب فقط، بل العالم العربي عموما. ماذا أخذك لمصر وما البحوث المترقبة؟ أنا الآن في الأزهر تحديدا، لأنجز بحثا حول الفقه والشريعة، وكيف تم عيشها تاريخيا عند المسلمين. كما أقوم ببحث آخر بدأته منذ مدة عن الدولة واللاهوث السياسي وعلاقته بالإستعمار، أدافع فيه عن أطروحة أن الدولة الحديثة في أوروبا، ليست علمانية، بل من أسسها هو التحكم في الديني، وهذا يرجع لتاريخ الكنيسة في أوروبا وعلاقتها بالدولة، وحتى تنظيرات الفلاسفة السياسيين نجد أسس لاهوتية، توماس هوبس أهم منظري الدولة الحديثة يقول: «وكأن الحاكم بمثابة إلاه» عنده جميع السلطات وعنده علاقة مباشرة بالسماء. في العالم العربي وفي مجتمع الفقه قبل الإستعمار، كان تحديد الأحكام الشرعية غير خاضع لسلطة الحاكم السياسي، كان الفقهاء يحافظون على نوع من استقلاليتهم عن الحاكم وتحمي شيئا ما المجتمع من التسلط السياسي.. في حين أن القطيعة مع هذه الممارسة جاءت مع الإستعمار، ونحن اليوم نعيش دولة ما بعد الإستمرار.. الحداثة بالنسبة لي هي هذا الخلط ما بين الديني والسياسي، على الرغم من أنه يوجد حداثيون يقولون بتفريق الديني عن السياسي، وهذا بالنسبة لي لم يستوعب كيف بنيت الدولة الحديثة في أوروبا, سواء من قبل أو حاليا، ومن جهة أخرى هناك من يقول بوجوب «الدولة الإسلامية» هذا آيضا في نظري لم يستوعب تاريخ الفقه وتاريخ المجتمع المبني على الفقه والزوايا والعديد من المؤسسات الأخرى، التي كانت تحمي المجتمع من السلطوية... وبرغم اختلافهم المفترض، فأنا أظن أنهم يتقاسمان في الأخير نفس الطرح، سواء الإسلاميين أو العلمانيين، الذي يقوم على أن الدولة هي التي وجب أن تتحكم في تدين الناس أو عدم تدينهم.