رغم الأموال التي صبت من أجل إنقاذ فاس العتيقة، فإن هذه المدينة التاريخية مازالت في حاجة ماسة إلى المزيد من بذل المجهودات من طرف كل الفاعلين والمانحين الوطنيين والدوليين ،لأنها ليست فقط معلمة من المعالم التاريخية التي تصنفها اليونسكو كتراث إنساني، على اعتبار أنها متحف متكامل منذ أن يحط الزائر لها قدمه لولوجها عبر بواباتها السبع، فهي تمثل حضارات شعوب تعاقبت على الحياة فيها انطلاقا من الامازيغ ودولهم التي حكمت المغرب مرورا بالأدارسة والمرابطين والموحدين وصولا إلى الدولة العلوية الشريفة، فهي مزيج من الإبداعات الإنسانية التي مازالت شامخة ومتفاعلة مع التطور الإنساني، حيث مازالت مدينة حية تتحرك مع الزمن ومع التطور الحضاري، ذلك ما أكده عدد من الصحافيين الذين شاركوا في الندوة التي نظمها مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار مؤخرا ذ فؤاد السرغيني تخليدا للذكرى 25 لتأسيس الوكالة التي اكتسبت تجربة متميزة في مجال الإنقاذ مما جعلها تتبوأ مكانة مرموقة وطنيا وسمعة دولية في هذا المجال. واعتبر مدير الوكالة ان الذكرى 25 للتأسيس مناسبة لاستحضار أهم المحطات في ميدان الحفاظ على التراث المعماري للمدينة العتيقة انطلاقا من مرحلة التأسيس بداية التسعينات التي تمحورت حول المعالم التاريخية وعمليات ترحيل الصناعات الملوثة من قلب المدينة العتيقة إلى منطقة عين النقبي الخاصة بأنشطة الصناعات التقليدية، إضافة الى عمليات البناء المهدد بالانهيار. سنة 1998 تميزت بالتعاون مع المؤسسات العالمية الدولية حيث انصب التعاون على البرامج الكبرى انطلاقا من البرامج الممولة من طرف البنك الدولي بقيمة 121 مليون د، حيث انصبت الإصلاحات على تحسين الولوج للمدينة العتيقة وتنظيم السير عبر تهيئة المداخل والأزقة والتدخلات الاستعجالية وتنقية الخرب وتحسين المناظر الحضرية والتنمية السياحية عبر إعداد المسارات السياحية وبعض المعالم الأثرية، كما عرفت هذه المرحلة، يقول فؤاد السرغيني، مساهمة فعالة للوكالة في البرامج الحكومية المتعلقة بمخطط التنمية الجهوية للصناعة التقليدية ومخطط التنمية الجهوية للسياحة الذي بلغت كلفته 142 مليون د، اذ توجت هذه المرحلة انطلاقا من سنة 2009 ببرنامج الصناعة التقليدية فاسالمدينة بغلاف مالي ناهز 658 مليون د بمساهمة مؤسسة هيئة الألفية الأمريكية بحوالي 365 مليون درهم والحكومة المغربية ب293 مليون درهم. وانصب هذا البرنامج على إعادة الاعتبار إلى مجموعة من الفنادق وهيكلتها وتطويرها بالاضافة الى مشروع ساحة للايدونة. وعرفت مرحلة سنة 2013 الى 2017 مرحلة الشراكة الوطنية الموسعة بواسطة الاتفاقيتين الموقعتين أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس بكلفة تناهز 616 مليون درهم، وتهدف الاتفاقية الأولى إلى التدخل لإنقاذ المباني المهددة بالانهيار بكلفة 330 مليون درهم. أما الاتفاقية الثانية فتروم ترميم المعالم التاريخية بكلفة.5. 28 م د وتنصب على ترميم مدرسة الصهريج ومدرسة السباعيين حيث سيتلى فيها القرآن الكريم بالقراءات السبع، كما كان معمولا به قديما والمدرسة المصباحية والمحمدية ومدرسة الصفارين وحمام بنعباد وترميم قنطرة الخارشفيين وبرج النفارة وغيرها من المآثر حيث انطلقت عمليات الاصلاح في عدد منها كترميم أسوار باب المكينة وأسوار اجنان الورد الذي يرجع بناؤه الى العصر الموحدي. وخلص ذ فؤاد في عرضه مشيدا بالتعاون المثمر وتظافر الجهود بين الوكالة وشركائها المحليين والدوليين والسلطات الحكومية ووزارات الداخلية والمالية والصناعة التقليدية والثقافة والإسكان ووالي فاس ورؤساء الجماعات المحلية والمجالس الجهوية والإقليمية وغرفتي الصناعة التقليدية والتجارة والخدمات ورؤساء المصالح الخارجية وكل المساهمين في مشاريع الإنقاذ ليؤكد أن هذا الدعم المادي والمعنوي يحفز الوكالة وأطرها على تسريع وتيرة عملها ويضعها أمام تحدي استشراف آفاق تنموية تروم تنويع برامجها وتطوير هياكلها الإدارية. وخلال المناقشة ثمن الحاضرون مجهودات الوكالة في مجال الإنقاذ، مشيرين إلى التفكير في وسيلة لتعويض الأخشاب التي تدعم البنايات الآيلة للانهيار رغم أنها تقوم بدور فعال في إنقاذ أرواح عدد من الأسر القاطنة بها.