سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فؤاد السرغيني مدير وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس .. عملية الإنقاذ لا تقف عند معالجة الجدران والشقوق والمعالم ولكن تستحضر بعد السياسة الاجتماعية والتنمية الثقافية
نشكرك السيد فؤاد السرغيني على حضورك معنا في هذا اللقاء. نعرف حجم العمل الذي اضطلعت به الوكالة خلال السنوات الأخيرة، خاصة اثر التعثرات المتعددة التي عرفتها والتي جعلتها خلال إحدى الفترات الصعبة مثار تشكيك حتى في وظيفتها ونالت نصيبها من المعاناة على المستوى الاعلامى. هذا اللقاء يندرج ضمن تعريف القراء والرأي العام بمهام الوكالة لاسيما بعد المشاكل التي عرفتها عدة جهات من المغرب والتي تتعلق بنسيج العمران التقليدي. الحوار سيكون مفتوحا حول كل الجوانب، بما فيها الجوانب الثقافية المرتبطة بالإنقاذ، و الإكراهات والصعوبات. { عبد الرحمن العمراني : اسمح لي أن أفتح قوسا بسيطا. هل انعكس هذا على مستوى تخصيص الموارد؟ سنتطرق لذلك لاحقا. فقطاع السياحة عندما فتح مخطط دراسة حول المخطط الجهوي للسياحة، وجد أن المحور الأساسي لمدينة فاس وجهة فاس- بولمان، هو المدينة القديمة التي تجلب السياح. وقطاع الصناعة التقليدية، حيث جعل من المدينة القديمة المحور الأساسي هناك أيضا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث بدأت تجارب داخل المدينة القديمة وكانت ناجحة إلا أنها لم يكن بإمكانها أن تستمر نظرا لطبيعة تمويل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. المهم أنه بدأ التزام القطاعات الحكومية. وبعد أن انخرطنا في عملية مولتها وزارة الإسكان لمؤسسة ليراك سنة 2001 دخلت الوزارة على خط الإنقاذ بالاتفاقيات. فرصد 5 ملايين درهم لفاس الجديد سنة 2002 ثم 100 مليون درهم باتفاقية مع فاسالمدينةوفاس الجديد سنة 2004 . وبهدف تحسين الأداء والانجاز. تم إبرام اتفاقية جديدة سنة 2007 تضمنت بنودا جديدة محافظة على نفس المبلغ. أما قطاع الصناعة التقليدية. فكان له مشروع يكلف مجملا مبلغ مليار ونصف للاستثمارات بما فيها تحديات الألفية وغيرها . وهو ما يضمن قسطا وافرا من الاستثمارات داخل المدينة القديمة الذي واجهته صعوبات ومشاكل على مستوى ترميم مرافق صناعية في ملكية الخواص في غياب اتفاقية مع هؤلاء الخواص. من 2005 إلى اليوم إذن، ظهر تكاثف الجهود بين القطاعات الحكومية وهو ما أعطى بعض النتائج، خاصة مع إبرام اتفاقية بين القطاعات والوزارة الأولى تتعلق بالشق السياحي . وتحدد فيها نصيب كل قطاع من التمويل ومن بينها الجماعات عبر مديرية الجماعات المحلية وعن طريق مجلس العمالة ? كالأسواق التي تمت تغطيتها مثل سوق العطارين ومدخل أبي الجنود إلى غير ذلك. كذلك وبحلول ذكرى مرور 1200 سنة على تأسيس مدينة فاس. قدمنا مشروعا له أبعاد رمزية ودلالات مهمة بالنسبة للمدينة وتاريخها. وهو مشروع واد الجواهر الذي تمت الموافقة عليه بمبلغ 30 مليون درهم وهو الآن في طور الإنجاز. إذن من 2005 إلى اليوم لاحظنا تنوعا في التمويلات وفي القطاعات المتدخلة. بدأنا سنة 2006 نشتغل على مشروع يهم الصناع التقليدين داخل المدينة القديمة. كل هذا يوضح هوية الوكالة والمسار الذي قطعته في انجاز مهامها . وكل هذا يوضح كيف أننا بجهد غير يسير وصلنا الآن الى منطوق جديد في تسمية الوكالة بما يناسب وضعها الجديد بحيث أصبحت تسميتها الجديدة هي « وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس « أما عن السؤال المتعلق بالدور الآيلة للسقوط والمهددة بالانهيار فهو يندرج ضمن المواضيع الشائكة والصعبة بحيث لا يمكن ادعاء امكانية ايجاد حلول نهائية عي غضون 5 أو 10 سنوات. { عبد الرحمن العمراني : هلا تفضلتم بتوضيح حجم المشكل ؟ هناك طروحات تظهر من حين لآخر يستشف منها نوع من الاتهام بالتقصير؟ هو موضوع شائك وسيكون جيدا أن نفهمه جميعا نظرا لأهميته وأهمية التواصل في شأنه، لتوضيح الأمور للمواطنين ، وهم معذورون فيما يعرضون من شكايات عبر وسائل الإعلام من تلفزة وإذاعة وصحف وينتظرون من الجميع إيجاد الحل. المشاكل معقدة وأستطيع القول أن ظاهرة البناء المهدد بالسقوط تشبه المريض الذي يلجأ إلى الطبيب وهو يعاني من عدة أمراض مجتمعة . فيضطر الطبيب للبحث عن المرض الأساس، وعلاجه أولا والذي هو المتسبب في بقية الأمراض: فتجليات تدهور المدن الآيلة للسقوط والمهددة ليس فيما نراه من شقوق، ولكنها ترجع إلى عشرات السنين الماضية. لا بد من فهمها حتى نعالج أسباب التدهور وإلا فهو مضيعة للوقت والجهد. إنني أشبه الحالة بذلك الشخص الذي يجلس في بيت أو ضيعة غمرتها المياه فجأة وبدلا من أن يوقف الفيضان بمعالجة مصدر تسرب المياه، فانه يقوم بملء الدلو تلو الآخر في محاولة يائسة للتخلص من الماء. أي أننا في المدينة القديمة سنظل نرمم والمدينة تزودنا بالمنازل المهددة بالسقوط. إن العدد الإجمالي المتواجد حاليا وبالإحصاء يقارب 4000 بناية في وضعية مهددة ومن ضمنها 1850 خطورتها من الدرجة الأولى. فالظاهرة - وأنتم تعرفون التحولات الاجتماعية التي وقعت بعامل الهجرة - بدأت تفكيك الحيازة و بشكل أساسي تفكيك الملكية العقارية فهذا صار يملك نصف غرفة والأخرى تملك مطبخا والآخر يملك بهوا الخ ولا زال ذلك مستمرا، وبالطبع، فمع ظروف الفقر فإن الإشكالية تتعمق، تنعدم الصيانة وتدخل الأبنية في مسلسل التدهور . فإذا أضفنا بذالك الصناعات التي دخلت إلى عمق النسيج المعماري للمدينة وخاصة الصناعات الملوثة، تدرك خطورة المشكل. ان الأبنية لم تعد خاضعة لنفس نظام الحياة ونفس الصيانة والعناية، بالطبع ظاهرة الخرب داخل المدينة القديمة كانت معروفة قبل تفاقم المشكل خلال الثمانينات. وإذا كانت البنايات غير التقليدية لها مدة حياة محدودة تقارب 100 سنة أو تزيد قليلا مع أنها ذات بناء من الحديد والصلب والخرسانة - بحيث نشاهد في بعض الدول عملية هدم عمارات قبل أن تسقط لذاتها فتسقط معها أرواحا. ولكن الجيد في البناء التقليدي القديم والذي عمر كل السنين الماضية من زمن المدينة القديمة، أنه بناء تم بمواد بيئية وهو ما جعل بناء المدن العتيقة في العالم يندرج ضمن نموذج البناء المستجيب لمعايير التنمية المستدامة . زد على ذلك أن البناء التقليدي قابل لإصلاح - حسب تعريف المؤسسات المكلفة بالتراث الإنساني - يعطيه نفس مدى الحياة الذي عاشه من قبل. والتجارب التي قمنا بها في العشرين سنة الأخيرة، أكد أن ما قمنا بترميمه بقي صامدا. ولكن تبقى القضية معقدة لأن إشكالية العقار والمستوى الاجتماعي تضلان بمثابة اكراهان كبيران. وبكل موضوعية أقول أن الحل يحتاج إلى تدرج فالوكالة قائمة والجماعات معبأة والتمويل ، بعد التريث ، نصرفه في صلب الموضوع . وقد بدأنا ذلك باتفاقية مع جماعة فاسالمدينة سمحت لنا بالتدخل للترميم والهدم وإعادة هيكلة البناء. من 93 إلى 99 كنا نشتغل عن طريق الوكالة « لاريجي « ونقوم بالأشغال المباشرة بواسطة «المعلمين» التقليديين وسجلنا 130 تدخلا بإمكانيات بسيطة، الكثير من وصف تجربتنا بالتجربة / المغامرة، وفي تقييم البعض الآخر اعتبرها إيجابية. أما بين 2000 و 2007 فقد قمنا بما يناهز 523 عملية داخل بعض البنايات. وفي إطار تمويل البنك الدولي تم تخصيص جزء من الميزانية لمساعدة أصحاب منازل غير مهددة بالسقوط حالا ولكنها يمكن أن تصير كذلك إذا تركت على وضعها. وقد اقتنع كثير من الناس بأنه من الأفضل والأجدى أن يساهم فيصرف على منزله من أجل الترميم بدل أن يضطر لصرف مبالغ ضخمة إذا صار مهددا أو مهدما. لقد أصلحنا أسطحا وأصلحنا قنوات وأضفنا مراحيض - أي مسائل اجتماعية وقائية - وهذا الأسلوب الوقائي حاليا وحده الذي يوقف نزيف الدور الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة. ولم تكلفنا هذه الإصلاحات أزيد من 50 ألف درهم لدرجة أن المنظمات الدولية اعتبرتنا نموذجا في ترشيد النفقات وضغط تكاليف الانجاز . طبعا نهتم بالأساسي وليس بما له صلة بالكماليات كالزخرفة والرخام والفسيفساء الخ. { بنيس : عملية التدعيم بالأخشاب - إذا سمحتم - أراها شخصيا قد أصبحت جزءا من تراث فاس وكأنها تحولت من وسيلة الحماية المؤقتة لمباشرة الترميم أو الإنقاذ إلى غاية في حد ذاتها، وأخشى أن يحين وقت تحتاج فيه بدورها إلى التدعيم لأنها أصبحت تتآكل وتتعرض للنهب. ما تقييمكم للموضوع؟ عندما وقعت كارثة مسجد عين الخيل سنة 2004 الكل أجمع على أنه لا يمكن الاستمرار في أساليب التدخل السابقة: الاتفاقية، البلدية، الوكالة، الوزارة ...الخ، فكان القرار أن لا بد من عمل شيء لحماية الأرواح أولا. فاقترحت خطة استباقية جريئة لحماية السكان، وهكذا وبتشاور مع الخبراء قمنا، - ونقوم - بعملية التدعيم لأن آليات الإصلاح الجذري غير متوفرة والوكالة محدودة الإمكانيات وعدد الدور كثير( 4000 دارا). وفي ظرف 6 أشهر تم تدعيم 1222، يعني بمعدل 200 بناية في الشهر لتسريع العملية بعد أن اشتغلنا كمقاولة - تقريبا بنفس طريقة التسعينات - لأنه لا يمكن انتظار الصفقات والمفاوضات، ولكننا قمنا بصفقات شراء الخشب ولا نستورد فقط إلا عند بدء عملية ما. وجلبنا من المقاولات اليد العاملة . والحمد لله أنه منذ 2004 لم تزهق أية روح بشرية جراء سقوط دار. اللهم ما كان من حالة محدودة تسبب فيها جشع أحد الأشخاص. ولا نقف عند هذا الحد، فمخططنا هو أنه بعد إتمام عملية التدعيم سنعود لإصلاح الدور حسب درجات الخطورة، لابد من الإشارة إلى ظهور تعثر في إمكانية تطبيق الاتفاقيات التي لم تكن مرنة إلى حدود سنة 2007 مما استدعى صياغة اتفاقية جديدة كان لها ملحق سنة 2009 . إن عملية التدعيم ساهمت في إنقاذ الأرواح من كارثة وتلافي الكوارث، لكن للأسف، فإن عدد من الملاحظين لا يرون إلا الوجه الآخر للعملة. بحيث أصبح التدعيم بالأخشاب مثار مشكلة إعلامية لأن التدعيم كشف أن هناك خطورة تطلبت هذا الإجراء وكانت مشاهد تضر بالسياحة. ولكن كل الأطراف (الإدارة الترابية والجماعة وبعض جمعيات المجتمع المدني)، تحملت معنا تبعات هذا النهج ودافعت معنا عليه، أما بالنسبة لما يقال بخصوص كلفة التدعيم وشراء الأخشاب والانتقادات المطروحة بهذا الخصوص، فإنني أود أن أوضح لكم أن كلفة عملية الدعم من داخل الدار وخارجها وتكاليف إزالة المخاطر لا تزيد عن 22 ألف درهم تؤمن سلامة السكان وسلامة الزوار . الآن تجاوزنا عملية التدعيم ودخلنا في مرحلة إصلاح ما قمنا بتدعيمه. في هذه المرحلة الحالية حصلنا على مساعدات هامة. إذ أن لجنة التنسيق تشتغل بالصفة القانونية وتتوخى إعطاء الإصلاح طابع الديمومة كما تحرص على الترشيد بحيث يقع تلافي صرف أموال الدولة بشكل مجاني أو اعتباطي. صرنا اليوم نعرض على المتضررين مبلغ% 50 من الكلفة ونصل إلى أفق 60 ألف درهم وإذا ارتأت اللجنة ضرورة الرفع من هذه المساهمة في بعض المنازل نزيدها بنسبة% 30 ونقوم بتعبئة اجتماعية وإشراك المجتمع المدني والمنتخبين . أما من لا يتلكأ أو يتماطل في الوفاء بالتزاماته، فإننا نلجأ إلى اعتماد المسطرة القانونية من خلال استعمال بند المقصرين لتطبيق القانون. { عصمت عبد المجيد: الملاحظ في هذا الإطار القانوني الخاص بالمباني المهددة بالانهيار أنه إطار غير موجود، لكن فيما يخص الميثاق الجماعي نجد الفصول 50و38 وأنتم كوكالة ما هي حدود العلاقة التي تربطكم بالمؤسسات المنتخبة ؟ وما هي حدود مساهمات المجتمع المدني ؟ في إطار التعاقد، الاتفاقيات هي بالأساس بين الجماعة ووزارة الإسكان، ثم هناك عمل لجنة الإنقاذ واليقظة التي يرأسها السيد الوالي ثم الوكالة كمنفذة، وحينما نقول بالرجوع إلى الميثاق الجماعي، فلأنه الطريقة الوحيدة التي تخول لنا أن يكون تدخلنا قانونيا باعتماد صيغة من صيغ التفويض، وهناك قانون المسطرة المدنية رقم 8.05 والفصلان 148 و 149 منه ومرسوم 1980 المتعلق باستثبات الأمن والسلامة والصحة. إذن يتم تدخلنا بحكم هذه القوانين بصفة مؤقتة وتسهر على التنفيذ لجنة اليقظة وتدبير المخاطر والتي امتدت إلى كل ملحقة إدارية وفق ما هو موجود من إحصائيات وعلى ضوء المعلومات والمستجدات. و حينما نفاجأ بنشرة إعلامية تقول بخطورة أمطار منتظرة، فإننا نتحرك ميدانيا ونشعر السكان للتداول بسرعة في شأن مايمكن عمله. يمكن وقتها أن نضيف أبنية أو دورا إلى الإحصاء أو التصنيف الموجود وهو ما يحسن عملية التوقع وتدبير المخاطر. وهنا نسجل مدى الإقبال الذي حصل مع تطبيق المساهمة بمبلغ% 50 وتوجد بخصوص هذا الإقبال إحصائيات مضبوطة، إلا أن هناك صعوبة دائما تواجهنا وهي أن% 70 من السكان هم مكترون. أي ليسوا أصحاب الملك العقاري، وهدفنا الرئيسي من كل هذا هو إيجاد حل مريح للشخص الذي يقطن تلك البناية، لأنه هو الشخص المهدد على وجه الخصوص في كل آن. { بوهلال: إشكالية العقار من المشاكل الكبيرة والمستعصية للنسيج المعماري بالمدينة العتيقة، أي أن معظمه عبارة عن أحباس وموقف على السلالة. أي يصعب إيجاد المسؤول الحقيقي على تلك البناية المهددة بالانهيار. هل هناك إطار قانوني يسمح لكم بالتدخل في حالة عدم معرفة المالك؟ وما هي المشاكل التي تواجهونها في هذا المضمار؟ سيخول لنا برنامج 2010-2011 التدخل فيما يناهز 500 عملية. ومع كل هذه المجهودات، فإننا نعالج المشكل في نتائجه، وتبقى تدخلاتنا جد محدودة في غياب منظور شامل و متكامل و إستراتيجية واضحة لرد الاعتبار للمدينة العتيقة، زد على ذلك الإطار القانوني الملائم للتدخل في المدن القديمة . قبل شهرين أو ثلاثة أشهر، ناقشنا مع وزير الإسكان والتعمير، طبيعة الصعوبات و المشاكل التي تعترضنا أثناء العمل. إذ تناولنا الشق القانوني ومدى أهميته، لتيسير وتسهيل عملية التدخل بالنسبة لنا ( مدير الوكالة،المهندسون، والتقنيون)، أي كل المتدخلين في معالجة ظاهرة الدور الآيلة للسقوط بالمدينة العتيقة. لقد انعقدت ندوة جمعت المهندسين ولجنة الخبراء و التقنيين، لدراسة كل الجوانب المتعلقة بمعالجة الظاهرة، وتقنين العمل، إذ أعرب الجميع عن مدى التطلع إلى وضع إطار قانوني يصون ويسرع عملنا للتدخل لانقاذ أرواح الناس. والمطلوب أولا: هو أن يخرج القانون الذي ننكب في الاشتغال عليه مع وزارة الإسكان والتعمير إلى حيز الوجود. ثانيا: أن يصاحب هذا القانون ميثاق يتعلق بالمدن التاريخية ورد الاعتبار لها ويعالج جملة من القضايا القانونية والمالية والاجتماعية والتقنية...، وإلا سنبقى نتخبط في حلقة مفرغة. { عصمت عبد المجيد: هل نعتبرون الآن أن لجنة التنسيق و اللجنة التقنية التي يترأسها الوالي، كفيلة بحل الفراغ القانوني؟ لا، هذه اللجان غير قادرة على تعويض الفراغ القانوني، لأنها لا تعمل إلا على تفعيل القوانين الموجودة وبصعوبة. { عبد الرحمن العمراني: في إطار فلسفة التدخل التي تنهجها الوكالة، نود أن توضح لنا قضية الأولويات، هل تعطون الأولوية للجانب الاجتماعي، أم للجانب التراثي التاريخي؟ واعتبارا لكون النسيج المعماري في المدينة العتيقة له طابع تاريخي ثقافي، نود أن نسألكم كم تشكل نسبة الاهتمام به في عمليات الإنقاذ؟ أكيد أن عملنا يعطي أولوية كبيرة للروح البشرية، وأن اللجان التي تشتغل في الميدان همها الأساسي هو إنقاذ أرواح الناس. وهذا لا يمنعنا من القول أن البناء المهدد بالانهيار لا يتساقط. لكن ومنذ 2004 لم نسجل أية حالة وفاة جراء الانهيار. كما أن الوضعية الحالية لهذه الدور قد تطرقنا لها في ملف متكامل وقد تم إرساله إلى الجهات المعنية، يعني أن المسائل لدينا مضبوطة ومعروفة، فهناك دور قابلة للإصلاح، إذ يتم إصلاحها وأخرى غير قابلة للإصلاح. فمثلا جهة «باب الخوخة» أو ما اصطلح عليها بالترييف الحضري، فإن تلك الدور عبارة عن فنادق يصعب استصلاحها، إذ يستحب هدمها وإعادة بنائها على شكل مشاريع أو مرافق عمومية. { بوهلال: أود التطرق إلى الأمر المتعلق بمؤسسة الألفية الثالثة الأمريكية MCC، هذا المشروع كما في علمكم تم عقده بشراكة مع الحكومة المغربية والذي يقوم على عدة مشاريع. علما أن الدراسات المنجزة في هذه المشاريع قد انتهت، ونريد بطبيعة الحال معرفة هل هذه المشاريع ابتدأت؟ وأين توجد؟ وما هي القيمة المالية المعتمدة لمشروع الصناعة التقليدية؟ بالنسبة لمشروع MCC هذا المشروع يدخل في إطار برنامج واسع جدا الذي تمنح له 900 مليون دولار من الحكومة الأمريكية، تأتي مباشرة عن طريق الكونغرس، هذا الموضوع حساس نوعا ما لأنه يواجه متابعة دقيقة وانتقادات كبيرة، لأن هذه المساهمة تأتي من دافعي الضرائب الأمريكية. فهذا البرنامج الذي تابعناه منذ سنة2006 كان يهم قطاع الفلاحة، وقطاع الصيد البحري، زيادة على ذلك، بعد اقتراح الحكومة المغربية، تم إدخال في هذا المشروع قطاع الصناعة التقليدية لكونه قطاع هش وذو إمكانية هائلة. بالنسبة لهذه القطاعات كلها تجلب اليد العاملة وأنها مدرة للدخل، الهدف منها محاربة الفقر عن طريق تنمية القطاعات الواعدة (الفلاحة، الصيد البحري، الصناعة التقليدية)، إذ لا يمكننا جلب هذه المشاريع لاستصلاح الدور الآيلة للسقوط إلا عن طريق الصناعة التقليدية، أي عندما أتى الصناع التقليديون إلى مدينة فاس كان لابد من توفير محلات للصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة. هذا المشروع قد وقع أمام أنظار جلالة الملك في غشت 2007 . ونحن الآن في 2010، أي أننا انتهينا من أشغال الدراسة ونحن الآن على مشارف بداية الأشغال. الذي يهم مدينة فاس هو مجموعة من المشاريع التي سيتم إنجازها ويتعلق الأمر ب: - أربعة فنادق أساسية في محيط القرويين ( الشماعين، السبطريين، البركة، و القطانين)، هذه الفنادق ستعرف ترميما من مستوى عال جدا، لأن الإمكانيات المخصصة لذلك تساعد وتحفز على توفير كل التجهيزات والمستلزمات، وستكون هذه الفنادق مخصصة للصناعة التقليدية وبعض الأنشطة السياحية. - ساحة كبيرة أمام قنطرة «بين المدون» حيث شرعت البلدية في إجراءات شراء عقارها، إذ سيتم ترميم هذا الفضاء بكامله وسيتم تهيئته كفضاء موسع للصناعة التقليدية، ويمتاز هذا الفضاء بكونه داخل النسيج المعماري ومنسجم مع طبيعته. هناك مشروع آخر يتعلق الأمر بترحيل الصناعات الملوثة إلى منطقة «عين النقبي» في إطار مشروع فندق كبير يتواجدون به. ستبدأ الأشغال بهاته المشاريع من2010 إلى 2013 . أما الغلاف المالي المخصص لها فيناهز30 مليون دولار. { عبد الرحمن العمراني: هل هناك تتبع ومرافقة المجتمع المدني لكل هذه المشاريع؟ هل تكاثر ظاهرة دور الضيافة لها قيمة مضافة حقيقية لمشروع الإنقاذ؟ بالنسبة للمجتمع المدني نلاحظ بعض التطور، فمنذ أن بدأنا في عملنا وعاينا اهتماما كبيرا من لدن المجتمع المدني ولا سيما ما يسمى بجمعيات الأحياء، التي يؤطرها اتحاد جمعيات الأحياء الذين كانوا نشيطين معنا، حيث يصاحبوننا طيلة أطوار عمليات الترميم، إذ يساعدوننا ببعض المقترحات ويجلبون لنا الناس ويسطرون جداول الأعمال. أي أن المجتمع المدني لعب دور مهما في هذا المجال. فمنذ أن اكتسبوا خبرة في هذا الميدان بدؤوا يشتغلون بمفردهم حيث شرعوا في الاستفادة من مساعدات الاتحاد الأوروبي، ويشيدون بها مشاريع، وهذا بطبيعة الحال شيء جميل، إذ يخلق مؤسسات ذات دينامية كبيرة وموجهة تشجع كثيرا على الاشتغال. هناك بعض الانتقادات توجه لأصحاب دور الضيافة، إذ هناك من يقول انه يقع تحول لمعالم هذه الدور. نحن بالنسبة لنا كعضو في لجنة إعطاء الانطلاقة، نعمل بحرص على عدم التهديم والحفاظ على المعالم التاريخية للبناية. والمطلوب هو متابعة أشغال الترميم والتهيئة وكذلك تقييم الظاهرة بايجابياتها وسلبياتها. { عصمت عبد المجيد: قمنا مؤخرا بجولة تفقدية لإحياء المدينة العتيقة حيث وقفنا على مشاهد خطيرة جدا، مما يؤشر على أن وضع النسيج الاجتماعي والاقتصادي يعرف نوعا من الهشاشة، حيث هناك دور على حافة الانهيار، وأخرى يتطلب إعادة تدعيمها، إلا أن الناس يحتجون ويستنكرون ولا من مجيب. في ظل التسمية الجديدة لوكالتكم، كيف يمكنكم رد الاعتبار إلى هذا الشريط السكني للمدينة العتيقة الذي أصبح مهددا في أي وقت بالانهيار، خصوصا وأنها تمثل المحور المركزي لفن جمالية المعمار؟ وما هي حدود تدخلاتكم لرد الاعتبار لهذه المدينة، اذ باتت هذه المشاهد تصدمنا وأن البعد السياحي أصبح كذلك مهددا مستقبلا بالاندثار؟ كما تعلمون أن الوكالة تعمل في إطار مؤسساتي مع شركائها، إذ لا يمكن القيام بكل شيء لوحدها. كما أوضحت لكم سابقا، فعندما نتكلم عن ترحيل الصناعات الملوثة إلى منطقة «عين النقبي» فإن لهذه العملية نظرة شمولية وتنموية للمدينة ككل، أي عندما نشيد مداخل للمدينة القديمة فإننا نقرب النقل العمومي من السكان، وكذلك مرور وسائل حمل سلع الصناع التقليديين بطريقة سلسة وسريعة. كل هاته المشاريع تدخل في إطار نظرة تنموية للمدينة القديمة - وهذا بطبيعة الحال ليس كافيا- وهذا راجع إلى كون عملنا يقتصر على إستراتيجية ذات الإمكانيات المحلية، غير أن هذه الإستراتيجية ليست مكتملة المعالم، إذ لابد أن تأخذ طابعا وطنيا، لكي تكون لها آليات عمل جد متوفرة. إذ يجب أن تكون هنالك إستراتيجية وطنية للمدن التاريخية. كما يحدث الآن، عندما يظهر إشكال وطني عنده رهان معين يخلق له ميثاق، مثل هذا الميثاق سيعطي للمدن التاريخية أولوية كبيرة وسيمكن من إمدادها بطريقة سهلة بالتمويل، وسيمنع بيع تجزئة قلب البيت الواحد أو تجزئته إلى عدة بيوت،كما سيمنح الدعم للناس الذين يريدون اقتناء بيت متكامل، كما سيعمل على تشجيع المستثمرين لانجاز مشاريع جد مهمة بالمدينة العتيقة، وذلك بتقديم تمويل تفضيلي لهم مع الأخذ بعين الاعتبار مدى الحفاظ على الطابع الاجتماعي والاقتصادي والمعماري للمدينة العتيقة، أي آن الأوان لوضع ميثاق قانوني لكي نعمل في ظل حماية قانونية. { حسن عاطش: يشتكي بعض المواطنين من النهب والسرقة التي تطال قطع الخشب المخصصة للتدعيم، كيف يمكنكم محاربة هذه الظاهرة؟ فيما يتعلق بسرقة و نهب القطع الخشبية المخصصة للتدعيم، فهي ظاهرة قائمة بذاتها وهذا راجع إلى التقصير في تحسيس وتوعية المعنيين بالأمر. { عبد الرحمن العمراني: التغيير الذي وقع في التسمية، أنا شخصيا أحبذه، لأنه سيعطي هوية جديدة أو على الأصح مسؤولية كبيرة لوكالتكم. ألا تعتقدون أن نقاط الضعف للمدينة العتيقة ستتحول إلى نقاط قوة بالنسبة لكم إذا استطعتم أن تشتغلوا بوتيرة مماثلة و أسرع ؟ إذا استحضرنا مثلا نماذج دولية كالمدينة العتيقة لمدينة جنيف السويسرية التي هي عبارة عن متحف بكل المقاييس، ألم ننتقل إذن من مدينة «متحف» إلى مدينة حية بنسيجها المعماري و بأنشطتها المتوازية أي إلى مدينة حقيقية متكاملة المعالم؟ ألا تعتقدون أن هذه المكابدة لها جانب ايجابي، كما يقال رب ضارة نافعة ؟ كما تعرفون أن الدور الآيلة للسقوط تهدد الجميع، وهذا ما سينعكس سلبا في السنوات المقبلة على النسيج المعماري والمعالم التاريخية للمدينة القديمة، مما يجعلنا نعمل على خلق دينامية جديدة تواكب حجم الرهانات والتحديات التي من شأنها رفع مستوى التدخلات والإصلاحات لإعطاء المدينة القديمة حلة جديدة تساير التطور المعماري الذي تعرفه المدينة ككل. { بوهلال : هل وكالة التخطيط ساهمت في عملية الإنقاذ أو إبداء الرأي، فيما حصل بخصوص انهيار مسجد باب بردعاين بمكناس؟ الوكالة لم تستشر في مأساة مكناس، لكن طلب منا ملف أرسل الى الجهات المختصة. { عصمت عبد المجيد: إن هاجس جمالية وشاعرية المكان يتجلى في عدة أعمال سينمائية وقصائد شعرية، هل تعمل وكالتكم على مد جسر الهوة بين فن الإبداع وجمالية المكان أثناء الترميم؟ الشيء الأساسي الذي تمتاز به مدينة فاس هي تلك المناظر الخلابة، خلال عملية الترميم يأخذ في الحسبان كما قلت سابقا البعد التاريخي والنسيج المعماري، أي أن جمالية المكان هاجس لا محيد عنه في منظورنا لرد الاعتبار لمدينة فاس. ومن المحقق يمكن للمدينة القديمة أن تلعب دورا أساسيا في إذكاء خيال الفنانين والمبدعين بمختلف مساربهم ومجالات اهتمامهم. إنني أعتقد، أن ما نقوم به في كل الأحوال في مجال الإنقاذ، ما كان ليؤتي أكله لولا أن هذه المدينة العتيقة التاريخية تملك من داخلها قوة غريبة على التأقلم وعلى الاستمرار وإنتاج أشكال متجددة للتمدن ولمقاومة وقع الزمن، وتلك قوتها القارة وتلك قوتها الخفية.