يصْدح اسم عبد الرفيع جواهري أغنية شجيّة وبهيّة في ديوان الشعر المغربي الحديث، نغما عذبا ودافئا في معزوفته. وهو إلى ذلك، من المؤسّسين الأوائل للقصيدة المغربية الحديثة التي شهدت ولادتها وانطلاقتها في طلائع الستينيات من القرن الفارط .. وقد كان صوت عبد الرفيع الشعري حاضرا في هذه الفترة بنبرته الغنائية المتميّزة التي اجْتذبت أذْن وذائقة المتلقّي. منذ البدْء، آثر عبد الرفيع أن يَمْحَض ودّه وولاءه للقصيدة. أي لشعرية الشعر في الأساس. آثر أن يكون ذاته ، وينْضَح بما فيه. وأن لا تأخذَه العزّة بالحداثة. آثر أن يكون شاعرا غنائيا – وجدانيا، يعزف لغته الشعرية الخاصة، برهافة وشفافية وأناقة. والشعر إن لم يكن ذكرى وعاطفة / وحكمة فهو تقطيع وأوزان. يقول شوقي . لكن في عُمق غنائية عبد الرفيع، ينبض الْتزام شعري مكين أنأى ما يكون عن الجلبة والهُتافية. لقد انخرط الشاعر منذ البدء أيضا، في هموم وطنه وهموم الأمّة العربية، وخالطت منه الوجدان واللسان، وغنّاها وعزفها بلحنه الخاص ونبرته الخاصة. السّمة الأساسية اذن، في تجربة عبد الرفيع الشعرية، هي لغته الغنائية الرفيعة، التي ينحتها بأنَاة ورهافة، كما ينْحت فُصوصا وجواهر . ولا بدع فهو الجواهري، نصّا وفصّا. ولأجل هذا، داعبت نصوصُ عبد الرفيع الأسماع والأفْئدة، وأصبح كثير منها أغنيات سارية وراقية، لا تبْلى جدّتها مع الأيام. وحسبنا هنا الإشارة إلى روائعه / القمر الأحمر – راحلة – قصيدة أشواق – ميعاد – رُموش – يا جار وادينا – أطفال الحجارة… لقد وقَع كبار الملحّنين على نصوص عبد الرفيع ، كما يقعون على نفائس وأعْلاق، وقّعوها لُحونا رائعة بسلاسة وانسياب . كلّ ذلك ، لأن عبد الرفيع في الأصل ، يعزف نصوصه ويُموْسُق كلماته . نجْتلي هذه النصوص من خلال إصدارات الشاعر / – وشْم في الكفّ . – شئء كالظّلّ . – كأنّي أُفيق . – الرابسوديا الزرقاء . أعمال قليلة ، لكنها في ميزان الشعر ثقيلة، وجميلة. والشعر لمْح تكفي إشارته / وليس بالهَذر طُوّلت خُطبه. يقول البُحتري . في هذه الأعمال الشعرية، نحن أمام نبع زُلال من الشعر، لفظا وعبارة وقافية ووزنا ودلالة و رسالة .. والجواهري من بعدُ، جامعٌ بين الحُسْنيين وسرّ الصّناعتين ، الشعر والنثر، فهو ناثر بليغ أيضا. أو لنقلْ إنه شاعر في نثره . هذا ما يتجلّى بخاصة في كتاباته ومقالاته السياسية والاجتماعية التي يغمس فيها السياسة بماءالإبداع، ويقدّم نمطا نقديا ساخرا وفريدا من الكتابة السياسية. في جميع الحالات، يبقى عبد الرفيع جواهري ، عازفا جيّدا على وتر الشعر ، وعلى وتر النثر، وعلى وتر الحياة. أرضية الندوة النقدية للدورة 32 للمهرجان الوطني للشعر المغربي الحديث بشفشاون