في كتابه الصادر في بحْر السنة الجارية، "الإخْوان المسلمون، تحقيق حوْل آخر إيديولوجيا شمولية"، للباحث والصّحافي الفرنسي ميخائيل برازان. الكتاب هو ثمرة تجوال طويل للمؤلّف في شتى أنحاء العالم العربي مشرقا ومغربا، حيث التقى قادة الإخوان المسلمين في كلّ مكان، وحاورهم بعد أن استقبلوه مطوّلا. وعن هذه الحوارات والاستقبالات، نتج هذا الكتاب الهام. منذ بضعة أشهر فقط، كانوا يقودون أكبر بلد عربي: مصر. ولكنهم الآن أصبحوا مطاردين في كل مكان، أو قابعين في السجون، أو نازلين تحت الأرْض بعد أنْ عادوا إلى حياة السرية التي جرّبوها طويلا في الماضي. فمن الإخوان المسلمون يا تُرى؟ إنهم جماعات منتشرة في شتى أنحاء العالم العربي، بلْ وحتى في الدياسبورا الأوروبية والأمريكية. إنهم مشكَّلون على هيئة روابط أو أحزاب سياسية أو «جمعيات خيرية»، بين قوسين. ولكنهم مشتبه فيهم دائما بأن لهم علاقة وثيقة بالحركات التكفيرية والجهادية. بالطبع، هم ينكرون ذلك ويقسمون بأغلظ الأيمان بأنهم معتدلون لا علاقة لهم بالتطرّف والمتطرفين. ولكن، من يصدقهم؟ على أي حال، فإن الباحثين مختلفون في شأنهم. فالبعض يقول بأنهم إسلاميون معتدلون، والبعض الآخر يقول بأنهم ثيوقراطيون مقنّعون. وعلى أي حال، فإنهم يحيّرون بقدر ما يقلِقون. حزب الحرّيّة والعدالة، الواجهة السياسيّة للإخوانِ المسلمين، والذي خرجَ منتصرا بصورة واسعة في أوّل انتخابات حرّة في البلاد، خلال شهريْ دجنبر 2011 ويناير 2012، حدّد لي موْعد مع خالد محمّد. رجُل أرْبعينيّ من الجيل الجديد الذي انخرط حديثا في الحركة، دكتور في الحقوق ومحامٍ، وهو برْلمانيّ باسْم الحزب كذلك. التحقَ بنا أنا وهشام عند الحواجز الحديديّة الكبيرة للبناية الرسمية، المحاطة بأعداد من رجال الجيش وبأسلاك شائكة. كان وقته جدّ محدود، لكونه مرتبطا بالالتحاق للعمل بإحدى الفرق البرلمانية. سلّم عليّ بطريقة مرتخية ونظرته الفاحصة والمتهيّبة لا تتوقف، ويبدو أنه لم يكن متحمّسا للقائي، كما لو أنه، وهذه هي الحقيقة المُحتملة، اضطُرّ اضطراراً لهذا اللقاء بناء على أمْر صادر من فوق. شرعنا في الدّوران حول البناية وأنا أطرح عليه أسئلتي: - بعد انقضاء 83 سنة كاملة من الصراع والتنكيل الذي تعرّضتم له، ما هو الإحساس الذي تشعرون به. - التحقتُ بصفوف تنظيم الإخوان المسلمين منذ نعومة أظافري، وأنا اليوم عضو المجلس الإداري لحزب العدالة والعدالة، ومحظوظ لكوني نجحت في أن أصبح برلمانيا. بعد هذه الرّحلة الطويلة المليئة بالصراعات المتواصلة، أعتبر هذا النجاح هو المكافأة المناسبة عن المجْهودات الكبيرة التي قمنا بها. - كيف تنظر إلى دوْرك ودور الإخوان المسلمين في لمستقبل مصر؟ - الإخوان المسلمون قوّة ذات حضور قويّ في الشارع المصريّ منذ ما يربو على الثمانين سنة. والدليل على ذلك هو أنّ الجماعة قويّة وواسعة جدّا. ولا شكّ أنه سيكون لها دور كبير في مستقبل مصر. - هل تتفهّمون تردّد الغرب وحذره تجاه الإخوان المسلمين الذين يعتبرونه تنظيما رجْعيّا؟ - هذه التخوّفات الصادرة عن الغرب تستند على تخوفات واهية كانَ وراءها النظام السابق الذي كان يرغب في جعل نظام الإخوان شمّاعة للغرب. والحال أنّ الواقع غير ذلك. أصرح لك بأنّ الإخوان المسلمين متفهّمون ومتفتّحون وواعون بتطوّر المجتمع وتطور العالم. وبالتالي فهم ينخرطون في مسيرة التقدّم. ليس ثمّة ما يقلق إذن. واصلت طرح بعض الأسئلة ذات الصبغة الشكلية الصرفة على هذا البرلماني الإسلامي. وبدون أيّة مفاجأة، فقد كانت أجوبته جوْفاء، ولا تعكس سوى اللغة الخشبية السائدة اليوم، بحكم أنّ اللحظة كانت تكتسي طابعا خاصّا. يبدو أن السياق التاريخي الذي عاودت فيه هذه الحركة الإسلامية جعلها أكثر انتباها للغتها وأكثر حذَرا. وبطبيعة الحال، فإنّ الثورات العربية نعمة عليها، تعبيرا عن إرادة إلهية من شأنها أن تضع الإخوان المسلمين على رأس جميع البلدان العربية التي انطلقت فيها الحركات الاحتجاجيّة، ومن ثمّ إقامتهم لدولةِ خلافةٍ إسلاميةٍ موحّدة مستعدّة للانطلاق إلى فتح العالم ككلّ. فقبل ثورة يناير، ما كان السلفيون يشاركون في الانتخابات إطلاقا، بلْ كانوا يحرمونها. وبعد انْدلاعها، تردّدوا كثيرا، أيْ طيلة بضْعة أشهر، قبل أن يحسموا أمرهم وينزلوا إلى أتّون السياسة والانتخابات. وعندئذ، أسّسوا حزب النور. والآن، أصبح هناك أربعة أو خمْسة أحزابٍ سلفية. وباخْتصار شديد، فإنّ الفرق الأساسي بيننا وبينهم كان حتى أمد قريب هو الاهتمام بالسياسة أمْ لا. أعتقد أنّ أصعب جزء واجهته يتمثل فى البحث عن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بالمنظّمات الإرهابية الأخرى الرّاعية والدّاعمة للعنف والإرْهاب مثل الجماعة الإسلامية التى قامتْ بعملية اغتيال الرئيس السادات والتى اتضح فيما بعد أنها صنيعة جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات الرّاعية للعنف والإرْهاب، والتى تتخفّى وراءها جماعة الإخوان المسلمين ويسْتخدمونها كستارٍ لهم، ثمّ يقومون بعد ذلك بتنفيذ أهدافهم ومآربهم الخاصة، حتى لا يدخلوا أنفسهم فى مواجهات مباشرة مع السلطة السياسية القائمة، وأدلّل وأبرْهن على ذلك بالحركة الطلابية سنة 1973 التى كان يطلق عليهم حينئذ الجماعة الإسلامية، وقد كان من أبرز أعضائها محمود غزلان وخيرتْ الشاطر القياديين البارزين فى جماعة الإخوان المسلمين الآن. والأمر الآخر الذى استوقفنى أيضاً هو إجابات أعضاء جماعة الإخوان المسلمون الغامضة، وإصرارهم الدائم على إنكار معرفتهم بانتماء وعضوية عمر عبد الرحمن لجماعة الإخوان المسلمين!